تحصيل القمامة بدل العلم.. حال الأطفال السوريين العائلين لأسرهم بالأردن
مع تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين في الأردن، يضطر الآباء لزج المزيد من أطفالهم في سوق العمل مبكرا، لسد النقص باحتياجاتهم المتضخمة بفعل عوامل اقتصادية عدة في البلد المضيف.
ولم يجد اللاجئ السوري أبو محمد بدا من تفريق طفليه على أعمال تكبر أعمارهم بكثير، طالما أنها تحقق دخلا إضافيا، يؤمن حاجات الأسرة الأساسية في ظل غلاء الأسعار وتناقص المساعدات الأممية.
ومنذ جائحة كورونا التي تفجرت عام 2020، باتت الأسر اللاجئة مضطرة لتوجيه أطفالها نحو العمالة المبكرة لمواجهة الواقع المعيشي الذي يزداد ضيقا شيئا فشيئا.
عمالة متفاقمة
وباتت عمالة الأطفال تفرض ثقلها في الأردن ليس من قبل الأطفال الأردنيين فحسب، بل طالت اللاجئين، ما ينذر بتوسع أعداد هؤلاء بفعل عوامل جديدة.
وهذا الأمر، دفع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين للخشية من "أن الوضع سينزلق مرة أخرى إلى أزمة إنسانية في غضون بضعة أشهر، إذا لم يتوفر التمويل بشكل عاجل".
وقال ممثل المفوضية الأممية في الأردن دومينيك بارتش، في 22 أغسطس 2022، إن "التمويل لا يفي بالاحتياجات الأساسية للاجئين".
ولفت بارتش إلى أن اللاجئين لا يزالون يعانون من الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا وارتفاع تكلفة المعيشة، والآن من ارتفاع تعرفة الخدمات.
ومضى يقول: "إذا لم يتخذ أي إجراء الآن، فستكون المعاناة الإنسانية والتكلفة للمجتمع الدولي أكبر بكثير".
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي أشارت المفوضية إلى أن انعدامه بين اللاجئين أيضا آخذ في الارتفاع. وصرح 46 بالمئة، من الآباء اللاجئين بأنهم خفضوا حصصهم من الغذاء حتى يتمكنوا من تأمين ما يكفي أطفالهم الصغار على المائدة.
إضافة إلى ذلك يرسل عدد متزايد من الأسر الأطفال إلى جمع القمامة لكسب بعض المال، ما يؤدي إلى تفويت المدرسة والتعليم.
أما بالنسبة لأولئك الذين يتلقون المساعدة الغذائية، فقد جرى إبلاغهم قبل بضعة أسابيع بأنه سيتوجب تخفيض الكميات بسبب نقص الموارد.
ويبلغ عدد سكان الأردن حاليا 10.961 ملايين نسمة، ويستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، فروا من بطش وقصف قوات النظام السوري على مدنهم منذ عام 2011، بينهم 761.58 ألف لاجئ مسجل رسميا.
ويعيش 82.6 بالمئة من هؤلاء خارج مخيمات اللجوء، وتبلغ نسبة اللاجئين الأطفال (أقل من 18 سنة) نحو 46 بالمئة.
وهناك أكثر من 60 ألف طفل سوري يعيشون في الأردن، في وقت ينخرط في العمالة داخل المملكة نحو مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة بينهم نحو 11 ألف طفل سوري، حسب موقع "عمان نت".
وبلغة الأرقام أيضا، فقد حصلت المفوضية الأممية على 37 بالمئة من متطلباتها المالية لعام 2022.
في وقت تبلغ فيه قيمة المتطلبات المالية المخصصة للمفوضية في الأردن للعام المذكور قرابة 408.4 ملايين دولار.
لكنها حصلت على تمويل قرابة 151.276 مليون دولار، حتى 30 أغسطس/آب 2022.
وهو ما يعني أن الفجوة التمويلية تصل نسبتها إلى 63 بالمئة، وتبلغ قرابة 257.102 مليون دولار، فيما ينقص المفوضية وحدها 34 مليون دولار لتنفيذ البرامج الصحية والنقدية الأساسية خلال الفترة المتبقية من العام 2022.
ضحايا نقص التمويل
معاناة الأسر السورية اللاجئة في الأردن ليست جديدة، بل آخذة بالتزايد في تلبية احتياجاتها الأساسية، وهي: التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والحماية والسلامة.
ولذا فإن الأطفال وقعوا ضحية نقص التمويل الأممي، مما أجبر عوائلهم على دفعهم لسوق العمل، وسط عجز برامج التمكين الأسرية في الأردن عن سحب العدد الأكبر من بيئة العمل وإرجاعهم إلى مقاعد الدراسة.
كما لم تعد الأسر اللاجئة تلقي بالا إلى خطر استغلال أطفالهم من قبل أصحاب العمل، أو تعرضهم ربما للضرب والتعنيف الجسدي والنفسي أو التحرش، وخاصة الفتيات العاملات في بعض المهن كجني المحاصيل الزراعية.
ويبرر أبو محمد اللاجئ السوري في الأردن، لـ "الاستقلال"، تشغيل أطفاله بالظروف المعيشية وقلة المساعدات.
