"الجهاد في تندوف".. هكذا أجج الريسوني نار الخلاف بين المغرب والجزائر

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بين غاضب ومساند، وجد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المغربي أحمد الريسوني، نفسه وسط عاصفة من الجدل، خاصة في الشارعين المغربي والجزائري.

العاصفة جاءت عقب تصريحات أدلى بها الريسوني بشأن إقليم الصحراء، وهو الملف الذي ما زال يشعل نار الخلاف بين النظامين السياسيين بالبلدين، ويعرقل بناء وحدة اقتصادية وتنموية مغاربية.

ظروف متوترة

أصل الجدل يعود لقول الريسوني خلال مقابلة مع موقع "بلانكا بريس" المحلي في 8 أغسطس/آب 2022، إن "قضية الصحراء هي مشكلة أو صناعة استعمارية"، معبرا عن أسفه لـ"تورط دول شقيقة وعربية وإسلامية في دعم وتبني هذه الصناعة الاستعمارية".

وأكد الريسوني تمسك المغرب بصحرائه، مشددا على أن "الشعب مستعد للجهاد بالنفس والمال، وراء الملك محمد السادس، في مسيرة إلى تندوف، جنوب غرب الجزائر"، تماثل "المسيرة الخضراء" التي قام بها لتحرير أقاليمه الجنوبية من الاستعمار الإسباني عام 1975.

ومخيمات تندوف قريبة من إقليم الصحراء وتضم لاجئين من هذه المنطقة.

كما انتقد الريسوني المقاربة المعتمدة من لدن السلطات المغربية في التعامل مع ملف الصحراء، قائلا: "للأسف الآن تتم معالجة قضية الصحراء بمعزل عن الشعب، وهذا الذي جعل بعض المسؤولين يتوهمون أنه يمكن الاعتماد على إسرائيل في قضية الصحراء".

إسلاميو الجزائر لم يتأخر ردهم كثيرا على تصريحات الريسوني، إذ عبرت "حركة مجتمع السلم الجزائرية" المعروفة اختصارا بـ"حمس" عبر بيان نشر في 15 أغسطس/آب 2022، عن استغرابها ودهشتها من تلك التصريحات.

ووصفت الحركة كلام الريسوني بـ"السقطة الخطيرة والمدوية" من عالم من علماء المسلمين، يفترض فيه الاحتكام إلى الموازين الشرعية والقيم الإسلامية، لا أن يدعو إلى الفتنة والاقتتال بين المسلمين.

وقالت الحركة، إن "الريسوني يتحمل مسؤولية تبعات تصريحه هذا، ضمن الظروف الدولية والإقليمية المتوترة التي لا تتحمل مثل هذه الخرجات التي تلهب نيران الفتنة".

وتابعت: "كان الأولى بالريسوني أن يدعو إلى مسيرات حاشدة في مختلف مدن المغرب ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكسر التحالف الإستراتيجي بين بلاده وهذا الكيان المحتل لفلسطين.. وبدل الدعوة إلى الفتنة وإلى سفك الدماء بين المسلمين كان الأولى له أن يدعو إلى الجهاد بالمال والنفس من أجل تحرير سبتة ومليلة المغربيتين".

بيان "حمس" لقي تفاعلا كبيرا في المغرب، ومن ذلك ما جاء على لسان سفير الرباط السابق بماليزيا، والقيادي بحزب العدالة والتنمية، محمد رضى بنخلدون، الذي قال إن الحركة "وقعت في تناقض/انفصام غريب وعجيب"، واصفا إياها أنها "بدأت تفقد البوصلة".

وفي تدوينة نشرها بحسابه عبر "فيسبوك"، في 16 أغسطس 2022، قال بنخلدون إن الحركة حصرت نفسها في دائرة البحث عن رضا ما أسماه بـ"نظام الأوليغارشية/الأقلية العسكرية" الذي لديه عداء متأصل لكل ما هو مغربي.

وعد السفير السابق، أن بيان "حمس" لم يكتف بالرد على الريسوني كونه "أخطأ مثلا عندما تحدث عن تندوف أو عن موريتانيا، لكنه استغل الفرصة للربط بين الريسوني وحزب العدالة والتنمية، مع العلم أن الشيخ الريسوني ليس عضوا بالحزب".

