وسط شكوك بشأن صحة محمود عباس.. تعرف على الرئيس الفلسطيني القادم
حالة من الشكوك بدأت تثار حول صحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (87 عاما)، خاصة مع تقدمه في السن، مقابل طرح شخصيات بديلة لتولي منصبه بعد وفاته، وسط تصاعد الخلافات بين قيادات حركة التحرير الوطني "فتح".
وبدأت أولى المعلومات حول صحة عباس والشخصية التي ستخلفه بعد وفاته، من خلال ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تغريدة.
وأكدت "بي بي سي" خلال التغريدة أن عباس كلف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ (61 عاما) ببعض المهام الجوهرية له، بسبب ظروفه الصحية، قبل أن تعود وتنفي الخبر بعد حذفه.
وقبل تداول المعلومات حول صحة عباس، أصدر قرارا أواخر مايو/أيار 2022، يقضي بتعيين الشيخ بمنصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا للقيادي الراحل صائب عريقات، وهو ما يؤكد أن هذه الشخصية ستكون الأقرب لخلافته.
صحة عباس
ومع تزايد الحديث عن صحة عباس، ظهر الشيخ بشكل واسع عبر وسائل الإعلام، وهو يعلن استقباله لوفود أميركية عربية، كان أبرزها عقده لقاء مع باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية ونائبها هادي عمرو في 12 يونيو/حزيران 2022.
وعقب الحديث عن تدهور صحة عباس، خرج الرئيس الفلسطيني بمكالمة صوتية، في مؤتمر وثائق الملكيات والوضع التاريخي للمسجد الأقصى، في 9 يونيو/حزيران 2022.
خلال السنوات الماضية انتشرت الكثير من الشائعات والتقارير حول صحة عباس، كان أبرزها في يونيو 2016، حين أفادت وسائل إعلامية بأنه عانى من وعكة صحية، وأخلي بواسطة مروحية إلى الأردن لتلقي العلاج الطارئ.
في حينها نفى الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة خلال بيان هذه الأنباء، مؤكدا أن الرئيس صحته "جيدة جدا".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، كشف مصدر طبي فلسطيني أن عباس خضع لعملية قسطرة طارئة في القلب بالمستشفى الاستشاري في مدينة رام الله؛ "بسبب معاناته من الإرهاق وآلام في الصدر".
وفي يوليو/تموز 2017، أفادت وكالة الأنباء الرسمية "وفا" أن عباس دخل المستشفى الاستشاري لإجراء "فحوصات طبية روتينية" قبل أن يغادرها بعد ساعات.
في حين أكدت صحيفة "هآرتس" العبرية أن تدهورا طرأ على صحة الرئيس الفلسطيني، وأن جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" يتابع "بقلق" حالته الصحية.
وبينت الصحيفة آنذاك أن صحة عباس جيدة عامة، وأنه في بداية العقد الماضي خضع لعلاج في أعقاب إصابته بسرطان البروستات ومن بعد ذلك عانى من مشاكل في القلب.
كما توجه عباس في فبراير/شباط 2018 إلى مستشفى "جون هوبكينز" في "بالتيمور" بالولايات المتحدة لإجراء "فحوصات روتينية".
وحينها نقل تلفزيون فلسطين الرسمي عن الرئيس قوله: "كانت فرصة مناسبة خلال وجودنا هنا أن نجري بعض الفحوصات، وبالفعل أجرينا، والآن خرجت والحمد لله وكل النتائج مطمئنة".
وأدخل عباس أيضا في مايو 2018، إلى المستشفى الاستشاري برام الله لإجراء عملية جراحية في الأذن الوسطى، أجرى خلالها فحوصات طبية.
فيما ذكرت وكالة "وفا" الرسمية حينها أن الفحوصات تتعلق بمتابعة العملية الجراحية التي أجريت له في الأذن الوسطى قبلها بـ5 أيام.
كما أعلن مصدر في مكتب الرئيس، تأجيل مغادرته المستشفى الاستشاري لمعالجته من التهاب رئوي، وسط تضارب في المعلومات عن موعد ذلك.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن طبيبا إسرائيليا مختصا، أوفد إلى رام الله للإشراف على الحالة الصحية لعباس، عندما عانى الأخير من وعكة صحية في 20 مايو 2018.
