بالخرائط.. تعرف على مسارات ناقلات النفط الإيرانية إلى النظام السوري

12

طباعة

مشاركة

تواصل إيران مد النظام السوري، حليفها الرئيس في الشرق الأوسط بالنفط الخام عبر طرق التفافية على العقوبات الغربية، بالقدر الذي يسمح بمنع انهيار حكومي جراء أزمة المحروقات التي لم تنفرج منذ عام 2011.

وتسلك طهران طرقا عدة ملتوية لتأمين وصول شحنات من النفط والوقود إلى نظام بشار الأسد، تعد مخرجه الوحيد لتشغيل وزاراته ودوائره ومد المواطنين بالحد الأدنى من متطلبات المحروقات.

ووصلت إلى ميناء بانياس السوري في 21 يوليو/تموز 2022، ناقلة نفط إيرانية محملة بمليون برميل من النفط الخام.

وهذه الناقلة هي "الخامسة بعد سريان مفاعيل الخط الائتماني الإيراني"، وذلك إثر انحباس التوريدات النفطية الذي شهدته مناطق النظام السوري قبل ما يقارب الشهرين.

والهدف من الخط الائتماني بين النظام وإيران، تجاوز العقوبات المفروضة على الجانبين، خاصة بالنسبة للأسد، كون هذه الأموال ستسهم بتخفيف الضغوطات الاقتصادية.

وبحسب وكالة إعلام النظام السوري "سانا"، فإن زيارة الأسد إلى طهران في 8 مايو/أيار 2022، حملت توقيع مرحلة جديدة من "الخط الائتماني الإيراني السوري".

ومنذ مارس/آذار 2022 عادت مناطق سيطرة الأسد تشهد أزمة في الوقود بعد توقف وصول النفط الإيراني وتراجع الدعم الروسي، نتيجة الحرب في أوكرانيا، وعجز النظام السوري عن إيجاد بدائل لإمدادات النفط عبر القطاع الخاص من دول أخرى.

وخط الائتمان هو نوع من التسهيلات المالية والقروض الميسرة التي تمنحها المصارف والمؤسسات المالية لعملائها الموثوقين، مع الاتفاق على مبلغ محدد كحد أقصى لهذا الخط يمكن للعميل سحبه في أي وقت، طالما بقي ملتزما بوفاء الحد الأدنى المطلوب سداده في الوقت المحدد.

وينعكس وصول المزيد من النواقل على السوق المحلية، وعلى تقليص زمن وصول رسائل البنزين والمازوت والغاز إلى المواطنين، في وقت تعجز فيه حكومة الأسد حتى الآن عن توفير الاستقرار لسوق المحروقات.

وفي يناير/كانون الثاني 2013، اتفق نظام الأسد وإيران على فتح أول خط ائتماني بين المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة.

ثم تبعه في مايو من العام نفسه تقديم طهران خطا ائتمانيا آخر للنظام بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته.

وفي مايو 2015، اتفق المصرف التجاري السوري مع بنك تنمية الصادرات الإيراني على فتح خط ائتماني ثالث بقيمة مليار دولار، ورابع بنفس القيمة في يناير 2017.

وتوجد في سوريا مصفاتا نفط حكوميتان، هما "بانياس" في طرطوس الساحلية على البحر المتوسط التي تأسست عام 1974، ومصفاة "حمص" وسط البلاد التي تأسست عام 1959.

لكن مصفاة بانياس أكبر إنتاجا، بطاقة إنتاجية 130 ألف برميل يوميا، مقابل 110 آلاف برميل في حمص.

وفي يناير 2020 صدق بشار الأسد على تأسيس "مصفاة الرصافة" المعنية بتشغيل وإدارة مصفاة لتكرير النفط الثقيل، وكذلك شركة "مصفاة الساحل" لتكرير النفط المتكاثف.

