قنابل اجتماعية في قواعده.. ماذا وراء تقارير قرب انفجار عرش السيسي؟
أفاق المصريون منتصف أغسطس/ آب 2022 على صوت قوي يأتي من جزيرة "الوراق" في قلب نيل القاهرة، يطالب برحيل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، ويتحدى بطش قواته الأمنية، ويرفض قرارات الدولة بنزع أراضيهم لبناء منتجعات سياحية للأثرياء مكانها.
ورغم صمت المصريين على ما حل بهم من أزمات وخوفهم الشديد من البطش الأمني الذي يواصله نظام السيسي منذ تسع سنوات، إلا أن مظاهرات أهالي "الوراق" في الأيام الأخيرة مثلت رسالة وبارقة أمل لهم في الخلاص من السيسي، وفق مراقبين.
بينما عدها ناشطون أشبه بالغضبة الشعبية التي ظهرت عقب حادثة مقتل خالد سعيد منتصف يونيو/ حزيران 2022، التي مهدت لثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، منهية نظامه الذي صمد 30 عاما.
وخالد سعيد شاب جرى تعذيبه حتى الموت من قبل قوات أمنية أرادت تفتيشه، وعندما طالبها بإخراج مذكرة رسمية من النيابة، ضربته حتى الموت أمام عديد من شهود العيان، وعلى إثر ذلك أطلق ناشطون صفحة على منصات التواصل الاجتماعي باسم "كلنا خالد سعيد" التي مهدت لثورة يناير.
قوات الأمن المصرية تواصل اقتحام #جزيرة_الوراق وتعتقل عددا من أبنائها لرفضهم إخلاء منازلهم pic.twitter.com/xZlQGEr1oP
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) August 16, 2022
بروفة ثورية
وجرت بروفة (تجربة) ثورية أرادت اقتلاع حكم السيسي في 20 سبتمبر/ أيلول عامي 2019 و2020، عبر مظاهرات دعا لها المقاول المعارض من الخارج محمد علي، وعمت بعض أحياء القاهرة وبعض عواصم المحافظات، خاصة السويس مهد شرارة ثورة يناير/ كانون الأول 2011.
لكن البطش الأمني المتواصل على مدار تسع سنوات والذي أدى لقتل آلاف المصريين بمجازر فض اعتصامات ومظاهرات ميادين "رابعة العدوية"، و"النهضة"، و"رمسيس"، و"المطرية" وغيرها؛ قمع ما أُطلق عليه ثورة "الجلاليب" في القرى والمناطق الشعبية واعتقل المئات وقتل العشرات حينذاك.
لكن بروفة الثورة المصغرة الأخيرة ضد السيسي، التي شارك فيها أهالي جزيرة "الوراق"، تدعو للتساؤل عن أسباب عدم ثورة المصريين وإخفاق حراكهم، رغم أزمات وكوارث وفساد وجرائم نظامه ونزعه أراضي وعقارات المصريين، وهو التساؤل الذي طرحته وسائل إعلام عالمية.
وتزامنا مع أحداث الوراق، ربط الزميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ستيفن كوك، في مقال بـ"فورين بوليسي"، في 17 أغسطس، بين الأزمات التي تعرض لها المصريون نهاية عهد مبارك وأدت للثورة عليه في 2011، وبين أزمات عصر السيسي الحالية.
المجلة الأميركية التي تساءلت عن احتمالات أن تطيح تلك الأزمات بالجنرال القوي، أكدت أنه "منذ يناير 2021، واجه المصريون انهيار عمارات، وحوادث قطارات، ومصائب أخرى منتظمة، سقط فيها قتلى وجرحى"، قائلة إنها "مصائب تعيد للذهن كوارث حدثت في السنوات الأخيرة لمبارك".
كاتب المقال، تساءل: "لو ساهمت هذه الكوارث في إنهاء حكم مبارك، فهل ستسهم في نهاية السيسي؟" مضيفا: "وإلى أي حد يمكن فيه للمصريين تحمل الأوضاع؟"، مشيرا إلى إمكانية أن "يفقد المصريون صبرهم ويندفعوا إلى الشوارع بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة".
