استياء في صنعاء بعد رفع أسعار الوقود.. هل يمهد لانتفاضة شعبية؟

12

طباعة

مشاركة

تعيش العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات المجاورة لها حيث الكثافة السكانية العالية، حالة من الاحتقان والغضب الشعبي بعد قرار مليشيا الحوثي المفاجئ برفع أسعار الوقود في جميع المحطات الحكومية والخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ومع حلول عيد الأضحى المبارك، وزيادة الطلب على المشتقات النفطية، أعلنت مليشيا الحوثي، عن جرعة جديدة في الأسعار، ابتداء من 3 يوليو/ تموز 2022، للمرة الثانية خلال أقل من 3 أشهر.

وهي خطوة من شأنها أن تفاقم معاناة السكان الذين يكابدون أزمات مستمرة وأوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة وانقطاعا للمرتبات منذ أكثر من 6 سنوات.

وتأتي هذه الزيادة في إطار مساعي المليشيا لتوسيع مصادر إيراداتها وتمويل مجهودها الحربي، مستغلة الهدنة الأممية وتدفق السفن إلى ميناء الحديدة بعد تنازلات قدمتها الحكومة الشرعية.

والحرب المستمرة منذ نحو 7 سنوات من الحرب المستمرة في اليمن بين القوات الحكومية و"الحوثيين"، كلفت البلاد خسائر اقتصادية باهظة، فضلا عن تداعيات إنسانية كبيرة.

رافد حربي

ورفعت شركة النفط التابعة للحوثيين أسعار البنزين بالسوق المحلية في مناطق سيطرتها في شمال اليمن وغربه بنسبة 9 بالمئة.

ليرتفع سعر غالون البنزين سعة 20 لترا إلى 14000 ريال (نحو 25.5 دولارا)، أي بواقع 700 ريال للتر الواحد، من 12800 ريال، (23 دولارا)، بزيادة 1200 ريال للغالون.

وتعليقا على هذا الإجراء قال علي الفقيه، نائب رئيس تحرير صحيفة المصدر أونلاين، إن "الزيادة التي فرضتها سلطات مليشيا الحوثي على المواطنين في مناطق سيطرتها تعكس عدم اكتراثها بالوضع الذي يعيشه المواطنون وحالة الفقر والفاقة التي أصابتهم في ظل انقطاع المرتبات وانسداد فرص الحياة أمامهم".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "المليشيا كانت تتحجج بإغلاق الميناء وشح وصول المشتقات وتوقيف الناقلات في البحر".

لكن ومنذ إقرار الهدنة الأخيرة وفتح الميناء لتتدفق عبره سفن المشتقات يفترض أن تتراجع أسعار المشتقات أو على الأقل تتوقف إلا أن العكس هو ما حصل، وفق قوله.

وأوضح الفقيه، أن "الهدف هو رفد اقتصاد مليشيا الحوثي وتحويل كل الشعب إلى مقاتلين في صفوفها ليجدوا ما يعينهم على البقاء على قيد الحياة".

فخلال شهرين فقط من بداية الهدنة جنت المليشيا حسب وثائق رسمية أكثر من 90 مليار ريال من الرسوم الجمركية والضريبية على الشحنات النفطية المستوردة.

وتابع: "حسب اتفاق الهدنة فإن هذه المبالغ يفترض أن تخصص لصرف مرتبات الموظفين الحكوميين لكن ذلك لم ينفذ ولا تزال المليشيا تنهب هذه الثروات وترفض صرف المرتبات".

ومضى شارحا، "للأسف الشديد الحكومة باتت تخضع للإملاءات الخارجية بينما تحظى مليشيا الحوثي بتدليل غير مبرر من الأمم المتحدة ومن الدول الراعية لعملية السلام".

وبالتالي تنفذ من الاتفاقات ما هو لصالحها فقط فيما فقدت الحكومة أي أوراق للضغط من أجل تنفيذ الاتفاقات وباتت تنفذ فقط ما يملى عليها.

ورأى الصحفي اليمني، أن "هناك حالة من السخط الشعبي تتزايد لكن الحوثي ينتهج القهر ويحكم بالحديد والنار".