وتعود ملكية المصفاتين إلى شركة "أرفادا"، بأسهم بلغت 80 بالمئة، في حين حصلت "وزارة النفط والثروة المعدنية" على نسبة 15 بالمئة وشركة "ساليزارشيبينغ" اللبنانية على نسبة 5 بالمئة.

وأعلنت مجموعة "قاطرجي"، تأسيس شركة "أرفادا البترولية" في دمشق، في 10 يونيو/حزيران 2018، برأس مال يصل إلى مليار ليرة سورية (795 ألف دولار).

وتعود ملكية الشركة بنسبة 34 بالمئة إلى حسام قاطرجي أبرز "أمراء الحرب" المحسوبين على عائلة الأسد، والذي يمسك بشريان النفط المغذي للنظام ودوائره الحكومية وآلته العسكرية، من مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وقبلها من تنظيم الدولة.

أما باقي حصص "أرفادا" المعاقبة أميركيا، فتعود لأخوي حسام، وهما محمد براء بنسبة 33 بالمئة، وأحمد بنسبة 33 بالمئة.

جوانب لوجستية

ويؤكد الأكاديمي والباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، كرم شعار، لـ "الاستقلال"، أن "ناقلات النفط الإيرانية تصل إلى سوريا بشكل مستمر منذ بداية الثورة عام 2011".

وأضاف شعار: "كان هناك فقط فترة انقطاع من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 حتى منتصف 2019، وكان جراء تضييق من مصر عبر قناة السويس وبريطانيا عبر مضيق جبل طارق بسبب الضغط الكبير من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لمنع وصول النفط لنظام الأسد قبل أن يعود بعد تلك الفترة تدريجيا".

ولفت الأكاديمي إلى أنه "حاليا شحنات النفط الإيرانية مستمرة دون أي مشاكل من مصر وبريطانيا، لكن ما يحدث هو استهداف إسرائيل لتلك الناقلات حيث جرى توثيق 10 حالات خلال السنوات الأخيرة، ولهذا السبب كانت بعض الشحنات لا تصل إلى سوريا".

وألمح شعار، إلى أن "السفن الخاصة بنقل النفط الإيرانية تعمل على تعطيل حركتها، عند الوصول لجبل طارق أو تضع وجهات كاذبة".

فمثلا تضع الوجهة تركيا وليس سوريا وهنا لا يكون هناك تنسيق بين القاهرة وأنقرة للتحقق من وجهة الشحنة الحقيقية.

واستدرك قائلا: "فور قطع السفينة مضيق قناة السويس ووصولها إلى البحر المتوسط، تعمل على تفعيل متعقب الحركة وتغير الوجهة النهائية أو تبقيه معطلا لحين وصولها إلى سوريا".

وأكد الأكاديمي، أن النظام السوري يصله كل شهر شحنتان من النفط الإيراني وكل ناقلة حمولتها مليون برميل نفط خام عبر ناقلات اسمها "سويز ماكس" تستطيع العبور من قناة السويس لأن الأخيرة عمقها محدود وهي مختلفة عن التي تسير في المحيطات مثل "غريس 1".

وكانت سلطات جبل طارق التابع للتاج البريطاني، أفرجت عن ناقلة "غريس 1" التي تحمل 2.1 مليون برميل من النفط الخام الإيراني والمملوكة للحرس الثوري، في منتصف أغسطس/آب 2019 أثناء توجهها إلى سوريا.

وجاء ذلك بعد احتجازها منذ 4 يوليو من العام المذكور للاشتباه في أنها كانت تنقل نفطا إيرانيا لسوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

وعقب ذلك لجأت إيران إلى تغيير اسم ناقلة النفط من "غريس 1" إلى "أدريان داريا-1" بعد إفراج سلطات جبل طارق عنها.

وآنذاك باعت إيران شحنات "أدريان داريا-1" النفطية، لمشتر مجهول، والأخير هو من سيحدد الوجهة النهائية للناقلة التي تحمل النفط الخام الخفيف، بقيمة 130 مليون دولار.

