بعد الاستفتاء على الدستور.. صحيفة فرنسية: قيس سعيد أصبح فرعون تونس
بعد إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أعده الرئيس التونسي قيس سعيد، وقرب تمريره في ظل مقاطعة كبيرة من جموع الشعب ومختلف الأحزاب السياسية، تتصاعد تساؤلات عن مستقبل البلاد في ظل عودة حكم الفرد الواحد من جديد.
ورأت صحيفة لوبوان الفرنسية أنه بعد استفتاء 25 يوليو/ تموز 2022، بات الرئيس التونسي قيس سعيد رسميا "فرعون قرطاج"، الذي يملك بيده السلطات والصلاحيات كافة، لكنه رغم ذلك يمتلك سجلا اقتصاديا واجتماعيا كارثيا.
دكتاتور جديد
وأوضحت أنه في غضون عام واحد، نجح قيس سعيد في تدمير جميع الضوابط والتوازنات، وصاغ دستورا، وأقام الجدران التي تحمل حكما استبداديا جديدا.
وأشارت إلى خبير جيوسياسي تونسي متخصص في المنطقة المغاربية يتحدث معها بخشية ولا يريد ذكر اسمه.
ويقول: "تخيل أن سعيد رجل أتى من المجهول، مساعد جامعي بلا هالة، بدون حزب سياسي، بلا مال، بلا شبكة، يقلل من صوت المعارضة إلى حد الصمت، يسخر من المجتمع الدولي، يرسل الاتحاد الأوروبي للرعي، يستدعي سفير أميركا، يرفض أن يعد الصحافة التي يراها فاسدة، يمزق الدستور، يفعل ما يريد وقتما يريد!".
هكذا يمضي قيس سعيد في تعزيز قبضته على البلاد منذ منح نفسه صلاحيات واسعة وسيطرته على مختلف السلطات في يوليو/تموز 2021.
ويعتقد منتقدو الدستور الجديد أنه سيضفي الطابع الرسمي على ما يرونه السير في طريق حكم الرجل الواحد لتبديد المكاسب الديمقراطية التي بدأت تتحقق بعد ثورة عام 2011.
بينما يرى سعيد أنه يهدف عبر هذا الاستفتاء إلى إنقاذ بلد كان غارقا في شلل سياسي وأزمة اقتصادية من خلال إعادة تشكيل نظام الحكم وإصلاح دستور 2014، فيما يتهمه خصومه بالانقلاب.
وأكدت الصحيفة أن الدستور الجديد ينطوي على ما يكفي من خطورة، نظرا لكونه يهدد بدخول البلاد مرحلة صعبة من الاستبداد والحكم الفردي المطلق، بحسب ما يجمع عليه العديد من الآراء السياسية والقانونية.
وتلتقي المواقف عند خطورة هذا الدستور، خصوصا بعد مسار كتابته واستئثار قيس سعيّد به، مقصيا كل الأساتذة والمنظمات والأحزاب، وحتى المقربين منه.
ويستخدم سعيد منذ 25 يوليو 2021 المراسيم الرئاسية كمتفجرات، وهي نصوص لا يمكن الطعن فيها من قبل أي سلطة قضائية.
وانتخب سعيد رئيسًا في أكتوبر 2019، بوظيفة ذات امتيازات مقيدة (الدفاع والشؤون الخارجية تحت إشرافه) لكنه قام بتنشيط السلاح النووي الدستوري في 25 يوليو 2021، بحجة "الخطر الداهم ".
حيث أغلق البرلمان، وألغى الدستور، وقمع استقلال القضاء، وقلل مهام الهيئات الوسيطة حد القضاء عليها.
فرعون قرطاج
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن الفساد المقترن بالضجيج والغضب داخل قبة البرلمان أدى إلى ظهور سجادة حمراء دخل عليها ما وصفته "الروبوت الآلي" قيس سعيد ليصبح "فرعون قصر قرطاج".
ويؤكد سياسيون من مختلف الانتماءات الحزبية أن دستور قيس سعيّد يكرس حكم الفرد والاستبداد، ويتراجع عن مختلف المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.
وصرح الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، لموقع "العربي الجديد" الإلكتروني، أن "التيار الديمقراطي ومجموعة أخرى من الأحزاب الديمقراطية التقدمية يرفضان المسار برمته".
وأضاف: "هذا الدستور لا يمكن أن يكرس دولة مدنية أو جمهورية يُحترم فيها الفصل بين السلطات وتحترم فيها الحقوق والحريات".
