لإعادة إنتاج النفط الليبي.. ما دور الإمارات في الوساطة بين الدبيبة وحفتر؟

12

طباعة

مشاركة

تمكنت ليبيا من العودة بإنتاجها اليومي من النفط في بعض المنشآت إلى مستويات ما قبل أبريل/نيسان 2022 بعد نحو ثلاثة أشهر من "الإغلاق القسري".

وبدأ الإغلاق المذكور عقب تغيير رئيس الشركة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله وتعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة مكانه في 27 يونيو/حزيران 2022 بعد وساطة إماراتية.

وقال وزير النفط محمد عون في 31 يوليو/تموز 2022 إن "إنتاج ليبيا اليومي من الخام بلغ 1.2 مليون برميل"، ما يعني أنه وصل إلى مستويات ما قبل إعلان "القوة القاهرة" أي عدم القدرة على الإنتاج، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

وأكد موقع "أويل برايس" إحدى أكبر المنصات الإلكترونية المهتمة بالطاقة عبر العالم في 26 يوليو 2022 أن ليبيا زادت الإنتاج ووصلت لمعدلاتها السابقة بعدما تسببت الخلافات السياسية في شل صادرات النفط بشدة.

وقفز إنتاج ليبيا خلال أيام من نحو 800 ألف برميل وصعوده إلى مليون و200 ألف، بعد أنباء عن دور إماراتي لعقد صفقة بين رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" عبد الحميد الدبيبة واللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر.

وتشهد ليبيا الغنية بالنفط، انقساما سياسيا وصراعا على السلطة بين حكومتين، إحداهما حكومة فتحي باشاغا، التي كلفها مجلس النواب مطلع مارس/آذار 2022، وحكومة "الوحدة الوطنية" التي يرأسها الدبيبة، وترفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب.

وتأتي عودة الاستقرار لتدفق النفط الليبي بطاقة قصوى، ضمن خطة غربية لتعويض الوقود الروسي ببديل آخر، عبر دفع دول عربية منها السعودية وليبيا والجزائر لزيادة إنتاج النفط والغاز، رغم الغضب الأميركي لإقالة "صنع الله" المقرب من الغرب.

تفاصيل المفاوضات 

في 19 أغسطس/آب 2021 طلب محمد عون من الحكومة استبدال مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية الحكومية، بما في ذلك رئيسها الذي ظل لفترة طويلة في منصبه، بحسب موقع "بلومبيرغ" الأميركي.

لكن ظل "صنع الله" مع ذلك في منصبه رافضا الاستقالة، فعاد وزير النفط ليتهم الأول في 30 مارس 2022 بعدم الشفافية.

قال لبرنامج "فلوسنا" على فضائية "دبليو تي في" الليبية، إن تقارير ديوان المحاسبة أشارت إلى أنه منذ عام 2012 لم تُراجع كشوف حسابات المؤسسة ولا الشركات النفطية.

واتهم صنع الله بإهدار 10 مليارات و900 مليون دينار ليبي (2.3 مليار دولار أميركي) كانت لدى الشركات الأجنبية، ولم تطالب بها المؤسسة، وعدم رده على مخالفات، ورفضه دفع مبلغ 10.9 مليارات دولار للخزانة العامة.

جاءت فرصة عزل "صنع الله" عقب إغلاق قبائل تابعة للانقلابي حفتر، حقول النفط والموانئ في شرق ليبيا أبريل 2022، وإعلان المؤسسة الرسمية حالة "القوة القاهرة".

حينئذ طالبت العشائر عبد الحميد دبيبة، بالتنحي، وانخفض إنتاج ليبيا من النفط خلال الإغلاق إلى أقل من 600 ألف برميل يوميا، بينما كان 1.2 مليون برميل يوميا في عام 2021.

ويدرك حفتر أنه لا يمكنه إغلاق النفط لأوقات طويلة، لأن من شأن ذلك أن يفجر في وجهه غضبا شعبيا، وضغوطا دولية، ولذلك سارع للاتفاق مع حكومة الدبيبة على فتح المنشآت النفطية، مقابل تعيين أحد الموالين له على رأسها.

وساهم في تعجيل اتفاق حفتر والدبيبة المظاهرات التي اندلعت في مختلف المدن الليبية أول يوليو 2022، وطالبت برحيل جميع الوجوه السياسية الحالية، بسبب انقطاعات الكهرباء ساعات طويلة بعد غلق المنشآت النفطية.

إذ إن حفتر يريد ضمان حصة من عائدات النفط، ولا يمكنه الصمود أكثر أمام الضغط الشعبي والدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تريد التدفق الطاقي الليبي نحو أوروبا، لتخفيف تداعيات العقوبات على روسيا.

بالمقابل، يدرك الدبيبة أن عدم حل أزمة انقطاع الكهرباء سريعا، من شأنه الإطاحة بحكومته شعبيا، والاتفاق مع حفتر لفتح منشآت النفط.

وكان من الواضح أيضا أن الدبيبة يسعى من وراء الصفقة لتفكيك "التحالف الشرقي" الذي شُكِل لجعل فتحي باشاغا رئيسا جديدا للوزراء. 

وحفتر هو أحد الداعمين الرئيسيين لهذا التحالف، إلى جانب رئيس البرلمان عقيلة صالح، وذلك بحسب ما نشر موقع "إفريقيا انتليجنس" الاستخباري الفرنسي في الأول من يوليو 2022.

بالمقابل ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في 31 يوليو 2022 أن صفقة تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط ستؤدي إلى اكتساب حفتر نفوذا أكبر، مشيرة لاحتمال أن تكون هناك صفقة أوسع بينه وبين الدبيبة.

أشارت إلى أن إطاحة الدبيبة بـ"صنع الله" قد تدفع مؤسسة النفط إلى مواجهة سياسية، وتسييس هذا القطاع، لافتة إلى أن السيطرة على العائدات كانت في قلب الصراع بليبيا.

لكنها توقعت ألا تؤدي هذه الصفقة لمنح حفتر بالضرورة، حصة أكبر من عائدات النفط التي يطالب بها، إلا أنها ستعزز قدرته على الضغط للحصول على حصة أكبر من الميزانية.

وألمحت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 18 يوليو 2022 إلى وجود نوع من "التحالف غير المعلن" بين الدبيبة وحفتر بشأن النفط.

ذكرت أن الدبيبة، "أبرم تحالفا غير متوقع مع عدوه السابق، أمير الحرب في الشرق خليفة حفتر لتعزيز وقف هش لإطلاق النار وإنهاء الحصار النفطي المستمر منذ أشهر.

وقد ظهرت خلافات بين القوى الفاعلة في طرابلس ما بين مؤيدة ومعارضة للصفقة الغامضة التي تؤكد تقارير أن الإمارات توسطت فيها.

وقال المعارضون للصفقة إنهم يخشون أن تفضي ترتيباتها إلى تعزيز فرص حفتر السياسية التي تضاءلت منذ فشل حملته العسكرية التي شنها على العاصمة طرابلس في أبريل 2019.

أدوار وخلافات

كان لافتا أن استئناف التصدير جاء عقب تفاهم جرى بين رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، عبد الحميد الدبيبة، و"صدام" نجل خليفة حفتر، توج بتغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في صفقة تردد أن الإمارات رعتها بطلب من أميركا.

اجتمع ممثلو الدبيبة وحفتر في مفاوضات "سرية"، لدعم الأول في سعيه لتعيين رئيس جديد لمؤسسة النفط، مقابل اختيار موال لحفتر لرئاستها، بحسب ما نشر موقع "إفريقيا إنتليجنس".

مثل رئيس الحكومة المذكور ابن أخيه ومستشاره الخاص إبراهيم الدبيبة وسفيره في أبو ظبي سفيان الشيباني، أما حفتر، فمثله أحد أبنائه، وهو صدام، وأيضا فرحات عمر بنقدارة، آخر محافظ لمصرف ليبيا المركزي في عهد نظام معمر القذافي.

"بنقدارة" الذي كان يعيش في دبي، ويحظى بإنصات حفتر له، ورُشح كرئيس للبنك المركزي "المعاد توحيده" عام 2019، بات هو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، وتسلم منصبه في 14 يوليو 2022 نتيجة الاتفاق.