وتحدثت المجلة عن أزمات الاقتصاد المصري التي خنقت المصريين، وعن استهلاك السيسي الخزينة المصرية على مشاريع ترضي غروره، مثل تفريعة قناة السويس، وشراء السلاح، وإنشاء مفاعل نووي، وعاصمة إدارية جديدة، بدون دراسة جدوى أو مبرر، في وقت يعاني فيه شعبه.
لكن، مقال "فورين بوليسي" حمل بارقة أمل للمصريين، إذ رصد نقاط ضعف السيسي والتي كان يمتلكها مبارك ورغم ذلك أطاح به المصريون، مشيرا إلى أنه كان لمبارك ميزة ليست متوفرة للسيسي، موضحا أن الأخير لا حزب سياسيا له يستخدمه بالطريقة نفسها التي استخدم فيها مبارك "الحزب الوطني".
الكاتب واصل رصد نقاط ضعف السيسي، مبينا أن السيسي"لا يوجد في نظامه طبقة واقية كتلك التي تمتع بها مبارك لمدة 30 عاما"، واصفا قيادته لمصر بأنها "راسخة في بلد منهار، مطلقا عليها لقب "ديكتاتورية غير مستقرة".
وفي توقيت متزامن، نشر الكاتب عماد الدين أديب، المحسوب إعلاميا على السعودية، مقالا في 14 أغسطس 2022 يرصد فيه "14 سببا لسقوط الحكّام والأنظمة".
المقال نُشر في موقع "أساس ميديا" اللبناني الممول من السعودية، وحظي بضجة كبيرة لأن ما كتبه أديب يكاد ينطبق على نظام السيسي دون أن يذكره، ويختمه بتأكيد سقوطه قبل منتصف 2023.
وذكر فيه أسبابا لسقوط الأنظمة، منها "صراع أجهزة الحكم بشكل مدمر، واعتماد الحاكم على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدي لمشكلات البلاد والعباد"، وهو أمر مثار في مصر.
وتعليقا على المقال رأى مراقبون ونشطاء أنه عبارة عن رسالة سعودية للسيسي تشير لتوقعهم سقوط النظام وتفضيلهم أن يفعل الجيش ذلك من داخله.
مقارنة معبرة
وشهدت نهاية عهد مبارك، أزمات اقتصادية، وعاني المصريون الفقر والمرض، مع تغول الفساد المالي والإداري، وسطوة مقربين من نجليه علاء وجمال على المال والأعمال والتجارة، ما دفع للثورة عليه.
وبالمثل، يواجه المصريون في السنوات التسع من ظهور السيسي أزمات مالية واقتصادية وغذائية طاحنة، وبطالة وغلاء وتضخما قضى على الطبقة الوسطى ووضع ملايين المصريين تحت خط الفقر العالمي، بجانب تفاقم أزمة الديون وتعاظم فوائدها ما دفع الحكومة لبيع كثير من أصولها.
إلا أن أوضاع مصر في عهد السيسي تفوق بكثير عهد مبارك إذ إن الدين الخارجي لمصر بلغ 157.8 مليار دولار، بحسب تقرير للبنك المركزي يوليو/ تموز 2022، فيما تراجع احتياطي النقد الأجنبي ليصل 33.14 مليار دولار نهاية ذات الشهر.
بينما بلغ الدين الخارجي في نهاية حكم مبارك 35 مليار دولار، وكان يسجل احتياطي النقد الأجنبي 36 مليار دولار.
وهكذا أصبح لزاما على نظام السيسي، تسديد ديون وفوائد ناجمة عنها بقيمة 47 مليار دولار حتى نهاية مارس/ آذار 2023، ما جعل البلاد على حافة الخطر، بانتهاجها الاستدانة وبيع الأصول الرابحة للأجانب بأقل من قيمها، بل ومبادلة الديون بأصول إستراتيجية.