وأشار إلى أن "هذا الدستور يكرس نظام جماهيرية على نمط الجماهيرية الاشتراكية العظمى الليبية، التي تتشكل فيها كل السلطات حول القائد الملهم أي حول الرئيس".
وادعت الصحيفة أنه بعد ثلاث سنوات من انتخابه، وبعد عام واحد من انقلابه، يحظى سعيد حاليا بدعم من بعض التونسيين لكن سجله الاقتصادي والاجتماعي "كارثي".
ولم تتقدم مكافحة الفساد ذرة واحدة، بينما كان من المفترض أن تجلب "المليارات"، وأسفرت الاعتقالات التي جرت بعد الانقلاب عن عدد قليل من الحالات المهمة.
وفي مقابل ذلك بات قيس سعيد يمتلك سلطات كاملة مطلقة، بفضل مقاطعة المعارضة للمشاركة في الاستفتاء على الدستور.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعطى فيه صندوق النقد الدولي موافقته على خطة ضخمة بـ4 مليارات دولار من أجل دعم وإصلاح الاقتصاد المتعثر.
وهي لفتة سياسية بارزة، في الوقت الذي لا تريد فيه أوروبا الفوضى الاجتماعية، ما سيزيد من عدد مراكب الهجرة غير النظامية المتجهة إليها.
وحتى إذا كان مصير قيس سعيد "مجهولا"، فإنه لا يظل وحيدا، إذ إن وزارة الداخلية تدعمه والجيش لا يقول شيئا سوى الموافقة.
بينما يرى التونسيون أن قيس سعيد هو مجرد عامل عند رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ويعمل على تنفيذ مخططاته في تونس.
"الخطر الداهم"
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أنه من أبرز النقاط السلبية بدستور قيس سعيد هي فرضية "الخطر الداهم" التي يستخدمها كأبرز الأسلحة الرئاسية لاستدامة سلطته، عبر زرع فوبيا الخطر الداهم بين الشعب.
واعتمد سعيد على البند 80 من دستور 2014 لفرض حالة الاستثناء في 25 يوليو 2021، ليقدم على حل الحكومة وتجميد البرلمان في مرحلة أولى.
قبل أن يذهب أكثر في تعليق غالبية بنود الدستور وحلّ مجلس الشعب تماما، ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس قضائي وقتي بدله، وعزل 57 قاضيا.
ووصفت غالبية الأطياف السياسي والمدني والحقوقي داخل تونس وحتى من الخارج ما أقدم عليه سعيد بالانقلاب بعدما انحرف في استعمال البند 80 وسن تدابير استثنائية لا دستورية.
وعوّض سعيّد البند 80 في دستور 2014 بالبند 96 من مشروع الدستور الجديد المعروض والذي ينصّ على أنه:
"في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشعب ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
واعتمد أيضا سعيّد على الخطر الداهم في الدستور الجديد في البند 90 لتمديد مدة حكم رئيس الجمهورية عبر قانون دون تقييد أو رقابة دستورية لتقييم الخطر الداهم وتحديده وإقراره من قبل المحكمة الدستورية أو هيئة مستقلة.
كما اعتمد أيضا على الخطر الداهم في البنود 60 و63 في حال استحالة إجراء الانتخابات التشريعية ولتمديد مدة البرلمان عبر قانون، دون تحديد رقابة دستورية على ذلك.
ورأى رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بالتركيز على الخطر الداهم في الدستور الجديد لقيس سعيد، يبدو من الواضح أنه يريد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لفرض رغباته متى شاء".
وأضاف: "كيف لا وقد استغل الرجل في دستور 2014 الفصل 80 وعثر فيه على المدخل الذي يحقق مشروعه السياسي، وجعل منه المنصة التي أطلق منها كل صواريخه".
وتابع "الواقع أن الرئيس يبدو ممتنا لهذا الفصل، وبدلا من تضييق حدوده حتى لا يتم استغلاله مرة أخرى أو حتى الاستغناء عنه بعد الاتهامات الفقهية التي وجهت له على أنه غامض وقُدَّ على القياس ولم يكن في محله، ذهب في تكريسه في أكثر من مظهر ليصبح أداة حكم كلما احتاج للخروج عن دستوره".
وتابع: "وهكذا يحتفظ رئيس الدولة في دستوره الجديد بأهم آلية تعسفية لممارسة حكمه دون قيد أو شرط وبذلك فهو يؤسس للحكم المطلق".