بعد وصول نيران حرب أوكرانيا منازلهم.. ماذا طلب الأوروبيون من دولهم؟
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على قضية قطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا، ما يهدد اقتصاد منطقة اليورو على الرغم من احتياطيات الوقود المتراكمة.
عموما، يؤدي هذا الوضع إلى مرحلة جديدة في المواجهة بين بروكسل وموسكو بشأن غزو أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، وفق ما تقول صحيفة بوبليكو.
وبينت أن قطع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 يؤدي إلى توتر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، إلى أجل غير مسمى.
وتضيف هذه الخطوة أيضا مزيدا من الشكوك إلى الأزمة الاقتصادية المتفشية بالفعل في القارة العجوز.
ضربة بضربة
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء الذي اتخذته روسيا لم يكن متوقعا نوعا ما، فإنه يبرهن حقيقة أن الحرب في أوكرانيا تصل بالفعل إلى المنازل والصناعات في أوروبا، وأن التوصل إلى اتفاق لوضع حد لهذا النزاع قد أصبح ملحا.
وأفادت الصحيفة بأن تعليق ضخ الغاز إلى أوروبا الذي اتخذته شركة غازبروم الروسية، بعلة أعمال الصيانة المزعومة، جاء إبان قرار مجموعة الدول السبع فرض سقف لأسعار النفط الروسي وحظر إمدادها البحري إذا لم يجر دفع سعر محدود للنفط الخام.
وتجدر الإشارة إلى أن نية مجموعة السبع كانت متمثلة في تحدي الآلة الحربية الروسية وتقليل تمويلها بمليارات اليوروهات شهريا التي تدفعها أوروبا مقابل الغاز والنفط الروسي، مع تقليص تأثير الصراع على ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء في العالم أجمع.
عموما، أدت إستراتيجية روسيا التي تطبقها على إمداد أوروبا بالغاز منذ بدء الحرب إلى ارتفاع أسعار هذا الوقود بأكثر من 400 بالمئة مقارنة بالعام 2021، الأمر الذي أثر أيضا على بعض التكاليف الباهظة للغاية للكهرباء في هذه القارة.
وأوضحت الصحيفة أن أوروبا تتناسى مشاركتها المباشرة في الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من عدم نشر قواتها على الأرض؛ وفرت الأسلحة للجيش الأوكراني، وساعدت الاستخبارات العسكرية لحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي وساهمت في النبذ الدولي للمواطنين الروس.
لذلك، ليس من المستغرب أن تؤدي خطوة مثل خطوة مجموعة الدول السبع إلى استجابة فورية من موسكو، وذلك من خلال إغلاق حنفية الغاز عبر نورد ستريم 1.
وتساءلت بوبليكو عما إذا كانت روسيا تقود ابتزازا اقتصاديا. وتجيب قائلة: "في الواقع، ما تفعله روسيا هو أكثر من ذلك".
وردا على أحد أعمال الحرب الاقتصادية، نفذت روسيا عملا آخر من هذا النوع وبذلت أوروبا محاولات لحصر الأعمال الروسية في ساحة المعركة، حيث يواجه خطر الموت فقط الأوكرانيون المسلحون بالمال الغربي.
لكن الآن، أصبحت الحرب مستقرة بالفعل في المنازل والصناعات الأوروبية، وقريبا، يمكن أن تكون في الشوارع الأوروبية.
وسيحدث ذلك إذا جرى الاستجابة للتضخم المستمر بالتعبئة الاجتماعية، مثل ما يحدث بالفعل في المملكة المتحدة، حيث تضاعفت الاحتجاجات هذا الصيف ضد ارتفاع الأسعار إلى حد كبير بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب.
وأشار الرئيس زيلينسكي إلى ذلك بصراحة، بالقول إن: "روسيا تشن هجوما على الطاقة وتستخدم إمدادات الغاز كسلاح حرب".
كما حذر زيلينسكي من أن موسكو تعد "ضربة حاسمة" ضد أوروبا في هذه المنطقة، لتركها بلا حماية خلال الأشهر المقبلة.
من الولايات المتحدة، الداعم الرئيس لأوكرانيا في مقاومتها لروسيا، كان رد وزيرة الخزانة جانيت يلين صريحا أيضا، لكنه متفائل.
وبينت المسؤولة أن "الحد الأقصى الذي وضعته مجموعة الدول الصناعية السبع على سعر النفط الروسي سيساعد في التعامل مع التضخم وسيشكل ضربة لقدرة موسكو على تمويل غزوها".
