دماء على الحدود.. ما أسباب إشعال حميدتي وقواته صراعا محموما مع تشاد؟

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

توتر متصاعد ودماء على الحدود السودانية التشادية عقب مقتل 18 شخصا من مزارعي السودان، في اشتباكات قبلية على تخوم ولاية دارفور غربي البلاد بين مجموعة من القبائل العربية السودانية، وقبيلة الزغاوة وميليشيات تورا بورا التشادية.

الواقعة أثارت ردود فعل من الحكومة السودانية والأحزاب والرأي العام، خاصة أنها جاءت بالتزامن مع زيارة قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلى العاصمة التشادية إنجامينا، حيث التقى رئيس المجلس العسكري التشادي محمد إدريس ديبي.

ويبلغ طول الحدود التشادية السودانية 1403 كم وتمتد من النقطة الثلاثية مع ليبيا في الشمال إلى نظيرتها مع جمهورية إفريقيا الوسطى في الجنوب. ومن المستوطنات القريبة منها "الجنينة" حاضرة ولاية دارفور ومقر حميدتي، ومرتكز قوات الدعم السريع. 

اتهامات لحميدتي

وكانت الحكومة التشادية قد اتهمت قيادات عسكرية سودانية لم تسمها في 5 أغسطس/آب 2022، بتهديد أمنها عبر دعمها المباشر للمعارضة التشادية المسلحة المناوئة للحكومة، ولرئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد. 

وتتهم أطراف سودانية معارضة، حميدتي بإشعال الحدود مع تشاد لصالح روسيا، التي تسعى لتأسيس حزام من السودان وحتى موريتانيا لإعاقة تدفق الغاز النيجيري إلى أوروبا. لذلك تحرك داعموها الرئيسيون في إفريقيا. 

ولم يذهب حميدتي وحده إلى إنجامينا لحلحة الموقف المتوتر مع الجيش التشادي، بل سبقه حاكم إقليم دارفور "مني أركو مناوي" الذي التقى أيضا "محمد إدريس دبي". 

وجاءت تلك الزيارات عقب زيارة محورية أجراها وفد عسكري تشادي برئاسة وزير الدفاع الجنرال داؤود يحيى إبراهيم يرافقه رئيس أركان القوات المسلحة، وقائد القوات المشتركة التشادية، في 3 أغسطس 2022، إلى العاصمة السودانية الخرطوم. 

وهناك استقبلهم رئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان. 

حينها نقلت وسائل إعلام سودانية، مثل صحيفة "حرة نيوز" و"التغيير" أن الجانب التشادي متململ من التحركات الحدودية لقوات الدعم السريع. 

بعدها مباشرة أقدم حميدتي ومناوي على إنجاز زيارة سريعة إلى إنجامينا، لكن الأوضاع كانت قد تفاقمت وأريقت الدماء. ولم تكن هذه السابقة الأولى للاشتباكات بين الدعم السريع ومليشيات تشادية. 

ففي 4 يوليو/تموز 2022، نشرت صحيفة "تشاد وان" الناطقة بالفرنسية، أن قتالا عنيفا اندلع بين مليشيا "تورو بورو" التشادية المتمردة وقوات حميدتي، ما أدى إلى مقتل مدنيين تشاديين داخل المدن الحدودية مثل "بالي وسوجوني" 

وأرجعت الصحيفة التشادية أن أصل الصراع الدامي يعود إلى توغل 300 عربة مدججة بالسلاح مليئة بمليشيات الدعم السريع والحركات السودانية المسلحة إلى المناطق التشادية. 

وقتها اشتبكوا مع جماعات تورو بورو التي تضم فرقا أيضا في السودان بحكم الولاءات والانتماءات العشائرية، لكن معظمها بالفعل قد غادر الخرطوم قبل سنوات.

ومع ذلك التغول اندلع القتال الشرس الذي أزعج إنجامينا لتنقل احتجاجها إلى الخرطوم. 

هذا الصراع الشرس دفع إلى التساؤل عن سر تصعيد حميدتي في هذا التوقيت.

أجابت الناشطة والإعلامية السودانية، رشان اوشي، عبر منشور لها، على موقع "فيسبوك"، وقالت: "تحاول مرتزقة فاغنر الروسية توسعة نشاطها في المنطقة بالتمدد إلى تشاد، النيجر، مالي وهي مناطق نفوذ فرنسي". 

وأضافت: "تقاطع مراكز القوتين نتجت عنه محاولة نافذين سودانيين (حميدتي) للضغط لصالح النشاط الروسي بافتعال نزاع قبلي يخلص إلى إغلاق الحدود".

وذكرت أنهم "حاولوا دفع مجلس الأمن والدفاع السوداني لذلك ولكن مقترح إغلاق الحدود قوبل بالرفض، وما يحدث يشير إلى فشل تام في مراكز صنع القرار".

توريط للسودان 

ومع تلك التداعيات المتصاعدة، عم الرأي السوداني غضب عارم نتيجة الدماء التي أسيلت عبر الحدود، وسقوط مدنيين سودانيين. 

وفي 7 أغسطس 2022، حملت لجنة أطباء السودان المركزية، الجيش وقوات الدعم السريع، المسؤولية كاملة عن سقوط عشرات القتلى على يد القوات التشادية.

وباختلاف الرواية التشادية بتغول الدعم السريع، ذكرت لجنة الأطباء أنه حسب شهود عيان فإن المجموعة المعتدية عبرت الحدود السودانية قادمة من تشاد وهي مدججة بالسلاح.

وأسفت اللجنة بحسب بيانها لهذه الحادثة المؤلمة التي تؤكد بأن تكرار هذه الحوادث وتعدي سكان دول الجوار على المواطنين السودانيين وأراضيهم وممتلكاتهم يعد سقوطا مروعا للسيادة الوطنية. وأكدت أن البلاد تعيش فوضى وصراعا إقليميا وضعفا أمنيا رهيبا.

كما أن استمرار انتهاك سيادة البلاد بصورة دائمة كما حدث في شرق السودان بالأمس مع الصمت المريب لهذه السلطة يجعل جميع من يشارك في هذا الضعف متهما يجب أن يحاكم قانونيا وأخلاقيا.

تلك التوترات بين السودان أو الدعم السريع تحديدا، وتشاد ليست سهلة أو عابرة، فالمجلس العسكري التشادي يتحكم في جيش وقوة قتالية كبيرة. 

وبحسب تقرير موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي المختص في تصنيف الجيوش، الصادر في يناير/كانون الثاني 2022، يحتل الجيش التشادي المرتبة رقم 90 بين أقوى 140 جيشا في العالم.

ويتولى الأمور في دولة مساحتها تتجاوز 1.2 مليون كيلو مترا مربعا، وعدد سكانها يتجاوز 16.8 مليون نسمة.

كما أنه مؤهل للخدمة العسكرية أكثر من 3 ملايين نسمة. ويصل إلى سن التجنيد سنويا 343 ألف فرد.

بينما يقدر عدد القوات العاملة في الجيش التشادي بـ 30 ألفا و500 جندي، إضافة إلى 4 آلاف و500 فرد في قوات شبه عسكرية.

أما "الدعم السريع" بقيادة حميدتي، فهم قوة من الجيش وإن كانت تتمتع بوضع انفصالي، تقدر بزهاء 40 ألف مقاتل مدججين بأسلحة ثقيلة ومتوسطة.

السياسي السوداني إبراهيم عبدالعاطي، عقب في حديثه على التوترات الأخيرة مع المجلس العسكري التشادي، بالقول "إن المخطط واضح ولا يدع مجالا للشك، بأن حميدتي والحركات المسلحة في دارفور يجرون البلاد إلى صراع غير محسوب، لن يؤدي إلى مزيد من ضعف الدولة فحسب، بل سيفككها تماما". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "يبدو أن هذا المخطط يجرى على قدم وساق، بعدما عجزت القوى الإقليمية المناوئة للخرطوم عن إعادة هيكلة الجيش والأمن وفق إرادتها، فتريد إشعال صراعات داخلية وخارجية، تتورط تلك الأجهزة  فيها كما حدث قديما في الحرب الأهلية في دارفور، وفي انفصال جنوب السودان". 

واستطرد: "لم نر قوات حميدتي والدعم السريع في حرب الفشقة، لم يدافعوا عن المواطنين، ولم يحرروا أرض الوطن، بل تقاعسوا عن الدخول في أي اشتباك ضد إثيوبيا، والآن تتجاوز قواته الحدود وتشعل صراعا مع حركات متمردة في تشاد". 

وتساءل: "أركو مناوي وجبهته الثورية، الذين احتلوا العاصمة من قبل بـ 300 عربة مدرعة عام 2021، وتمركزت قواتهم في مختلف المناطق، لماذا تنطلق فيالقه في الإقليم المجاور، ومن الذي دفعه لهذا؟". 

وشدد: "كل هذا يجعل من فكرة دمج الحركات والمليشيات وإقامة جيش موحد أمر لا بد منه إذا أردنا أن نرى السودان قويا ومتقدما، وإلا فنحن أمام عشرية سوداء قادمة، ستحطم فيها جذور الدولة والمجتمع، وتتحول إلى شيعا وجماعات".

واختتم: "عندها فقط سيشعر حميدتي بقوته وإنجازه وأنه بالفعل أقوى رجال السودان، لا خصومه من بقية الجنرالات على رأسهم عبدالفتاح البرهان".