البرهان رحب وحميدتي رفض.. هل ينجح الطيب الجد في لملمة شتات السودان؟
بعد تحركات تواصلت لأشهر، أصدر الإمام الصوفي الطيب الجد مع عدد من شيوخ الطرق الصوفية واحدة من أحدث المبادرات الرامية لإنهاء الأوضاع المعقدة في السودان.
مبادرة الطيب الجد التي ظهرت نهاية يوليو/ تموز 2022، وحملت اسم "مبادرة أهل السودان" كانت بمثابة حجر راكد في المياه السودانية المتوقفة، بالإضافة إلى أنها جمعت كثيرا من الفرقاء والخصوم.
ويأمل قطاع كبير من السودانيين أن تؤدي المبادرة إلى حلحلة الأوضاع القائمة، وتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ انقلاب الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على حكومة المكون المدني.
وتعالت تساؤلات عن هل تنجح هذه القامة الصوفية المعروفة بالحكمة والاعتدال هذه المرة فيما عجز عن فعله الوسطاء الأمميون والإقليميون، ليمهد لمرحلة جديدة في تاريخ السودان؟
قاض متمرس
بحسب سيرته الذاتية المتداولة على المواقع والصحف السودانية، فإن اسمه بالكامل هو الطيب الشيخ أحمد الجد العباس الشيخ محمد أحمد موسى محمد ود بدر.
وولد الطيب الجد عام 1930 بمدينة "أم ضوا بان" جنوب شرق العاصمة السودانية الخرطوم، وﺣﻔﻆ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم بكتاب مسجد جده ﺍﻟﺸﻴﺦ ود بدر ثم ﺍﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺄم دﺭﻣﺎﻥ.
والتحق الطيب بقسم الشريعة كلية الحقوق جامعة غردون عام 1955، وهناك تمرس في دراسة الشريعة الإسلامية، حتى تخرج عام 1959.
وفي نفس العام تم تعيينه في السلك القضائي، في منصب مساعد قضائي في الهيئة القضائية السودانية.
ثم تدرج في السلك القضائي حتى وصل إلى مرتبة قاضٍ بالمحكمة العليا السودانية.
بعدها عمل في جميع المديريات السودانية عدا المديريات الجنوبية الثلاث (إقليم بحر الغزال - الإقليم الاستوائي - إقليم أعالي النيل).
كما عمل في مناطق الخرطوم، والأبيض، وكسلا، وبورتسودان، ودنقلا، والحوش، والمناقل، وطوكر، ونيالا.
ويذكر أنه أثناء فترة عمله انتدب لمدة 5 سنوات للعمل في دولة قطر في عام 1992.
وبعد عودته واصل عمله كقاض في المحكمة العليا إلى أن وصل سن المعاش.
وفي عام 1998 أصدر رئيس الجمهورية (آنذاك) عمر البشير، قرارا بتكوين مجمع الفقه الإسلامي وعينه عضوا فيه ومسؤولا عن دائرة الفتوى الشرعية.
وحين توفي شيخ الطريقة القادرية الخليفة عثمان عمر بدر في أغسطس/آب 2002، آلت خلافة الطريقة إلى أبناء الشيخ الطيب بدر، وأجمعت أسرة ود بدر على اختيار الطيب الجد.
ومن أبرز سماته أنه أظهر موقفا مناهضا للتطبيع مع إسرائيل، وذلك بعد لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو في كمبالا مطلع عام 2020، وتعهد بمقاومة تلك الخطوة.
كما كان من أشد المعارضين بقوة لتغيير المناهج الدراسية خلال الفترة الأولى للحكم الانتقالي، بقيادة قوى الحرية والتغيير، حيث رأى أنها تجتزئ الإسلام، وتسعى إلى العلمانية وفرضها على التلاميذ والأجيال القادمة.
طاولة مستديرة
وبحضور عدد من سفراء الدول العربية والغربية وممثلي البعثة الأممية لدعم الانتقال بالسودان والاتحاد الإفريقي انطلقت في 13 أغسطس/ آب 2022، فعاليات المائدة المستديرة للحوار السوداني الذي دعت له مبادرة نداء أهل السودان.
وتتكون المائدة المستديرة من عدد من اللجان المتخصصة، في مقدمتها لجنة لمهام وهياكل الفترة الانتقالية، وأخرى للهوية وقضايا المجتمع، ولجنة للاقتصاد، بالإضافة إلى السلام والعدالة الانتقالية.
وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية، قال الجد "إن الرجاء لا ينقطع أن يلحق بدعوة الوفاق أبناء الوطن الذين لم تيسر لهم ظروفهم الحضور اليوم، وحتى إن تحفظوا أو عارضوا النداء فليس بيننا وبينهم إلا المودة في الوطن واحترام حقهم في الاختلاف".
وأضاف: "ستتواصل إن شاء الله مساعينا مع الجميع دون يأس أو قنوط، عسى الله أن يؤلف بين قلوب السودانيين أجمعين".
وتقوم مبادرة الطيب الجد على جمع كل أهل السودان بدون عزل لأي طرف، ليتم التوافق على رؤية لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية عبر حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية تركز على الأمور المعيشية والأمن وبسط القانون والعدالة وصولا لانتخابات يختار فيها الشعب قيادته.
كما أظهرت المبادرة تأييدها الكامل للقوات المسلحة في دفاعها عن البلاد، وشددت أن "الحفاظ عليها قوية مدعومة من شعبها لا ينبغي أن يكون محل خلاف أو مزايدات".
