8 سنوات على اقتحام تنظيم الدولة لمدينة سنجار.. الدماء لا تزال ساخنة
مرت 8 سنوات على الإبادة التي عانى منها الإيزيديون بالقرب من مدينة سنجار في العراق بما كان يشبه "مقبرة جماعية".
هذه الحادثة جعلت من السهل على المرء أن يفهم، أو بالأحرى، أن يشعر بالتاريخ الحديث المعقد والمؤلم للإيزيديين، وللشعب العراقي بشكل عام.
تقع سنجار داخل منطقة نينوى، يحدها من الشمال الغربي سوريا، ومن الشرق تلعفر والموصل.
تمتد المنطقة بأكملها حول جبل سنجار الجميل الذي يمتد من الغرب إلى الشرق نحو 70 كيلو مترا ويبلغ أقصى ارتفاع له 1463 مترا.
هناك عدة عشرات من القرى حول الجبل، أما غالبية السكان، فهم من الإيزيديين، على الرغم من وجود الأكراد والعرب الشيعة والمسيحيين، وقبل الإبادة الجماعية، السكان العرب السنة.
تطهير عرقي
وقالت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية إنه منذ عام 2003، بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبحت منطقة سنجار تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان العراق وقواتها المعروفة باسم البيشمركة.
وجادلت أربيل بأن الإيزيديين هم أكراد غير مسلمين وأن سنجار كانت جزءا من المجال التاريخي لكردستان العراق، على الرغم من أن العديد منهم يصرون على أنهم عرق مختلف.
ومع ذلك، بين عامي 2013 و2014، توسع تنظيم الدولة، الذي ظهر في العراق، في جميع أنحاء سوريا، مستفيدا من الحرب في تلك المنطقة، وانتشر أيضا في جميع أنحاء شمال العراق.
وذكرت الصحيفة أن مليشيات تنظيم الدولة اقتحمت سنجار مع سقوط مدن قريبة مثل الموصل. وقبل هذه الحادثة، كان السكان الإيزيديون يعيشون في أمان تحت سيطرة البيشمركة.
لكن في أوائل أغسطس 2014، سحبت سلطات كردستان العراقية فجأة البيشمركة من سنجار. نتيجة لذلك، بقيت المنطقة بأكملها دون حماية وتحت رحمة عناصر تنظيم الدولة.
وأمام هذا الخطر، جرى تحذير السكان الإيزيديين عبر هواتفهم المحمولة من اقتراب عناصر تنظيم الدولة من بلداتهم وقراهم.
كان السبيل الوحيد المتبقي لهم هو الفرار للاحتماء بالجبل. تركوا المركبات على منحدراته لمواصلة السير على الأقدام، دون ماء ومؤونة، مع درجات حرارة قد تتجاوز 45 درجة.
ونقلت الصحيفة أن جزءا من السكان لم يتمكن من الفرار خلال ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، في 3 أغسطس 2014، بدأت الإبادة الجماعية الإيزيدية.
كان هدف تنظيم الدولة هو القضاء على السكان الإيزيديين وثقافتهم ودينهم، لأنهم عدوا زورا أن الإيزيدية دين قائم على عبادة الشيطان.
وقتل مسلحو التنظيم بشكل منهجي الرجال البالغين والنساء الأكبر سنا واختطفوا الأطفال والنساء الشابات.
في وقت لاحق، باع التنظيم الإيزيديين في أسواق العبيد، مثل السوق الذي ظهر في مدينة تلعفر المجاورة، تقول الصحيفة.
ومن أفظع المجازر، تلك التي نفذت في بلدة كوجو، مسقط رأس الناشطة نادية مراد (التي اغتصبها تنظيم الدولة قبل أن تهرب إلى ألمانيا)، حيث قتل 334 رجلا و72 امرأة.
وكان رصيد المنطقة بأكملها حوالي 5 آلاف شخص قتلوا في أيام قليلة، وسجلت أيضا نحو 6 آلاف حالة اختطاف، بالإضافة إلى تدمير التراث الثقافي الايزيدي.
وفي الأيام التي أعقبت هذه الإبادة الجماعية، كان جبل سنجار يؤوي أكثر من 100 ألف لاجئ، مما أثار قلقا دوليا.
وأمام هذا الوضع، أسقطت دول مثل الولايات المتحدة الماء والغذاء من الطائرات على السكان.
من ناحية أخرى، تدخل حزب العمال الكردستاني ومليشياته وفتح ممرا إلى سوريا؛ كان من الممكن من خلاله إجلاء كامل السكان اللاجئين في الجبال، بحسب الصحيفة الإسبانية.
وفي الوقت الراهن، لا يزال غالبية هؤلاء النازحين يعيشون في مخيمات النازحين في كردستان العراق. وبقي جزء منهم في أحد الأودية على الجانب الشمالي للجبل.
عودة غير مؤكدة
وأضافت الصحيفة أن الوضع في هذه المنطقة قاتم. ولا تزال غالبية العائلات الإيزيدية التي كانت تعيش في سنجار في مخيمات النازحين في دهوك، بكردستان العراق.
وأصبحت العديد من شوارع سنجار، في تل بنات، خالية ومعزولة، مع العديد من المنازل المدمرة أو المهجورة.
وفي منتصف هذه الفوضى، هناك بعض المنازل المأهولة والشوارع التجارية في الضواحي مع الصخب المعتاد.
ونقلت الصحيفة أن الخيار الوحيد أمام العائلات القليلة التي عادت لتوفير مصدر دخل والبقاء على قيد الحياة، يتمثل في انضمام أبنائها إلى الشرطة أو إحدى المليشيات المختلفة الموجودة.
وبشكل عام، يذكر هذا المشهد بالوضع السائد في مناطق أخرى من العالم التي تسيطر عليها المافيا أو أمراء الحرب أو العصابات الحضرية، حيث يكون السبيل الوحيد أمام كثير من الشباب هو الانضمام إلى إحدى هذه المنظمات.
وذكرت الصحيفة أن صور ومقاطع الفيديو الموجودة في منطقة سنجار النائية، قبل كارثة 2014، تظهر مجتمعا يتقدم، بدءا من مستوى متواضع للغاية. وقد بادر هذا المجتمع بالاستثمار في التعليم، ونمت فيه التجارة، وكان له تطلعات للتواصل مع بقية العالم.
أما في الصور الحقيقية اليوم، يزاح الستار عن إحساس هذا المجتمع بالتعرض إلى عملية تطهير عرقي، ربما لم تكن متعمدة، بعد أن جرى تفكيكه بالكامل، تقول الصحيفة.
في الآن ذاته، يمكن ملاحظة نوع من تعويض الإيزيديين في مناطقهم، الذين كانوا في السابق يشكلون أغلبية كبيرة، بمجموعات عرقية أخرى، مثل العرب الشيعة.
وبشكل عام، لا تعدّ هذه القصة سوى مثال بسيط في بحر التهميش الذي يعيشه الإيزيديون في صلب المجتمع العراقي.
ونوهت الصحيفة بأن الإيزيديين في هذه المنطقة يجدون الحماية في جبل سنجار، من انعدام الثقة تجاه عالم خارجي معاد لهم، ومن الشعور الدائم بالصراع والإقصاء، ومن التهديدات الحقيقية، ومن حوالي 73 إبادة جماعية عاشوها على مدار السنين.
ونقلت الإندبندينتي عن الشاب الإيزيدي، جوما، أنه "عندما تسوء الأوضاع حقا، يجب التوجه إلى هناك (الجبال)".
عموما، لا يمكن أن تجسّد إلا قلة من الجبال، على غرار سنجار، بشكل أفضل، مفهوم "الجبل المقدس" للمجتمع.
ويمكن العثور على هذا الاستحضار لرمزيّة جبل سنجار لدى هذا المجتمع في الموسيقى الإيزيدية التقليدية الثرية.
وأشارت الصحيفة إلى اتفاق سنجار الذي جرى التصديق عليه في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ويتضمن هذا الاتفاق ثلاث ركائز أساسية: أولا، الجانب الإداري، الذي يشمل انتخاب رئيس بلدية مدني توافقي لمدينة سنجار.
وثانيا، الجانب الأمني، الذي يدعو إلى الانسحاب التدريجي لجميع المليشيات وأن يعتمد الأمن بشكل حصري على الشرطة المحلية وقوات الأمن العراقية. وثالثا، إعادة الإعمار مع وضع خطط لهذا الغرض.
عموما، بعد مرور سنتين تقريبا، أحرز تقدما ضئيلا أو معدوما في تطبيقه، لكنه لم يبق حبرا على ورق.
وإلى جانب هذا الاتفاق، يوجد عدد من المنظمات غير الحكومية التي تساعد بالفعل في إعادة الإعمار وفي قطاعات مثل التعليم والصحة، تقول الصحيفة.