تلك الديون الضخمة تأتي متزامنة مع الارتفاع الضخم لنسب تضخم غير مسبوقة وصلت أكثر من 15 بالمئة، فيما فقد الجنيه حوالي 22 بالمائة من قيمته منذ مارس/ آذار 2022، لينخفض من 15.65 جنيها للدولار، إلى 19.15 رسميا، وأكثر من 20.50 في السوق السوداء.
ورغم أن للسيسي ظهيرا سياسيا مؤيدا له في البرلمان بشقيه "النواب"، و"الشيوخ"، وهو حزب "مستقبل وطن"، إلا أن ذلك الظهير ليس له حاضنة شعبية في الشارع المصري، وسط تراجع كبير لشعبية السيسي، بين أنصاره الذين يضجون بسبب سياسات الفقر والضغط على المواطنين.
لكن، مبارك كان يحيط نفسه بطبقة من السياسيين المخضرمين والكتاب الموالين في الصحف الحكومية والأكاديميين الذين يستخدمهم في الوزارات الاقتصادية، إلى جانب رجال الأعمال الأقوياء، في الوقت الذي كان يسمح فيه بحرية الانتخابات والعمل الحزبي وانتقاد الوزراء في الصحافة والإعلام.
وعلى العكس، أحاط السيسي نفسه بطبقة من الجنرالات في جميع مواقع المسؤولية بداية من الوزارات الهامة كالنقل، إلى جانب المحافظين ورؤساء الأحياء وأغلب المؤسسات والمصالح الحكومية، فيما تراجع دور الكثير من رجال الأعمال، وانتهى دور السياسيين والأحزاب.
العهد الأسوأ
وفي رؤيته لأوجه الشبه بين الأزمات التي قادت المصريين للثورة على مبارك وتفاقمت الآن وربما تقودهم اليوم للثورة على السيسي، قال السياسي المصري عمرو عبدالهادي، إن "الأزمات في عهد مبارك لا تمثل 1 بالمئة من الكوارث التي تحدث الآن في عصر السيسي".
وفي رصد سريع أكد لـ"لاستقلال"، أنه "حين خرج الناس على مبارك كان الدولار بـ7 جنيهات، وفاتورة الضرائب والجمارك وقيمة الرسوم الحكومية أقل بكثير، وكذلك أسعار السلع والخدمات، والأزمات أقل بكثير".
"بينما في عصر السيسي، بعد كل ما حدث من بيع وتنازل عن الأرض والأصول؛ لا يجد المصري حتى وعودا بغد أفضل، بل خرج ذراعا النظام الإعلاميان مصطفى بكري وعمرو أديب ليحذرا الناس من غد أسوأ"، بحسب عبدالهادي.
وواصل مقارنته، موضحا أن "أسوأ سعر لكرتونة البيض في عهد مبارك كان 15 جنيها، بينما تباع في عهد السيسي بـ85 جنيها، وكيلو اللحم ارتفع من 40 جنيها ليصبح 130 جنيها، ورغيف الخبز أصغر حجما ومنع منه أصحاب الطبقة المتوسطة التي كانت تنعم به أيام مبارك".
وختم مقارنته بالقول إن "الجيش في عصر مبارك لم يستحوذ إلا على 10 بالمئة من الاقتصاد، أما الآن لا تستطيع الاستثمار في مصر إلا لو كان لك كفيل من ضباط الجيش".
وفي رؤيته لحضور أسباب ثورة المصريين على مبارك في عهد السيسي، قال الباحث مصطفى خضري: "ما مر بمصر في عهد السيسي من تضييق في العيش ووأد للحريات وتعدٍّ على الأعراض والأرواح والأموال؛ أضعاف ما كان يحدث في عهد مبارك".
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، أضاف لـ"الاستقلال": "لقد استعان مبارك أثناء حكمه ببعض المستشارين الحقيقيين ورجال الدولة المحترفين الذين كانوا -رغم فساد أكثرهم- يعملون على ترك هامش من الحرية والتنمية الاقتصادية".
"تلك التنمية كانت تسمح بتقليل البطالة، ورفع معدلات الرفاه، وتحقيق طموحات الكثير من الشباب في نجاح مشروعاتهم في القطاع الخاص"، بحسب خضري.
ولفت إلى أن ذلك "بعكس عهد السيسي الذي استعان بالكثير من المرضى النفسيين وساقطي المروءة وضعيفي الإمكانيات ليتبوأوا أرفع المناصب ويتحكموا في رقاب العباد، حتى أصبحت حياة المصريين قمة البؤس والهوان، ولا يأمن مواطن على نفسه وولده وممتلكاته يوما وليلة".
هل الثورة قادمة؟
ورغم خوف المصريين من البطش الأمني، إلا أنهم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي يواصلون تدشين هاشتاغات مطالبة برحيل السيسي، ومن آن إلى آخر تخرج إحدى الشخصيات التي كانت تدعم انقلابه عبر مقاطع مصورة ترفض سياساته وتعلن ضرورة الثورة عليه.
وفي رؤية الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام مصطفى خضري، فإن "كل ما حدث في عهد السيسي كان يمكن أن يقود المصريين للثورة عليه منذ أول عام من استيلائه على الحكم"، مستدركا بالقول: "لكن هناك فرقا بين الرغبة في الثورة والقدرة عليها".
يعتقد أن "الرغبة موجودة والكتلة الحرجة التي يمكن أن تقوم بالثورة موجودة، لكن القدرة على الثورة تحتاج لعوامل أخرى".
أوضح أن "المجتمع المصري الآن أشبه بقنبلة بها الكثير من البارود والشظايا لكنها تحتاج لما يسمى الصاعق أو بادئ الاحتراق الذي يشعل البارود فتنفجر الشظايا وتحدث الثورة".
وبشأن ما يمنع المصريين من الثورة، قال إنه "خلال 11 عاما ويزيد مر بالمصريين الكثير من خراب للبيوت وضياع لفلذات الأكباد وخسارة للممتلكات، وأثناء هذا رأوا أن من يدفع الثمن ليس هو من يجني الثمر".
"فقد كان لكل هبة من هبات الثورة ضحايا خسروا كل شيء دون أي عائد، ومنتفعون كسبوا كل شيء بدون ثمن، وهو ما جعل كلمة الثورة كلمة سيئة السمعة بين أوساط المجتمع"، وفق قول الباحث المصري.
وأضاف: "وعموما وعلى مدى التاريخ؛ لم يخرج مجتمع في ثورة على حاكمه نتيجة الضغوط فقط أو بشكل عقلاني، بل لابد من استثارة العقل الجمعي وتحشيد المجتمع من خلال منظومة متكاملة من العوامل منها الديني والاقتصادي والاجتماعي".
خضري، حدد أسباب نجاح أي ثورة في "حشد مجتمعي واسع الانتشار يتبنى مطالب محددة، وكتلة سياسية تنظم هذا الحشد، والوصول لصيغة تفاهم بين الصف الثاني للنظام الحاكم وبين الكتلة السياسية المنظمة للحشد الشعبي، وإعلام محترف قادر على توجيه الرأي العام لأهداف الثورة، وقوة تحمي الحشد الثوري".
وبشأن ما يثار من حديث عن تغييرات داخلية في نطاق بعض الأجهزة السيادية واحتمالات دعمهم لخروج المصريين كما دعم الجيش ثورة يناير ضد مبارك ولم يقمعها، قال خضري: "لا يمكن لعاقل أن يظن باجتماع أركان حكم السيسي على قلب رجل واحد".
وأكد أن "الصراع بين أجنحة الحكم ظاهر للعيان خاصة في وجود تعارض في الكثير من الملفات منها الوطني والشخصي".
ولم يستبعد أن "تتدخل أجنحة داخل تلك المؤسسات للتعاون مع المعارضة لاستبدال السيسي، خاصة مع ظهور بوادر انهيار هذا النظام، وبعد ارتفاع معدلات الديون وجدولتها حتى عام 2070 أي ما يقارب 50 عاما من الديون المستقبلية".