خالد الملا.. رئيس جماعة عراقية يرتدي عمامة السنة ويدافع عن الشيعة

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

"شيعي بعمامة سنية، أحمد حسون النسخة العراقية"، كل هذه المسميات تطلق على رجل الدين السني المثير للجدل في العراق، خالد الملا، الذي عرف بدفاعه المستميت عن سياسات إيران وأذرعها في المنطقة، وإصداره عددا من الفتاوى التي تحرض على "السنة".

دأب خالد الملا على تصريحاته المثيرة للجدل، التي يتقرب فيها من إيران وحلفائها في العراق، فهو من أشد المؤيدين لتأسيس الحشد الشعبي، والمشيدين بدور الجنرال الإيراني السابق قاسم سليماني في العراق، رغم كل الجرائم التي طالت العراقيين على أيديهم.

وجرى تشبيه الملا بمفتي سوريا الأسبق أحمد بدر الدين حسون الذي اختار منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 الوقوف مع نظام بشار الأسد للنهاية، عبر تحويل منبر المسجد إلى منصة سياسية، يقدم منها الولاء والطاعة، وينفث منها حقدا على "شعب الثورة" والدول التي وقفت مع مطالبه المحقة.

"مطبل للحشد"

آخر التصريحات التي خرج بها الملا كانت خلال مقابلة صحفية في 10 سبتمبر/أيلول 2022 مع وكالة "المعلومة" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" بالعراق، وزعم فيها "استمرار دعم حزب البعث المحظور لمجاميع تنظيم الدولة من أجل إعادة نشاطها".

وقال الملا خلال المقابلة: "لا أعتقد أبدا أن خطر التنظيمات قد ولى أو انحصر، فبعد 2017 أعيد تنظيم الحركات المتطرفة على حد سواء، كما أعيد صياغة الحركات المتطرفة بعد انتصار الدولة العراقية ضد تنظيم الدولة الإجرامي".

وأضاف أن "أغلب هذه الحركات مدعومة من البعث وجهات لا تريد الاستقرار للعراق، وللأسف نلاحظ سكوت الكثير من السياسيين عن تلك الحركات، وآخرها ما كشفه الحشد الشعبي من إحباط مخطط بعثي للنيل من أمن البلاد".

تصريحات الملا عن حزب البعث (المحظور) في العراق جاءت تأييدا لما أعلنه الحشد الشعبي في 8 سبتمبر عن إحباطه مخططا يقوده الحزب في محافظات كربلاء وبابل والمثنى والديوانية، ضد زيارة الأربعين (مناسبة شيعية)، زاعما "الإطاحة بشبكة فاعلة منهم أعضاء قيادات قطرية وقيادات فروع وشعب".

وكان الملا الوحيد من الشخصيات السنية الذي هنأ في تغريدة له زعماء الحشد الشعبي بـ"الإطاحة بخلية بعثية"، التي شكك فيها ناشطون كونها جاءت في ظل صراع بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي، والتيار الصدري، وأن الهدف منها هو توحيد الشيعة طائفيا ضد عدو لم يعد موجودا في العراق منذ 20 عاما.

"رئيس جماعة"

خالد عبد الوهاب الملا من مواليد البصرة 1967، برز اسمه بعد الاحتلال الأميركي للعراق كممثل لسنة المدينة المذكورة وجنوب العراق، حاصل على بكالوريوس في العلوم الشرعية من كلية الإمام الأعظم في بغداد عام 1998.

يقول إنه حاصل على شهادة الدكتوراه من بيروت في مكان يعرف باسم  "معهد الدعوة الجامعي" دون أن يذكر سنة حصوله عليها أو الجامعة التي يتبعها المعهد أو اسم أطروحته في سيرته الذاتية.

اشتهر بالمديح وإصدار الفتاوى التي تتناغم مع السلطة الحاكمة في العراق بعد عام 2003، من بينها أنه يعد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خليفة للمسلمين واجب الطاعة.

كما أن خالد الملا يؤمن بأن "الثورة الإيرانية يجب أن تكون ملهمة للأمة الإسلامية"، داعيا إلى الاقتداء "بفكر مؤسسة الجمهورية الإسلامية علي الخميني" الذي يقول إنه كان إماما وقائدا.

"الملا" حاول التقرب من الأوساط السياسية عن طريق تأسيس مؤسسة "الوسطية والاعتدال" في العراق، والمساهمة في تشكيل جماعة علماء البلاد، التي أسسها رئيس ديوان الوقف السني الأسبق عبد اللطيف هميم عام 2007، ثم أصبح عضوا في الائتلاف الوطني الشيعي.

ومنذ تولي المالكي الحكم عام 2006 أصبح الملا من العلماء المقربين للسلطة ومن أقرب أصدقاء المالكي بعدما سارع لإصدار مجموعة فتاوى ضد طائفته "السنية" التي كان وما يزال يتهمها بـ"الإرهاب"، بل ذهب إلى أكثر من ذلك في خطاباته ومقالاته التي تقول إن هذه الطائفة تؤيد الإرهاب وتناصره.

الملا دخل عالم السياسة بشكل مباشر حين رشح نفسه أكثر من مرة كـ"سني" ضمن "الائتلاف الشيعي الحاكم" عام 2010 لكنه لم يحصل إلا على عدد قليل من الأصوات في محافظته البصرة، لم تؤهله لدخول البرلمان.

