دماء على خطوط التماس.. إلى أين تتجه الأزمة بين السودان وإثيوبيا؟
إعلان السودان إعدام 7 من جنوده على أيدي الجيش الإثيوبي في مناطق الحدود الشرقية للبلاد، أواخر يونيو/حزيران 2022، كشف النقاب عن حجم التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا، ما أثار المخاوف من تداعيات الحادث على المنطقة.
ومع تهديدات "المجلس السيادي" الحاكم والجيش في السودان بأن "الحادث لن يمر دون ثأر"، يتحدث مراقبون عن إمكانية اندلاع حرب في جغرافية لا تحتمل صراعات جديدة.
توتر متصاعد
وفي 27 يونيو/حزيران 2022، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، نبيل عبدالله، أن "الجيش الإثيوبي أعدم 7 جنود سودانيين ومواطنا كانوا أسرى، ثم عرضهم على المواطنين بكل خسة ودناءة"
وأضاف في بيان متلفز متوعدا أن "هذا الموقف الغادر مناف لكل الأعراف والقوانين، ولن يمر دون رد مناسب، لأن الدم السوداني غال، دونه المهج والأرواح".
فيما وصف "المجلس السيادي" في بيان، إقدام الجيش الإثيوبي على إعدام الجنود بـ"التصرف الجبان".
وتعيش السودان نزاعا حدوديا مستمرا منذ عقود مع إثيوبيا على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وهي التي تعرف بـ"الفشقة"، وتقع داخل حدود السودان، وفقا لاتفاقية حددت الخط الفاصل بين البلدين عام 1902.
وبسبب تلك الخلافات، تحدث معارك مستمرة، وتسبب الحادث الأخير في مزيد من الحشد والاحتقان.
وارتفاع حدة التوتر على إثر الحادث، دفعت القائد العام للجيش، رئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، إلى زيارة منطقة الفشقة؛ للوقوف على تداعيات واقعة الإعدام.
كما دفعت القوات المسلحة السودانية بتعزيزات عسكرية من قيادة الفرقة الشرقية إلى منطقة الفشقة الصغرى بالتزامن مع وصول قادة في الجيش، على رأسهم نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات، مجدي إبراهيم عثمان.
ومن هناك وجه البرهان خطابه لجنود الجيش، قائلا إن رد بلاده على إعدام إثيوبيا للأسرى السودانيين "سيكون على الأرض".
وشدد على أن "الرد السوداني سيأتي بدون كلام ودون جزع أو خوف".
وتعهد البرهان بـ"إسناد الجنود حتى لا يتم السماح لأي شخص بدخول الأراضي السودانية"، مؤكدا ثقته في الجنود لـ"رد حق رفاقهم الذين أعدموا".
تحرك دبلوماسي
بالتوازي مع التصعيد العسكري السوداني ضد إثيوبيا في منطقة "الفشقة" الحدودية، كان هناك تحرك دبلوماسي.
وفي 28 يونيو/حزيران 2022، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنها شرعت في تقديم شكوى رسمية ضد إثيوبيا إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الإقليمية، وذلك "حفاظا على سيادة البلاد وكرامة مواطنيها".
واستنكرت الوزارة في بيان، "ما أقدم عليه الجيش الإثيوبي من جريمة نكراء تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي بقتله 7 أسرى من الجنود السودانيين ومواطنا مدنيا".
وأوضح أنهم "قاموا بذلك بعد اختطافهم واقتيادهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ، في سلوك غير إنساني".
ومع إصدار هذا البيان، استدعت الخارجية السودانية سفيرها في إثيوبيا للتشاور.
كما استدعت سفير أديس أبابا في الخرطوم للاحتجاج على ما قام به الجيش الإثيوبي من عملية الإعدام.
وبعد التحركات المتصاعدة، جاء الرد الإثيوبي من خلال وزارة الخارجية التي أعلنت في 27 يونيو، عدم مسؤولية البلاد عن الواقعة.
وقالت في بيان إن "الحادثة وقعت داخل أراضيها بعد توغل وحدة من الجيش النظامي السوداني تدعمها عناصر إرهابية من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
وأشارت إلى أن "الخسائر في الأرواح نتجت عن المناوشات بين الجيش السوداني ومليشيا محلية سيجرى التحقيق بشأنها قريبا".
وتسببت حادثة إعدام الجنود السودانيين الأخيرة، في إعادة التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا إلى نقطة الصفر عام 2020.
ودشن الجيش السوداني آنذاك عمليات عسكرية لتحرير منطقة الفشقة الحدودية، والتي ظلت واقعة تحت السيطرة الإثيوبية منذ عام 1995.
وجاء ذلك في إطار التوتر الحاد بين البلدين، نتيجة الخلافات بينهما خلال مفاوضات سد النهضة، والتي فشلت في التوصل إلى اتفاق حول تشغيل السد.