وأردف: "سيكون أمام المجتمع وقت حتى تتبلور نخبة جديدة تقوده وتحول حالة السخط الشعبي إلى فعل احتجاجي، بعد أن تمكن الحوثي من إفراغ المجتمع من النخب".

كيل بمكيالين

وتعيد الزيادة الحوثية في أسعار المحروقات للأذهان مطالب المليشيا عام 2014، عندما أسقطت العاصمة صنعاء وسيطرت على مؤسسات الدولة تحت مبرر رفض الجرعة السعرية التي أقرتها الحكومة آنذاك على أسعار المشتقات النفطية.

وبعد سيطرتهم على البنك المركزي لم يكتف الحوثيون بنهب الاحتياطي النقدي كمجهود حربي، لتمويل عملياتهم العسكرية، وإيقاف صرف رواتب كل الموظفين بالجهاز المدني والعسكري للدولة، بل ذهبوا إلى فرض زيادة على أسعار المشتقات النفطية.

وخلال عام واحد، فرض الحوثيون خمس جرع سعرية للمشتقات النفطية، في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وذلك خلال الفترة من يونيو/حزيران 2021 إلى يوليو/ تموز 2022.

وبفعل هذه الزيادات المتتالية في أسعار المشتقات النفطية، والتي بلغت أكثر من 137 بالمئة، ارتفع سعر البنزين من 5900 في يونيو 2021 إلى 14000 ريال يوم 3 يوليو 2022.

وكانت عملية نهب الحوثيين للاحتياطي النقدي أولى الضربات التي تعرض لها الريال والاقتصاد اليمني بشكل عام، خصوصا مع عملية المضاربة على العملة الصعبة بسبب تزايد الاستيراد لا سيما الوقود بعد شروع المليشيا بإنشاء شركات خاصة.

وعلى وقع سلسلة من الأزمات والجبايات والقمع، تعيش العاصمة صنعاء حالة غليان شعبي غير مسبوقة، تنذر بالانفجار في وجه الحوثيين، إذ بات أغلب السكان عاجزين عن شراء معظم السلع، بما في ذلك السلع الأساسية.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن تخوفات كبيرة بدت بين أوساط المليشيات الحوثية من انفجار الوضع في أي لحظة. 

وأكدت المصادر أن زعيم المليشيا، عبدالملك الحوثي بات يظهر أكثر خوفا من الشعب اليمني الذي يواجه الجوع وغياب المرتبات والابتزاز من قبلهم.

وهاجم عضو المكتب السياسي للحوثيين، محمد المقالح، حكومة صنعاء التابعة للحوثي، في سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر".

وقال المقالح إن "حكومة الإغراق الوثني اشترطت أن يفتح الميناء والمطار لتفتح الطرقات وينخفض سعر البترول لكنها كذبت ورفعت السعر وأبقت الطرق وضيقت على مواطنيها بالعيد".

وكان الحوثيون قرروا، في مايو/أيار 2015، تحرير أسعار المشتقات النفطية وربط أسعار بيعها محليا بالبورصة العالمية.

إتاوات مختلفة

ومنذ انقلابها على السلطة في 21 سبتمبر 2014، عمدت مليشيا الحوثي الموالية لإيران، إلى إنتاج نظام إداري جديد يمكنها من السيطرة على مؤسسات الدولة بعيدا عن الخضوع لأي مرجعيات دستورية أو قانونية ناظمة للعمل الإداري والتنفيذي.

وذلك من خلال "الإعلان الدستوري" الذي منحت مليشيا الحوثي بموجبه لنفسها حق تشكيل ما سمته اللجنة الثورية العليا واللجان الثورية المتفرعة عنها والتي أوكلت إليها صلاحيات المؤسسات الحكومية.

 وسعت المليشيا إلى استغلال سلطتها بتوريد أموال الزكاة إلى السلطات المحلية من خلال فتح حسابات خاصة بزكاة كبار المكلفين في البنك وجباية أموالها إلى هذا الحساب الذي لا يخضع لأي إشراف حكومي.

