حرب واسعة.. مؤسسو "فطرة" يكشفون عن إنجازاتها أمام حملة الشذوذ العالمية

معركة افتراضية تعيشها مواقع التواصل الاجتماعي العربي، فجرتها الدعوات الغربية الكثيفة والمتصاعدة للتسامح مع الشذوذ في الفضاء العام.

فكان أن أثمرت الحملة نتيجة عكسية تمثلت في أخرى حملت اسم "فطرة" للرد على الشبهات المتعلقة بالاختلافات الجنسية بين الذكر والأنثى والتصدي لموجة التبشير بالشذوذ.

وفي 12 يوليو/تموز 2022، أعلنت "فطرة" إغلاق فيسبوك وإنستغرام جميع الحسابات، بينما بدأ تطبيق تيك توك التضييق على منشورات المبادرة، ما دفع "الاستقلال" للتواصل مع القائمين عليها.

مستصغر الشرر

في 29 يونيو/حزيران 2022، نشرت السفارة الأميركية في الرباط صورة لها، وقد انعكست عليها ألوان ما يسمى "مجتمع الميم"، وكتبت عليها عبارة "كيفما كنت، كن فخورا بنفسك".

في تلك الأثناء حذرت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية (معارض) في مجلس النواب من مغبة إدخال الأغلبية الحكومية تعديلات على القانون الجنائي، تمس الشريعة الإسلامية، كما نبهت الحكومة للتصدي لدعوات الشذوذ الجنسي.

قبل ذلك، منعت السلطات المغربية عرض رواية "مذكرات مثلية" في المعرض الدولي للكتاب في العاصمة الرباط، في دورته الـ27، للفترة بين 3 و12 يونيو 2022.

لم يكن المغرب وحده معنيا بهذا الاستهداف، بل سبق للسفارة الأميركية بالكويت نشر تغريدة مماثلة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بداية يونيو.

وأعلنت السفارة انخراطها في فعاليات "Pride Month" أو شهر الفخر"، الذي تحتفل به الولايات المتحدة وأغلب دول العالم الغربي.

التغريدة التي نشرت بالثاني من يونيو، أرفقت برسالة من الرئيس الأميركي جو بايدن "دفاعاً عن حقوق الإنسان لأفراد مجتمع الميم"، قال فيها: "يستحق كل الناس الاحترام والكرامة والقدرة على العيش دون خوف بغض النظر عمن هم أو من يحبون".

التغريدة فجرت غضبا شعبيا ورسميا في الكويت، بلغ حد استدعاء وزارة الخارجية الكويتية القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة بالإنابة، جيم هوليستايدر وتبعها إصدار بيان.

وقالت الخارجية الكويتية خلال بيانها في 3 يونيو إن هوليستايدر التقى بمساعد وزير الخارجية لشؤون الأميركيتين بالإنابة، نواف عبد اللطيف الأحمد، وذلك على خلفية نشر السفارة في حساباتها على مواقع التواصل "إشارات وتغريدات تدعم المثلية".

وتابع البيان "سلم الأحمد للسيد جيم مذكرة تؤكد رفض دولة الكويت لما نشر وتشدد على ضرورة احترام السفارة للقوانين والنظم السارية في دولة الكويت والالتزام بعدم نشر مثل تلك التغريدات التزاما بما نصت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961".

بعدها بأيام قليلة، عرضت شركة "ديزني" فيلما للرسوم المتحركة، لكنه جوبه برفض الدولة العربية والإسلامية، التي طلبت من الشركة حذف أحد مشاهده التي تضم تبادل قبلات بين رجلين.

فيلم Lightyear الذي يعد الجزء الخامس من أفلام "Toy Story"، وعرف في العالم العربي باسم "باز يطير"، قررت عدة دول عربية منع عرضه الذي أثار جدلا واسعا في العالم العربي بسبب وجود قبلة بين شخصيتين مثليتين صريحتين.

