سياسة جديدة.. باكستان تمشي على حبل مشدود بين الغرب والصين
قال مركز تركي إن السياسة الخارجية الباكستانية دخلت في عملية تحول كبيرة مع وصول شهباز شريف إلى رئاسة الوزراء منذ 11 أبريل/نيسان 2022، والذي حد من العلاقات مع الصين التي "لم تلب توقعات إسلام أباد اقتصاديا".
وأوضح مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات "أنكاسام"، في مقال للكاتب دوغاجان باشاران، أن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني "قد ساهم بشكل كبير في تطوير وتعميق وإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين البلدين".
وأدى مشروع الممر إلى "زيادة توقعات إدارة إسلام أباد فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، لأن باكستان اعتقدت أنها ستحصل على مكاسب اقتصادية مهمة من خلال الممر المعني".
بداية التحول
ولفت باشاران إلى أنه "في واقع الأمر، لوحظ أن باكستان تلقت قروضا منخفضة الفائدة وطويلة الأجل من الصين لتنفيذ الممر الاقتصادي، ودخل العديد من المستثمرين الصينيين البلاد".
وذكر أن "هذا الأمر أدى إلى إضفاء الحيوية على الاقتصاد الباكستاني على المدى القصير، ومع ذلك، ومع مرور الوقت، تبين أن المشروع لن يلبي بالكامل التوقعات الاقتصادية لإدارة إسلام أباد".
واستدرك باشاران قائلا: "كان على الدولة أن تصارع صعوبات اقتصادية خطيرة، ونتيجة لذلك، بدأت الاعتراضات وردود الأفعال في الظهور، حيث بدأت تتشكل علاقة تبعية أحادية الاتجاه بين باكستان والصين".
بالإضافة إلى ذلك، فإن زعزعة الاستقرار في طريق مشروع "الحزام والطريق" من قبل الجهات الفاعلة التي تستهدف الصين في صراع القوى العالمي، من خلال الإرهاب والحروب بالوكالة، جعلت باكستان دولة تتزايد فيها الأعمال الإرهابية.
بعبارة أخرى، يبدو أن العلاقات مع الصين أدت إلى "انعدام الأمن وعدم الاستقرار" في البلاد، فضلا عن عدم تلبية توقعات باكستان اقتصاديا، ويمكن القول إن "هذا جعل من الضروري تجربة بعض التغييرات في السياسة الخارجية لباكستان"، بحسب تقييم الكاتب التركي.
وأشار باشاران إلى أن "أحد العوامل التي أدت إلى الإطاحة برئيس الوزراء السابق، عمران خان، نتيجة التصويت بحجب الثقة في 9 أبريل 2022، هو الحاجة إلى التحول إلى نهج دبلوماسي متعدد الأوجه يأخذ في الاعتبار التوازنات بين مراكز القوى الباكستانية".
وبعبارة أخرى، خلال عهد خان، تحولت باكستان إلى جهة فاعلة فقدت قدرتها على تنفيذ سياسة التوازن، لذلك، بعد أن أصبح شريف رئيسا للوزراء، بدأ يحدث تغيير في السياسة الخارجية للبلاد.
ولفت باشاران إلى أن "بداية تحول باكستان إلى الغرب كانت مع عهد شريف في أول خطاب ألقاه في البرلمان بعد انتخابه، حيث أوضح أنه يهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة".
وتابع: "مع ذلك، لا تريد إسلام أباد أن يحدث وضع تبعية أحادية الاتجاه في علاقاتها مع الغرب كما تفعل مع الصين، والواقع أن هذا القلق هو أهم تجربة اكتسبتها باكستان من العلاقات التي طورتها مع بكين، لذلك، سيتم الحفاظ على العلاقات معها".
نهج جديد
وقال باشاران إن "الفهم المتعدد الأوجه للدبلوماسية، الذي سيؤخذ فيه التوازن الغربي في الاعتبار أيضا، قد جاء إلى جدول الأعمال باعتباره الخيار الأكثر عقلانية لباكستان ولصالح البلاد".
