بعد "تحذير" علماء شريعة من مغبة التطبيع مع الأسد.. هل تتراجع حماس؟

12

طباعة

مشاركة

في خطوة استباقية قبل اتخاذ موقف "شرعي جامع"، خاض ثلة من العلماء المسلمين مناقشات جادة مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، لدفعها للتراجع عن موقفها الأخير بإعادة علاقاتها مع النظام السوري.

وفي إعلان غير رسمي قررت "حماس" بالإجماع على عودة علاقاتها مع النظام السوري بعد قطيعة علنية منذ عشر سنوات، حسبما نقلت وكالات دولية عن قيادات داخلها في 21 يونيو/حزيران 2022.

وأثار إعلان حماس عزمها استئناف علاقاتها مع نظام بشار الأسد، الذي شرد وقتل السوريين والفلسطينيين معا على مدى العقد الأخير، عاصفة من الانتقادات، وصلت لحد المطالبة الشعبية بـ "البراءة" من الحركة، إن لم تتراجع عن خطوتها الجديدة.

النداء الأخير

ولأجل ذلك، كانت شخصيات دينية، إلى جانب المجاميع العلمية الإسلامية في بعض الدول العربية، بصدد اتخاذ موقف من حماس إزاء التطبيع مع النظام السوري، قبل أن تطلب الحركة اجتماعا مع العلماء لبحث المسألة.

وفي 3 يوليو/تموز 2022 انعقد لقاء بمدينة إسطنبول التركية، ضم قادة من حماس على رأسهم رئيس المكتب السياسي لها، إسماعيل هنية، مع عدد من العلماء المسلمين من دول عربية عدة، وعلى رأسهم رئيس المجلس الإسلامي السوري المعارض الشيخ أسامة الرفاعي.

وحضر اللقاء عدد من العلماء بينهم، العالم العراقي الشيخ علي القره داغي، الذي يشغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكذلك الداعية عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق، والشيخ السوداني عبد الحي يوسف، والداعية السوادني محمد عبد الكريم.

وأصدر المجلس الإسلامي السوري المعارض، بيانا أوضح فيه أن اللقاء مع قيادة حماس، جرى "لأجل غرض واحد وهو تنبيه الحركة بغرض ثنيها عن قرار إعادة علاقتها بالنظام السوري المجرم".

ولفت البيان إلى أنه خلال هذا اللقاء جرى "إيصال رسالة واضحة من علماء العالم الإسلامي عموما والمجلس الإسلامي السوري".

ومفاد تلك الرسالة أنه "إن لم تستجب الحركة لطلب العلماء فسيصدر المجلس الإسلامي السوري بيانا مفصليا حول هذا القرار الخطير، وكذلك شأن سائر العلماء الذين ما زالوا ينتظرون الجواب".

واستمر اللقاء خمس ساعات، وكان الحديث فيه منصبا بكليته على "خطورة قرار حماس إعادة العلاقة مع النظام المجرم".

وأكد المجلس الإسلامي السوري، أنه "يزن مواقف الدول والجماعات والأفراد قربا أو بعدا بميزان الثورة السورية العادلة ضد نظام طائفي مجرم"، وفق البيان.

وشدد على "رفضه للحلف الإيراني، وثباته ودعمه للقضية الفلسطينية العادلة ورفضه التطبيع مع الكيان الغاصب".

وحاول العلماء الضغط على الجناح داخل حماس الذي يتبنى العودة إلى علاقات طبيعية مع رئيس النظام بشار الأسد. وبحسب البيان، وعدت حماس، بإعادة دراسة القرار.

وتكلم كل من الشيخ أسامة الرفاعي، والداعية عصام البشير، خلال اللقاء مع قادة حماس الداخل، بكلمات تحذيرية ومفصلية، مبلغين إياها بأنهم وصلوا المرحلة الأخيرة التي لم يعد ينفع السكوت بعدها عن موقفها الجديد بالتطبيع مع الأسد.