طرق التفافية

وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2019، أكد وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، وصول شحنة "أدريان داريا" إلى ميناء بانياس السوري، ونشر حينها صورة جوية لها.

وكثيرا ما تخرق الحكومة الإيرانية تعهداتها الدولية، بأنها لن تبيع النفط إلى أي جهة مدرجة على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها نظام بشار الأسد.

وبما أن النظام السوري معاقب أميركيا وأوروبيا، فإنه ليس لديه ما يخسره جراء تلقي شحنات النفط الإيرانية.

كما يستفيد حزب الله اللبناني، ذراع إيران في لبنان، من وصول إمدادات النفط إليه برا عبر سوريا بعد وصول الشحنات إلى ميناء بانياس.

ولدى حزب الله والنظام السوري أسطول شاحنات لنقل النفط يصل عددها إلى 1400 شاحنة.

وتلجأ إيران إلى حيل جديدة لبيع نفطها رغم العقوبات الأميركية المفروضة عليها، عبر نقل النفط من سفينة إلى أخرى.

ويجري ذلك عبر التقاء السفينة الإيرانية المحملة بالنفط بسفينة أخرى على سبيل المثال في المحيط الهندي.

أما في حالة سوريا، فإن ناقلات النفط الإيرانية تعمد في بعض الحالات إلى تفريغ حمولتها في سفن أصغر بالمياه الدولية، قبل أن تعود إلى تشغيل أجهزتها لتحديد المواقع.

ثم تعود أدراجها لتعبر قناة السويس إلى البحر الأحمر، ومن هناك يمكن أن تبحر إلى الخليج وتعود إلى إيران.

وفي بعض الحالات تكون ناقلة النفط متوجهة إلى لبنان، إلا أنها تحرف مسارها وتتجه نحو ميناء بانياس.

وحدث هذا الأمر مع ناقلة "9283758 FAXON التي فرغت 33 ألف طن من زيت الغاز أمام سواحل بانياس في 14 سبتمبر/أيلول 2021.

وتستخدم إيران ثلاث ناقلات لمد النظام السوري بالنفط ومشتقاته، الأولى “9283758 FAXON”، والثانية “FOREST”، والثالثة “9283746 Fortune”.

ويمكن لهذه الناقلات الثلاث مجتمعة حمل نحو 1.8 مليون برميل من النفط، وتسلك قناة السويس.

وتلجأ السفن الإيرانية إلى تعطيل نظام "تحديد الهوية الآلي" (AIS) لإخفاء وجهتها إلى سوريا، وهو نظام تتبع أوتوماتيكي، يستخدم أجهزة إرسال واستقبال على السفن.

لعب على الاستثناءات

وأثبتت السنوات الأخيرة أن طهران طورت تكتيكات معقدة للتعتيم على أنشطتها البحرية وإخفاء ملكيتها الحقيقية، ما يدل على عزمها التهرب من العقوبات في الزوايا الضبابية بطرقها في الشحن.

وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أكدت في تقرير لها نشرته في 19 يونيو/حزيران 2021، أن الناقلات الإيرانية تبحر رافعة أعلام دول أخرى.

كما تتحايل على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، الذي يبلغ عن موقع السفن، بحيث تبدو أنها في مكان آخر، ما يمكنها من الرسو في مناطق محظورة دون أن يجري كشفها.

ويمكن للأسطول الإيراني نقل ما يقرب من مئة مليون برميل من النفط الخام أو الوقود، ونحو 12 مليون برميل من الغاز النفطي المسال، بقيمة إجمالية تبلغ 5.5 مليارات جنيه إسترليني، وفقا للصحيفة.

ولفت تقرير الصحيفة إلى أن دولا أخرى تشتري النفط من إيران تتمثل بالنظام السوري ودولة الإمارات العربية المتحدة.