وعد أن "إدارة إسلام أباد لم تتخل تماما عن الخيار الصيني منذ أن أصبح شريف رئيسا للوزراء، ومع ذلك، فقد تمكنت من تطوير نهج السياسة الخارجية الذي يحرص على إدارة علاقاتها مع بكين بطريقة متوازنة".
وتعبيرا عن ذلك، ذكرت إسلام أباد أنها تقف وراء جميع الالتزامات التي تم التعهد بها في الماضي، فيما يتعلق بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، من ناحية أخرى، ركزت على تحسين علاقاتها مع الجهات الفاعلة الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.
وأشار الكاتب إلى أن "هذه الجهود التي تبذلها إسلام أباد، تجد استجابة إيجابية للغاية في نظر الدول الغربية".
وعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بعد فترة وجيزة من تنصيب شريف: "نتطلع إلى مواصلة تعاوننا الطويل الأمد مع حكومة باكستان".
وخلال هذه الفترة، لم تطرق باكستان باب الصين كما كان الحال في الماضي من أجل التغلب على مشاكلها الاقتصادية، بل على العكس من ذلك، فضلت إجراء اتصالات مع صندوق النقد الدولي بطريقة "تكشف عن توجهها الغربي"، يقول الكاتب التركي.
وفي 13 يوليو/تموز 2022، أعلن صندوق النقد الدولي أنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن حزمة مساعدات بقيمة 6 مليارات دولار للاقتصاد الباكستاني.
والحالة المعنية هي المشاكل الاقتصادية الراهنة التي تواجهها باكستان، في وقت تحاول فيه التغلب عليها وموازنة اعتمادها على الصين.
ويشير اتفاق إدارة إسلام أباد مع صندوق النقد الدولي إلى أن البلاد "تتجه إلى الغرب من حيث القيم، وخاصة من حيث أداء اقتصاد السوق الحر"، بحسب باشاران.
الانفتاح الغربي
وذكر في البيان الذي صدر عن صندوق النقد الدولي، أن باكستان وافقت على مواصلة الإصلاحات في قطاع الطاقة، ووضع سياسة نقدية استباقية تتماشى مع هدف مكافحة التضخم، وتعزيز نظام الإدارة عن طريق إجراء إصلاحات مختلفة، وإعطاء الأولوية لمكافحة الفساد.
وقال باشاران: "بناء على كل هذه المعلومات، يمكن القول إن باكستان تركز على استعادة علاقاتها مع الغرب".
وأضاف "علاوة على ذلك، من الممكن القول إن شريف والرئيس الباكستاني عارف علوي يقفان على نفس النقطة بشأن هذه المسألة".
وعلى سبيل المثال، خلال خطابه في 17 يوليو 2022، أكد علوي علنا أن الحكومة تحاول إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة.
وخاطب الباكستانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وطالب بدعم هذا الجهد.
ورغم أن علوي نفذ قرارا عاد لاحقا من المحكمة العليا أثناء الإطاحة بخان، الذي كان معروفا بقربه من الصين، مثل حل البرلمان، إلا أنه اتفق مع حكومة شريف على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام.
وعلق باشاران: "هذا يؤدي إلى تقييم أن جميع أجهزة الدولة في باكستان تعمل بشكل مشترك على الانفتاح الغربي".
وبالإضافة إلى ذلك، وكما يمكن فهمه من كلمات علوي أنه "يأمل أن يقدم الشتات الباكستاني مساهمات بناءة لاستعادة العلاقات مع الغرب".
وختم باشاران مقاله قائلا: "دخلت السياسة الخارجية الباكستانية في عملية تحول كبيرة، وهذا النهج الجديد يؤكد فهما متعدد الأوجه للدبلوماسية، يأخذ في الحسبان التوازن بين مراكز القوى، حيث يعد الغرب عاملا لا ينبغي تجاهله كعامل توازن بقدر ما يهتم بالحفاظ على العلاقات مع الصين".
وتابع: "لهذا السبب، يمكن القول إن إدارة إسلام أباد تحركت لاستعادة علاقاتها مع الغرب من خلال اتخاذ خطوات يمكن تسميتها الانفتاح الغربي".