"فتح" تدخل منحدر خسائر انتخابية.. هكذا يعاقب الشارع الفلسطيني الحركة

12

طباعة

مشاركة

أبرزت الخسارات المدوية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الانتخابات النقابية والطلابية الأخيرة بالضفة الغربية المحتلة، صورة مصغرة عن مصيرها في أي اقتراع عام.

نتائج تلك الانتخابات أكدت ما كُشف عنه سابقا، من أن أحد أسباب رفض رئيس السلطة وحركة "فتح" محمود عباس، إجراء الاقتراع العام، هو خشيته من الخسارة.

وكان من المقرر أن تجرى الانتخابات على 3 مراحل خلال العام 2021: تشريعية (برلمانية) في 22 مايو، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس.

خسائر متتالية

وفي 3 يونيو/حزيران 2022، اكتسحت القوائم المحسوبة على المعارضة الفلسطينية (تحالف الإسلاميين واليسار والمستقلين)، انتخابات أفرع نقابة الأطباء.

وفاز التحالف في 7 فروع من أصل 8 أجريت فيها الانتخابات في الضفة الغربية، مقابل فوز مرشحي فتح في فرع واحد فقط.

وهذه لم تكن الخسارة الوحيدة، فقد سبقتها أخرى في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت خلال مايو/أيار 2022.

وفازت "كتلة الوفاء" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بـ28 مقعدا مقابل 18 لحركة "فتح" التي خاضت الانتخابات باسم "كتلة ياسر عرفات" الذراع الطلابية لها، والتي كانت حتى اليوم تسيطر على مجلس طلبة الجامعة.

وبعد الفوز، قال ممثل الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت أسيد القدومي، إنهم كانوا يتوقعون فوز الذراع الطلابية لحركة حماس "بفارق بسيط، ولكن هذا الاكتساح كان مفاجئا لنا".

وتشهد انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت إجمالا تنافسا حادا بين الحركتين ومتابعة حثيثة من قيادات الفصائل الفلسطينية بوصفها مؤشرا على الواقع السياسي والمزاج الشعبي.

كما أن انتخابات نقابة المهندسين، التي جرت في أغسطس/آب 2021، شهدت فوز "قائمة العزم" (تحالف حماس والجبهة الشعبية) بغالبية الأصوات، مقابل خسارة "قائمة المهندس الفلسطيني"، المحسوبة على حركة "فتح".

أما "كتلة القدس والعودة" التابعة لحركة "فتح" فقد منيت بخسارة (14 مقعدا) في اتحاد مجلس طلبة جامعة بيت لحم، أواخر مارس/آذار 2022 بعدما تمكنت "الجبهة الشعبية" من حسم الفوز لصالح كتلتها الطلابية "صوت الطلبة"، بحصولها على 17 مقعدا.

من جهة أخرى، خسرت حركة "فتح" 4 مقاعد في انتخابات نقابة المحامين، التي جرت منتصف مايو، لتكون بذلك أول مرة في تاريخ النقابة، تشهد فيها "فتح" تراجعا في عدد المقاعد التي تحصدها.

فيما شهدت الانتخابات المحلية والبلدية الفلسطينية في الضفة الغربية، أواخر مارس 2022، تراجعا واضحا لقوائم "فتح" في بلدية نابلس وخسارتها في كل من طولكرم والخليل والبيرة، لصالح قوائم مدعومة من "حماس" والمستقلين.

تشرذم وانقسامات

ورغم أن الانتخابات الأخيرة طلابية أو نقابية، فإن الشارع الفلسطيني ينظر إليها على أنها مؤشر على المزاج العام واستفتاء على البرامج السياسية لكلتا الحركتين المتنافستين.

وتحمل الانتخابات المذكورة رمزية كبيرة مع استمرار الجمود في العملية السياسية بسبب عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وفي أبريل/نيسان 2021، برر عباس التأجيل بـ"منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي التحضير للانتخابات وإجرائها في القدس المحتلة"، لكن تحليلات محلية وعربية وعبرية أكدت أنه كان يخشى خسارة مدوية لحركة فتح.