جامع الأعداء
وتوالت ردود الأفعال على مبادرة الجد، كان أبرزها التأييد الصريح من قائد الجيش البرهان، الذي قال نهاية يوليو، "نحن نؤيد كل مسعى يريد صاحبه أن يجمع أهل السودان وسيجد منا الدعم والسند لحين الخروج بالبلاد لبر الأمان".
مشددا "أن السلطة الحاكمة لن تستطيع فعل شيء بمفردهما".
وصرح البرهان أمام حشد من المواطنين بمنطقة ود أبو صالح شرق الخرطوم، قائلا "قبلنا بمبادرة رجل الدين المعروف الخليفة الشيخ الطيب الشيخ الجد ود بدر، للخروج من الأزمة الحالية كونه من الشخصيات صاحبة الثقة والاحترام".
وفي 15 أغسطس 2022، علق موقع "مستقبل 21" السوداني، على تلك المبادرة، بالقول إن الحالة نادرة وغير مسبوقة، إذ أعلن سلفيون على مستوى جماعات وأفراد، تأييدهم لنداء أهل السودان للتوافق الوطني.
وقال إنه "لأول مرة تتلاقى مجموعات سلفية تحت مظلة واحدة مع عدوها التقليدي الطرق الصوفية، لتنتقل العلاقة من مربع الحرب الشرسة إلى التهدئة والدخول في هدنة".
وأكد الداعية السلفي محمد مصطفي عبد القادر عقب خطبة الجمعة في 19 أغسطس، أنه وعلى الرغم من خلافاته مع الصوفية وانتقاده الحاد لهم من منبر مسجده بضاحية الفتيحاب بأم درمان، إلا أنه على وفاق تام مع بنود مبادرة الخليفة الطيب الجد، ويؤيد مبادرة أهل السودان بلا تحفظ.
كما أعلن تسخير منبره ومسجده حتى تنجح المبادرة وتبلغ منتهاها.
وأعلن الداعية السلفي، خطيب مسجد السلام بالطائف شرقي الخرطوم، مهران ماهر عثمان مناصرته مبادرة أهل السودان، وهاجم بعنف رافضيها تحت ذريعة أن من يقف عليها أحد شيوخ الطرق الصوفية.
ودعا مهران عموم السلفيين وقادة الجماعات الإسلامية والدعوية لدعم مبادرة نداء أهل السودان وابتدار حوار يشمل مكونات المجتمع السوداني كافة بلا استثناء.
كذلك أرسل الداعية السلفي المشهور عبد الحي يوسف من الأراضي التركية، مباركته للمبادرة.
وقال معقبا إنه "يدعو عقلاء السودان بمن فيهم السلفيون أن يتنادوا إلى كلمة سواء من أجل انتشال الشعب من الخلافات والفتن".
وأكد أن "المبادرة جاءت في الوقت المناسب ليتناسى الدعاة ورموز التنظيمات الإسلامية خلافاتهم ولو مؤقتا مع رجالات الطرق الصوفية".
رفض حاضر
على صعيد آخر، كانت هناك أطراف رافضة للمبادرة، على رأسها الحزب الشيوعي السوداني، الذي أعلن في 19 أغسطس، رفضه لمبادرة الطيب الجد، "نداء أهل السودان".
وأوضح الحزب في بيان أن السبب الرئيسي للرفض هو لقاء الجد برئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال "يونتاميس" فولكر بيرتس، ما يعني أن الأمر "محاولة لتطويق الثورة"، على حد زعم الحزب الشيوعي.
وأعلن القيادي بالحزب الشيوعي صدقي كبلو، أن الحزب ضد التسوية بأي شكل من الأشكال.
ورأى كبلو مبادرة الشيخ الطيب الجد تجميعا للقوى المضادة للثورة، وبالتالي أية محاولة للمواءمة مع هذه المبادرة تعني اتجاها ضد الثورة.
المثير أنه خلافا لتوجهات البرهان وقادة الجيش الداعمين لمبادرة الجد، جاء موقف نائب رئيس المجلس السيادي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، متجاهلا المبادرة.
وقال حميدتي في تصريحات يوم 17 أغسطس، إن "القوات النظامية لن تتراجع عن قرار خروجها من الساحة السياسية في البلاد".
وأضاف: "نريد الوصول لاتفاق سياسي ولا ننجر خلف أي مبادرة"، في إشارة منه إلى مبادرة الجد.
وهو ما يعضد من وجود خلافات مع البرهان، ويؤكد أن التوجهات بينهما صارت متباينة إلى درجات بعيدة.
وكذلك أعلنت قوى الحرية والتغيير، التي تقود المظاهرات، وحملة الحراك ضد إجراءات البرهان، أن المبادرة مرفوضة من جانبهم، لأنها تعد واجهة للنظام السابق، في إشارة إلى الرئيس المعزول عمر البشير.
المصادر
- سلفيون وصوفية … كيف جمع (الطيب الجد) الأعداء التاريخيين
- السيرة الذاتية للخليفة الطيب الجد
- الخليفة الطيب الجد: السودان يدعو الأصدقاء للمساعدة على تجاوز المرحلة الانتقالية
- الشيوعي يعلق على لقاء الطيب الجد وفولكر بيرتيس
- حميدتي: لن ننجر وراء أي “مبادرة” واستفسرت من يقف وراء مبادرة “الطيب الجد”
- البرهان رحّب بها.. "نداء أهل السودان" مبادرة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية