أحدهما الانهيار.. كيسنجر يضع سيناريوهين محتملين لنهاية الانقسام الأميركي

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكد السياسي المخضرم وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، أن تصاعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين للسيطرة على العالم ستؤدي إلى انتكاس الحضارة وقد تدمرها كاملة في ظل ما يتمتعان به من قدرات عسكرية وتكنولوجية ضخمة.

وأوضح كيسنجر (99 عاما)، في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم أنه محلل قوي، إلا أنه فقد صوابه في أزمة أوكرانيا، بينما رئيس الأخيرة فولوديمير زيلينسكي أدى مهمة تاريخية إلى الآن لكنه استبعد قدرته على صنع السلام.

محليا، أشار كيسنجر إلى أن أميركا منقسمة حاليا بصورة خطيرة، إذ لم تعد هناك مصلحة وطنية يجتمع عندها الحزبان المتشاكسان الديمقراطي والجمهوري، واضعا سيناريوهين لنهاية هذه الأزمة بينها انهيار المجتمع تماما.

وشغل كيسنجر الذي يعد من أشهر الخبراء الإستراتيجيين بالعالم منصب وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد بين عامي 1969 و1997.

قرن من السياسة

وذكرت الصحيفة أنه بينما يتجه نحو القرن من عمره، لم يفقد كيسنجر أيا من القوة الفكرية التي ميزته عن غيره من أساتذة وخبراء السياسة الخارجية والممارسين من أجياله والأجيال اللاحقة. 

وعلى الرغم من أنه يمشي بعصا، ويعتمد على أجهزة السمع ويتحدث ببطء، إلا أن عقله متحمس أكثر من أي وقت مضى.

وعند سؤاله عن إن كانت الولايات المتحدة منقسمة اليوم أكثر مما كانت عليه إبان حرب فيتنام (1955 - 1975)، أجاب كيسنجر: "نعم، أكثر بكثير.. في أوائل السبعينيات، كانت لا تزال هناك إمكانية للتعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كانت المصلحة الوطنية مصطلحا ذا مغزى، ولم تكن بحد ذاتها موضوعا للنقاش. لقد انتهى ذلك". 

وأضاف: تواجه كل إدارة الآن العداء المستمر للمعارضة وبطريقة مبنية على أسس مختلفة، ويدور جدل غير معلن لكنه حقيقي للغاية في أميركا الآن حول ما إذا كانت القيم الأساسية لأميركا صالحة، وهو ما يقصد به مكانة الدستور وأولوية الحرية الفردية والمساواة أمام القانون.

ويتجنب كيسنجر، الجمهوري منذ الخمسينيات، التصريح صراحةً بوجود عناصر في اليمين الأميركي التي يبدو أنها تشكك في هذه القيم الآن. 

وحول قدرة أي قائد على إصلاح الأمر، يقول: "ما يحدث إذا كان لديك انقسامات لا يمكن تجاوزها هو أحد أمرين. إما أن ينهار المجتمع إذا لم يعد قادرًا على القيام بمهامه تحت أي من القيادات، أو أنه سيتجاوز هذه الانقسامات".

وبشأن الحاجة إلى صدمة خارجية أم عدو خارجي لفعل ذلك، يجيب: "هذه طريقة من بين الطرق لتحقيق ذلك. أو عندما يكون لديك أزمة محلية لا يمكن السيطرة عليها".

وتساءل كيسنجر: "هل مازال أي قادة قادرين على إدارة سياسة حقيقية بعيدة المدى؟ هل القيادة الحقيقية ما زالت ممكنة اليوم؟

وأجاب: "أصبحت القيادة أكثر صعوبة، بسبب مزيج الشبكات الاجتماعية والأساليب الجديدة للصحافة والإنترنت والتلفزيون، وكلها تركز الانتباه على المدى القصير".

أزمة أوكرانيا

وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات صدرت عن كيسنجر أخيرا في منتدى دافوس العالمي منتصف مايو/ أيار 2022، تسببت في غضب كبير لدى المسؤولين الأوكرانيين.

وانتقد زيلينسكي بشدة مقترحا أدلى به كيسنجر يقضي بالتنازل عن أراضٍ أوكرانية مقابل التفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب المتواصلة منذ 24 فبراير/ شباط 2022، ضاربا مثالا على ذلك، عبر السماح لموسكو بالاحتفاظ بجزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014، مقابل إنهاء الأزمة.

وفي رد لاذع، اتهم زيلينسكي، كيسنجر بتأييد استرضاء روسيا حاليا على غرار ما فعله الغرب مع الزعيم النازي أدولف هتلر إبان عام 1938، عندما منحوه دولة تشيكوسلوفاكيا لإقناعه بالتوقف عن مواصلة التوسع في أوروبا.

واستبعد كيسنجر امتلاك زيلينسكي صفات القادة، قائلا: "لا شك أنه أدى مهمة تاريخية، لقد كان رئيسا بالصدفة بسبب الإحباط من السياسة الداخلية. ثم واجه محاولة روسيا لإعادة أوكرانيا إلى موقع التبعية. وحشد دولته ورأي العالم خلفها بطريقة تاريخية. هذا إنجازه العظيم".

لكن يبقى السؤال، وفق كيسنجر، "هل يمكنه الحفاظ على ذلك في صنع السلام، وخاصة السلام الذي ينطوي على بعض التضحية المحدودة؟"

أما عن بوتين، الذي التقى به في مناسبات عديدة، حيث يعود أول لقاء إلى أوائل التسعينيات، عندما كان نائب عمدة سان بطرسبرج، قال كيسنجر: "أعتقد أنه كان محللا قويا، لكن مشكلته أنه رئيس دولة آخذة في التدهور، وفقد إحساسه بالتناسب في هذه الأزمة وليس هناك عذر لما فعله".

وذكر كيسنجر بالمقال الذي كتبه في عام 2014، وقت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والذي عارض فيه فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، واقترح بدلا من ذلك وضعا محايدا مثل فنلندا.

كما حذر من مواصلة الحديث في شروط عضوية الناتو لأنها مخاطرة الحرب. بينما الآن تريد فنلندا الانضمام إلى الناتو إلى جانب السويد.

ولكن السؤال هل هذا الناتو يتسع  لعدد أكبر من الدول الآن؟ ويرد كيسنجر على هذا السؤال بأن الناتو هو الحلف الصحيح لمواجهة روسيا العدوانية عندما كانت التهديد الرئيس للسلام العالمي. 

وأضاف: "نما الناتو إلى مؤسسة تعكس التعاون الأوروبي والأميركي بطريقة تكاد تكون فريدة من نوعها. لذلك من المهم الحفاظ عليها. لكن من المهم أن ندرك أن القضايا الكبرى ستحدث في العلاقات بين الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأميركا". 

وتابع: "حلف الناتو فيما يتعلق بذلك هو مؤسسة لا تحتوي مكوناتها بالضرورة على آراء متوافقة. لقد اجتمعوا معا في أوكرانيا لأن ذلك كان يذكرنا بالتهديدات القديمة وقد قاموا بعمل جيد للغاية، وأنا أؤيد ما فعلوه".

وعن كيفية إنهاء هذه الحرب، يقول كيسنجر "في النهاية يجب العثور على مكان لأوكرانيا ويجب إيجاد مكان لروسيا، إذا كنا لا نريد أن تصبح روسيا موقعًا للصين في أوروبا".

حرب باردة ثانية

وعند سؤاله عما إذا كان العالم بالفعل في حرب باردة ثانية، وأن الصين تلعب الآن دور الاتحاد السوفيتي. ذكّر بأنه صرح في 2019 بالقول: "نحن في سفوح حرب باردة".

وتابع كيسنجر: "دولتان لديهما القدرة على السيطرة على العالم، الولايات المتحدة والصين، تواجهان بعضهما البعض بوصفهما المتنافسين النهائيين. تحكمها أنظمة محلية غير متوافقة. والحرب ستؤدي إلى انتكاس الحضارة، إن لم يكن تدميرها".

وحول ما إذا كانت الحرب الباردة الثانية أكثر خطورة من الحرب الباردة الأولى؟ كانت إجابة كيسنجر "نعم، لأن كلتا القوتين العظميين لديهما الآن موارد اقتصادية مماثلة (وهو ما لم يكن كذلك في الحرب الباردة الأولى)، كما أن تقنيات التدمير أكثر رعبا، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي".

وليس لدى كيسنجر أدنى شك في أن الصين وأميركا هما الآن خصمان، حيث لم يعد "انتظار أن تصبح الصين غربية" إستراتيجية معقولة. 

لذلك يقول: "لا أعتقد أن الهيمنة على العالم مفهوم صيني، لكن من الممكن أن تصبح البلاد قوية للغاية. وهذا ليس في مصلحتنا. القوتان العظميان لديهما حد أدنى من الالتزام المشترك لمنع حدوث تصادم كارثي".

ويشدد كيسنجر على أهمية الحوار كحل لتجنب التصادم. لكنه لم ينكر أن "العالم مقبل على فترة صعبة للغاية".