بإثبات "التزوير" في انتخابات المغرب الجزئية.. هل يمكن محاسبة وزير الداخلية؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثير جدل كبير في المغرب حول الانتخابات الجزئية التي جرت في 21 يوليو/تموز 2022، في مدينتي الحسيمة ومكناس بشمال البلاد، بما خلفته من نتائج ونقاش سياسي، في ظل صدور قرار عن المحكمة الدستورية.

وأعلنت المحكمة في 28 يوليو، عن انتخاب عبد الرحيم بوعيدة، عضوا بمجلس النواب، عن حزب الاستقلال (أغلبية)، بدل النائب المعلن فوزه محمد الرجدال، وهو من حزب التجمع الوطني للأحرار (أغلبية).

ويجرى الحديث هنا عن الاقتراع الذي أجري في 8 سبتمبر/أيلول 2021 بدائرة كلميم جنوب البلاد.

حيثيات وخلفيات

قرار المحكمة الدستورية يأتي في خضم التصريحات المشككة في ظروف إجراء الانتخابات الجزئية الأخيرة بكل من مدينتي مكناس والحسيمة، لشغل خمسة مقاعد بمجلس النواب.

ومن ذلك إعلان عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (معارض)، عدم اعترافه بما أفرزته من نتائج، لما شهدته من خروقات من لدن مرشحين لهذه الانتخابات، بتواطؤ مع رجال السلطة.

وأكد بنكيران خلال لقاء حزبي بمكناس، في اليوم الموالي للاقتراع، أن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مطالب بشرح تلك النتائج.

وشدد على أن حزبه لا يعترف بفوز صوفيا طاهيري من حزب التجمع الوطني للأحرار (قائد الأغلبية الحكومية) بمقعد دائرة مكناس، نظرا للخروقات التي وقعت، بدعم وتغطية من بعض رجال السلطة.

كما انتقد نسبة التصويت المسجلة في مركز الدخيسة، نواحي مكناس، والتي بلغت 73 بالمائة، مشددا على أن هذه نسبة لم تُسجل في الانتخابات العادية، البرلمانية والجماعية لسنة 2021، ولا خلال التصويت على استفتاء دستور 2011.

ورأى بنكيران، أن حصول صوفيا طاهيري، مرشحة حزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش على 96 بالمائة من تلك النسبة من الأصوات، أمر غير مسبوق أبدا في تاريخ المغرب.

وزارة الداخلية لم تتأخر في الرد على تصريحات بنكيران، ونشرت بلاغا عبر وكالة الأنباء الرسمية والقنوات العمومية، تنفي فيه تلك الاتهامات، وتبرئ رجال السلطة من الوقوع فيما يخالف القانون.

ونوهت الوزارة برجال وأعوان السلطة، وبأجواء إجراء تلك الانتخابات، محملة فشل حزب العدالة والتنمية انتخابيا إلى اختيار الشعب وأصواته، وليس إلى تدخلها في العملية الانتخابية. 

في حيثيات قرارها الذي خلف نقاشا وتفاعلا كبيرا في المغرب، سواء من فاعلين سياسيين أو إعلاميين أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قالت المحكمة إنه حدث خطأ في احتساب الأصوات الخاصة بالمطعون في انتخابه (محمد الرجدال) بالمكاتب المركزية.

وذكرت المحكمة أن لجنة الإحصاء، أضافت عن غير استحقاق، عشرات الأصوات لفائدة المطعون في انتخابه، فضلا عن عشرات الأصوات الأخرى التي لم تُحتسب لفائدة الطاعن (عبد الرحيم بوعيدة).

واسترسلت: "كما جرى إلغاء عدد غير محدد من أوراق التصويت، كان يتعين احتسابها لفائدة الطاعن، مع رفض طلبات تضمين ملاحظات ممثلي الطاعن بهذا الخصوص في محاضر مكاتب التصويت المعنية".

ومن الخروقات أيضا، يقول القرار القضائي، إن "بعض الأوراق خلت من بيان قرار مكتب التصويت بشأنها وعلة احتسابها ملغاة، في حين أنها تحمل علامات تصويت صحيحة لفائدة لائحة الترشيح التي يعد الطاعن وكيلها".