يعد نفسه فقيها سنيا على المذهب الحنفي، وسياسيا في الوقت نفسه، فهو يرأس حاليا "جماعة علماء ومثقفي العراق".

فيما عمل مستشارا سابقا للرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني (2006- 2014)، ثم خطيب جمعة بغداد الموحدة التي دعمتها حكومة المالكي عام 2011 لمناهضة المظاهرات في المحافظات السنية آنذاك.

وبعد اجتياح تنظيم الدولة للعراق وسيطرته على ثلث مساحة البلاد في يونيو/حزيران 2014، وتشكيل مليشيا "الحشد الشعبي" أصدر الملا مجموعة بيانات وظهر في مقابلات متلفزة، أكد فيها تأييده الكامل للمليشيا التي وصفها بـ"المقدسة".

ومع كل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها مليشيات منضوية في "الحشد الشعبي" فإن الملا، الذي يضع نفسه في مقدمة علماء "تحريم الدم العراقي"، لم يصدر إدانة واحدة لهذه الأعمال.

بل على العكس كان يكيل المديح للسياسيين الذين لديهم أجنحة مسلحة تعمل ضمن المليشيات.

وتتهم المليشيات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي باختطاف أكثر من 12 ألف شخص سني لم يعرف مصيرهم حتى اليوم، وذلك أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة للمدة من 2014 إلى 2017.

إذ أثبتت تحقيقات للحكومة العراقية وتقارير لمنظمات دولية، إضافة إلى مقاطع فيديو أن عناصر مليشياوية اقتادتهم من محل سكناهم. 

طامح للمناصب

لم يغفل الملا مهاجمة "المجمع الفقهي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء" الذي يعد أكبر مرجعية دينية للسنة بالعراق، وذلك بنفيه اعتماد المكون السني على أي مرجع ديني في الوقت الراهن، ووصف "المجمع الفقهي" بأنه "مؤسسة سياسية تشكلت كرد فعل على مرجعية الشيعة".

وقال خلال المقابلة الصحفية إن "الطائفة السنية مرجعيتها الدولة وتعتمد على مراجع أربعة وهم الأئمة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل المعتمدون في الفتوى، وأما المستحدثات فنأخذها من العلماء الحاليين".

واتهم الملا "المجمع الفقهي بأنه مؤسسة سياسية، جرى تشكيله داخل البرلمان ولا تربطه أي علاقة بالدين، وظهر بعد أن تعالت الأصوات السنية للمطالبة بمرجعية دينية".

وأضاف: "بعض النواب السنة صنعوا لهم داخل البرلمان مرجعية دينية، وهذا خلاف واقع السنة، فهم ليس لديهم مرجعية دينية، ومرجعيتهم الدولة ولا يمكن مقارنتها بالمرجعية الشيعية لأن لديها وضعا خاصا وعمرها أكثر من ألف سنة".

عرف عن خالد الملا بأنه يطمح عبر مغازلته لإيران وحلفائها بالحصول على منصب رئيس ديوان الوقف السني، لكن ذلك كان سببا في عدم وصوله إلى المنصب، كون الترشيح يأتي من "المجمع الفقهي" حصرا، وربما هذا ما يفسر مهاجمته المستمرة للأخير.

وقال الملا إن "المواقف التي تبنيتها أو اتخذتها هي عدم السعي نحو المناصب التنفيذية ومنها منصب رئاسة ديوان الوقف السني أو غيره؛ لأن المواقف لا تأتي بالإنسان إلى مناصب، ولو كنت أرغب بذلك لسلكت طريقا آخر وحصلت على منصب رئيس البرلمان".

يشار إلى أن رئيس الوقف السني في العراق يأتي بترشيح من "المجمع الفقهي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء" حصرا، وذلك استنادا إلى البند الثاني من المادة 4، في قانون الوقف السني رقم 56 لعام 2012.

وفي 2014 أصدر الملا بيانا اعترض فيه على كون المجمع الفقهي لكبار العلماء "المرجعية الوحيدة ل‍أهل السنة"، عادا ذلك إقصاء لها من المشهد "الديني السني" ومحاولة للقضاء على خط "الاعتدال" في العراق، فيما طالب البرلمان بعدم حصر التمثيل الشرعي للسنة بمؤسسة واحدة.

وفي عام 2016، تعهد خالد الملا بعدم ترشحه لأي انتخابات بعد التفجير العنيف الذي طال حي الكرادة في بغداد وراح ضحيته أكثر من 300 قتيل ونحو 250 جريحا.

ودعا الملا العراقيين إلى ضرب صورته بالأحذية إذا أقدم على ذلك، لكنه في انتخابات عام 2018 ترشح للانتخابات ضمن تحالف الفتح بقيادة هادي العامري (الجناح السياسي للمليشيات الموالية لإيران) لكنه فشل في الفوز بمقاعد برلمانية.

وعلى ضوء ترشيحه للانتخابات انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2018 لشاب عراقي يضرب صورة الملا بالحذاء، ويخاطبه بالقول: "ها نحن أوفينا بما طلبته منا إذا ترشحت إلى الانتخابات".