يذكر أنه في يوليو/تموز 2015، اندلعت معركة "بني شنقول" عندما قامت مليشيا إثيوبية مسلحة باعتداء على تجمعات الدفاع الشعبي السوداني بالشريط الحدودي، وتوغلت داخل عمق الأراضي السودانية، حيث تمكنت قوات الدفاع الشعبي من التصدي لها، مع وقوع خسائر بشرية بين الطرفين.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، وبعد أكثر من عقدين على سيطرة المليشيات الإثيوبية عليها، دخلت القوات السودانية، آخر نقطة على الحدود مع إثيوبيا وهي منطقة خورشيد.
وكانت عصابات إثيوبية مدعومة من حكومة أديس أبابا، تستولي على أراضي مزارعين سودانيين في "الفشقة" بعد طردهم منها بقوة السلاح، واتهمت الخرطوم الجيش الإثيوبي بدعم هذه العصابات.
وبعد غياب استمر نحو 25 عاما، أعاد الجيش السوداني، انتشاره في المنطقة المذكورة.
تبعات وخيمة
وتعتبر منطقة "الفشقة الصغرى" التي تشهد اندلاع نزاع شرس يلوح في الأفق بين الخرطوم وأديس أبابا، إحدى المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف بشرق السودان.
واحتلت إثيوبيا عبر مليشيات تابعة لها نحو مليون فدان من هذه الولاية.
و"الفشقة" عبارة عن مثلث حدودي، تقع قاعدته على الحدود الدولية بين السودان وإثيوبيا المتاخمة لإقليم أمهرة الإثيوبي.
وكانت إثيوبيا تستغل الحروب الأهلية الدائرة في السودان والصراعات القبلية المشتعلة هناك، والتي أدت إلى إضعاف الدولة والحكومة المركزية، وانشغال الجيش في حروب مستمرة، لتفرض سيطرتها على تلك المناطق وتؤسس مليشيات وعصابات شبه نظامية تحرم الخرطوم من أرضها وتهدد شعبها.
وقال الباحث السياسي السوداني، عمر الخضر، إن "هناك نية غدر إثيوبية واضحة في عملية إعدام الجنود، ولابد من ذكر أنه قبل أقل من شهر من الحادثة كانت هناك مطالبات من مزارعين سودانيين في الفشقة بضرورة إمدادهم بالسلاح ودعمهم بقوات عسكرية لحمايتهم من المليشيات الإثيوبية، التي تهاجمهم بين الحين والآخر".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أنه "يجب العودة أيضا إلى ما ذكرته صحيفة (سودان تربيون) قبل أيام عن مصادر خاصة، أن عناصر من الجيش الإثيوبي وأفراد من مليشيات ولاية أمهرة احتشدوا على الحدود السودانية، وأنذرت بخطر محتمل على الأراضي السودانية وأفراد الجيش والمزارعين القريبين من منطقة الحشد".
ورأى الباحث السياسي أن "هناك صعوبة في اشتعال حرب بين الدولتين، لمجموعة من الأسباب والعوامل، أهمها الظروف الاقتصادية المتعثرة، خاصة في السودان، وأن الوضع لا يحتمل الدخول في حرب طويلة الأمد مع إثيوبيا".
ورأى الخضر، أن "الظرف السياسي والمرحلة الانتقالية المتعثرة في الخرطوم لا تسمح لها بفتح جبهات حرب وأزمات دبلوماسية خارجية حديدة".
ولفت إلى أن "إثيوبيا لا تريد الانزلاق إلى هذه النقطة الصعبة، نظرا لوجود قرابة 70 ألف لاجئ إثيوبي على الأراضي السودانية".
وأيضا لوجود حرب أهلية داخلية في إثيوبيا مع جبهة تحرير تيغراي ومجموعات معارضة، وسيكون صعبا عليها خوض حرب مفتوحة مع قوات مسلحة نظامية مثل الجيش السوداني، وفق الخضر.
لكن استطرد موضحا: "مع ذلك سيظل سيناريو خروج الصراع عن نطاق السيطرة مطروحا في ظل الحشود العسكرية، وتكرار الأزمات على شاكلتها الأخيرة، وهو أمر من دروس التاريخ، إذ إن الحروب في كثير من الأحيان ناجمة عن صراعات صغرى غير مخطط لها".
واختتم الخضر حديثه بالقول: "لكن في حالة اندلاع حرب حقيقية، سيكون هناك عواقب وخيمة ليس على الطرفين فقط، لكن على المنطقة كلها، وسينجم عنها أزمة إنسانية ضخمة من الصعب تحملها ومعالجتها".
المصادر
- إثيوبيا ترد: جنود سودانيون هم من عبروا الحدود بطريقة استفزازية
- إثيوبيا والسودان: تصعيد دموي جديد
- الخرطوم تتهم أديس أبابا بإعدام أسرى سودانيين وعرض جثثهم وتسحب سفيرها من إثيوبيا للتشاور
- البرهان: الرد على مقتل 8 سودانيين بإثيوبيا سيكون "واقعا على الأرض"
- الفشقة.. تاريخ من الاتفاقيات والنزاع بين السودان وإثيوبيا