موريتانيا تشتعل بعد رفع أسعار المحروقات.. الخطوة التالية إلغاء الزيادة أم الدعم؟
قرار الحكومة الموريتانية بزيادة أسعار المحروقات بنسبة 30 بالمئة دفعة واحدة، أثار سخطا شعبيا ورفضا من قوى المعارضة، وسط مخاوف من رفع الدعم بشكل نهائي عن المحروقات جراء الارتفاع العالمي للأسعار.
وفي 15 يوليو/تموز 2022، أعلنت الحكومة عن الزيادة في أسعار المحروقات بنسبة 30 بالمئة، إذ ارتفع سعر لتر السولار إلى 490.96 أوقية (1.363 دولار)، وسعر لتر البنزين إلى 560.64 أوقية (1.557 دولار).
فيما بررت الحكومة هذه الزيادة بارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات جائحة "كورونا".
قرار خطير
وقال وزير البترول والمعادن والطاقة، عبد السلام ولد محمد صالح، إنه "لم يعد بالإمكان استمرار الدعم الحكومي للمحروقات"، مضيفا أنه إذا استمر الدعم كما كان "ستضطر الدولة إلى وقف البرامج الاجتماعية".
وأكد وزير البترول، عبر بيان في 21 يوليو/تموز 2022، أنه "كلما طال الزمن كلما كانت الضريبة والصدمة أكبر، لذا قررت الدولة تقليص هذا الدعم".
بدوره، قال وزير المالية، إسلمو ولد محمد امبادي، إن "الدولة دأبت على دعم المحروقات، وبلغة الأرقام فإن سعر اللتر الواحد من المازوت يصل إلى 710 أوقية (الدولار الواحد يعادل 356 أوقية)، في حين يباع لدى المحطات بـ384 أوقية".
وأضاف الوزير خلال مداخلته في جلسة علنية بالجمعية الوطنية (البرلمان) في 26 يوليو، أن "الدولة كانت تتكفل على الدوام بالفارق، وهو أمر غير قابل للاستمرار، ومن هنا جاءت زيادة 115 أوقية لكل لتر من المازوت، و130 أوقية للتر البنزين، وما زالت الدولة تتحمل ثلثي مبلغ الدعم".
تبريرات الحكومة لم تنجح في تهدئة الشارع وقوى المعارضة، حيث خرجت مظاهرات في العاصمة نواكشوط، ومدن أخرى للمطالبة بالتراجع عن قرار الزيادة، كما حذرت قوى المعارضة من دفع البلاد في اتجاه الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
وفي 18 يوليو 2022، شهدت العاصمة نواكشوط مظاهرات غاضبة تصدت لها قوات الأمن التي انتشرت بشكل مكثف وسط المدينة تحسبا لأي احتجاجات.
قوات الأمن فرقت جميع المظاهرات التي خرجت احتجاجا على قرار الزيادة، مستخدمة العصي وقنابل الغاز المسيل للدموع، كما رفضت السلطات الترخيص لمسيرة دعا لها حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (أكبر أحزاب المعارضة) للتنديد بهذه الزيادة.
وعد حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية-تواصل" أن "الحكومة التي جبت عشرات المليارات من جيوب المواطنين من فارق الأسعار الموجب خلال السنوات الأخيرة، وهي تتخذ هذا القرار الخطير، تعرض الأمن الحياتي والغذائي للخطر".
وناشد الحزب في بيان له "القوى السياسية والمجتمعية وهيئات المجتمع المدني إلى التوحد في عمل سياسي نضالي سلمي يحمي المواطنين من سياسات التفقير والغلاء التي تطحنهم بدون رحمة".
وعبر الحزب عن "استنكاره الشديد لإصرار السلطات على خرق الدستور والقوانين المعمول بها ودفعها للأوضاع في اتجاه الغلاء المعيشي والاحتقان السياسي".
وأكد على "وقوفه إلى جانب المواطنين المهمشين ودعمه لنضالاتهم السلمية حتى انتزاع حقوقهم المشروعة".
استياء عارم
زعيم المعارضة، إبراهيم ولد البكاي، وصف قرار زيادة أسعار المحروقات بـ"الخطوة الصادمة" للرأي العام الموريتاني.
وقال ولد البكاي، في بيان صادر عنه في 20 يوليو 2022، إن "القرار خلف استياء عارما في الشارع، خاصة لدى الطبقات الهشة التي تكتوي بنار الأزمة الاقتصادية في ظل غياب برامج حكومية مؤثرة".
وطالب الحكومة بـ"التراجع عن زيادة أسعار المحروقات، وتكثيف العمل لتلافي تدهور أوضاع المواطنين قبل فوات الأوان".
من جهته، دعا "ائتلاف قوى التغيير" (يضم ثلاثة أحزاب معارضة) إلى "التعبئة السلمية لمواجهة قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات"، قائلا أن هذا القرار "يهدد السلم في البلاد".
ووصف الائتلاف الذي يضم أحزاب "تكتل القوى الديمقراطية"، "اتحاد قوى التقدم"، و"التناوب الديمقراطي" زيادة سعر المحروقات بـ"العمل الاستفزازي ضد المواطنين، بكافة فئاتهم الاجتماعية وخاصة الطبقات الفقيرة".
أما حزب "الإنصاف" الحاكم في موريتانيا، فقد دعا رئيسه، محمد ماء العينين ولد أبيه، الحكومة إلى العمل من أجل الرجوع إلى الوضعية الطبيعية لأسعار المحروقات "التي فرضت الظروف الدولية خفض الدعم الحكومي لها"، على حد تعبيره.