وشهدت الحركة حالة من التشرذم بسبب كثرة قوائمها ومرشحيها خارج التوافق الداخلي، كما برزت انقسامات حادة منذ فصل عباس القيادي محمد دحلان الذي شكل لاحقا "التيار الإصلاحي" في "فتح".

أضف إلى ذلك، خشية عباس من قوة القيادي الأسير في سجون الاحتلال مروان البرغوثي واندلاع اشتباكات عنيفة داخل فتح.

وأعلن البرغوثي الذي يتمتع بشعبية كبيرة عن دعمه لقائمة يرأسها ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي فصله عباس لاحقا بسبب خطوته المنفردة.

وكانت هذه المجموعة ستنافس القائمة الرسمية لـ"فتح"، وقد انضم كلاهما إلى قائمة دحلان الذي يتمتع أيضا بقاعدة دعم واسعة في كل من مخيمات اللاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية.

ورأى خصوم عباس السياسيين في الانتخابات فرصة ذهبية لتصفية الحسابات واستبداله. 

وبعد 15 عاما في السلطة، يواجه عباس (86 سنة) انهيارا مفاجئا بعد أن كان يخطط لاستعادة شرعيته، ولكنه سارع إلى إلغاء الانتخابات لتعطي الاقتراعات المحلية الصغيرة نظرة على مستقبله ومصير حركة فتح سياسيا.

ويعتقد كثيرون أن تلك الحالة مردها إلى الرفض الشعبي لاتفاق أوسلو للسلام والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وخيار التنسيق الأمني، في مقابل الدعم الواضح للمقاومة بكل الوسائل.

أين فتح؟

في ظل هذا التشرذم والانقسامات، يدعو مسؤولون وناشطون في حركة فتح إلى الانفصال عن السلطة لما تسببه من تراجع في شعبيتها بسبب برنامج المفاوضات والتنسيق الأمني.

وكان من هؤلاء أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب الذي قال بعد الخسارة الطلابية الأخيرة: "لا بد من استخلاص العبر من نتائج انتخابات جامعة بيرزيت".

وأضاف "قد يكون لدى كوادر الحركة غضب وإحباط بسبب النتيجة، وهذا حقهم، سيكون هناك مراجعة ودراسة، وسيكون هناك استخلاص للعبر".

ورأى الرجوب أنه "لا يجوز أن تدفع فتح ثمن أخطاء السلطة، ولا بد من نقاش طبيعة العلاقة بينها وبين فتح".

وعلى مدار سنوات طويلة، كانت تلك الانتخابات، حتى قبل وصول السلطة الفلسطينية في العام 1994، تتحول إلى معركة تحشد فيها الفصائل كل أدواتها وقوتها للفوز بها بدءا بالقيادات وحتى العناصر.

ولكن الحال اختلف بتقلد عباس الرئاسة منذ عام 2005 وبدء تراجع الحركة أمام منافسيها وانتهاء دورها الثوري التاريخي.

وفورا عقب الخسارة، أعلن أمين سر حركة "فتح" في رام الله والبيرة موفق سحويل، تقديم استقالته وعضويته في "قرار نهائي لا رجعة عنه".

وطالب بتشكيل لجنة تحقيق في مجريات ما حدث لأن الحركة امتلأت بـ"المرتزقة والدخلاء"، وفق تعبيره.

وهاجم سحويل مسؤولين في الحركة والأجهزة الأمنية قائلا إن أبناءهم يعملون في "حماس" ضد "فتح".

ولاحقا، انضم أعضاء لجنة إقليم حركة "فتح" في رام الله منيف الريماوي ورعد البرغوثي ووضاح خميس وأمين أبو رداخة وميسون قدومي وفادي حماد ولؤي المنسي، إلى سحويل، وقدموا استقالاتهم.

وتتزايد النقمة لدى عناصر وقيادات في حركة فتح على أداء سلطة عباس بسبب تدهور الوضع المعيشي والفساد وعدم تحقيق أي إنجازات لصالح الفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل وغياب الحياة السياسية والتناوب الديمقراطي ورفض العمل العسكري ضد الاحتلال.

وعن هذا الأمر، يقول الفلسطيني عبود حمايل عبر منشور على فيسبوك في 18 مايو: "الاحتلال لا يريد فتح إلا أن ترى حاضرها ومستقبلها وخيارها السياسي مرهونا بتوطيد العلاقة بين السلطة والاحتلال- التعاون الأمني مقابل الريع المادي-".

حالة كئيبة

بدوره، رأى المركز المقدسي الأورشلمي (عبري) أن خسارات "فتح" الأخيرة تعكس الحالة الكئيبة للحركة، التي تعد العمود الفقري لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أو بعبارة أخرى الحزب الحاكم بقيادة محمود عباس.

وأشار المحلّل الأمني في المركز "يوني بن مناحيم" إلى أن علامة أخرى على ضعف "فتح" هي عدم تحديد موعد لانعقاد المؤتمر الثامن للحركة، والذي كان من المفترض عقده في مارس/آذار 2022، لكن أبو مازن أجله إلى مايو، والآن يقول رفاقه إنه تأجل إلى موعد غير معروف.

وقبل إنشاء السلطة الفلسطينية، كان عقد المؤتمر العام لـ"فتح" حدثا مهما للغاية محليا وإقليميا ودوليا. فهو الذي ينتخب أعضاء الحركة لمؤسساتها وقيادتها ويحدد البرنامج السياسي.

وحول الرئيس الراحل ياسر عرفات هذا المؤتمر إلى حدث وطني مهم، لكن منذ انتخاب عباس رئيساً للسلطة عام 2005 عمل على إضعافه وإبعاد خصومه السياسيين عنه وتحويله تدريجيا إلى "ختم مطاطي" لقراراته.

وتقول مصادر في "فتح" إن عباس أفرغ المؤتمر من كل محتوياته، ويقول أحد كبار أعضاء الحركة: "القزم يحب دائما أن يحيط نفسه بالأقزام"، وفق تعبير الموقع.

وفي سياق التراجع والهزيمة، يقول مركز القدس لشؤون الدولة والعامة (عبري) إن فوز حركة حماس في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، هو نصر مهم للغاية لها يمكن أن ينعكس أيضا في الانتخابات في جامعات وفي مؤسسات أخرى في الضفة الغربية.

وقال الموقع خلال تقرير له في 31 مايو 2022: "تخشى حركة فتح أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الانتصارات السياسية لحماس في الضفة الغربية".

وتوضح مصادر في منظمات يسارية، أن خسارة حركة فتح في الانتخابات في جامعة بيرزيت نابعة من غضب جيل الشباب من حقيقة أن السلطة الفلسطينية تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان للفلسطينيين، وأنها عاقبت سكان قطاع غزة بسلسلة من العقوبات التي فرضتها عليهم، وفق ما يقول المركز العبري.

وواصل بالقول: "كما أنها تضر بالديمقراطية، وتنتهك حقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية التظاهر وحرية التعبير، وتعتقل المعارضين السياسيين في الضفة الغربية، بل وتستخدم العنف الشديد ضدهم وتعذبهم".

وأردف: "يشعر كبار أعضاء فتح بحزن عميق بعد خسارة انتخابات جامعة بيرزيت، ويتهمون بأنه (عباس) سبب الإخفاق وأن الوقت قد حان لكي يتنحى عن القيادة، والسماح بتدفق دماء جديدة لتقوية موقف الحركة في الشارع الفلسطيني، وإلا ستستمر في الضعف أمام حماس".