تسريبات جديدة.. كيف يختلق الحشد الشعبي "هجمات وهمية" في العراق؟
في إطار "حرب التسريبات" التي تنتشر ضد قادة مليشيات وسياسيين ومسؤولين في العراق منذ نحو شهرين، أظهر مقطع صوتي جديد مسرب لأحد المنشقين عن مليشيا "أئمة البقيع" الشيعية التابعة للحشد الشعبي، كيف يختلق الأخير اشتباكات وتفجيرات وهمية ينسبها إلى تنظيم الدولة.
التسريبات الجديدة نشرها الصحفي العراقي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، علي فاضل، على جزءين يومي 16 و17 سبتمبر/ أيلول 2022، لمليشيا "أئمة البقيع" بقيادة سعد طعيس، والتي تنشط في محافظة ديالى المحاذية لإيران من الجهة الشرقية للعراق.
وعرف علي فاضل، بمفجر التسريبات بعدما نشر 7 مقاطع صوتية في يوليو/تموز 2022، منسوبة إلى نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق (2006 إلى 2014)، وهو يشتم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ويستعد لقتاله في النجف لأنه ضمن "مشروع صهيوني"، بحسب قوله.
اختلاق الهجمات
التسريب الجديد لشخص منشق عن "لواء ائمة البقيع" في ديالى، يُدعى كريم صالح كريم، كشف عن جرائم وانتهاكات وعمليات ابتزاز، وخطف معوَّقين ومرضى عقليين ووضع أحزمة ناسفة ثم قتلهم وإعلان إحباط هجوم انتحاري، أو اعتقال مواطنين عاديين ووصفهم بأنهم قيادات في تنظيم الدولة عبر تصوير أسلحة ومتفجرات بالقرب منهم أو داخل منازلهم.
وكذلك كشف المنشق عن الحشد الشعبي عن افتعال مليشيا "أئمة البقيع" هجمات "إرهابية" على قوات الجيش العراقي في محافظة ديالى، تتولى فيما بعد المليشيات عملية التصدي لها، مشيرا إلى "تورط بعض الضباط بقيادة قائد عمليات الجيش في ديالى اللواء علي فاضل عمران"، في جانب من تلك الانتهاكات، بالاتفاق مع المليشيات ذاتها.
وأكد كريم أنه ترك العمل بالمليشيات بعدما "طلب منهم ضرب حاجز أمني تابع للجيش في جبال حمرين"، مبيّنا أنه اتصل بسعد طعيس (زعيم مليشيات أئمة البقيع) وأخبره أن الإحداثيات التي تلقوها هي لنقطة تابعة للجيش".
فرد عليه: "اضربها، ولا علاقة لك بالأمر، ولا تتدخلوا"، موضحا أنه "جرى استهداف الحاجز من قبل لواء أئمة البقيع من أجل أن يثبتوا أن الجيش غير قادر على حفظ الأمن" وأن تنظيم الدولة "ما زال موجودا".
فالح الفياض انت ما تستحق ان تسرح بنعاج اثنين والدليل بعض قادة الحشد يقتلون العراقيين والجيش بأسم الحشد وانت نايم متدري وما بيك خير تعدل قميصك .
— Ali Fadhil _ علي فاضل (@ali_alifadhil) September 16, 2022
حبيب المالكي سعد طعيس يفجر العراقيين ( المجانيين ) على انهم دlعش ويسرق و يخطف بعلم ضباط وزارة الدفاع بديالى#الجزء_الأول#حرب_التسريبات pic.twitter.com/byGltS63RZ
وحسب قوله فإن المليشيات أخذت شخصا كان يعمل في بيع البنزين وهو مريض عقليا و"ألبسوه الحزام الناسف وتركوه بعد حاجز - إمام ويس - بعدما وضعوا بيده سلاحا وأعطوه حبوبا منومة، وقد تعرض لإطلاق نار كثيف عندما بدأ السير، وفجروه على أساس أنه عنصر" من تنظيم الدولة.
وأشار إلى أن "عضوة بالبرلمان (لم يسمها) دافعت عن (مليشيا أئمة البقيع) ودفعت 50 ألف دينار (حوالي 35 دولارا أميركيا) لكل مقاتل من مقاتلي اللواء وعددهم 3000، أجبروها على ذلك".
إذ خطفوا شقيقها، وهو موجود في مقر اللواء، كما جلبوا ثلاثة أشخاص من بغداد وهم موجودون داخل مقر اللواء لغرض تفجيرهم في القطعات المنتشرة في المنطقة.
وتحدث التسريب عن "اجتماع عُقد في الثاني من سبتمبر/أيلول 2022 داخل لواء أئمة البقيع شارك فيه وائل الشمري قائد قوات النخبة القتالية، وقائد لواء التحدي، وسعد طعيس وسعد الشمري والسيد بشير، وأحمد علي كنعان الذي يمثل نوري المالكي، تسلموا خلاله ملياري دينار عراقي (686 مليون دولار)، كما أعلنوا عن تشكيلات جديدة".
