تحكم ومكايدات.. ماذا وراء خنق حزب أخنوش للصحافة في المغرب؟

جمال خطابي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت الملاحقة القضائية من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية، للصحفية المستقلة حنان باكور، انتقادات واسعة واستهجانا إعلاميا وعبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتأتي ملاحقة الصحفية باكور، المديرة السابقة لصحيفة "اليوم 24" الإلكترونية، بسبب تدوينة كتبتها في 21 سبتمبر/أيلول 2021، إثر إصابة المنافس الأساسي لحزب أخنوش بمحافظة كلميم وادنون (جنوب)، عبد الوهاب بلفقيه، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، بطلق ناري.

واستغربت باكور، في التدوينة، من كون "بلفقيه بين الحياة والموت"، بينما يعلن في الوقت ذاته عن انتخاب القيادية بحزب الأحرار "امباركة بوعيدة"، رئيسة لمجلس محافظة كلميم وادنون، "بدون حتى تأجيل الانتخابات لمعرفة مصير ابن البلدة والزميل"، بحسب ما كتبته، مرفقة التدوينة بصورة لكل من بوعيدة وبلفقيه.

تخويف وتركيع

وفي 21 يونيو/ حزيران 2022، وصل الصحفية باكور، استدعاء من المحكمة الابتدائية بسلا (قرب العاصمة الرباط)، للمثول أمامها على خلفية شكاية رفعها ضدها حزب أخنوش، قائد الائتلاف الحكومي، بسبب تدوينتها التي مر عليها نحو 9 شهور.

وطالب حزب أخنوش في شكايته، بـ"إجراء بحث من أجل جرائم الوشاية الكاذبة والتبليغ عن جريمة خيالية، ومتابعة حنان باكور في حالة اعتقال، وإحالتها على المحكمة طبقا للقانون".

وفي 27 يونيو، أجلت المحكمة الابتدائية بسلا، جلسة محاكمة الصحفية باكور، إلى غاية 19 سبتمبر/أيلول 2022 من أجل إعداد الدفاع.

وتحاكم الصحفية باكور، طبقا للفصل 447.2 من مجموعة القانون الجنائي، بتهمة "بث وتوزيع وقائع كاذبة باستعمال الأنظمة المعلوماتية، بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم"، وفق وثيقة الاستدعاء.

وينص ذلك الفصل على أنه "يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 درهم (حوالي 200 دولار) إلى 20.000 درهم (حوالي 2000 دولار)، كل من قام بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم".

وفي تعليقها على متابعتها من قبل حزب أخنوش، قالت باكور، "نعم حزب يقاضي مواطنة، يقاضي صحفية مارست حقها في التعبير في زمن تريد فيه معاول الهدم جعل الصحافة جريمة".

وأضافت في تدوينة عبر فيسبوك، "حزب يريد أن "يربي" كل من يرفض "نعمه" ولا يصطف مع "الكورال"، بمحاولات التخويف والترهيب، بنسج تهم خيالية مضحكة مبكية متناسين أن الحرية خير يمكننا من التمتع بسائر الخيرات، وأنه حيث تكون الحرية يكون الوطن".

وعدت باكور، أن "رئيس الحكومة وحزبه تركوا ارتفاع الأسعار وخنق البشر والحجر، ليركزوا على سياسة التخويف والتركيع لكل صوت لا يطرب ولا يصطف مع الكورال".

وتابعت "سأقف أمام المحكمة ضدكم وضد حزبكم الذي يريد أن يحجر علي وعلى حقي في التعبير، سأقف ضد سياستكم التي تسعى للتخويف ليسود الصمت"، مردفة "أنتم حزب له السلطة والمال… وأنا صحفية حرة".

وسجلت أن "حزب التجمع اختارني أول صحفية ينفذ فيه وعيد رئيسه بـ"التربية"، وبشكاية في إطار القانون الجنائي!"، في إشارة لحديث سابق لأخنوش قال فيه إن من "تنقصه التربية من المغاربة ينبغي أن نعيد تربيته".