المنع العربي جاء بعد رفض شركة "ديزني" حذف هذه المشاهد التي تحتوي على التوجه الصريح للمثلية، كما كانت قد رفضت طلب بعض الدول سابقا لعدة أفلام تحوي مشاهد بين شخصيات مثلية.

ورفضت عرض الفيلم جميع دول الخليج، والتحقت بهم الإمارات بعد تردد، تماما كما دول المشرق، فيما شمل المنع دول المغرب العربي، باستثناء المغرب. 

هذه الأحداث المتزامنة، بقدر ما أحدثته من غضب وخوف على المجتمعات العربية الإسلامية، دفعت عددا من الناشطين إلى البحث عن أشكال جديدة من الاحتجاج، وجدت ضالتها في مبادرة "Fetrah – فطرة". 

ما هي فطرة؟

في 24 يونيو ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحة أطلقت على نفسها Fetrah – فطرة، وعرفت ذاتها بكونها "منظمة غير حكومية وغير ربحية".

وفي سلسلة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" نشرت "فطرة" تعريفا بنفسها. وقالت مخاطبة جمهورها "يومكم جميل، أولا: نحب نشكر كل من قدم دعمه للمبادرة، والشكر موصول طبعا لكل الأحباب اللي سيساهمون معنا في نشر المبادرة بإذن الله".

ثانيا: هناك نقاط محددة سنحاول من خلال هذا الثريد أن نفرغ لكم كل ما نعرفه عن المبادرة، التي كانت وليدة أكثر من سنة من العمل والتفكير".

وتابعت "المبادرة لا تهدف إلى جعل الناس تتفاعل معها يوم أو اثنين فقط، فالهدف الذي نأمل الوصول إليه، أن تكون راية لكل من يعلن رفضه للشذوذ، والذين عددهم كبير جدا، لكن لا توجد راية موحدة نعلن من خلالها عن موقفنا".

وعن "الراية والعلم"، أوضحت "الموضوع أخذ وقتا وتفكيرا كبيرا جدا، حيث جربنا الظهور برموز وأسماء كثيرة، لكن لم يكن لها نفس درجة تأثير (علم الرينبو/الشذوذ)".

وتابع: لهذا قررنا أن نبعد تماما عن شعار يكون رمز "icon"، وفكرنا في ألوان تشبه الطريقة التي انتشروا بها، ألوان صريحة فقط، لكن وبعد آراء كثير من الأفاضل قررنا إن الراية تكون لونان فقط، لون يعبر عن الذكر ولون يعبر عن الأنثى، وهي الألوان المتعارف عليها عالميا".

وبخصوص آلية العمل، أضافت فطرة، "الهدف من الراية أن تكون خالية من أي رموز، ومعتمدة فقط على درجات الألوان، حتى يسهل انتشارها بين الأفراد والمؤسسات، عن طريق إضافة شعار أو صورة الشخص على خلفية بدرجات الألوان الخاصة بالمبادرة".

وأفادت "فطرة" في تعريفها، ما ندعو له: أولا؛ نعرف الناس إن اللونين خاصين بكل من يريد إعلان رفضه للشذوذ الجنسي.

ثانيا؛ التفاعل مع المبادرة عن طريق تغيير صورة الحساب الشخصي أو حساب مؤسسته. ثالثا؛ أي فيديو أو مؤتمر أو حتى تدوينة مناهضة للشذوذ تكون من خلال هذه الألوان.

وعن "اسم المبادرة" قال إنه "الهدف من البداية أن تكون الأمور بسيطة وواضحة للجميع، لهذا وجدنا أن اسم #فطرة #Fetrah هو أنسب اسم لها، لأنها فطرة الله التي خلقنا عليها، وهذا الوسم الذي سنتبناه بإذن الله".

وخلصت إلى أنه "قد يبدو الموضوع صعبا وشبه مستحيل، لكن لعلها تكون حجة لنا أمام الله، أننا حاولنا ولو بأضعف الإيمان".

ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن المبادرة، تواصلت "الاستقلال" مع مسؤولي الصفحات الرسمية على مواقع التوصل الاجتماعي لمبادرة "فطرة".

وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "شكرا لدعمكم فطرة يشرفنا التواصل معكم، هدفنا الرئيس أن تكون فطرة لكل الناس وكل الطوائف".

وأردف: "فطرة هي فكرة يستطيع أي أحد أن يعبر من خلالها عن رفضه لكل الحملات والأفكار الخبيثة الموجهة لكل ما هو ضد الفطرة الإنسانية بشجاعة وبدون خوف من حملات التشويه المتعمدة".

وأفاد "لهذا نحب أن نشكر كل الصحفيين والإعلاميين لنشرهم فطرة، ولكننا نؤكد أن أي شخص يتكلم بلساننا بشكل رسمي في الإعلام والصحافة هو يمثل شخصه فقط ولا يمثل الفكرة نفسها، لذلك لزم التنويه". وشدد على أن "فطرة لا تنتمي لأي فرد أو مؤسسة أو كيان أو تيار أو فصيل بعينه".

معركة إلكترونية

وعن المشروع، قال: "مبادرة فطرة نجحت في خلق التفاف شعبي كبير عليها من المحيط إلى الخليج، حيث استطاعت في أقل من أسبوعين جمع أكثر مليوني منخرط في صفحتها الموثقة على فيسبوك، بينما وصل عدد منخرطيها في تويتر إلى أكثر من 70 ألفا".

هذا الامتداد السريع دفع الصحافة العربية إلى التوقف عند المبادرة، حيث بلغت عدد العناوين المنشورة في جوجل عن فطرة أكثر من 68 ألف عنوان.

الالتفاف الكبير حول مبادرة "فطرة"، كان نعمة كما كان نقمة، حيث فتح عليها معركة جديدة هذه المرة مع موقع فيسبوك، الذي قرر إغلاق الصفحة الموثقة مرتين متتاليتين، بعد تعرضها لحملة تبليغات.

ففي 8 يوليو/تموز 2022، قالت "فطرة"، في حسابها على تويتر: "نتعرض حاليا لأكبر حملة هجوم وتشويه ممنهج من أصحاب الانحرافات البشرية غير السوية منذ بدأت!، وهذا كان متوقعا، وكنا على يقين أن هذا سيحدث".

بعدها بساعات أعلنت مبادرة "فطرة" إغلاق صفحتها من طرف فيسبوك بعد وصولها إلى أكثر من مليوني شخص على مستوى العالم.

وأردف: "كعادة الغرب في تقييد الحريات إذا كان الرأي مخالف لأهوائهم، أغلقوا الصفحة لكن لن يتمكنوا من إنهاء الفكرة.. لأنها أصبحت في العقول الآن. قوة الفكرة ترعبهم". 

وبعدها بدقائق نشرت تحديثا أعلنت فيه: "كل الصفحات البديلة على فيسبوك اتقفلت، مش هنقدر نعمل اي صفحات بديلة هناك حاليا. انشر هاشتاج #فطرة عندك..".

أنصار فطرة ردوا من جهتهم عن تقليل تقييم "فيسبوك" على "آب ستور" في الهواتف المحمولة.

وأكد الخبير في التواصل المؤسساتي، نزار خيرون، أن مبادرة "فطرة"، عرفت انتشارا كبيرا، حيث انخرط فيها كل من وجد في نفسه أن حملة "الشواذ" تمسه بشكل مباشر وأنها تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل أجيال بكاملها".

وتابع نزار خيرون في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، لكن رغم هذا الانتشار الذي عرفته الحملة الرقمية العفوية "فطرة" فإنها تظل محدودة جدا من حيث الإمكانيات المسخرة لها مقارنة بحملة "الشواذ" المنظمة والمدعومة بشكل كبير من قبل شركات عالمية".

وشدد أن "خوارزميات منصتي فيسبوك وإنستغرام تعرقلان كثيرا من المنشورات والحملات الرقمية وتفرض عقوبات على المستخدمين الذين ينخرطون فيها، كتلك التي تتعلق بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال أو المتعلقة بحملة فطرة".