ويؤكد كبير مستشاري منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، إيفور روبرتس، في تعليق أن إيران إذا تمكنت من تهريب سدس ناقلات الأسطول دون أن يكشف أمرها، وأكملت شحنة كل أسبوع، فإنها بذلك ستصدر 2.4 مليون برميل يوميا.

أي بزيادة 300 ألف برميل عما كان عليه الوضع قبل العقوبات المفروضة عام 2018، وفق ما نقلت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

وأحيانا ترسل إيران ناقلات نفطية بهوية مزيفة وترفع أعلام دول أخرى، متجاوزة التزام جميع السفن التجارية أن تكون مسجلة وأن ترفع علم دولة محددة، لأسباب من بينها الالتزام بقوانين السلامة والبيئة.

وذكر تقرير لوكالة رويترز البريطانية في 17 مارس/آذار 2019، نقلا عن مصدر في مكتب التسجيل في بنما، وجود نحو 60 ناقلة مسجلة في بنما على صلة بمالكين من إيران وسوريا.

ونظرا لأن صادرات النفط تشكل نحو 70 بالمئة من إيرادات إيران، فإن الحفاظ على عدد كاف من الناقلات لتخزين الخام ونقله أمر بالغ الأهمية لطهران.

ولتمرير الشحنات إلى النظام السوري، تستفيد إيران من استثناء الولايات المتحدة لبعض الدول في شراء النفط منها دون تعرضهم للعقوبات.

وتلك الدول هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان.

القرصان الإيراني

لكن رغم ذلك، يجري بين الفينة والأخرى، الكشف عن وصول ناقلات نفط إيرانية إلى سواحل سوريا بطرق التفافية، من قبل نظام تتبع السفن الدولي "تانكر تراكرز.كوم" (متعقبو الناقلات) الذي دخل العمل عام 2016، ويعمل عبر الأقمار الصناعية، ويتيح مراقبة تحركات الناقلات في بعض المناطق المهمة جيوسياسيا.

ويحتاج النظام السوري ومليشياته بشكل عاجل إلى شحنات النفط لتجنب أزمة أخرى في البنزين والديزل مثل تلك التي شهدتها مناطق سيطرته في السنوات الأخيرة.

وفي هذا السياق يؤكد الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، لـ "الاستقلال"، أنه "مع طول مدة العقوبات الأممية - الأميركية على إيران، ابتدعت طهران العديد من الوسائل للالتفاف عليها لا سيما المتعلقة بصادراتها النفطية".

ومن هذه الطرق، وفق جلو "إيقاف نظام تحديد الموقع (AIS) واستخدام سفن من نوع STS القادرة على تحميل وتفريغ الحمولة إلى سفن أخرى في عرض البحر، بالإضافة لتغيير ملكية الناقلات وتبديل أعلامها، أو ناقلات تقبل بالمخاطرة مقابل زيادة الأجور".

كما "تعتمد طهران على شخصيات وشركات مرخصة في أوروبا وآسيا تتولى عنها عملية بيع النفط الإيراني، والذي غالبا ما يباع لشركات أخرى تتولى بيعها للدول"، وفق جلو.

وألمح المهتم بالشأن الإيراني، إلى أن "إيران تلجأ في مجال الالتفاف على العقوبات لاستخدام موانئ غير إيرانية، كالفجيرة الإماراتي أو المناطق الحرة في الإمارات، كذلك ميناء البصرة العراقي، مع تزوير شهادات المنشأ الخاصة بالنفط".

وأيضا "تكرار عمليات التفريغ والحمولة من سفن كبيرة إلى صغيرة، أو بالعكس، وتغيير الوجهة وسواهم من عمليات تمويه ترفع من كلفة المراقبة الأميركية على ناقلات النفط المهرب".

وذهب جلو للقول: "إيران تعزز فكرة القرصان وتعمل مليشيات الحرس الثوري على اختطاف سفن للدول التي يجري إيقافها وفتح بازار المساومات، وهو ما حدث أخيرا مع اليونان".