وعدت باكور، أن "من حق أي شخص أو جهة اللجوء إلى القضاء إذا أحس بتعرضه لظلم، لكن لا أحد يمكنه أن يرهبنا ويمنع عنا نعمة وحق الكلام وحرية التعبير، تحت أي ذريعة كانت..".

متابعة كيدية 

متابعة الصحفية حنان باكور، عدها مدونون ومحامون وإعلاميون، محاولة من أخنوش وحزبه، لخنق كل الأصوات المنتقدة لحزبه وسياسته، خاصة، وأن الصحفية لم تغرد على النغمة المساندة والمادحة لأخنوش، كما يفعل كثيرون.

ومنذ تعيين حكومة أخنوش في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، اختفت بشكل واضح المقالات والأخبار المنتقدة للعمل الحكومي وللحزب الذي يترأسها من مختلف وسائل الإعلام في المغرب، على عكس ما كان سائدا خلال ولاية حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي التي استمرت 10 سنوات.

عضو هيئة المحامين بالعاصمة الرباط العربي إعيش، بعد أن عبر عن تضامنه مع الصحفية باكور، أكد في 22 يونيو، أن "ما تتعرض له هو متابعة كيدية بغاية إخراس صوتها".

وذكر إعيش، في تدوينة عبر فيسبوك، أنه "منذ حكومة التناوب لعام 1998 تناوب على تدبير الحكومات المغربية خمسة رؤساء حكومات ينتمون سياسيا لأحزاب مختلفة (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، العدالة والتنمية) ورغم ما تعرضوا له من انتقادات لاذعة وقاسية، لكن لم يجرؤ أو لم يقم أي منهم بجر صحفي للقضاء". 

وتابع أنه "للأسف حزب التجمع الوطني للأحرار سيسجل عليه التاريخ أنه أول حزب يترأس الحكومة يجر صحفية للقضاء بسبب ممارستها لحريتها في التعبير والنقد...".

وأشار إعيش، إلى أن "الأَمر من ذلك هو أن النيابة العامة قررت متابعتها وفق فصول القانون الجنائي وليس وفقا لمقتضيات قانون الصحافة والنشر".

من جانبها، عدت القيادية بحزب العدالة والتنمية (إسلامي/معارض) أمينة ماء العينين، أن "رئيس الحكومة لم يجد للأسف ما يشغله في ظل ما يعيشه المغاربة من مآس اقتصادية واجتماعية، إلا محاولة ترهيب صحفية بسبب تدوينة".

واستغربت ماء العينين، في تدوينة عبر فيسبوك في 22 يونيو، من كون "التكييف توجه للقانون الجنائي في فصل يهم في جوهره ومعناه الأشخاص وليس الهيئات، حماية لحياتهم الخاصة ولكرامتهم واعتبارهم الإنساني".

ودعت رئيس الحكومة والجهات التي تسعى للتضييق على العمل الصحفي بالمغرب إلى الكف عن هذه الممارسات، قائلة: "ارفعوا أيديكم عن الصحافة التي تحاول أن تقاوم لتمارس أدوارها ببعض الاستقلالية، فلا ضير في بعض الانتقاد وبعض، فقط بعض، الحرية في التعبير عن الرأي".

وأكدت ماء العينين، أن "المبالغة في هذا التوجه باستعمال المال والإغراء والترهيب بالسب والشتم والسفاهة ثم بالقضاء، كل ذلك يشكل خطرا على البلد".

ترهيب مقصود

بدوره، قال عبد اللطيف خيار، القيادي بالعصبة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، إن متابعة الصحفيين أمام المحاكم عمل جبان. 

وأوضح خيار، في تدوينة عبر فيسبوك، أن "الصحفيين في العالم ينتقدون ولكن لا أحد من السياسيين يقدم بهم شكاية رغم إتاحة القانون ذلك، للأسف صدور ساسة بلدنا ضيقة جدا ولا تتقبل النقد".

أما الناشط الأمازيغي، خميس بوتكمانت، فاستنكر "المخطط الموجه ضد الصحفية حنان باكور، التي يحاول حزب التجمع الوطني للأحرار تكميم صوتها والزج بها في غياهب السجون بسبب تدوينة...".