كما نبه العلماء حماس خلال اللقاء بأنها باتت في الحلف المعادي لأهل سوريا والعراق واليمن ولبنان.  

وعبر مليشيا الحرس الثوري، استطاعت إيران بناء مليشيات محلية وتدعيم حضورها العسكري في أربع دول عربية (لبنان والعراق واليمن وسوريا) وارتكبوا مئات المجازر بحق السنة في العراق وسوريا.

وعقب اللقاء نشر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 9 يوليو، بيانا أكد فيه الاستماع لقادة حماس حول ما يتعلق بقرارهم الخاص باستعادة العلاقة مع النظام السوري، ولحيثيات الموضوع ومسوغاته من وجهة نظرهم، بحسب البيان. 

ولفت البيان، إلى أن مجمل الحضور من العلماء بينوا "أن في هذا القرار مفاسد عظيمة ولا تتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية، وهذا في نظر الحاضرين يقتضي أن تقوم الحركة بمراجعته وإعادة دراسته".

وذكر البيان أن هنية وعد بعرض كلام العلماء على مكتب الحركة في أقرب اجتماع له، وأن "العلماء في انتظار رد قيادة الحركة ليقوموا بالواجب الشرعي المناسب للموقف، والمحقق لمصلحة قضية فلسطين التي هي قضية المسلمين جميعا".

خطوة محرمة

وتزامن ذلك مع إصدار الداعية الموريتاني محمد الحسن الددو كلمة صوتية، أفتى فيها بعدم جواز استعادة العلاقات مع النظام السوري؛ لما في ذلك من المفاسد.

ورأى الددو أن "قرار حماس الأول إبان الثورة السورية عام 2011 بقطع العلاقة مع المجرم بشار كان صائبا وزكته وأثنت عليه الأمة الإسلامية".

وأضاف أنه "لم يتجدد منذ ذلك اليوم إلى يومنا لبشار الأسد، إلا زيادة في القبح والإسراف في الدماء وتدمير البلاد والعباد وكل يوم يزداد إجراما ونكاية في هذه الأمة".

وقال الددو مخاطبا حماس: "لا أرى أنه يجوز لكم أن تربطوا مع بشار الأسد أي علاقة لما في ذلك من تلويث الحركة وتشويه سمعتها وإلحاق الضرر الكبير لدى عمقها وهي الأمة الإسلامية وأهل السنة بالخصوص".

وزاد بالقول: "فضلا عن إلحاق الضرر بنا جميعا فكلنا مدافعون عن الحركة ولكن مثل هذا النوع من القرارات (التطبيع مع الأسد) حرام ولا نجد وجها للدفاع عنها ولا تسويغها للأمة الإسلامية".

ومضى الشيخ الددو يقول: "لا شك أن بشار الأسد من أظلم الظالمين في هذا الزمان، ولا يختلف في الأمر اثنان من العقلاء، ولا شك أن الركون إليه كسر لخواطر إخوانكم الذين أسال دماءهم واعتدى على نسائهم ورجالهم وأطفالهم وهدم مساجدهم ومدنهم".

ودعا العلامة الموريتاني حماس في ختام كلمته الصوتية "لمراجعة القرار وبحثه على بساط الفقه المحض".

وتواصلت "الاستقلال" مع ناطقين ومسؤولين بحركة حماس في محاولة للحصول على تعليق منها على الفتوى بعدم جواز استعادة العلاقات مع النظام السوري؛ إلا أنها لم تتلق ردا.

ويرى مراقبون، أن حماس التي تأسست عام 1987، باتت أمام خيارات واضحة، إما الرد على موقفها من التطبيع مع الأسد للعلماء الذين اجتمعوا بقادتها، أو السكوت وعدم المضي في العلاقة مع الأسد وبالتالي عدم الرد على العلماء.