وفي مارس/آذار 2020، كشفت وسائل إعلام محلية ودولية عن تدهور الحالة الصحية لعباس جراء إصابته بفيروس "كورونا" لكن حسين الشيخ نفى تلك الأنباء، مؤكدا أن الرئيس يتمتع بصحة جيدة.
أيضا ضمن تراجع صحة عباس، غادر رام الله في أبريل/نيسان 2021 إلى ألمانيا لإجراء فحوص طبية، بحسب مصادر فلسطينية رسمية.
كما أكدت وسائل إعلامية في يوليو/حزيران 2021 أن الرئيس الفلسطيني تراجعت صحته، وأن فريقا طبيا إسرائيليا وصل إلى رام الله للإشراف على علاجه.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، بينت وسائل إعلامية أن السلطة الفلسطينية استدعت فريقا طبيا أردنيا إلى مقر إقامة عباس في رام الله بعد تدهور حالته الصحية، ولكن حركة فتح نفت هذه الأنباء في بيان رسمي.
وكانت آخر المعلومات ما كشفته وسائل إعلامية في يونيو 2022 عن تدهور كبير في صحة عباس.
خليفة وخلافات
وبالعودة إلى الشيخ، فيقدم نفسه أنه صانع السلام مع الإسرائيليين، وذلك تمهيدا لإيجاد قبول إسرائيلي ودولي له بعد وفاة عباس.
والشيخ عضو في حركة فتح التي أسسها ياسر عرفات أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
ويشغل الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، مما يجعله مسؤولا عن ملف العلاقة مع إسرائيل، وكل ما يتعلق بذلك من إدارة ملفات أموال المقاصة (عائدات الضرائب)، والتصاريح ولم الشمل والتسهيلات الاقتصادية وغيرها.
وينظر الإسرائيليون إلى الشيخ بأنه لاعب إيجابي للغاية في الساحة، وفقا لما نقلته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية عن الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية، مايكل ميلشتين.
ويضيف في 13 يونيو 2022: "بسبب علاقاته الوثيقة مع إسرائيل يمكنه تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحصول على تصاريح ومشاريع تنموية".
وأفاد تقرير لمركز القدس لشؤون الدولة والعامة (عبري)، بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هو الرجل الرئيس للخلافة حتى إجراء الانتخابات في المناطق، ويتولى مهام عباس تدريجيا.
وسلط التقرير الذي نشر في 15 يونيو 2022، الضوء على الشيخ، مؤكدا أنه –بدأ يملأ مكان رئيس السلطة الفلسطينية.
وبحسب التقرير الذي كتبه الصحفي الإسرائيلي يوني بن مناحيم فإنه مع احتدام معركة الخلافة على رئاسة السلطة الفلسطينية، ينشر كبار مسؤولي حركة فتح أنباء كاذبة عن وفاة عباس.
ويعتقد مسؤول كبير في فتح أنه عند وفاة عباس، سيحل محله مؤقتا الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث يراقب مسؤولون "إسرائيليون" وأميركيون شؤون رئيس السلطة بقلق.
وحول صحة عباس، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن الرئيس الفلسطيني بلغ الثمانينيات، وكأي رجل في هذا السن يتعرض إلى وعكات صحية، ويصاب بالأمراض.
وفي حالة وفاة عباس، يبين عوض، في حديثه لـ"الاستقلال" فإن الرئيس القادم لن يكون إلا من خلال الانتخابات ووفقا للقانون الأساسي، أي إجراء انتخابات بعد 60 يوما من شغور المنصب.
ووفق قوله، توجد خلافات حقيقية داخل حركة فتح ووجهات نظر مختلفة حول شخصية الرئيس القادم في حالة وفاة عباس، ولكن بشكل عام سيجرى التوافق على اسم واحد لدخول الانتخابات.
ولا تتدخل الدول الكبرى في اختيار الخليفة لأن القرار فلسطيني، وفق تقديره، مضيفا: "لن يبتعد الرئيس القادم عن السياسة الحالية لعباس، وستبقى الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل".
وينص القانون الأساسي الفلسطيني على أنه عند شغور رئاسة السلطة بنص المادة (37/2) بسبب الوفاة أو الاستقالة أو فقد الأهلية القانونية، على تولي رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا لمدة لا تزيد عن ستين يوما تجرى خلالها انتخابات لانتخاب رئيس جديد.
