صحته تتراجع.. هل يشعل رحيل عباس المقاومة في الضفة من جديد؟
تتوارد الأنباء عن تراجع صحة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (86 عاما)، وينعكس صداها في الشارع حول ما سيحدثه رحيل أبو مازن في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وعلى مستقبل القضية.
ويشكل عباس العقبة الأكبر في وجه المقاومة المسلحة بالضفة الغربية، حيث تعهد منذ وصوله للرئاسة عام 2005، وفي الكثير من المناسبات بوأد العمل المقاوم ومنع حصوله، وهو ما سماه بـ"الإرهاب".
وكانت أحدث الأنباء عن صحة عباس ما نشره موقع "بي بي سي عربي" عبر حسابه على تويتر بأنه كلف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ بأداء بعض المهام الجوهرية الخاصة به، بسبب الظروف الصحية التي يمر بها، الأمر الذي نفاه الأخير.
وعلى مدار السنوات الأخيرة شهدت صحة عباس العديد من الانتكاسات، وكشفت القناة 12 العبرية 30 يوليو 2021 أن صحته تدهورت، وأن فريقا طبيا إسرائيليا وصل إلى رام الله للإشراف على علاجه.
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" فقد قالت إن طبيبا إسرائيليا مختصا، أوفد إلى رام الله للإشراف على الحالة الصحية للرئيس عباس، عندما عانى الأخير من وعكة صحية في 20 مايو/أيار 2018 نقل على أثرها للمستشفى الاستشاري.
ومن فترة إلى أخرى تشاهد المروحيات تحلق من مقر المقاطعة في رام الله إلى الأردن؛ لنقل محمود عباس إلى العلاج، فيما تعتم وسائل الإعلام التابعة للسلطة على تطورات الحالة الصحية للرئيس.
قلق إسرائيلي
وتشكل الحالة الصحية لعباس هاجسا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن فقدانه يعني انتهاء عصر ذهبي لإسرائيل بقمع المقاومة بأيد فلسطينية.
وكانت صحيفة هآرتس قد كشفت عام 2017 أن جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" يتابع بقلق الحالة الصحية لمحمود عباس.
وفي هذا السياق، ونقلا عن مصادر وازنة بإسرائيل، كشفت يديعوت أحرونوت عن مخاوف الاحتلال من ضعف استعدادات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس.
وذكرت الصحيفة أن جهاز الأمن في إسرائيل، بدأ منذ 2018 بالاستعداد لليوم التالي لرحيله، لافتة إلى أنّه في الشرطة تخوفوا من أن تؤدي وفاته إلى تصعيد في الميدان وصاغوا أوامر استعداد وتدربت القوات على سيناريوهات.
ولحظات ما بعد وفاة عباس أطلقت عليها الصحيفة "غروب الشمس"، وتتضمن نشر قوات في محاور السير بالضفة الغربية واحتلال مفترقات مركزية.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية حاتم زايدة، إن إسرائيل مهتمة جدا بما ستؤول إليه الأمور بعد رحيل عباس، خصوصا أنها تخشى توقف التنسيق الأمني والخدمات الميدانية التي تنفذها لها السلطة.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "شخص محمود عباس هو من يسير التنسيق الأمني، ويمنحه الشرعية، حيث إنه يستمر الآن رغم قرارات المجلس المركزي الفلسطيني والمجلس الوطني، بإيقاف التعاون الأمني مع الاحتلال".
ولكن هذه القرارات لم تنفذ ولا أحد يستطيع تجاوزها إلا أبو مازن، لذلك تدرك إسرائيل أن خسارتها برحيله ستكون كبيرة.
بعد رحيل عباس ستكون هناك بيئة لصعود العمل المقاوم في الضفة الغربية، حيث تلعب السلطة دورا محوريا في تجفيف بيئة المقاومة هناك.
وأكد أبو زايدة أن عباس هو المانع الأساسي للحراك الوطني في فلسطين، فرحيله يعني زوال العقبة الأساسية في ملف الوحدة الوطنية، ويعطي فرصة لتحقيق حالة من التوافق بين الفصائل بما فيها حركة التحرير الوطني "فتح" أساسه المقاومة المسلحة.
وأوضح الباحث أن إسرائيل معنية أن يخلف عباس شخص يؤدي ذات الوظيفة الأمنية، كحسين الشيخ على سبيل المثال.
ولكن في ظل حالة التأجج الوطني في الضفة وغزة، لا يوجد للشيخ أو من على شاكلته، فرص بالفوز بالانتخابات.
فبجانب ارتباطه الأمني بإسرائيل، فإن سمعته الأخلاقية وفساده المالي كونتا ضده رأيا عاما في الشارع الفلسطيني.
وتابع "الحكومة الإسرائيلية الحالية أو القادمة لن تمنح من يخلف عباس أي شيء يحفظ به ماء وجهه أمام الشعب الفلسطيني".
وكلاء الاحتلال
وتستعد إسرائيل لفرض رئيس جديد للسلطة، وحسب مراقبين، فإن حسين الشيخ هو المرشح الأقرب للأوساط الأمنية الإسرائيلية.
