نيكسا الفرنسية.. شركة استخباراتية وظفها ماكرون لسحق معارضي السيسي

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلال السنة الأولى من الثورة الفرنسية، وتحديدا في 14 مايو/أيار 1789، اقتحم الثوار "سجن الباستيل" الذي كان رمزا للاستبداد ومقبرة للسياسيين والمعارضين للحكم، وشهد من صنوف العذاب والإعدامات "ما لا يعد ولا يحصى".

سقوط "الباستيل" أصبح من علامات انتصار الثورة الفرنسية التي قامت على شعار "حرية، مساواة، إخاء"، وانتصرت لمبادئ حقوق الإنسان والمواطن. 

لكن بعد مرور قرون من الثورة وتاريخها الذي تتغنى به باريس، يتورط النظام الفرنسي في دعم ديكتاتوريات الشرق، ومن أبرزهم نظام عبد الفتاح السيسي في مصر.

وأبعد من صفقات السلاح والزيارات المتبادلة بين السيسي والرئيس إيمانويل ماكرون، جاءت الصدمة بتورط شركات ووكالة الاستخبارات الفرنسية في تعذيب المعتقلين في مصر وليبيا. 

وكشفت تقارير دولية عن تواطؤ فرنسا وأجهزتها في توفير "التكنولوجيا المتطورة" للنظام المصري، مما سهل عليه اصطياد آلاف المعارضين والتنكيل بهم وتعذيبهم داخل السجون.

قضية "نيكسا"

وفي 12 يوليو/تموز 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرها الذي تناول وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية والإدلاء بروايتها في قضية شركة "نيكسا" للتكنولوجيا. 

وقالت المجلة إن "المحاكم الفرنسية تحاول كشف تورط وكالة الاستخبارات الخارجية في القضية المرفوعة ضد شركة (نيكسا) المتخصصة في أنظمة الاعتراض، بتهمة التواطؤ في تعذيب المعتقلين في مصر وليبيا". 

وذكرت أنه "خلال الأشهر الماضية، استمع محامون لإفادات ثلاثة ضباط سابقين من وكالة الاستخبارات، ضمن ملف التحقيق في القضية القانونية المرفوعة ضد شركة (نيكسا) للتكنولوجيا بتهمة التورط في التعذيب".

وجاء هذا الادعاء إثر عقود تسليم أنظمة اعتراض أبرمتها الشركة مع كل من ليبيا ومصر. 

وفي يونيو/حزيران 2021 تمت مقاضاة مديري الشركة، لأول مرة، قبل أن تبدأ مقاضاة الشركة نفسها ككيان قانوني.

وفي 28 فبراير/شباط 2022، أدلى ضابط سابق من المديرية الفنية في وكالة الاستخبارات الخارجية بإفادته، والذي عمل في هذا المجال بتكليف من الوكالة، تبعه آخرون بعد فترة وجيزة، جميعهم أقروا بتورط الشركة في التعذيب.

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نشر موقع "فرانس 24" الرسمي أنه "توجد جوانب معينة من القضية حساسة بالنسبة للمحاكم الفرنسية."

وأضاف أن "السبب يرجع إلى كشف أحد مهندسي (نيكسا) أن الأنظمة التي باعتها الشركة لمصر يمكن الوصول إلى معلوماتها عبر طرق تمتلكها الاستخبارات الخارجية الفرنسية، ما يسمح لها بمتابعة نشاط أجهزة الاستخبارات التي تستخدم هذا النظام للمراقبة والتجسس". 

وأكد الموقع الفرنسي أن "الاستخبارات الخارجية لم تكن على دراية كاملة بالعقد فحسب، بل إنها حرضت على إبرامه عمليا". 

فالمديرية الفنية للوكالة هي التي أبلغت "فيليب فانيير"، الذي ترأس الشركة الأم في ذلك الوقت، باحتياجات أجهزة الاستخبارات المصرية.

"نيكسا وأميسيس"

كما أورد موقع "فرانس 24" أن "وكالة الاستخبارات الخارجية راقبت عن كثب عقود الاعتراض الموقعة في مصر خاصة أن شركة نيكسا فازت بعقد نظام اعتراض الاتصالات الإستراتيجي للغاية، والذي شغل نظام (IP) الخاص به؛ مما سهل الإيقاع بالمعارضين ومن ثم تعذيبهم".

يذكر أنه في 22 يونيو/حزيران 2021، أعلن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أن قضاة التحقيق في "قسم الجرائم ضد الإنسانية في محكمة بباريس" وجهوا لشركتي "أميسيس" (Amesys)، و"نيكسا تكنولوجي" (Nexa Technologies) الفرنسيتين تهمة التواطؤ في أعمال تعذيب وإخفاء قسري بمصر وليبيا. 

الأشخاص الذين يمثلون الشركات ومطالبون بالمثول أمام القضاء هم رئيس "أميسيس" السابق فيليب فانيير، ورئيس "نيكسا" أوليفييه بوبو، ومديرها العام رينو روك، والرئيس السابق ستيفان ساليس.

وجميعهم متورطون في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام السيسي، الذي أودى بمئات الأشخاص داخل السجون أو قتلهم بعد إخفاء قسري.