وأوضح أن "هذه الوحدات ستضم 400 شخص كانوا موجودين في اللواء توجهوا إلى إيران عند فتح المنفذ في ديالى للزائرين، حيث خلا المنفذ من أي وجود أمني"، مؤكدا أن "بشير هو حلقة الوصل بين العراق وإيران وليس واضحا ما إذا كان عراقيا أو إيرانيا، وقد سمح لهم بالدخول إلى طهران والتحقوا بدورة تستغرق شهرا".
وأشار إلى أن فكرة الاستعانة بالمرضى العقليين "طرحها سيد أحمد، وجرى بالفعل خطف 14 منهم من الشوارع، وقد تم تفجير أغلبهم على اعتقاد أنهم عناصر بتنظيم الدولة، والباقي منهم 3 فقط".
وأشار إلى أن "الضباط المتعاونين مع طعيس منذ 2020 منهم المقدم منير، نائب مسؤول الاستخبارات بالفرقة الأولى، يزودهم بالغطاء والعتاد، والملازم أول أحمد المنسوب إلى الفرقة الأولى، والأهم هو اللواء علي فاضل عمران قائد العمليات، وهو الحامي الأول والأخير للمليشيات".
الجزء الثاني من اعترافات المنتسب الى لواء أئمة lلبقيع .
— Ali Fadhil _ علي فاضل (@ali_alifadhil) September 17, 2022
تعال يا فالح lلفياض و يا قادة lلحشد اسمعوا جماعتكم شلون يقتلون بأهل ديالى والجنود العراقيين لو بس تعرفون تسولفون بحماية الاعراض يا غيره سزز
ضباط و قائد عمليات ديالى متورط في كل هذه الجرائم .#الجزء_الثاني #حرب_التسريبات pic.twitter.com/KjuVMDIrOs
حفظ الوجود
وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، شاهو القره داغي، إنه "أثناء الأزمات والمشكلات السياسية، تحدث الانفجارات، وتُنسب إلى تنظيم الدولة بأنهم يستهدفون العراق والمكون الشيعي، لكن يبدو أن غالبية هذه التفجيرات هي عبارة عن رسائل سياسية بين هذه الأطراف (المليشيات)".
وأوضح الباحث العراقي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 سبتمبر/ أيلول 2022 أن "هذه المليشيات تحاول الحفاظ على نفسها لأن مبرر وجودها هو تنظيم الدولة، وبالتالي هي تستفيد من هذا العدو، وحتى إذا لم توجد هجمات للأخير فإن المليشيات تخلق جوا من الفوضى وتنفذ عمليات تفجيرية".
ونوه إلى أن "استخدام المختلين عقليا لا يخطر على بال أحد، وربما يكون شيئا تنفرد به هذه المليشيات على مستوى العالم، لذلك فهي تمارس أقذر الأفعال حتى تحافظ على وجودها في هذه المناطق".
ولفت الباحث إلى أن "الغرض الرئيس للمليشيات من قصف الجيش العراقي- كما ظهر في التسريبات- حتى يقولوا إن الأخير عاجز عن حماية نفسه والمناطق التي يوجد فيها، وبالتالي يكونوا هم (المليشيات) محل الجيش".
وتساءل القره داغي قائلا: "أليس من المفترض أن يكون الجيش أقوى من هذه المليشيات، وبالتالي يردون على مصدر إطلاق النار، ولكن ما يحصل بعد القصف تأتي الأجهزة الأمنية سواء الجيش أو غيرها وتعتقل مدنيين ليس لهم علاقة في هذه الجرائم".
وتابع: "من خلال ممارسات هذه المليشيات، فهي تنسف كل الجهود التي بذلت لمحاربة الإرهاب وإعادة السلم المجتمعي، وليس من المفترض أن تكون داخل هذه المناطق، بل إنها لا تسمح بعودة العديد من العائلات النازحة إلى مناطقهم".
وأشار الباحث إلى أن "ممارسات نوري المالكي الذي يدعم هذه المليشيات (أئمة البقيع) منذ عام 2005 وحتى 2009 مرورا بجلبه لتنظيم الدولة إلى العراق، كانت كلها تصب في تقويض الدولة وضرب مؤسساتها".
وأردف: "الآن يريد استغلال هذه المليشيات ويدعمها وتأسيس تشكيلات جديدة للعودة إلى المشهد السياسي من جديد، لأنه يرى أن الأطراف السياسية في أغلبها لديها أذرع مسلحة، وأنه أيضا من حقه ذلك.
مطالبات بالتحقيق
من جانبها، أصدرت مليشيات "أئمة البقيع" بيانا في 18 سبتمبر 2022 عبرت فيه عن غضبها، بالقول: "نستنكر المنشور المزيف والاستهانة بالحشد الشعبي وحشد أئمة البقيع الذين حرروا العراق"، مؤكدة أن "البعض يتهجمون على لوائنا، ونطالب بردع كل من يتعدى على حشدنا المقدس".
