داخليا وخارجيا.. تعرف على مصادر تمويل المجلس الانتقالي الجنوبي باليمن

في تطور جديد لأنشطته المشبوهة، كشفت وثائق سرية عن وحدة خاصة، يرجح أنها إماراتية، تعمل على إدارة المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال، وتحركاته العسكرية والأمنية، وتقديم مبالغ مالية كبيرة له.
وهذا المجلس تموله الإمارات لإحداث الفوضى في جنوب اليمن وحشد وتجنيد المزيد من القوات للسيطرة على ما تبقى من مناطق نفوذ الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
يوضح "تقرير سري" نشره موقع المصدر أونلاين اليمني، في 20 أغسطس/آب 2022، التكاليف المالية الكلية للمجلس لعام 2020، والتي بلغت أكثر من 300 مليار ريال يمني.
من بينها المبلغ المخصص من قبل "الوحدة الخاصة" للمجلس ذلك العام، والذي بلغ أكثر من 200 مليار يمني، بالإضافة إلى 955 ألفا جرى توفيرها من العام الذي سبقه.
ووفق الموقع اليمني، تضمن التقرير المطول الذي رفعه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، معلومات مفصلة بشأن أعماله وأنشطته العسكرية والأمنية والاجتماعية والإعلامية ومراكز الاحتجاز، بالإضافة للتكاليف المالية لتلك الأعمال المنفذة طوال عام 2020.
موارد ضخمة
ويقر التقرير بإقدام "الانتقالي" على سحب 80 مليار ريال يمني (125 مليون دولار) من البنوك، بهدف تصحيح الوضعية المالية للمجلس.
وعن هذا التقرير قال الباحث الاقتصادي عبدالمجيد عكروت، إن "الاستحواذ على الأرض هو سيطرة على الجانب الاقتصادي ويسهل التحكم بالموارد الاقتصادية في القطاع العام والخاص".
وأضاف عكروت لـ"الاستقلال" أن "هناك إيرادات ضخمة من ميناء عدن رغم محاولة تعطيله من قبل الإمارات عبر عدة إجراءات، بالإضافة إلى إيرادات مطار المدينة ذاتها الذي يعد الأقرب للكثير من المحافظات الشمالية".
كما أن السيطرة مؤخرا على محافظة شبوة الغنية بالنفط ترفد خزينة المجلس الانتقالي بشكل كبير، وفق ما قال عكروت.
وأردف: "كلما توفرت ميزانية داخل البنك المركزي وتوترت العلاقة ما بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، يتوجه الأول صوب البنك للاستحواذ على الأموال".
ولفت إلى أن "هناك مصادر داخلية لتمويل المجلس ومليشياته، من خلال السيطرة على الموانئ الجوية والبحرية والجبايات التي يتحصل عليها من القطاع الخاص والضرائب الإضافية والعائدات من مؤسسات الدولة المختلفة".
واستدرك: "مصادر الدعم الخارجية ليست بالشكل الكبير، ولو نظرنا إلى حجم التمويل لعيدروس الزبيدي الذي يقدر بما يقارب 12 مليون ريال يمني، فهو مبلغ بسيط".
ومضى يقول "من الملاحظ أن الدعم المقدم لقوات النخبة الحضرمية أضعاف الدعم الذي جرى تقديمه لقوات النخبة الشبوانية، وهنا المسألة تعود إلى القدرة على الاستقطاب".
وزاد: "في حضرموت من الصعب إيجاد العنصر البشري نظرا لأن العامل الاقتصادي حاضر والقدرات الفردية صعبت من عملية التجنيد على عكس كثير من المجندين المحسوبين على ألوية العمالقة والنخبة الشبوانية الذين تسود لديهم ثقافة المال نظرا للتركيبة القبلية".
وختم الباحث اليمني بالقول إن "السيطرة على حقل العقلة النفطي بمحافظة شبوة هو في سياق فرض أمر واقع".
فالموانئ والثروات تكون غالبا مرتبطة بمؤسسات الدولة وحصة المحافظة جزء يسير لا يتعدى 20 بالمئة، والهدف من السيطرة هو تعطيلها أو إعادة تشغيلها بشروط تتناغم مع سياسة الممول لهذه المليشيات.
دعم خارجي
منذ اندلاع الحرب في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، والإعلان عن التحالف السعودي الإماراتي لاستعادة الشرعية عام 2015، لم تكن رغبة أبوظبي واضحة لدى اليمنيين والعالم في مد نفوذها الخاص والموازي على الأراضي اليمنية.
لكن سنوات الحرب أظهرت إستراتيجية الإمارات المتمثلة بالسيطرة على المدن الساحلية والموانئ والحقول النفطية، ودعم الكيانات الانفصالية لحفظ هذه مصالحها.