وخلص القرار إلى أنه بعد إعادة فحص الأوراق الملغاة، فإن الطاعن يغدو، حاصلا على 16298 صوتا والمطعون في انتخابه حاصل على 16242 صوتا.

وبهذا، يكون الطاعن متقدما على المطعون في انتخابه بـ 56 صوتا. 

الحق بالاعتراض

ويرى الصحفي والباحث في الشأن السياسي عبد الصمد بنعباد، أن المحكمة لم تستسلم لنتائج الانتخابات وأثبتت الحق في الاعتراض عليها.

وبيّن بنعباد عبر حسابه على فيسبوك أن ما أثبتته المحكمة الدستورية في قرارها الأخير، هو نفس ما قاله حزب العدالة والتنمية.

غير أن الفرق كان في فضيحة 73 بالمئة في جماعة الدخيسة (نواحي مدينة مكناس)، وأيضا في الرد المتوتر وعديم اللياقة لوزارة الداخلية.

واسترسل: "نتذكر جميعا سيل الاتهامات التي وجهها عبد الرحيم بوعيدة لممثلي وزارة الداخلية بعد إعلان هزيمته، لقد اتهم مباشرة والي جهة كلميم وادنون (محمد الناجم أبهاي) بتزوير الانتخابات لصالح مرشح حزب عزيز أخنوش، محمد الرجدال".

حينها، وأمام جمع من أنصاره، قال بوعيدة مخاطبا والي جهة كلميم وادنون: "هنيئا لك، لقد زوّرت ودخلت التاريخ من بابه الواسع وأعدت لنا تجربة إدريس البصري وأيامه التي كنا نعتقد أننا قطعنا معها".

والبصري هو وزير الداخلية الأقوى في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، إذ كان يحظى بسلطات واسعة ومطلقة إبان مرحلة الملك الحسن الثاني والد الملك محمد السادس.

وكان من بين تلك الصلاحيات رسم الخريطة الانتخابية والتحكم فيها، كما اتهم بانتهاك حقوق الإنسان، وسميت مرحلته بسنوات "الجمر والرصاص"، كناية على هذه الانتهاكات.

وبالعودة إلى بوعيدة، فإن إعلان عدم فوزه حينها أدى لوقوع مواجهات بين أنصاره وقوات الأمن بكلميم.

كما اعتصم بوعيدة نفسه بمقر الولاية الأخيرة، قبل أن ينقل اعتصامه إلى مقر حزب الاستقلال.

وشدد عبد الصمد بنعباد أن ما وقع يضع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أمام امتحان حقيقي.

وبين أن إثبات المحكمة الدستورية صدق اتهامات بوعيدة، يستوجب من وزير الداخلية إخضاع الوالي والمتورطين معه في تزوير الانتخابات في كلميم للإجراءات التأديبية التي يكفلها القانون، خاصة أن المحكمة أثبتت وجود أخطاء "مقصودة".

 

قلب النتائج

وتفاعلا مع هذه المستجدات، قال القيادي بحزب العدالة والتنمية النائب البرلماني السابق عبد العزيز أفتاتي، إن مقرر المحكمة الدستورية بخصوص دائرة كلميم، كشف اللثام عن منهج اعتُمد بانتظام واستمرار، وشكل ركنا من نظام عمل بالكامل لتزييف إرادة الشعب.

وشدد أفتاتي في تصريح أدلى به لـ"الاستقلال"، أن المسالة لا علاقة لها بمقعد واحد أو مقعدين، وإنما هو نظام عمل اعتُمد دوما لطحن مشروعية الانتخابات، مع بعض الاستثناءات لأسباب "قاهرة" سياسيا وشعبيا، كما هو حال انتخابات 2011 و2016.

هذا الاستثناء، وفق القيادي المثير للجدل بالمغرب، ناتج عن ظروف وحسابات لا تخفى على أحد، وهو التخوف من المآلات ساعتها.