وتعود وقائع القضية إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما تقدمت كل من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، وبدعم من معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بدعوى أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد الشركتين (أميسيس، نيكسا تكنولوجي) لبيعهما منظومة تجسس لنظام السيسي. 

"معهد القاهرة" أعلن آنذاك أنه يوجد "أكثر من 40 ألف سجين سياسي قيد الاعتقال في مصر، كانوا ضحية تلك البرامج الفرنسية".

كما صدر تقرير عن تلك المنظمات أنه "بتزويد فرنسا لنظام السيسي بأجهزة رقمية ذات قدرات عالية، تكون ساعدت بذلك في تأسيس منظومة مراقبة وتحكم استبدادية تستغل للقضاء على كل أشكال المعارضة ونشاط المصريين".

ووجهوا دعوة في الوقت ذاته إلى إجراء تحقيق برلماني، مع وقف فوري لهذه الصادرات، لمواجهة "الفضيحة المتعلقة بصادرات فرنسية تحمل تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام ضد حقوق البشر"، وفق وصفهم.

وتعد إدانة القضاء الفرنسي للشركات التي زودت أنظمة ديكتاتورية في مصر وليبيا بأدوات مراقبة استخدمت في قمع المعارضين وتعذيبهم "مؤشر إنذار" لحكومات الغرب بأن جرائم مساندة الاستبداد "لن تسقط بالتقادم"، وفق حقوقيين.

وأيضا جرس إنذار بأن القضاء الأوروبي قد يكون هو الحصن ضد تخاذل حكومات غربية واستمرارها في تزويد تلك الأنظمة بأسلحة وأجهزة مراقبة، رغم نص قرارات الاتحاد الأوروبي على منع ذلك.

صفقات الدم 

وأثارت العلاقات المتبادلة بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة بين الرئيس الفرنسي ورئيس النظام المصري الكثير من الجدل والاعتراضات. 

وعندما وصل ماكرون إلى قصر الإليزيه في 14 مايو/أيار 2017، رسم شكلا خاصا للعلاقة مع النظام المصري على وجه التحديد.

وطور ماكرون علاقته مع السيسي، ولم تنقطع الزيارات المتبادلة بينهما، وأصبحت القاهرة من أهم زبائن باريس من حيث شراء أسلحة بمبالغ مليارية. 

العلاقة بين السيسي وماكرون أثارت قلق المدافعين عن حقوق الإنسان، في وقت يتهم فيه النظام المصري بارتكاب سلسلة انتهاكات مروعة ضد المدنيين والنشطاء.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2020 أعلنت 12 منظمة حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، والعفو الدولية (أمنستي)، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في بيان مشترك أن "الدبلوماسية الفرنسية على أعلى المستويات تتغاضى منذ فترة طويلة عن القمع الوحشي الذي يمارسه السيسي لأي شكل من أشكال المعارضة".

وذكرت أن "الحكومة الفرنسية برئاسة ماكرون ليست موردا رئيسا للأسلحة لمصر فقط، حيث تبيع السفن الحربية والطائرات المقاتلة، ولكنها تسمح أيضا للشركات الفرنسية بتزويد القاهرة بمعدات المراقبة والسيطرة على الحشود".

وقال مدير الحماية الدولية في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، أنطوان مادلين: "مندهشون من أن فرنسا تفرش سجادة حمراء لديكتاتور مع وجود أكثر من 60 ألف سجين رأي في مصر اليوم".

وقال عضو المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، عادل إبراهيم، إن "طبيعة العلاقة بين مصر والدول الأوروبية، تحديدا فرنسا، اختلفت في السنوات العشر الأخيرة، خاصة بعد عام 2013، عندما وصل السيسي إلى الحكم، حيث أخذت مناحي عدة ما بين الصعود والهبوط. 

وأوضح الحقوقي المصري لـ"الاستقلال"، أن "رؤى المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان توحدت في البداية مع الحكومات بأن السيسي جنرال عسكري، قاد انقلابا عسكريا دمويا في بلاده، وأسقط حكومة منتخبة، وهذا بمثابة خط أحمر تم تجاوزه". 

واستدرك إبراهيم: "لكن مع الوقت وفرض الأمر الواقع، والتواصلات بين النظام المصري وحكومات تلك الدول تغير الوضع وصار السيسي أكثر قبولا، إضافة إلى مخاطبته القيادات الكبرى للحكومات الأوروبية في لندن وباريس وبرلين، وعقد صفقات سلاح مليارية سهلت عليه مهمة ترسيخ حكمه والاعتراف به دوليا".

وعد أن "أكثر الأنظمة فجاجة في ذلك هو نظام ماكرون، إذ لم يكتف بمجرد الصمت عن انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان وسجن نحو 60 ألف معتقل سياسي، بل ساهم وشارك في هذا الوضع المأساوي بإمداده بتكنولوجيا مراقبة وأدوات تعذيب".

ودعا إبراهيم منظمات المجتمع المدني إلى "مواجهة تلك الأوضاع، لأنها أساس صناعة العنف والإرهاب، وأن أوروبا القريبة من نقاط المواجهة ستدفع الثمن، وهو ما يحدث من موجات للهجرة واللجوء المتزايدة".