صدام شيعي داخلي محتمل.. لماذا تلتزم مرجعية السيستاني الصمت في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم وصول الأزمة السياسية في العراق إلى طريق مسدود وتصاعد حدة التوتر بين قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري الشيعيين، إلا أن مرجعية النجف الشيعية ممثلة بالمرجع الأعلى علي السيستاني لا تزال صامتة، ولم تبدِ أي رأي فيما يجرى حاليا.

وفرض أنصار التيار الصدري سيطرتهم على مبنى البرلمان في 30 يوليو/ تموز 2022، ليعلن زعيمهم مقتدى الصدر "تحرير" المنطقة الخضراء من الفاسدين، وطالب العراقيين بمساندته لتغيير النظام والدستور، فيما عد "الإطار" ذلك انقلابا على الشرعية.

وتأتي هذه التطورات بعد ترشيح "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران البرلماني محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، الأمر الذي رفضه التيار الصدري وعبر عنه بمظاهرة حاشدة اقتحم فيها مبنى البرلمان وسط المنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد في 27 يوليو/ تموز 2022.

مطالبات بالتدخل

ومع بداية الأزمة السياسية بعد الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، طالبت قوى الإطار التنسيقي المرجعية الدينية الشيعية في النجف بالتدخل، إلا أنها لم ترد عليهم بأي تصريح.

كان آخر تلك الدعوات، في 30 يوليو 2022، حيث نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن قيادي في الإطار (لم تكشف هويته) قوله إن "قادة الإطار أرسلوا رسائل للمرجعية الدينية في النجف من أجل دفع مقتدى الصدر للكف عن هذه التصرفات التي تحرق الأخضر واليابس وتسقط الدولة وهيبتها، وطالبوا المرجعية بالتدخل حتى لا تسقط دماء".

يشار إلى أن أنصار التيار الصدري أعلنوا منذ 30 يوليو الاعتصام المفتوح داخل المنطقة الخضراء وتحديدا داخل مبنى البرلمان، الذي أطلقوا عليه تسمية مجلس الشعب.

وخلال مظاهرات الإطار التنسيقي التي خرجت في 1 أغسطس/آب 2022 رفضا لسيطرة التيار الصدري على مبنى البرلمان، رفع أنصار "الإطار" صور المرجع الأعلى الشيعي علي السيستاني، فيما صرّح القيادي في "الإطار" قيس الخزعلي أن المرجعية الدينية تراقب المظاهرات.

وفي التسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي نشرها الصحفي العراقي المقيم بالولايات المتحدة علي فاضل، في 22 يوليو 2022 هاجم الأول، المرجعية الدينية الشيعية في النجف.

واتهم المالكي- وهو أبرز الإطار"- المرجعية الشيعية بالصمت حيال ما يدور، قائلا: "المرجعية ليس لها علاقة بما يدور ولا كأن الحدث سيقلب الطاولة عليهم وعلينا وعلى التشيع".

وفي 13 يونيو/ حزيران 2022، دعا زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، المنضوي تحت "الإطار"، المرجعية الدينية في النجف للتدخل لإنقاذ العملية السياسية في العراق.

وقال العامري في بيان صدر عن مكتبه إن "المرجعية العليا المباركة كما عودتنا حاضرة في اللحظة المناسبة لكي تنقذ الموقف وتعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي".

وأضاف: "نحن بحاجة إلى لطف ورعاية المرجعية وحكمتها وبعد نظرها لتقول كلمتها الفصل بشأن ما يمر به العراق راهنا من منعطفات سياسية صعبة".

وأكد العامري أن "المرجعية تعي أكثر منا أن أي طارئ يهدد العملية السياسية فمعناه وضع تاريخ كامل من التضحيات والانتصارات ودماء الشهداء على كف عفريت، وتسجيل انتكاسات تسر العدو وتؤلم الصديق".

متى تتدخل؟

وعن أسباب صمت المرجعية، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي علي المساري لـ"الاستقلال" إن "المرجعية الدينية لن تتدخل في الصراع الحالي، وما يهمها ألا يحكم العراق نظام علماني أو وطني أو سني، وهذا ما تحذر منه دائما بأنه قد يذهب الحكم من الشيعة كما يرد على لسان وكلاء المرجع في النجف".

وأضاف المساري أن "المرجعية الدينية في النجف اعتدنا عليها أنها لا تقف في جانب أحد من السياسيين، ودائما ما تصرح بشعارات مطاطة كما تفعل الأمم المتحدة، فهي تعبر عن قلقها ولا تسمي الأشياء بمسمياتها".

ولفت الباحث إلى أن "هناك حديثا عن أن المرجعية تخشى وصول نظام ولاية الفقيه إلى العراق لكن بشكل آخر كما هو عليه الحال مع زعيم التيار الصدري، فهو حاليا أشبه بالولي الفقيه الذي يدير الحكم في العراق".