وفي يونيو/ حزيران 2020، شرع الحوثيون بتعديلات عنصرية تحت مسمى "اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة"، جرى فيها تخصيص امتيازات حصرية لمن وصفوهم بـ"بني هاشم" في إيرادات الدولة عن بقية اليمنيين.

وينص التعديل الحوثي، على إعطاء الخمس، أي ما نسبته 20 بالمئة مما يستخرج من باطن الأرض أو البحر، أو في المنتجات الحيوانية لـسلالة "بني هاشم"، التي ينتمي لها زعيم المليشيا، وتزعم صلة نسبها بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام.

كما فرض الحوثيون جمارك جديدة على كافة البضائع القادمة من منافذ سيطرة الحكومة اليمنية.

 بالإضافة إلى تحصيل الضرائب ورسوم إضافية من الشركات والمحلات التجارية وفرض مجهود حربي على معظم التجار ورجال الأعمال. 

وما بين الملصقات في الشوارع وواجهات الإعلانات وصولا إلى رسائل  نصية من خلال شركات الاتصالات التي تسيطر عليها، مرورا بوسائل إعلامها المرئية والمسموعة والمقروءة، تنشط المليشيا للتحشيد المادي والبشري منذ بداية الحرب عام 2015.

وعلق النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، على الإجراءات التي اتخذها الحوثيون بالقول: "عيد بلا طرق ولا مرتبات ولا سلام ولا وطن بلا حياة ولا أمل".

وقال البرلماني اليمني الموجود في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك"، "أسعار تزداد وتشتعل في كل حال، حرب أو هدن أو سلام.. ظلم باذخ يكبر ويتسع وقبح ينافس بعضه وجبايات بلغت عنان السماء".

تهرب متواصل

وبدورها، رفعت شركة النفط الحكومية في عدن، في 4 يونيو/حزيران، سعر غالون البنزين سعة 20 ليترا بنحو 6 بالمئة إلى 19800 ريال (18 دولارا) من 18600 ريال، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد.

وسعر الدولار في مناطق الحوثي يساوي 555 ريالا وفي مناطق الحكومة يساوي 1120 ريالا.

وأدى ارتفاع أسعار الوقود خلال الفترة الماضية، إلى تقليص توصيل الأغذية والسلع والأدوية والمياه المنقولة بالشاحنات، ونقص في السلع.

كما قلل من وصول سلاسل التوريد، والوصول إلى مياه الشرب النظيفة والتأثير على حياة المزارعين في مختلف أنحاء اليمن.

وكانت الحكومة اليمنية قد وافقت في 12 مايو/أيار 2022، على اعتماد جوازات السفر الصادرة عن الحوثيين، للمسافرين المغادرين عبر مطار صنعاء الدولي.

وجاءت الخطوة بعد السماح بإعادة تشغيل المطار أمام الرحلات الجوية التجارية، في إطار الهدنة الإنسانية السارية المهددة بالانهيار.

في المقابل تهرب الحوثيين من تنفيذ بنود الهدنة الأممية، بما في ذلك فتح الطرق في تعز وصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، من عائدات سفن المشتقات النفطية التي سمحت الحكومة بدخولها إلى ميناء الحديدة، ويرفضون تقديم أي تنازلات باتجاه حلحلة الأزمة والوصول اتفاق سلام دائم.

وبدأت الهدنة المذكورة في أبريل/نيسان 2022 برعاية أممية لمدة شهرين، جرى لاحقا تمديدها إلى شهرين إضافيين، وسط خروقات متعددة.

وتراجع إنتاج اليمن من النفط حاليا إلى 60 ألف برميل يوميا، بعد أن كان ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا قبل الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.

ويمنع التحالف السعودي الإماراتي تصدير الغاز والنفط اليمني من حقول مأرب عبر ميناء بلحاف بمحافظة شبوة على البحر العربي.

وهو ما أدى إلى بروز أزمة سيولة، وعدم تمكن الحكومة من تغطية حاجات الإنفاق الضروري، لا سيما رواتب موظفيها.