كما انتقد بنخلدون استدعاء الحركة موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني، واحتساب حزب العدالة والتنمية "عراب التطبيع" بكل وقاحة، منتقدا أيضا عدم حديث الحركة عن مساعي تقسيم دولة جارة، وهي المغرب، وفصلها عن صحرائها.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، إثر تجميدها من قبل الرباط عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000

.

تفاعل واسع

الإعلام الجزائري خصص حيزا مهما للرد على الريسوني، ومن ذلك ما ورد بجريدة "النهار" في 15 أغسطس 2022، والتي نقلت استياء حركة "البناء الوطني"، من تلك التصريحات التي وصفتها بـ"المثيرة للفتن بين الشعوب".

وأفادت "حركة البناء"، بأن التصريحات "صادمة لمشاعر الجزائريين"، وأن "خطابه متعال وأسلوبه استهتاري وغير مسؤول ومتطاول على سيادة الدول وكرامة شعوبها".

وخاطبت "حركة البناء" كل علماء الأمة المنضوين تحت لواء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بأن ترؤس الريسوني لهذه الهيئة "سيضر بمصداقيتها".

هذا الطلب، هو ما ذهبت إليه "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، التي نشرت بيانا في 18 أغسطس، دعت فيه الريسوني إلى الاستقالة من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، "لأنه بانحيازه المسموم قد فقد أهلية أن يكون على رأس هذا الاتحاد العلمائي".

وفي حال رفض الريسوني تقديم استقالته، أردف بيان الجمعية أن "تتم إقالته حفاظا على استقرار الاتحاد واستقلاليته من أي نزوة سياسية أو نعرة عصبية وتوسعية".

غير أنها أعلنت في 22 من الشهر نفسه، تجميد عضويتها بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك على خلفية تصريحات الريسوني.

أما موقع "الشروق أونلاين"، فنشر مقالا بعنوان "فقيه العرش يتطاول على الجزائر"، في 15 أغسطس، وقال إن الريسوني "وقع في سقطة كبيرة" حين حرض "على الجهاد ضد الجزائر"، و"استرجاع تندوف وضمها إلى المملكة"، واصفا تصريحاته بـ"الخطيرة على المستوى السياسي وعلى المستوى الشعبي".

ويقصد بـ"المخزن" السلطة السياسية التي تدير المملكة، وتعرف أيضا باسم "الدولة العميقة" أو "القصر".

أما صحيفة "الخبر"، فنشرت في 15 أغسطس 2022 مقالا بعنوان "ما صدر عن الريسوني سقطة خطيرة وصادمة لمشاعر الجزائريين"، استعرضت فيه ردود فعل حركتي "حمس" و"البناء" وعدد من الشخصيات الأكاديمية الجزائرية على التصريحات.

وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاستعمار الإسباني لها، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، قبل أن يتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.

وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح، كحل، حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب "البوليساريو" التي تدعمها الجزائر بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة.

الاتحاد يوضح

لهيب هذا الجدل بلغ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي أصدر توضيحا حول مقابلة الريسوني، في 15 أغسطس 2022، بعد مشاورة الرئيس وأعضاء الأمانة العامة.

وذكر الاتحاد أن "المقابلات أو المقالات لسماحة الرئيس، أو الأمين العام تعبر عن رأي قائلها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد".

وعد الاتحاد في التوضيح الذي نشره بموقعه الإلكتروني، ووقعه أمينه العام، علي محيي الدين القره داغي، "أن ما تفضل به فضيلة العلامة الريسوني في هذه المقابلة أو في غيرها حول الصحراء، هذا رأيه الخاص قبل الرئاسة، وله الحق في أن يعبر عن رأيه الشخصي مع كامل الاحترام والتقدير له ولغيره، ولكنه ليس رأي الاتحاد".

كما تفاعل حزب "العدالة والتنمية" المغربي مع تصريحات الريسوني، حيث نفى أمينه العام، عبد الإله بنكيران، أن تكون "تعبيرا عن موقف الحزب".

وأوضح بنكيران لموقع "عربي21" (مقره لندن)، أن "من يعبر عن موقف العدالة والتنمية هي مؤسساته الرسمية المخولة بذلك".

تفاعلا مع هذه التطورات، عد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العلي حامي الدين، أن الحملة الإعلامية على تصريحات الريسوني "ممنهجة، نظرا لما وقع فيها من تقول عليه وزيادة أو نقصان في كلامه، واجتزاء مقاطع منه وإعطائها مضامين عدوانية لأغراض ليست بريئة".

وقال حامي الدين لـ"الاستقلال"، إن "هذه الحملة الشعواء غاب فيها العقل والحكمة من طرف من يفترض فيهم ذلك"، مؤكدا أن "الريسوني معروف باستقلاليته ونزاهته الفكرية ودفاعه عن قيمة الحرية".

وعن ما عبر عنه الريسوني من آراء بخصوص قضية الصحراء، قال حامي الدين، إن "فهمها يستوجب الوعي أن استحضار الريسوني للبعد التاريخي في كلامه لا يعني أن لهذا البعد وظيفة سياسية اليوم، بقدر ما هو استحضار لحقائق تاريخية مع التسليم بالحقائق الموجودة اليوم على الأرض".

البعد الثاني لفهم تصريح الريسوني، وفق حامي الدين، "هو شرعي وديني بمفاعيل سياسية، وهو أن بيعة سكان الصحراء للملوك المغاربة لها مفعول إلزامي من الناحيتين الشرعية والقانونية أيضا، ما دام المغرب ظل يطالب بصحرائه وهي اليوم جزء من التراب الوطني، وهو يبسط سيادته عليها ويخوض معارك سياسية ودبلوماسية لانتزاع الاعتراف الدولي".

وتابع، البعد الثالث يتعلق بنقد السياسة الرسمية في التعاطي مع قضية الصحراء، وتنبيه صناع القرار في المغرب إلى ضرورة الرهان على الشعب من أجل حسم معركة الصحراء، وعدم الرهان على خيار التطبيع مع إسرائيل "الذي لن نحصد منه سوى السراب".

وأما البعد الرابع، يردف حامي الدين، فهو بعد إستراتيجي مرتبط بفهم الخلفيات الاستعمارية لقضية الصحراء المغربية، باعتبارها صناعة استعمارية، تماما كما هي الحدود المصطنعة في العالم العربي كله على خلفية اتفاقية "سايكس-بيكو"، واتفاقيات أخرى.

وشدد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، على أن "من لم يفهم هذه الخلفية الاستعمارية ويمتلك الإرادة الحقيقية لتجاوزها لا يمكنه الحديث عن بناء مغرب عربي كبير، ولا الحديث عن تكامل سياسي واقتصادي عربي".

الريسوني يتفاعل

هذا اللهيب من البيانات والتفاعلات الإعلامية دفع بالريسوني إلى الخروج بتوضيح إعلامي، حيث عد أن تصريحاته "كانت في واد بينما كانت الحملة ضدها في واد آخر".

وأوضح الريسوني لموقع "اليوم 24" المحلي، في 16 أغسطس 2022، أنه كان يتحدث بمنطق التاريخ والشرع والحضارة، "في المقابل كانت الردود عليه بمنطق سياسي تولاها أشخاص لهم مواقع سياسية بدأت تنكشف".

وتابع: "لم يكن وراء تصريحاتي أي حسابات سياسية"، مشيرا إلى أنه "حاليا لا يشغل أي منصب سياسي وليست لديه أي علاقة مع أصحاب المناصب السياسية".

وأضاف "إذا كانت السياسة تسيطر وتوجه ومنها السياسة الاستعمارية التي تجري الأمور برعايتها وفي رحابها فإنني والحمد لله متحرر من هذا كله، لذلك تحدثت عن العلاقات التاريخية المعروفة بين المملكة المغربية وبين الشمال الإفريقي كله ومع موريتانيا بصفة خاصة".

موريتانيا حاليا، يشدد الريسوني "دولة مستقلة واعترف بها المغرب، وهذا شأن السياسيين فليمضوا فيه، فأنا لا أنازعهم فيه وهو ما تضمنته تصريحاتي".