وهاجم رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط المُقال، صنع الله، صفقة الدبيبة وحفتر وقال إنها جرت في أبو ظبي برعاية إماراتية، وهاجم خلفه "فرحات بن قدارة"، متهما إياه بـ"التآمر" مع الإمارات، والتفريط في 600 مليون دولار سنويا لإرضائها.

لذلك حرص ابن قدارة الرئيس الجديد لمؤسسة النفط على التأكيد أنه سيعمل على منع التدخل السياسي في هذا القطاع الذي سقط فريسة للصراعات، رغم أنه موال لحفتر ضمنا.

وكبادرة على التقارب الكبير بين الدبيبة والإماراتيين في مفاوضات النفط، اتخذت أبو ظبي قرارا بوقف تمويل ثلاث قنوات تلفزيونية موجهة إلى ليبيا كانت تمولها على مدى السنوات السبع الماضية ضد الثورة.

وهي قناتا "218 نيوز" و"218 العامة" اللتان نقل مقرهما إلى برشلونة بعدما كانت تبث من العاصمة الأردنية عمان، بالإضافة إلى قناة "ليبيا روحها الوطن" التي يديرها السفير الليبي السابق لدى الإمارات، العارف النايض.

بعد أيام من غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، سارع السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند في مارس 2022 لاقتراح آلية دولية لإدارة أموال النفط الليبي.

وبرر ذلك بـ "منع اتساع نطاق الأزمة لتشمل حربا اقتصادية من شأنها أن تحرم الليبيين من الرواتب والسلع المدعومة والاستثمارات الحكومية وتؤثر على أسواق الطاقة العالمية".

وخلال لقائه في طرابلس بمسؤولين ليبيين معنيين بملف النفط نهاية يونيو 2022، عبر السفير الأميركي "نورلاند" عن قلقه من أن "يستخدم هذا القطاع كسلاح أو أن تتخذ قرارات أحادية الجانب تؤثر على إنفاق عائداته".

كانت خطة واشنطن وأوروبا أن يتولى مسؤولية نفط ليبيا "إدارة دولية"، شبهها بعض الليبيين ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي وضعته الأمم المتحدة في العراق (1995).

لذلك شكلت إقالة مصطفى صنع الله، المقرب من واشنطن، نكسة للخطة الأميركية لإدارة العائدات النفطية الليبية، التي تسعى من خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون للبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين.

وانبرى غالبية المسؤولين في ليبيا لانتقاد الخطة الأميركية الأممية لإدارة نفط البلاد كما فعلوا مع العراق بعد الغزو عام 2003.

فقد أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في 29 يوليو 2022 خلال لقائه برئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، بالعاصمة الزامبية لوساكا، حرصه على "ملكية إدارة الأموال لليبيين دون غيرهم".

جاء تصريح المنفي ليعبر عن رفض ضمني للخطة الأميركية لإدارة دولية لأموال قطاع الطاقة، التي يشبهها بعض الليبيين ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي وضعته الأمم المتحدة في العراق (1995).

وانتقد بيان لوزارة النفط والغاز في 22 يوليو 2022 تصريحات مسؤولة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز وسفير الولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند "بسبب محاولاتهم فرض رؤية أجنبية على إدارة ليبيا لقطاعها النفطي".

عبرت الوزارة عن استهجانها ورفضها لمحاولاتهما التحكم في النفط الليبي، وقالت إن هذا "يمثل تعديا على سيادة بلادنا".

وشددت على أنه: "لا يصح أن يتدخل مسؤول أجنبي من أي دولة أو منظمة في شأن تغيير مسؤولي قطاع النفط والطاقة بليبيا، أو معارضة تغيير قيادة المؤسسة المسؤولة عن أهم موارد ثروات الليبيين الذين ضاقوا ذرعا بالتدخلات الأجنبية".

نحو حل سياسي؟

لكنها طمأنت "شركاءنا الأجانب" أنه مع مطلع أغسطس/آب 2022 سيصل إنتاج ليبيا إلى مليون ومائتي ألف برميل، وهو ما حدث بالفعل.

ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة ترفض الصفقة التي توسطت فيها الإمارات، لكنها كانت تسعى لوضعها تحت إشراف دولي لضمان ألا يتعرقل ضخ نفط ليبيا في الأسواق كبديل عربي آخر عن وقود روسيا.

فقد أقلق غلق حفتر منشآت النفط، واشنطن، وأثار شكوكا لديها حول دور خفي لشركة فاغنر الروسية في دفع اللواء المتقاعد وأنصاره لقطعه ما شكل عاملا إضافيا ضاغطا على أسعار الطاقة.

وقال مصدر ليبي مطلع في 30 يوليو 2022 إن مقترح الاتفاق بين الدبيبة وحفتر مدعوم بشدة من كل من المملكة المتحدة وإيطاليا التي دخلت بقوة على خط الوساطة بين الطرفين من أجل إنقاذ العملية السياسية، وفق موقع "مدى مصر". 

بينما تعارضه كل من فرنسا ومصر، عكس الإمارات التي تدخلت في عملية الوساطة بين الطرفين نظرا لعلاقاته الوطيدة مع الدبيبة وحفتر.

رجحت مصادر ليبية أن تكون صفقة الدبيبة وحفتر مقدمة لاتفاق أوسع يشمل تسليم دواوين الحكومة في شرق البلاد وجنوبها إلى حكومة الوحدة الوطنية، وفك حفتر الارتباط مع الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

اعتبرت أن قرار إقالة مصطفى صنع الله وتعيين فرحات بن قدارة خلفا له يحمل في طياته أكثر من مغزى إستراتيجي من شأنه إعادة ترتيب التحالفات السياسية والأمنية القائمة بين شرق البلاد وغربها.

وأهم مؤشرات تغير هذه التحالفات إنهاء الجهات التابعة لخليفة حفتر، إغلاق الحقول والموانئ النفطية بمجرد تعيين بن قدارة رئيسا لمؤسسة النفط، رغم أن مطلبها الرئيس كان تسليم الدبيبة السلطة لفتحي باشاغا، المعين من برلمان طبرق.

وقالت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية "كلوديا غازيني" إن تغيير قيادة مؤسسة النفط "قد يكون جزءا من صفقة أوسع تهدف إلى إقناع حفتر بتحويل دعمه إلى الدبيبة، بعيدا عن فتحي باشاغا"، وفق صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.

ونقلت الصحيفة في 31 يوليو عن مدير مكتب ليبيا للاستشارات محمد الجارح: "يشعر الدبيبة أن الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها البقاء في السلطة لفترة أطول هي الدخول في صفقة مع حفتر وإبعاده عن باشاغا".

كان من ضمن هذه الحلول السياسية التي خلفها اتفاق النفط بين بشكل غير مباشر، عقد اجتماع هو الأول من نوعه في 19 يوليو بالعاصمة الليبية طرابلس، التي لم يدخلها أتباع اللواء المتقاعد، حضره رئيس أركان قوات حفتر عبد الرزاق الناظوري، فضلا عن أعضاء اللجنة العسكرية من الشرق الليبي.

زيارة الناظوري، فتحت الباب مجددا للحديث عن وجود صفقة سياسية خفية بين حفتر والدبيبة، انتهت بإسقاط رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.

وعسكريا كانت هذه الزيارة التي شهدت لقاء مع رئيس الأركان العامة بطرابلس الفريق أول محمد الحداد، في إطار استكمال عمل اللجنة العسكرية 5+5، مهمة لجهة مناقشة الخطوات الرامية إلى توحيد المؤسسة العسكرية، وترحيل مرتزقة أجانب.

وهذه الخطوة لاقت ترحيبا أمميا وأميركيا، فقد أشادت السفارة الأميركية في ليبيا بالتقدم المحرز نحو "مؤسسة عسكرية موحدة".

وقالت في منشور على تويتر 20 يوليو، إن الولايات المتحدة "تضم صوتها إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في الإشادة بالتقدم المحرز في المسار الأمني الليبي نحو مؤسسة عسكرية موحدة".