ففضلا عن انشغال الإعلام العبري طيلة الأشهر الماضية بالحديث عنه وعن علاقته بإسرائيل، فقد ظهر كثيرا في الفترة الأخيرة مع قادة الاحتلال.
وكان تعيينه كأمين سر اللجنة التنفيذية– المنصب الأعلى بعد منصب الرئيس- أبرز المؤشرات على مصداقية ما يشاع في الإعلام العبري عن التوافق على الشيخ لخلافة عباس.
وخلال الأشهر الأخيرة، عقد الشيخ عدة لقاءات مع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس وأيضا مع وزراء في حكومة الاحتلال وأعضاء كنيست (البرلمان الإسرائيلي).
وكذلك اجتمع مع وفود من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسافر لحضور مؤتمرات قمة في القاهرة مع عباس.
وبعد كل لقاء مع الاحتلال يخرج الشيخ بحزمة من التسهيلات المعيشية التي يمنحها له غانتس كتصاريح العمال والتجار في الداخل المحتل وزيادة أعداد قرارات لم الشمل، وإدخال خدمة الإنترنت 4G إلى الضفة وهو ما رآه مراقبون تسويقا له.
وبدوره، قال المحلل السياسي فايز أبو شمالة، إن إسرائيل التي تتدخل في الانتخابات الأميركية من خلال اللوبي اليهودي، وتتحكم في أنظمة الحكم في بلاد عربية، من غير الممكن ألا يكون لها تدخل محوري في تحديد هوية من سيخلف عباس بعد رحيله.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "لن تسمح دولة الاحتلال بوصول أي شخص لرأس الهرم في السلطة، إلا من يكون مستعدا لمواصلة التنسيق الأمني وقمع المقاومة، ونتذكر حينما حاصرت إسرائيل الرئيس الراحل ياسر عرفات وقتلته بعد إشعاله الانتفاضة الثانية".
وخلال حكم عرفات أيضا فرضت أميركا وإسرائيل محمود عباس كرئيس للحكومة وهو ما كان مقدمة لتوليه أمور الحكم.
ونرى اليوم الاحتلال يكرر ذات الشيء مع حسين الشيخ الذي وصل لأعلى منصب بعد الرئيس، وهو أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وأوضح أبو شمالة أن محاولة الاحتلال لتسويق الشيخ شعبيا بزيادة تصاريح العمال وبطاقات لم الشمل، لن تبني له قبولا في الشارع الفلسطيني.
وتابع "أسست السلطة على أن تكون تابعة لإسرائيل، فالنظام المالي بيد الاحتلال من خلال التحكم بأموال المقاصة (الضرائب)، وأيضا السماح أو الرفض للدعم المالي الدولي".
وتتحكم أيضا بحركة الشخصيات السياسية الفلسطينية، سواء داخل أو خارج الضفة من خلال بطاقات الـ VIP التي تمنحها لهم.
المقاومة تنهض
وشدد المحلل السياسي أن الأمر المحتم في مرحلة ما بعد عباس هو حصول صدام كبير بين مشروعي المقاومة والتنسيق الأمني في الضفة، ومن سينتصر فيه هو من سيحدد شكل هذه الحقبة من حيث العلاقة مع الاحتلال.
ورغم استمرار أجهزة السلطة في ملاحقة المقاومين واعتقالهم فإن المقاومة تأخذ خطا تصاعديا منذ يونيو/حزيران 2021، كانت شرارتها من جنين وامتدت إلى مدن أخرى في الضفة.
وحصلت العديد من الاشتباكات بين المقاومين وعناصر أمن السلطة أثناء حملات الأخيرة ضد المقاومة في جنين.
واشتدت هذه الحملات عقب اجتماع عباس ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار في مقر المقاطعة برام الله في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وتشير إحصاءات العمليات في الضفة أن المقاومة بدأت في النهوض حتى قبل رحيل عباس، بالتوازي مع ضعف السلطة التي باتت تواجه سخطا شعبيا كبيرا.
وفي الأشهر الخمسة الأولى، منذ مطلع العام 2022 نفذت مئات عمليات إطلاق النار تجاه أهداف لجيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة والداخل المحتل. وبحسب اعتراف إسرائيل فقد قتل 20 مستوطنا فيها.
وتشهد حالة المقاومة في الضفة الغربية صعودا كبيرا في الأشهر الأخيرة، حيث بدأت في جنين بتأسيس كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ثم تلتها مجموعة حزام النار التابعة لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح الذي حله عباس قبل سنوات.
وبدأت حالة المقاومة المسلحة المنظمة بالامتداد إلى باقي مدن الضفة الغربية، حيث وصلت إلى نابلس ونفذت مجموعات مسلحة عمليات إطلاق نار، وأيضا طولكرم، ومناطق أخرى.
وكسر الفلسطينيون قواعد عباس الأمنية بعد أن فشلت السلطة سياسيا في الوصول إلى الحل الذي حاولت تمريره طوال السنوات الماضية المتمثل في المفاوضات.
وهو ما جعل المقاومة تتسع بوتيرة باتت واضحة وتجعل الاحتلال يخشى من سيناريوهات التطور المستقبلي لها.