وتلاقت هذه الإستراتيجية مع رغبة بعض الجنوبيين، أمثال عيدروس الزبيدي، والعاملين معه هاني بن بريك وأحمد سعيد بن بريك، الذين لهم نزعات انفصالية للسيطرة على جنوب اليمن وفك الارتباط عن صنعاء ووجد هؤلاء في الحرب أرضية خصبة، ولحظة فارقة لتحقيق مشروعهم.
وساعدت الإمارات منذ 2016، بتشكيل قوات الحزام الأمني في جنوب اليمن، وقدمت لها الدعم المالي والعسكري، وضمت هذه القوات العديد من المسلحين الانفصاليين.
في أغسطس 2019، أعلنت الحكومة اليمنية أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان إيقاف الدعم الإماراتي للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد عملية التمرد المسلح في عدن وأبين التي انتهت بطرد الحكومة والسيطرة على العاصمة المؤقتة.
وفي يناير/ كانون الثاني 2021، أكد تقرير فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن أن دعم دولة الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي يقوض سلطة حكومة اليمن ووحدة أراضيه.
وأضاف أن الإمارات تدعم كيانا يهدد الأمن والسلام والاستقرار في اليمن، مشيرا إلى أن أبوظبي جندت ودربت ودفعت أجور معظم القوات التابعة للمجلس الانتقالي وهو وضع تطور منذ 2015.
ووثق فريق الخبراء مواصلة الإمارات تقديم الدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي وقواته وبعض قوات الساحل الغربي، والحزام الأمني والنخبة الشبوانية.
وأعلنت الإمارات، في يوليو/تموز 2019، سحب قواتها من الحرب في اليمن، بعد توقيع اتفاقية ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين فيما سمي "اتفاق الحديدة" أو "اتفاقية ستوكهولم" في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018.
لكنها أبقت على قوات لها في ميناء بلحاف لتصدير الغاز المسال وانتقلت من المواجهة العسكرية المباشرة إلى الحرب بالوكالة، وحفظ ما تبقى من نفوذ على الأرض.
تمويل إضافي
وتحولت مناطق اليمن الشرقية إلى بؤر صراعات ساخنة ومواجهات عسكرية، تدور رحاها من وقت إلى آخر بين القوات الحكومية والفصائل المسلحة التابعة للإمارات التي سحبت جزءا كبيرا من قواتها من الساحل الغربي إلى عدن بعد اتفاق "ستوكهولم".
في مغزى واضح يهدف للهيمنة على حقول النفط والغاز، في المثلث الجغرافي النفطي الذي يشمل محافظات شبوة ومأرب وحضرموت وما تمثله هذه المناطق من مواقع إستراتيجية يستند إليها الاقتصاد اليمني.
وتصاعدت التحركات العسكرية منذ مطلع العام 2022، في محاولة لفرض واقع جديد على المناطق الغنية بالثروات النفطية، فضلا عن إعادة النظر في عقود الشركات والاستثمارات النفطية والغازية.
وتمكنت قوات العمالقة ودفاع شبوة من السيطرة على حقل العقلة النفطي، الذي كان تحت حماية قوات اللواء 21 ميكا والأمن الخاصة وكتائب حماية الشركات النفطية، وهو ما عده مراقبون مكسبا اقتصاديا جديدا وتمويلا إضافيا للمليشيات.
ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز في اليمن إلى 105، يتركز معظمها في محافظات مأرب وحضرموت وشبوة وجزء من محافظة الجوف.
ومنها 13 حقلا تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلا منتجا وحوالي 81 حقل قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يواجه اليمن أزمة نقدية حادة وعجزا حكوميا عن التعامل مع الالتزامات الاقتصادية والمعيشية والخدمية.
ويرتبط حل تلك الالتزامات أو التعامل معها بالدعم الدولي والمنحة المالية السعودية الإماراتية المقدرة بنحو 3 مليارات دولار المعلنة في أبريل/نيسان 2022 عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.
ويواجه هذا الأخير اشتراطات واسعة للحصول على هذه المنحة، كفرض مكونات سياسية وعسكرية محددة موالية للتحالف في بعض المحافظات، وخصوصا النفطية.
وأسس مجلس القيادة الرئاسي، في 7 أبريل بتركيبته التي تجمع بين الأضداد من "الانتقالي الجنوبي" الذي ينادي بالانفصال، وحزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام بجناحه المؤيد للشرعية وباقي الأطراف.
وكانت التساؤلات تتركز حول المدة التي سيصمد فيها قبل أن يكون أمام أول اختباراته الفعلية بعد عجزه عن توحيد القرار العسكري ودمج التشكيلات المسلحة المتعددة، وفشله في التعاطي مع الأحداث الأخيرة بمحافظة شبوة.