وأوضح أن لديه طفلا يبلغ من العمر 16 عاما يعمل معه في الزراعة، وآخر يصغره بعامين يعمل لدى محل بقالة.
وأشار اللاجئ في الأردن منذ عام 2013 إلى أن تشغيل أولاده هو الخيار الوحيد لديه أمام غلاء المعيشة.
ومضى يقول: "الطفل الأردني يعمل قبل السوري، أضف أن هناك رغبة من أطفالنا للعمل بحكم الغيرة وتحصيل الأموال".
وأقر الأردن عددا من التشريعات لمكافحة عمل الأطفال في السنوات الأخيرة، بهدف خفض معدلات انتشار هذه الظاهرة، مثل: زيادة الغرامات على صاحب العمل المشغل للأطفال، ومنع تشغيل من هم أقل من 16 عاما تحت أي ظرف.
لكن تقصير الجهات الدولية المانحة في مساعدة الأسر اللاجئة شجع مزيدا من الأطفال على الالتحاق بسوق العمل لمساعدة عوائلهم.
وبحسب أرقام مفوضية شؤون اللاجئين التي نشرتها عام 2020، فإن طفلا واحدا من بين كل ثلاثة أطفال سوريين في الأردن لم يذهب إلى المدرسة، أي ما يصل إلى نحو 83 ألف طفل.
وأمام ذلك، فإن "التكيف السلبي"، هو ما لجأت إليه العوائل اللاجئة في الأردن لتحصيل معيشتها، من ناحية تقليل شراء الطعام، بعد انخفاض نسبة المساعدات.
وهو ما جعل توظيف الأسرة لفرد واحد منها في سوق العمل، لا يكفي لتلبية الاحتياجات المنزلية الشهرية.
وتبدأ يومية الطفل في الأردن من دينار واحد (دولار ونصف) إلى 5 دنانير لطفل عمره 16 عاما يقضي ما يقارب 8 ساعات عمل.
معادلة رابحة
وفي هذ الإطار، أوضح الناشط السوري المقيم في الأردن إبراهيم الأحمد، أن "تخفيف المساعدات أثر على دخل العائلة السورية اللاجئة خصوصا أنه تزامن مع بداية التعافي من كورونا وبأوج التضخم في البلاد".
وأضاف الأحمد لـ "الاستقلال": "التأثير كان كبيرا على العائلات اللاجئة التي لديها عدد أكبر من الأطفال، وبشكل أقل عن العائلات الصغيرة".
ومضى يقول: "المساعدات التي تقدمها المفوضية عبر برنامج الغذاء العالمي هي 15 أو 23 دينارا لكل فرد، مما يعني أن من لديه 5 أطفال كان يستلم أكثر من 100 دولار أميركي عن أطفاله فقط، وهذا الشيء كان يسند رب الأسرة، لكن من لديه طفل واحد فالمبلغ المذكور يؤثر على دخل العائلة".
وزاد شارحا بالقول: "إذا كان رب الأسرة يتلقى لكل فرد 23 دينارا، ولديه 5 أطفال فالمبلغ سيكون بحدود 160 دولارا شهريا، وبالتالي هذا المبلغ لا يمكن للأب تعويضه إلا بتشغيل أحد أطفاله، لذلك التأثير كان أكبر على العائلات الكبيرة بالعدد".
ولفت الأحمد، إلى أن "العوائل تلجأ إلى تشغيل أطفالها في "البقالات التجارية والمستودعات، وفي المحلات البسيطة والمتوسطة، وفي جني المحاصيل وبعض الورش المهنية كتصليح السيارات وغسيلها".
وعلى سبيل المثال، قدرت جمعية حماية الأسرة والطفولة في مدينة إربد عدد الأطفال العاملين في المحافظة بنحو 10 آلاف طفل وطفلة، بينهم 4 آلاف من السوريين وجنسيات أخرى يعملون في مختلف القطاعات.
وبينت الجمعية، أن معظم الأطفال تتراوح أعمارهم من 6 إلى 16 سنة، ويعملون في مهن خطرة وشاقة، خصوصا في أسواق الخضار والفواكه وورش تصليح المركبات والعتالة والبيع على الإشارات الضوئية، وخدمة التوصيل.
وارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) في الأردن لمايو/أيار 2022 بنسبة 4.3 بالمئة، ليصل إلى 106.53 بالمئة صعودا من 102.05 بالمئة للشهر نفسه من عام 2021.
ومنذ أبريل/نيسان 2022 ارتفعت أسعار المواد التموينية، والمشتقات النفطية، التي شهدت زيادة تراكمية نسبتها 14 بالمئة.
ويؤكد مختصون في حقوق الإنسان أن تبعات عمل الأطفال تنجم عنها الآثار الجسدية المباشرة، ولا سيما أنهم في مرحلة النمو، ولا يستطيعون تحمل بعض المهن وخاصة الخطرة، فضلا عن تعرضهم في بيئة العمل وحرمانه من الترفيه وخسارة حقه في التعليم.
وكانت دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل ومركز الدراسات الإستراتيجية في الأردن، حثت على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحؤول دون اضطرارهم لدفع أطفالهم إلى سوق العمل لمساعدة أسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية.