صناع ملوك.. صحيفة فرنسية ترصد أسباب اكتساح الشعبويين انتخابات أوروبا
تحدثت صحيفة لوبوان الفرنسية عن الدور الرئيس الذي يلعبه السياسيون الشعبويون في أوروبا خلال المحطات الانتخابية في السنوات الأخيرة.
أوضحت الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة من الشمال إلى الجنوب في أوروبا، ينجح القوميون في استغلال تهاون الأحزاب القائمة في مواجهة الهجرة غير الشرعية والحركات الإسلامية. وبينت في ذات السياق أن مسيرة القوميين تستمر إلى الأمام في دول الاتحاد.
يشار في هذا الصدد إلى أن حزب السويديين الديمقراطيين (SD) قد حل، في 11 سبتمبر/أيلول في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية في السويد.
صانعو ملوك
تقول الصحيفة الفرنسية إن النازيين الجدد السابقين قد أصبحوا اليوم صانعي ملوك في القارة الأوروبية.
إذ إن سرديتهم وخطاباتهم السياسية المعادية للمهاجرين والهوية والأمن، على حد قول نفس المصدر، هي الترنيمة الجديدة التي تقف وراء كل الائتلافات اليمينية التي يجري تشكيلها في القارة العجوز.
إلى ذلك، تقول لوبوان إنه في 25 سبتمبر سيحين دور إيطاليا للتصويت خلال الانتخابات التشريعية.
تضع استطلاعات الرأي الحالية حزب "أخوة إيطاليا"، الذي تنتمي إليه الصحفية والسياسية الإيطالية جورجيا ميلوني، في المقدمة.
وميلوني، زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" اليميني المتطرف والمرشحة الأبرز لاعتلاء كرسي رئاسة الوزراء، تتبنى مفاهيم وبرامج تدعو في أجزاء منها إلى فرض حصار بحري لمنع المهاجرين من الوصول إلى روما.
تقول لوبوان الفرنسية إن الإيطاليين اليوم يعتمدون على نفس الشعارات؛ مثل نظرائهم السويديين وقد تحالفوا مع اليمين الكلاسيكي مثلهم.
وعلى حد قولها، في ستوكهولم كما في روما، فإن اتحاد القوى اليمينية هو نموذج رابح.
ومما يذكر هنا أنه في عام 2000 شن الاتحاد الأوروبي حملة سياسية ضد النمسا، بعد ظهور أول "اتحاد يميني" في القرن الحادي والعشرين بتحالف بين المحافظين وحزب "نمسا الحرة" الشعبوي بزعامة يورغ هايدر.
وبتحريض من فرنسا، التي كانت حينذاك تنعم في فترة من التعايش بين الرئيس جاك شيراك والأغلبية اليسارية لـ "ليونيل جوسبان"، أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه مواصلة العلاقات الطبيعية مع فيينا.
بموجب ذلك، جرى التقليل من عدد الاتصالات لبضعة أشهر بين الاتحاد الأوروبي والنمسا، مما أدى إلى إذلال الناخبين النمساويين.
اليوم، بعد 22 عاما، لا يعدو أن يكون كل من الحزب الاشتراكي والجمهوريين الحاليين في النمسا، سوى ظل للتحالف اليميني سابقا.
أما القوميون، من جانبهم، فلم يكونوا أبدا ميسوري الحال وقادرين على جمع أصوات انتخابية مهمة. وفشلت المؤامرات التي دبرتها الأحزاب القائمة لعرقلة طريقها إلى السلطة.
ووفقا لنموذج العقوبات المفروضة على النمسا، أدت سياسة العرقلة هذه في أغلب الأحيان إلى رفض التعاون مع المسؤولين المنتخبين الذين جرى استيعابهم لإلحاق أكبر ضرر بباقي المرشحين
مراجعات كبرى
تقول لوبوان، إن أنجح أحزاب اليمين الراديكالي في أوروبا هي تلك التي تمكنت من "نزع الشيطنة" عن نفسها، ومن ثم إعادة التموضع في الساحة السياسية. ويأتي ذلك خاصة من خلال تغيير الوجوه القديمة بأخرى أكثر "بعدا عن الفساد".