وأضاف بوتكمانت، أن حزب التجمع الوطني للأحرار "يظهر استكانة النازع الأمني في عقله بمحاولة إيجاد منفذ وتأويل جنائي لرأي حنان باكور حول حادثة انتحار بلفقيه".

وتابع أن حزب أخنوش "يسعى بكل جهد لتكريس أمننة شاملة لحقل الإعلام وعبره تطويق الرأي المعبر عنه في الفضاء العام لو كان هذا الفضاء افتراضيا..".

عدد كبير من الصحفيين عبروا عن تضامنهم مع الصحفية باكور، واستهجانهم لمتابعتها بسبب تدوينة من قبل حزب رئيس الحكومة، وفي إطار القانون الجنائي وليس قانون الصحافة والنشر.

وفي تدوينة عبر فيسبوك، عد الصحفي يونس مسكين، أن "وثيقة الاستدعاء الموجهة للصحفية حنان باكور، دليل إدانة واضحة وجازمة لمن سلطتهم مرحلة الانتكاس التي يعيشها المغرب على رقاب المغاربة".

واستغرب مسكين، لكون "حزب سياسي يكاد يملك المغرب، له رئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان، ورئاسة نادي الأغنياء... يقدم شكاية ضد مواطن ويقنطر عليه التهم التي ينتجها خياله ويطالب باعتقاله...".

وتابع "نعم، لأول مرة في تاريخ المغرب وربما في تاريخ البشرية، حزب سياسي يطلب اعتقال مواطن".

ورأى مسكين، أن حزب أخنوش "لم يعرف له يوما قضية يحملها ولا مشروع يقنع به، انتهى من معالجة ملفات المغاربة، وخلصهم من مشاكل التخلف والفقر والأمية والبطالة والظلم والديكتاتورية، وذهب ليرفع دعوى ضد تدوينة فيسبوكية".

بدوره، سجل الإعلامي والباحث في التواصل السياسي والعلوم السياسية عبد الصمد بنعباد، أن "أخنوش، لم يكتف بشراء صمت الأكثرية، بل يريد إسكات ما تبقى من أصوات تقاوم.. كل التضامن حنان".

"تأديب" سلطوي

من جانبه، أوضح ياسر المختوم الصحفي بموقع "اليوم 24"، أن "القضية كما صنفتها المحكمة: جنحي عادي تأديبي.. نعم (تأديبي)!!".

وأضاف المختوم عبر فيسبوك، أن "رئيس الحكومة المغربية الذي اتخذ قرار مقاضاة الزميلة حنان بسبب تدوينة، بصفته رئيس حزب، هو الذي وعد بتربية المغاربة...".

وتابع أن "التربية هي التأديب، فهل يجر أخنوش المغاربة إلى المحاكم لتأديبهم؟ وهل يعيد مشروع قانون تكميم الأفواه إلى الواجهة؟".

وفي تعليقه على متابعة الصحفية باكور، قال عبد الصمد الإدريسي، عضو هيئة الدفاع عن الصحفية باكور، إن "المفروض في الأحزاب السياسية أن تكون أول الداعين لحرية التعبير والمدافعين عنها".

وعد الإدريسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "تضايق صدر السياسيين من حرية التعبير لدرجة أن تصبح عندهم فوبيا من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أمر ينم على خوف من الرأي العام".

واستغرب من لجوء حزب سياسي إلى وضع شكاية ضد صحفية، نتج عنها متابعة وفتح ملف أمام القضاء بسبب تدوينة، مبينا أن "تدوينة الصحافية باكور، عادية وبسيطة، وليس فيها ما يخالف القانون".

وعبر الإدريسي، عن أسفه لتحويل تدوينة إلى موضوع شكاية ومتابعة في إطار القانون الجنائي وليس في إطار قانون الصحافة، مؤكدا رفضه لهذا الأمر.

وأردف أنه "كان على حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ادعى أنه تضرر من مجرد تدوينة، أن يلجأ إلى وضع شكاية في إطار قانون الصحافة والنشر".

وخلص المحامي الإدريسي، إلى أن هذا الملف الذي تورط فيه رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يترأس الحكومة الحالية "سيسيء إليه وإلى حزبه".