وكان مسؤول رفيع المستوى في الحركة فضل عدم الكشف عن هويته قال إن الاتصالات مع النظام السوري "في تحسن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه"، مشيرا إلى أن زيارات عديدة قام بها قادة حماس إلى العاصمة دمشق، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

وشكّل تدخل إيران عسكريا عام 2012 لحماية نظام الأسد من السقوط وتسخير كل قدراتها المالية والعسكرية لذلك، دافعا لحركة حماس لإعلان قادتها وقوفهم إلى جانب خيار الشعب السوري الثائر.

بيان مفصلي 

وقررت الحركة نقل مقراتها وقياداتها خارج سوريا، إذ غادر رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل عام 2012 مقر إقامته من دمشق إلى الدوحة، بعدما اتخذت منذ عام 1999 العاصمة السورية مقرا لها.

وكان خليل الحية، رئيس "مكتب العلاقات العربية والإسلامية"، في "حماس" أكد في حوار لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 28 يونيو 2022، صحة الأنباء التي تحدثت عن قرار الحركة، سعيها لاستعادة العلاقات مع النظام السوري.

وقال الحية إنه "جرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى حركة حماس من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سوريا، وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون، وحتى المعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق".

وفي هذا الإطار، أكد المتحدث الرسمي للمجلس الإسلامي السوري المعارض، الشيخ مطيع البطين، أنهم ضغطوا سابقا على حماس "من خلال لقاءات ورسائل وكتابات ضد ذهابها وارتمائها في حضن إيران، قبل الإقدام على خطوة إعادة العلاقة مع النظام السوري الذي أوغل في دماء السوريين والفلسطينيين".

وأوضح البطين لـ "الاستقلال"، أن "المجلس الإسلامي السوري أدى واجب النصح والتحذير والتنبيه لحماس قبل تسريب الإعلان عن إعادة العلاقة مع النظام".

وأضاف أن "الهدف الحالي هو العمل على تصحيح وتقويم الخطأ الكبير لحركة حماس، قبل أن يصدر المجلس بيانا مفصليا، ويبين الموقف منها للشعب السوري وللأمة الإسلامية".

ورأى المتحدث الرسمي، أنه "بالنسبة لجهود العلماء في ثني حماس عن موقفها، هو أمر متروك للحركة التي إن ذهبت لحضن النظام السوري سيخسرون الشعوب والمصداقية؛ لكون هذه الخطوة تمثل خطورة على مدى الأجيال وتدلل على الاصطفاف إلى حد بعيد مع ما يسمى محور المقاومة". 

وختم البطين بالقول: "إن مضي حماس في العلاقة مع النظام السوري سيؤدي إلى زلزال وسيسقط الحركة ليس من السوريين فقط بل من كل المظلومين والأحرار في العالم الإسلامي".

وينظر الرافضون لتوجه حماس نحو فتح صفحة جديدة مع نظام الأسد، أن تبرير "أكل الميتة" لم يعد مستساغا في نظرة تيار من الحركة في الذهاب إلى إيران وحلفائها مثل النظام السوري.

وعلق الأكاديمي السوري الشيخ محمد أيمن الجمال بالقول على صفحته إثر لقاء العلماء مع قادة حماس، إن "إيران الشيعية الشعوبية عدو للأمة الإسلامية وللشعب السوري والنظام السوريّ المجرم أداة عندها، وهو أقذر منها".

وراح الجمال يقول: "ومن يصالحهما أو يسير في ركابهما ومحورهما ففعله تزيين لأفعالهما في نفوس الأمة وتضليل لشبابها، وهو جريمة لا تقل خطورة عن جريمتهما".

مرجعية العلماء

ويؤكد مراقبون أن إيران لعبت دورا كبيرا في مد يد حماس للنظام السوري مجددا، رغم تشريده نحو عشرة ملايين سوري وتدمير منازلهم وقتل مئات الآلاف منهم بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون.

ويمكن القول إن إيران التي قدمت لحماس دعما سياسيا وعسكريا منذ تسعينيات القرن العشرين، تمتلك أوراقا عدة تمكنها من شد الحركة لحضن النظام السوري، وفق الباحث بالشأن الإيراني عمار جلو.

لكن الثابت الوحيد في نظرة حركة حماس للثورة السورية، وفق جلو هو "تخبط تصريحات قادتها تجاهها، بما يشي بوجود خيوط إيرانية تحركها، وربما انكشف في هذا التوقيت الحساس".

ويشير جلو في تصريح لـ "الاستقلال" إلى أن "إيران استغلت أولا، صراع الأجنحة داخل الحركة، بمعنى وجود تيار رافض للحياد في الموقف من الثورة السورية".

وهذا "ما يكسب طهران مكانا للتستر خلف مزاعم (المقاومة وتحرير القدس)، لتمرير مشاريعها بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والتي انكشفت مع موجة الربيع العربي"، وفق جلو.

وفي هذا السياق رأى عباس شريفة الباحث في مركز "مشارق ومغارب"، أن "دور العلماء مهم في الضغط على حماس وثنيها عن سياستها البراغماتية وتحولها للمصالحة مع النظام السوري، والعلاقة التي تنسجها مع إيران التي تجاوزت الانتفاع والمصالح إلى علاقة التحالف الإستراتيجي والتبعية".

وقال شريفة لـ "الاستقلال": "إن كون حركة حماس تعتمد في مشروعيتها على إطار مرجعي إسلامي، فإن هذا يجعل شعبيتها وتأييدها من قبل عموم المسلمين مرتبط برأي العلماء بهم".

واستدرك شريفة قائلا: "إن أي موقف لعلماء المسلمين ضد حماس سيكون مؤثرا كثيرا على الصعيد الشعبي".

وذهب الباحث للقول: "لا اعتقد أن حماس ستضحي بتأييد علماء السنة والفضاء السني لمصلحة مع إيران، مهما بلغت وخاصة أن العمق العربي والإسلامي السني هو الأهم والحاضن الأساسي للحركة ضمن محيطها".

وألمح شريفة إلى أن "دور العلماء سيكون مؤثرا في موازنة الخطاب والسياسات وأن تؤوب حماس إلى رشدها وأن تكف عن هذه الخطوات الاستفزازية ليس لعلماء الأمة فقط بل لكل الشعوب العربية والإسلامية التي باتت متضررة من السياسة الإيرانية".

"خيار إجباري"

في المقابل، يرى متابعون للشأن الفلسطيني أن سعي حركة حماس، لاستعادة العلاقات مع النظام السوري في هذا التوقيت، يأتي في إطار حاجة الحركة إلى تقوية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها.

وهذا ما ذهب إليه المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني، بقوله إن "إعادة تموضع دول الإقليم وإحياءهم لسياسة المحاور والأحلاف"، دفع حماس لاتخاذ خطوة التقارب مع النظام السوري.

وقال الدجني لوكالة الأناضول في 5 يوليو: "إن حماس كحركة تحرر وطني، الأصل أن تتموضع في المنطقة ضمن محاور وأحلاف، وهذا يتجسد بمحور المقاومة".

واستدرك الدجني قائلا: "إن هذا التموضع الذي اضطرت الحركة لأن تحسم خياراتها باتجاهه كان إجباريا، لا سيما في ظل حظر بعض الدول العربية للحركة".

ويقصد بمحور المقاومة، المناطق التي ينتشر بها الوجود الإيراني في الشرق الأوسط وتزعم عداءها لإسرائيل والولايات المتحدة (إيران، العراق، سوريا، لبنان، اليمن).

ولفت المحلل الفلسطيني، إلى "أن حسم حماس خياراتها باتجاه تموضعها مع محور المقاومة، يأتي في ظل عدم وجود بدائل كافية لمد الحركة بالمال والسلاح كحركة تحرر وطني".

وختم الدجني قائلا: "في ظل تضييق الخناق على حماس من قبل بعض الدول العربية، فإن سوريا أحد أفضل البدائل، التي يمكن لقيادة الحركة نقل ثقلها إلى هناك"، حسب تعبيره.