من هذا المنطلق، يبدو أن هذه السياسة الجديدة غيرت كثيرا الصورة النمطية لتلك الأحزاب القديمة، التي أظهرت استعدادا أكبر لتشكيل ائتلافات حكومية "غير مسبوقة".
يشار في هذا السياق إلى أن حزب السويديين الديمقراطيين كان قد طرد العديد من الشخصيات المتطرفة في السنوات الأخيرة.
أما في إيطاليا، تنأى جورجيا ميلوني بنفسها الآن عن آراء الديكتاتور الفاشي السابق بينيتو موسوليني، الذي أشادت به في شبابها.
التطبيع مع الواقع السياسي الجديد هو اليوم الميزة السائدة لدى الأحزاب الأوروبية في السنوات الأخيرة، توضح لوبوان.
وبينت أنه تحت تأثير الحرب في أوكرانيا، أصبح الديمقراطيون مثل حزب "أخوة إيطاليا" مناهضا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومؤيدا لحلف شمال الأطلسي "الناتو". وهكذا دواليك، اتخذت الأحزاب الأوروبية نفس الوضع السياسي.
حصل حزب السويديين الديمقراطيين السويدي بعد مراجعاته السياسية على 20.5 بالمئة من الأصوات المدلى بها في 11 سبتمبر، في الوقت الذي لم يتجاوز عتبة 1.4 بالمئة من نسبة الناخبين طيلة العشرين سنة الماضية.
يمثل حزب "أخوة إيطاليا" حوالي 25 بالمئة من نوايا التصويت في استطلاعات الرأي الأخيرة في إيطاليا.
في الوقت الذي لم يحصلوا سوى على نسبة 4 بالمئة من جملة الناخبين في عام 2018. واليوم، صارت أفكارهم السياسية تتبلور بشكل بعيد عن عائلاتهم السياسية القديمة.
في فرنسا، وفقا لدراسة نشرت في أغسطس/آب من قبل مؤسسة الابتكار السياسي (Fondapol)، يتفق عدد أكبر من الناخبين اليمينيين مع تصورات حزب التجمع الوطني (61 بالمئة) مقارنة بالتصورات التي يطرحها الحزب الجمهوري (52 بالمئة).
أولئك الذين اعتقدوا أن عدوان فلاديمير بوتين على أوكرانيا، بعد أزمة كوفيد وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وخسارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، سيمنح الشعبويين الضربة الأخيرة، يجب أن يشعروا بخيبة أمل.
أولئك الخاسرون من العولمة، والذين يعتقد كثيرون منهم أنهم أكبر ضحاياها، يواصلون اليوم انتقاد الأحزاب القائمة لكونها راضية عن الهجرة غير الشرعية والحركات الإسلامية لفترة طويلة، بحسب لوبوان.
وأردفت أن جورجيا ميلوني نجحت في استغلال المخاوف بشأن وصول أعداد كبيرة من المهاجرين بالقوارب من شمال إفريقيا إلى إيطاليا.
جدير بالذكر في هذا السياق، أن السويد هي الدولة الأوروبية التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين (بما يتناسب مع عدد سكانها) خلال أزمة عام 2015.
ووفاء لتقاليدها الاشتراكية الديمقراطية أرادت أن تكون قوة أخلاقية مرحبة، منفتحة على الآخرين ومرحبة.
لكن ها هنا ظهرت نتائج تلك السياسات، وكان اندماج الوافدين الجدد في السويد أقل نجاحا بكثير مما كان عليه الوضع في ألمانيا. وتفجرت معدلات كبيرة من الجرائم الخطيرة والاتجار بالمخدرات.
تقول الصحيفة إن هؤلاء الشعبويين الوافدين على السياسة الأوروبية أخيرا، والذين يفوزون في كثير من الأحيان في الانتخابات، من شمال أوروبا إلى جنوبها، هم الوحيدون الذين يأخذون على محمل الجد الأسئلة التي تؤرق ناخبيهم، خاصة المتعلقة بالمهاجرين والإسلام.