وعلقت الصحيفة أن من المفارقات أن المشتريات الأوروبية الرئيسة للهيدروكربونات لا تتمثل في النفط، بل في الغاز، الذي تسمح طاقته لمصانع بلد مثل ألمانيا بالعمل، حيث من المتوقع حدوث ركود وشيك مع آثار سلبية لا حصر لها على اقتصاد القارة.
وعلى نفس المنوال، سعى المستشار الألماني، أولاف شولتز، إلى تخفيف القلق وأعلن أن بلاده "ستقضي هذا الشتاء" على الرغم من قطع الغاز الروسي.
كما أعلن التحالف الثلاثي الذي تشكله حكومته عن حزمة مساعدات جديدة بقيمة 64 ألف مليون يورو لتخفيف ضغط التضخم وارتفاع أسعار الطاقة على الشركات والمواطنين.
تشاؤم واعتراضات
وبينت الصحيفة أن رئيس منظمة شبكة الطاقة الألمانية، كلاوس مولر، يشكك في تفاؤل شولتز.
إذ حذر بالفعل من أنه حتى لو كانت احتياطيات الغاز في بلاده تبلغ 100 بالمئة، فإن التعليق الكلي لحنفية الغاز الروسي ستفرغ الخزانات مرة أخرى في أقل من شهرين ونصف، أي حتى قبل حلول الشتاء.
ونوهت الصحيفة بأن رجال الأعمال الألمان غير متفائلين. تشير توقعاتهم إلى انكماش الاقتصاد الألماني لثلاثة أرباع متتالية ابتداء من سبتمبر/أيلول 2022.
وفي هذا المعنى، قد يكون إعلان شركة غازبروم عملاق الغاز الروسي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير نحو كارثة ألمانيا الاقتصادية على الرغم من إصرار شولتز على وجود إمدادات غاز كافية.
وبينت الصحيفة أن ارتفاع أسعار الوقود والتضخم الناتج عنه أدى إلى إزاحة الستار عن أضعف أجنحة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" نفسه، والتي تشارك بشكل كامل بأسلحتها ومساهمات أعضائها في حرب أوكرانيا.
عموما، يعد الوضع في دول البلطيق مقلقا للغاية. ووفقا لبيانات أغسطس/آب 2022، تشهد إستونيا تضخما يزيد عن 25 بالمئة، في حين أن ليتوانيا ولاتفيا ليستا بعيدتين عن الركب.
في هذه البلدان المتاخمة لروسيا والتي تضم أقليات ناطقة روسية مهمة، يعد الركود مؤكدا قبل نهاية العام، مع مخاوف متزايدة من أن يكون مرفوقا باحتجاجات اجتماعية.
وأضافت الصحيفة أنه في مواجهة الخوف من أن تعيش أوروبا كارثة اقتصادية، مع تفكيك الصناعة وتفشي البطالة وإفقار السكان وبدون أمل لوقف الحرب؛ تتزايد الدعوات للحوار.
وفي الوقت الذي جمع فيه اليسار الأوروبي الأصوات الملتزمة باستئناف مفاوضات السلام، عمل أقصى اليمين الأوروبي على إبراز الضرر الناجم عن العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تمس الأوروبيين.
في هذا المعنى، دعا زعيم حزب الرابطة الإيطالية اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في بعض العقوبات "الهادفة إلى وقف الحرب ومعاقبة النظام"، لكنها في الواقع "لا تؤذي من يخضعون للعقوبات بل بالأحرى أولئك الذين أصدروا العقوبة"، أي الدول الأوروبية.
وأصر سالفيني على أنه "يجب أن نواصل دعم الشعب الأوكراني والدفاع عنه ومساعدته، لكن العقوبات لا تضر بروسيا".
وأضافت الصحيفة أن أوروبا ترتجف وتواجه فصل الشتاء بكثير من الشكوك، بشكل غير مسبوق منذ عقود.
في المقابل، تقاوم روسيا الأضرار التي لحقت باقتصادها بسبب الحرب والعقوبات، وتنظم مناورات بحرية ضخمة ومكلفة للغاية لمدة أسبوع في المحيط الهادئ إلى جانب الصين والهند وحلفاء آخرين؛ لأنه على الرغم مما تقوله بروكسل أو واشنطن، لا يزال لدى موسكو أصدقاء هناك.