وطالبت المليشيا الحكومة بـ"إقامة دعوى قضائية ضد الإعلامي علي فاضل، الذي تهجم على قواتنا بتسجيلات صوتية"، مؤكدة أن "الشخص الذي يتحدث في التسريب الذي ادعى أنه منشق عن أئمة البقيع لا يوجد له اسم لدينا ولا في حشد وزارة الدفاع"، رافضة "الإساءة لها ولزعيمها سعد طعيس التميمي، ولا نقبل أن يتحدانا أي شخص وأن يتحدى لواءنا".
وفي المقابل، طالب عضو البرلمان العراقي النائب محمد البياتي، الادعاء العام بالتحري عن التسريبات الصوتية، بالقول إنها "نشرت في منصات كثيرة وتتحدث عن بعض الأحداث في ديالى مثيرة للقلق لدى الرأي العام حالها حال التسريبات الأخرى".
وأضاف البياتي لوكالة "بغداد اليوم" في 18 سبتمبر 2022، أن "الادعاء العام مطالب بالتحري للتأكد من مدى صحتها وعندئذ لكل حادث حديث"، مؤكدا أن "التحري عن مدى صحة تلك التسريبات مهم للغاية ويجب نشر النتائج ليكون الرأي العام العراقي على دراية بمجريات ما يحدث".
ولم يصدر عن الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية، إضافة إلى السلطة القضائية، أي تعليق بخصوص التسريبات المتعلقة بمليشيا "لواء ائمة البقيع" حتى 19 سبتمبر 2022، والتي تطرقت إلى أسماء وعناوين وظيفية عليا يشغلها البعض في الدولة.
��سعد طعيس التميمي قائد لواء عصابة أئمة البقيع الذي يقوم بإستخدام المجانيين والمرضى كإنتحاريين ضد الجيش العراقي في المناطق السنية ومن ثم إتهام داعش الإرهابي ليتسنى له لاحقا طرد السُنة من مناطقهم ومن ثم الإستيلاء على اراضيهم وتوطين شيعة باكستان وايران بدلا عنهم .#العراق pic.twitter.com/MbOPXE292s
— سفيان السامرائي (@SufianSamarrai) September 18, 2022
وفي السياق، قال الصحفي العراقي سفيان السامرائي عبر "تويتر" في 18 سبتمبر 2022 إن "سعد طعيس التميمي قائد لواء عصابة أئمة البقيع يستخدم المجانين والمرضى كانتحاريين ضد الجيش العراقي في المناطق السنية ومن يتهم تنظيم الدولة ليتسنى له لاحقا طرد السنة من مناطقهم والاستيلاء على أراضيهم وتوطين شيعة باكستان وإيران بدلا عنهم".
وما كشفته التسريبات، كان مقاربا لما تحدث به أبو وحيد الحيالي المنشق عن مليشيا بدر في 29 يناير/ كانون الثاني 2021 من أن مليشيا بدر المنضوية في الحشد الشعبي، كانت وراء الكثير من عمليات تفجير في العراق، والتي تبناها تنظيم الدولة.
فهم يمررون السيارات المفخخة عبر النقاط الأمنية بحجة أنها تابعة لبدر، ويوقفونها في أي مكان بالبلد لتفجيرها، كما قال
ولفت الحيالي عبر مقطع فيديو نشره على "يوتيوب" إلى أن "خطة بدر في تنفيذ ذلك، هي عن طريق الإتيان بمدمني المخدرات وإعطائهم جرعات أكثر، ثم توجيههم لركن السيارة المفخخة أو الحقيبة الملغمة في المكان الفلاني، لذلك كان منفذ التفجير الانتحاري الأخير الذي وقع في ساحة الطيران وسط بغداد من هؤلاء الذين فجرتهم مليشيا بدر عن بعد".
وأشار القيادي المنشق عن "بدر" إلى أن "جهاز الاغتيالات التابع إلى مليشيا بدر أغلب منتسبيه منخرطون ضمن الفوج الرئاسي المنتشر في منطقة الجادرية ببغداد، المكلف بحماية القصور الرئاسية".
وتسبب تفجيران انتحاريان بمنطقة ساحة الطيران في 21 يناير/ كانون الثاني 2021 وسط العاصمة بغداد، بمقتل 38 شخصا وإصابة 110 آخرين، لكن الحكومة العراقية لم تُعلن مباشرة عن الجهة الفاعلة، إلا أنها وصفتها بالحادثة الإرهابية.
المصادر
- العراق: تسريب جديد يكشف عن جرائم خطف مرضى عقليين وافتعال هجمات وهمية من قبل مليشيا "أئمة البقيع"
- البرلمان يطالب الادعاء العام بالتحري عن تسريبات "ديالى"-عاجل
- تفجيرا ساحة الطيران 2021
- قيادي بدري منشق يفجر مفاجأة: فيلق بدر هو من نفذ تفجير ساحة الطيران بالعاصمة بغداد
- علي فاضل.. إعلامي أحدثت تسريباته ضد سياسيين كبار هزة عنيفة في العراق