وأشار أفتاتي إلى أن أساليب اللعب في نتائج الانتخابات وقعت من قبل في منطقة جرادة (جهة الشرق) خلال انتخابات 2016، إذ اعتمدوا نفس المقاربة "أي قلب النتائج"، للسطو على مقعد في واضحة النهار. 

وحادثة كلميم، وفق أفتاتي، لم تكن معزولة بكل تأكيد، وإنما شكلت "آلية" من آليات عديدة ومتنوعة، استُعملت ضد حزب العدالة والتنمية فيما وصفها بـ"مسخرة 8 سبتمبر 2021"، بهدف "تبويئه" المرتبة الأخيرة.

هذه الرغبة الانتقامية، يردف النائب البرلماني السابق، مردها أن حزب العدالة والتنمية ينتمي لتيار مستقل عن الإدارة والبنية السلطوية العميقة.

وتوقف أفتاتي عند وسائل عدة استعملت لتغيير نتائج انتخابات سبتمبر، منها التضليل والتدليس والترهيب، وإخراس الإعلام واستمالته بشكل مرعب، واستعمال المال بشكل واسع ومكثف وغير مسبوق.

وأوضح أنه بالمنهج السلطوي المعتمد، جرى قلب نتائج عدد من مناضلي الحزب الفائزين، لمنح مقاعدهم لآخرين، لفائدة من وصفه بـ"مثلث إعطاب الانتقال الديمقراطي". ويقصد بذلك أحزاب الأغلبية الحالية: (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال). 

ولم يخف الأكاديمي والمحلل السياسي محمد الشرقاوي، اعتقاده بأن إعادة بوعيدة إلى البرلمان أمر غير بعيد عن ترتيبات السلطة، مشددا أنه لا يمكن تناسي السياق المستتر خلف الكواليس، أو تخيل تجرد واستقلال قرار المحكمة الدستورية.

وأضاف الشرقاوي في مقال تحليلي نشره بحسابه على فيسبوك، أن "هناك رأس خيط محوري ينبغي التقاطه في تفسير قرار المحكمة في الرباط، وهو سؤال التوقيت، وهل هناك قرينة بين قرار ردّ الاعتبار لعبد الرحيم بوعيدة ومراعاة السياق السياسي العام في المغرب؟".

وأكد الأكاديمي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية أن عنصر التوقيت مهمٌّ للغاية، لأنه المفتاح في تفكيك مغزى قرار المحكمة الدستورية وتعثر أداء الحكومة وأزمة ارتفاع الأسعار، وتنامي موجة الاحتقان الشعبي، وحملة "أخنوش ارحل"، وحالة القلق على صحة الملك.

وتساءل الشرقاوي: هل تطلب الأمر حقيقة عشرة أشهر كاملة لكي يكتشف قضاة المحكمة الدستورية الأخطاء التي جرت في عملية احتساب البطاقات الانتخابية؟ 

وواصل: هل هي عشرة أشهر فعلية تطلّبها التمحيص القانوني في الوثائق والمحاضر والنصوص أم هي مسألة ضرورات سياسية؟

وخلص الشرقاوي إلى أن قرار المحكمة الدستورية يريد أن يوصل رسالة للشعب، في ظل الاحتقان الذي يعيشه، أننا أمام دولة مؤسسات، دولة حق وقانون.

ويستدرك المتحدث ذاته: "هذا المهدئ لن يدوم فعله إلا شهرين أو أقل، فماذا ستفعل الحكومة أمام شارع غاضب بسبب الغلاء والتضخم والفساد؟".

هذه الإشارات فطن لها عبد الرحيم بوعيدة، ونشر فيديو على صفحته في فيسبوك، يؤكد من خلالها أنه سيواصل دعم حقوق المواطنين ومطالبهم وقيمهم، والدفاع عن ثوابت المملكة.

كما أكد أنه سيظل منافحا ومدافعا ومشاكسا أيضا، وأنه لن يتغير، مشيرا إلى أن منصب رئيس الجهة الذي شغله ما بين 2015 و2019 في كلميم وادنون لم يغيره.