ورئيس المجلس التشريعي هو عزيز دويك لكن فتح لا تعترف به وتقول إن ولايته منتهية. كما أعلن عباس نفسه الذي انتهت ولايته عام 2009 عن حل البرلمان في 2018.
ومع بروز اسم الشيخ كشخصية ستخلف الرئيس الفلسطيني، بدأت الخلافات تظهر داخل حركة فتح، وهو ما كشفته صحيفة "إسرائيل اليوم" في 9 يونيو 2022.
وأكدت الصحيفة أن الصراع على منصب عباس في حال شغوره لا يزال غير واضح، ولكنه قد يُغرق القيادة الفلسطينية في الفوضى.
واستدركت الصحيفة: "رغم تصدير حسين الشيخ فإنه يواجه معارضة قوية داخل حركة فتح، حيث يرى آخرون من كبار الشخصيات في أنفسهم خلفاء شرعيين، وأبرزهم أمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب".
ويختلف الكاتب والمحلل السياسي، سامي الشاعر، مع عوض، إذ يؤكد أن السلطة وحركة فتح لن يذهبوا إلى إجراء انتخابات رئيسة لاختيار الخليفة بعد وفاة عباس.
وسيجرى حسب حديث الشاعر لـ"الاستقلال"، تمرير المسؤولية لمرشح من منظمة التحرير، وهنا يظهر حسين الشيخ في الصورة لتولي هذا المنصب.
ويقول: "السلطة جزء من أوسلو وإدارتها تتعامل معها كذلك رغم نسف الاحتلال لكل الاتفاق".
وبالتالي ترى أن مسؤولية اختيار الرئيس ستخضع لمعايير إسرائيلية أميركية، ويبدو أن ذلك ما يتحقق، من خلال اختيار الشيخ وتسويقه مرشحا محتملا.
وقد تذهب الأمور، وفق الشاعر، بعد وفاة عباس إلى تعقيدات كبيرة بعضها داخل فتح، خاصة أن هناك أقطابا وجمهورا فلسطينيا وفصائل لن تسلم بالنتيجة.
موقف حماس
وعلى الرغم من أن عباس اختار الشيخ، فإن حركة المقاومة الإسلامية حماس لا تنوي التخلي عن معركة الخلافة.
فحماس تطالب بتعيين "عزيز دويك" رئيسا مؤقتا للسلطة الفلسطينية بعد وفاة أبو مازن وحتى إجراء الانتخابات، بينما تستعد في الوقت نفسه لبدء الفوضى الأمنية في الضفة الغربية، وفق ما قال موقع "نيوز ون" العبري أواخر يونيو/حزيران 2022.
ودويك قيادي في حماس من الخليل انتخب عام 2006 رئيسا للمجلس, لكن رئيس السلطة أبو مازن حل البرلمان لأنه كان يتمتع بأغلبية للحركة الإسلامية المذكور.
لذلك فالسيناريو المتوقّع أنه بمجرد وفاة عباس أو دخوله الحجر الصحي ستدّعي حركة فتح حل المجلس التشريعي وبذلك سيفقد عزيز دويك منصبه.
وأشار الموقع العبري إلى أن حركة حماس، التي استولت على السلطة في قطاع غزة عام 2007، لا تنوي الاستسلام وتخطط للسيطرة على الضفة الغربية رغم اختلاف الوضع الأمني في المنطقتين.
ومع ذلك، فإن الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية يدعم إلى حد كبير حماس، التي تعزّز موقفها بشكل كبير منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة في مايو 2021، والمعروفة باسم "سيف القدس".
ويمكن ملاحظة ذلك في استطلاعات الرأي العام الفلسطيني وأيضا في نتائج الانتخابات المحلية في العديد من المؤسسات والبلديات التي جرت في الضفة الغربية أخيرا، بما في ذلك جامعة "بيرزيت" والتي تعد مقياسا للوضع السياسي.
ولفت الموقع العبري إلى أن حماس فازت في هذه الانتخابات وشكّلت تحالفا سياسيا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ويقدر جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية- وهما يعملان معا- أن حركة حماس ستستخدم معركة الخلافة للسيطرة على أجزاء من الضفة الغربية، وفق تقدير الموقع العبري.