وأوضح في مهرجان لحزبه بالعاصمة نواكشوط في 20 يوليو، أن الدولة "ما زالت تتحمل عن المواطن جزءا كبيرا من أعبائها"، مؤكدا وقوف الحزب إلى جانب المواطنين في هذه المسألة.
وشدد رئيس "الإنصاف" على أن الحزب "يقاسم المواطنين نفس المعاناة، ولن يدخر جهدا في مطالبة الحكومة بتحسين ظروفهم".
القيادي بحزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، سيدي ولد عبد المالك، عد أن زيادة أسعار المحروقات خلفت تأثيرات مباشرة على باقي المواد والخدمات حيث ارتفعت الأسعار وتذاكر النقل سواء داخل الولايات أو فيما بينها.
وأضاف ولد عبد المالك، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذه الخطوة "تأتي في وقت تزداد فيه القدرة الشرائية للمواطنين تدهورا"، مشيرا إلى أن البنك الدولي رصد ارتفاع التضخم إلى 8،8 بالمئة خلال العام 2022 بينما كان في حدود 2 بالمئة عام 2021.
ولفت القيادي بحزب "تواصل"، إلى أن "الزيادة في أسعار المحروقات تأتي في ظل المخاوف من الأزمات الغذائية التي تهدد بعض مناطق الوطن حسب ما أعلنته منظمات الإغاثة العالمية".
وحذر من أن "الخطوات المتبعة من طرف الحكومة ستزيد من صعوبة أحوال المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، في ظل غياب سياسات تدخل ناجعة للتخفيف من وطأة الفقر والبطالة".
متهور ومرتجل
في المقابل، يرى الاقتصادي الحسين ولد اعمر جودة، أن "مؤشر التضخم بلغ في يونيو/حزيران 2022، حسب المؤشر الوطني لأسعار الاستهلاك 6.1 بالمئة"، مضيفا أنه "سجل ارتفاعا بلغ 1 بالمئة مقارنة بمستواه في يوليو 2022".
وأوضح ولد اعمر جودة، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هذا الارتفاع نتج عن زيادة الاستهلاك بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2022، وأساسا ما يتعلق بالمنتجات الغذائية والمشروبات غير الكحولية والأسماك والخضروات والزيوت والمواد الدهنية والخبز والحبوب".
وسجل أن "ارتفاع حجم الاستهلاك كان في يونيو أي قبل ارتفاع سعر المحروقات الذي تدعمه الحكومة منذ عقود"، مشيرا إلى أن "الحكومة تدعم حاليا المحروقات بواقع 29 أوقية للتر المازوت و21.5 أوقية للتر البنزين".
وأمام هذا الاصطفاف السياسي والشعبي ضد قرار رفع أسعار المحروقات، تعهد رئيس البلاد، محمد ولد الشيخ الغزواني، بالتراجع عن قرار زيادة أسعار المحروقات مباشرة عند حدوث أي تغيير على مستوى الأسعار عالميا.
جاء ذلك في تغريدة عبر "تويتر"، نشرها رئيس "اتحاد أرباب العمل"، زين العابدين ولد الشيخ أحمد، تعليقا على لقاء خص به الرئيس ولد الغزواني المكتب التنفيذي الجديد لاتحاد أرباب العمل.
واستعرض فخامة رئيس الجمهورية بتفصيل انعكاسات ارتفاع الأسعار عالميا على المستوى المحلي والتي دعت الحكومة لتخفيض دعم المحروقات بنسبة ثلاثين بالمائة مع الابقاء على نسبة سبعين بالمائة من الدعم مؤكدا أن الامر يرتبط بالتعاطي مع ظرفية خاصة وسيتم العدول عنه عند حدوث أي تغيير على مستوى
— Mohamed Zein El Abidine Ould Cheikh Ahmed (@ZeinCheikh) July 20, 2022
وقال ولد الشيخ، إن رئيس الجمهورية استعرض "انعكاسات ارتفاع الأسعار عالميا على البلاد"، وعد أنها أرغمت "الحكومة على خفض الدعم عن المحروقات بنسبة 30 بالمئة".
وبخصوص سبل مواجهة هذه الزيادة في المحروقات، قال السياسي ولد عبد المالك: "لقد دعونا لمسيرة شعبية احتجاجا على الغلاء ورفع أسعار المحروقات، ومنعها النظام دون تقديم مبرر".
وأكد لـ"الاستقلال" أنه "نحاول تنسيق بعض الجهد الاحتجاجي مع قوى المعارضة التي وجهنا لها دعوة لمشاركتنا في عمل نضالي لإجبار الحكومة على التراجع عن هذا القرار المتهور والمرتجل".
أما الاقتصادي ولد اعمر جودة، فيرى أنه مع ارتفاع أسعار المحروقات فإن ذلك "سيشكل لا محالة تكلفة جديدة على المستهلك وذلك لتعرض موريتانيا ككل بلدان العالم لجائحتين كبيرتين، جائحة كوفيد وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية (التي بدأت في 20 فبراير 2022)".
وأكد جودة، لـ"الاستقلال" أن "هناك مطالب من الجميع سواء أغلبية أو معارضة لتخفيض أسعار المحروقات".
وأشار إلى أن "رئيس حزب الإنصاف، الناطق باسم للحكومة، ماء العينين ولد ابيه، دعا في آخر مهرجان حزبي الحكومة لتخفيض أسعار المحروقات في أقرب وقت كلما انخفضت أسعار المحروقات العالمية".
ورغم هذا الرفض الشعبي والحزبي للزيادة في أسعار المحروقات، ربما ليس من المحتمل تراجع الحكومة عن هذه الزيادة، بل قد تمضي في طريق رفع الدعم بشكل نهائي عن المحروقات، خاصة في ظل تصريحات متواترة لمسؤولين بخصوص صعوبة الاستمرار في الدعم الكامل للمحروقات.