لوموند: قانون "جرائم المعلومات" الجديد يعزز الانجراف الاستبدادي بتونس
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على مرسوم رئاسي جديد في تونس يتعلق بـ"مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال" أصدره الرئيس قيس سعيد في 16 سبتمبر/أيلول 2022.
وعدت لوموند أن "هذا النص القانوني، المصمم لمحاربة انتشار المعلومات الكاذبة والإشاعات المضللة، سيعزز الانجراف الاستبدادي للسلطة التي تعيش أساسا انقلابا دستوريا يقوده سعيد، منذ 25 يوليو/تموز 2021".
وشددت على أن "المرسوم سيحد من حرية التعبير بشكل كبير".
خطورة كبيرة
ولم تخف المديرة الإقليمية لمنظمة العفو الدولية في تونس، آمنة القلالي، مخاوفها منذ نشر المرسوم، لأنه "يشكل خطورة كبيرة وتهديدا لحرية التعبير".
وقالت عن ذلك إنه "حتى في ظل ديكتاتورية الرئيس الهارب، زين العابدين بن علي، لم نواجه مثل هذا النص القاتل للحريات" .
ويعاقب هذا النص بالحبس خمس سنوات وغرامة قدرها 50 ألف دينار (15 ألفا و600 يورو) كل من "تعمد استخدام شبكات الاتصالات وأنظمة المعلومات لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال معلومات كاذبة أو إشاعات كاذبة"، وفق لوموند.
وأضافت أن العقوبة المنتظرة بعد سن هذا القانون قد تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات في حالة التشهير ضد مسؤول دولة.
وأشار المتخصص في الشأن الإعلامي والأكاديمي التونسي، العربي شويخة، إلى مجال تفاعل هذا النص القانوني الجديد الذي يقول إنه "لا يتعلق بالصحفيين فقط".
وحذر الباحث الذي شارك في العمل على صياغة قوانين تحمي حرية التعبير في أعقاب ثورة 2011 ضد ابن علي، من أن "كل المواطنين الذين ينشرون أو يشاركون أو ينقلون المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي قد أصبحوا عرضة للسجن إذا تم عد هذه المعلومات كاذبة".
وأشار شويخة، في سياق متصل، إلى أنه "في ذلك الوقت، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بابن علي عام 2011، بذلنا قصارى جهدنا للحصول على ضمانات لحرية التعبير".
تكميم الأفواه
وقالت الصحيفة الفرنسية إنه "في تونس الحالية تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورا رئيسا مع ما يقرب من 7.7 ملايين شخص مشترك خاصة في موقع فيسبوك، من أصل 12 مليون نسمة".
وأصر شويخة على أن "فيسبوك كان أداة مهمة لمشاركة المعلومات في الأشهر الأولى من ثورة 2011".
من جانبها، أصدرت "النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" بيانا عقب نشر سعيد المرسوم الجديد، طالبت فيه رئاسة الجمهورية بسحبه لأنه "يقوض حرية التعبير والصحافة".
وشدد رئيس النقابة، مهدي الجلاصي، على أن "النص يخالف المادة 55 من الدستور الذي تضمن حرية التعبير".
ولفت إلى أنه "قد تمت الموافقة على الدستور الجديد للبلاد، الذي خطه سعيد بنفسه، في استفتاء 25 يوليو مع نسبة 94.6 بالمئة لصالحه، ولكن بنسبة مشاركة ضعيفة بلغت 30.5 بالمئة".
وعد الجلاصي أن "هذا المرسوم جزء من سياق تحاول فيه السلطات تكميم أفواه الإعلام والتعتيم على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس".
وأشار إلى أن "عددا من الصحفيين اشتكوا خلال الأيام الأخيرة بالفعل من صعوبات في الوصول إلى مسؤولين رسميين في الدولة لاستجوابهم حول المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد التي تواجه بشكل خاص نقصا في الغذاء".
وأضاف أنه "من الواضح أن رئاسة الجمهورية تستعد للانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول 2022، وهناك رغبة في السيطرة على المعلومات".
ولفت الجلاصي إلى أنه "تم نشر تعميم حكومي قبل بضعة أشهر يلزم جميع ممثلي الدولة بالحصول على موافقة رئيس الحكومة قبل إجراء مقابلة مع أحد الصحفيين".
وتابع: "الأخطر من ذلك، أنه في أقل من شهر تعرض العديد من الصحفيين لسوء المعاملة".
سياق مقلق
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2022 قبض على محرر موقع "انحياز"، والناشط اليساري المؤيد للفلسطينيين، غسان بن خليفة، في منزله على أيدي عشرات من ضباط الشرطة واحتجز لمايزيد عن خمسة أيام.
واشتبهت السلطات في ابن خليفة، بأنه مدير صفحة على "فيسبوك" تنشر معلومات كاذبة.
ووجهت للصحفي تهمة تتعلق بـ"الجرائم الإلكترونية" من قبل القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
وفي 18 سبتمبر 2022 تعرض الصحفي في الإذاعة الحكومية "آر تي سي إي"، سفيان بن نجمة، للضرب في مركز للشرطة بعد قدومه لتقديم شكوى بشأن عملية سطو كان هو ضحيتها.
وبحسب شهادته، فقد بدأ في التصوير بهاتفه السلوك المهين للشرطة تجاه المشتكين قبل أن يأخذوه إلى غرفة من قبل الضباط الذين اعتدوا عليه.
وانتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر وجه الصحفي المتورم بسبب ما تعرض له من قوات الشرطة، مما أثار موجة من الغضب.
وبحسب الجلاصي، فإن رد فعل السلطات كان فوريا على خلفية تلك الحادثة.
وبدأت وزارة الداخلية إجراءات تحقيق داخلي بين الصحفي ومهاجميه من قوات الشرطة، الذين تم إيقافهم عن العمل كجزء من التحقيق القضائي الجاري.
"هذه هي النقطة الإيجابية الوحيدة في سياق مقلق للغاية"، كما قال المسؤول النقابي، الجلاصي.
وأشارت لوموند إلى أن "العديد من المراقبين للشأن التونسي يشعرون بالقلق من عدم وجود رد فعل بين الشعب بعد نشر نص قانوني يمكن استخدامه لإسكات الأصوات المعارضة".
فيما قالت المديرة الإقليمية لمنظمة العفو الدولية في تونس، القلالي: "لسوء الحظ، أصبح نشر القرارات الجادة في الجريدة الرسمية من جانب واحد تقريبا أمرا شائعا، مع غياب تام للنقاش العام".