على سبيل المثال، في الخليل أو جنين اللتين تفقد السلطة الفلسطينية سيطرتها فيهما، فهناك عشرات الآلاف من الأسلحة في الضفة الغربية التي يستخدمها السكان عادة في حفلات الزفاف أو المعارك العشائرية.
ولكن قد يجرى استخدام هذه الأسلحة من قبل ناشطي حماس ضد السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، بحسب قول الموقع.
وأشار المحلّل الأمني والسياسي في الموقع "يوني بن مناحيم" إلى أن الشاباك وجهاز المخابرات العامة الفلسطينية بقيادة اللواء "ماجد فرج" يعملان بشكل وثيق معا ضد حماس في الضفة الغربية.
كما أنهما يشعران بقلق بالغ إزاء الكشف عن أنفاق تابعة لحماس في مدينة رام الله خلال يونيو، كانت تحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة وخرائط ومتفجرات. وجرى الكشف عن النفق في بلدة "بيتونيا" بالصدفة إثر انفجار داخل ورشة نجارة.
وتقول مصادر أمنية محلية إن الأنفاق كانت تهدف إلى الاستيلاء على مقر الأمن الفلسطيني في اليوم الذي سيتلقون به الأوامر لفعل ذلك وإقصاء كبار المسؤولين الأمنيين في السلطة.
ويرى المحلّل الأمني ابن مناحيم ان حركة حماس تشن حملة شرسة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ضد حسين الشيخ وأنه "شخص فاسد ذو خلفية من سوء الأخلاق ولا يستحق أن يكون رئيسا للسلطة".
وتقول مصادر في حركة فتح إن الحركة ستعرض مؤقتا تعيين "روحي فتوح" المساعد لأبو مازن.
ولفت بن مناحيم إلى أنه عندما توفي ياسر عرفات عام 2004، شغل "روحي فتوح" منصب رئيس المجلس التشريعي وخلف الرئيس مؤقتا حتى انتخابات 2005 الرئاسية التي فاز فيها أبو مازن.
وتعتزم حماس معارضة التعيين المؤقت لروحي فتوح، وتقول إن حل المجلس التشريعي كان غير قانوني وأن عزيز دويك هو الرئيس القانوني لجميع المقاصد والأغراض وهو الذي يجب أن يكون الرئيس المؤقّت للسلطة الفلسطينية حتى إجراء الانتخابات على النحو المنصوص عليه في القانون.
وأشار المحلّل السياسي إلى أن الخوف في إسرائيل والسلطة الفلسطينية هو أن الجدل القانوني حول هوية الرئيس المؤقّت ستستخدمه حماس لإثارة المنطقة، واستفزاز الخلايا النائمة وتنفيذ هجمات في الضفة الغربية وتل أبيب لخلق حالة من الفوضى الأمنية، بحسب تقديره.
فحماس تحذر من أن الشعب الفلسطيني لن يكون قادرا على أن يجبر على رئيس لا يريده وأن المسؤول في منظمة التحرير حسين الشيخ هو نسخة طبق الأصل من "مصطفى دودين"، رئيس جمعية القرى في منطقة الخليل التي أسستها إسرائيل عام 1977، وهو وزير سابق في الحكومة الأردنية.
وروابط القرى هي عملية تنظيمية طبقتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان، تحت ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وخلص يوني بن مناحيم في نهاية مقالته إلى القول: "انتخب أبو مازن في منصب رئيس السلطة الفلسطينية عام 2005 لمدة 4 سنوات، وفي عام 2009 انتهت ولايته، ومنذ ذلك الحين وهو يسحب ويمدّد بالوقت ويتفادى الانتخابات بأعذار مختلفة خوفا من خسارة كل انتخابات تجرى".
فإسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة راضية عن أدائه وتريده أن يبقى في منصبه حتى يوم وفاته، فلا يضغطون لإجراء انتخابات.
لكن لحظة الحقيقة تقترب، "لن يعيش أبو مازن البالغ من العمر 86 عامًا إلى الأبد وصحته تتدهور، وستبذل حماس كل ما في وسعها لمحاولة تقويض الوضع الأمني في الضفة الغربية بعد رحيله، وفق قوله.