وأشار المساري إلى أن "المرجعية اليوم لديها الكثير من الاستثمارات في قطاعات مختلفة سواء الزراعة أو الدواجن أو الجانب الصحي لديها مستشفيات ومزارع، لذلك هي أيضا تخشى إغضاب أحد الأطراف حفاظا على كل هذه المشاريع التي تدر أموالا طائلة".

من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي إحسان الشمري إن "ما يجرى الآن هو محاولة للانقضاض على السلطة من أطراف استغلت بشكل كبير جدا عملية انسحاب الكتلة الصدرية، وتدخل المرجع السيستاني غير وارد حتى اللحظة على اعتبار أن ما يجرى حاليا لا يمكن أن يشكل صداما مسلحا".

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 1 أغسطس، أن "المرجع السيستاني ينأى بنفسه لأنه لا يريد تبعات الدم الذي يراق هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه قد يعطي شرعية مرة أخرى لأحزاب تدعي أنها تدافع عن حقوق المكون الشيعي وفي في الحقيقة تدافع عن امتيازاتها في السلطة".

واستبعد الشمري أن "يتدخل المرجع في هذا الوقع إلا إذا ذهبت الأمور إلى القتال والمواجهات المسلحة، عند ذاك يمكن أن نرى موقفا يمنع عملية الاحتكاك، ولكن الآن كل ما يدور هو في إطار التدافع السياسي، لذلك لن يتدخل المرجع الشيعي في النجف تجاه ما يجرى".

أوصدت أبوابها

لكن عدم رد المرجعية على دعوات السياسيين بالتدخل، فسرها تصريح لمقتدى الصدر في خطبة صلاة الجمعة الموحدة التي أقامها في بغداد وألقاها نيابة عنه القيادي في التيار الشيخ محمود الجياشي.

وقال الصدر على لسان الجياشي إن "أغلب السياسيين توجهاتهم خارجية، وإن المرجعية العليا أغلقت بابها أمام جميع السياسيين"، مضيفا: "إذا أرادوا تشكيل الحكومة عليهم الالتزام بإخراج الاحتلال، وإن أول خطوات التوبة محاسبة فاسديهم بلا تردد".

وفي هذا السياق، قال المقرب من التيار الصدري أحمد التميمي، إن "مواقف المرجعية الدينية العليا، وتحديدا المرجع الأعلى السيد السيستاني، واضحة منذ سنوات، أغلقت أبوابها ورفضت استقبال كل السياسيين، وخطب الجمعة كانت مزدحمة بالمواقف الساخطة والرافضة لأحزاب السلطة وأفعالها".

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" في 31 يوليو عن التميمي قوله إنه "لو أصدرت المرجعية الدينية العليا موقفا في هذه المرحلة، فلن يكون مختلفا عن مواقفها السابقة، وربما سيكون هذه المرة أقوى. المرجعية، التي لست متحدثا باسمها، تنتظر أن يكون الشعب أكثر وعيا وملتفا حول القوى الوطنية".

وأردف التميمي: "نتحدث عن موقف المرجعية الذي ربما سيصدر مع تسارع الأحداث، والذي لن يكون مختلفا عن موقف التيار الصدري، فهنالك تطابق واضح في المواقف، كما أن أي موقف ستصدره المرجعية سيلتزم به الصدر وتياره بشكل حتمي".

وكانت المرجعية الشيعية في النجف قد انتقدت تعامل حكومة عادل عبد المهدي السابقة مع المتظاهرين في عام 2019، وسقوط مئات القتلى، الأمر الذي أدى إلى تقديم الأخير استقالته، وقال إنها استجابة لطلب المرجعية.

ووصفت مرجعية السيستاني مطالب متظاهري أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بأنها مشروعة، محذرة ومنددة بعمليات القمع التي تعرّض لها المتظاهرون والناشطون فيها على حد سواء.

وسبق أن تدخلت في إنهاء حكم نوري المالكي الذي أراد الحصول على ولاية ثالثة عام 2014، وصرّحت بأن "المجرب لا يجرب"، فيما أكد خلفه حيدر العبادي والقيادي في حزب الدعوة الذي يرأسه الأول أن المرجعية بعثت في حينها رسالة للحزب طالبت فيها بإبعاد المالكي.

وفي انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حازت الكتلة الصدرية على 73 مقعدا نيابيا، حيث تبنى الصدر تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" بالتحالف مع كتل سياسية سنية وكردية بنهج إصلاحي وطني لمكافحة الفساد واستعادة هيبة مؤسسات الدولة وحصر السلاح بيدها.

وتبنى خصومه في الإطار التنسيقي تشكيل "حكومة توافقية" على مبدأ المحاصصة السياسية في اقتسام السلطة والموارد، يرى الصدر فيها أنها المتسبب الأول في الفساد المالي وغياب الرقابة.

وبعد ثمانية أشهر من إخفاقه مع حلفائه السنة والأكراد في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نوابه لتقديم استقالاتهم من البرلمان في 12 يونيو/ حزيران 2022.