أما في معرض جوابه عن منتقدي دعوته تنظيم مسيرة إلى تندوف، فقال "من حق الشعب المغربي التواصل مع إخوانه وأبنائه المحتجزين في تندوف"، متسائلا: "لماذا هؤلاء هناك؟ من منعهم من الالتحاق بوطنهم وديارهم وقبائلهم؟".

وخلص الريسوني إلى أن المغاربة "مستعدون للتحاور مع الجزائريين حول العلاقة بين البلدين، ومستعدون للتحاور مع إخوانهم في تندوف بما يمكنه أن ينهي النزاع المفتعل هناك، وحل هذه المشكلة المصطنعة التي خلفتها الصناعة الاستعمارية".

نتفهم ولكن

عدد من الكتاب والشخصيات المغاربية عبرت عن تفهمها لتصريحات الريسوني، وإن اختلفت معه فيها أو لا تشاركه إياها.

ومن ذلك ما عبر عنه أستاذ الأخلاق السياسية، الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، والذي غرد عبر "تويتر" في 15 أغسطس 2022، قائلا: "تصريح الشيخ الريسوني، الذي أخالفه فيه، جاء في سياق المرارة المغربية من دعم مشروع انفصالي بالصحراء الغربية عمره نصف قرن".

وأكد الشنقيطي أنه "لا حل لقضية الصحراء إلا بحكم ذاتي للصحراويين ضمن المملكة المغربية، وفك الاشتباك بين المغرب والجزائر، تمهيدا لوحدة مغاربية يجد فيها الكل أنفسهم في فضاء مشترك خال من العصبيات".

من جانبه، قال الباحث السياسي والأكاديمي المغربي، أحمد بابانا العلوي، إن ما صدر من ردود متشنجة حول تصريح الريسوني، وتجريح وطعن وقدح نال الرجل، إنما يرجع في الأساس إلى سوء الفهم من طرف المتلقي غير الملم بنظام الخطاب المقاصدي.

وعد بابانا العلوي، في تدوينة نشرها بحسابه عبر "فيسبوك" في 17 أغسطس، أن "الذين يفهمون الخطاب المقاصدي باعتباره خطابا سياسويا يخطئون الفهم، لأن الرجل ليس برجل سياسة، فهو فقيه أصولي يفكر بمنطق وعقل فقهاء وعلماء أصول الفقه مثل الغزالي والشاطبي وابن خلدون والطاهر بن عاشور وعلال الفاسي".

وشدد على أن "رؤية الريسوني للبعد التاريخي تندرج ضمن المنهج المقاصدي الهادف إلى تحقيق وحدة المسلمين طبقا لمقتضيات الشارع، وبغض النظر عن نزاعات الدول وخلافاتها".

وتابع بابانا العلوي: "كما أن تأكيده على الشرخ الذي صنعه الاستعمار هو السبب في حالة التمزق التي تخدم أطماع الاستعمار وهيمنته، وأن الأصوليين يقفون عند هذا الشرخ كونه يمثل أحد عناصر الانفصام والاختلال التي تعطل حركة المسلمين من استرجاع قوتهم ومكانتهم في العالم".

وخلص إلى أن "غاية الخطاب المقاصدي هو الإصلاح والصلاح ببعده الإستراتيجي المستقبلي، من أجل أن تكون منطقتنا ودولنا وشعوبنا وقارتنا وأمتنا والإنسانية من حولنا في وئام وسلام.. وأن نكون كتلة متماسكة متضامنة قادرة على مواجهة التحديات في المستقبل المنظور والبعيد".

وبين كل هذه الآراء، ارتفعت أصوات من كلا الطرفين، المغربي والجزائري، تدعو إلى تبني منطق الاحترام المتبادل، والعمل على تجاوز كل ما يعيق الوحدة المغاربية وعودة البلدين إلى علاقات جوار طبيعية.

وفي هذا الإطار، أكد حامي الدين، لـ"الاستقلال" أن "طوق النجاة من كل هذه التجاذبات هو الاعتصام بعوامل الوحدة والتكامل والتعاون".

كما دعا إلى "نبذ كل أسباب الفرقة والتنازع والتطاحن، وتغليب لغة الحوار الهادئ والعقلاني، بعيدا عن حرب البيانات والهجوم الإعلامي".