مستشار في الجزيرة لـ"الاستقلال": شيرين لن تكون الأخيرة وحساب إسرائيل مستبعد

12

طباعة

مشاركة

استبعد الإعلامي الفلسطيني العريق، المستشار بشبكة الجزيرة الإعلامية القطرية أحمد الشيخ، أن يحاسب الاحتلال الإسرائيلي على جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، مؤكدا أن "الغرب لن يتخذ إجراء ضد إسرائيل حتى لو قتلت خمسين صحفيا".

وأوضح الشيخ (72 عاما)، وهو أيضا الأمين العام لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال "تواصل"، أن قتل شيرين كان رسالة تخويف للجزيرة وللشعب الفلسطيني، مفادها أن "هذه السيدة من أفضل الصحفيين قتلناها فأقفلوا أفواهكم لا تتكلموا".

وأضاف أن الاحتلال يعد الجزيرة أحد أدوات النضال رغم أنها ناقل للخبر، وحتى أنها تستضيف منهم وفق قواعد المهنة، لكنهم مع ذلك أرادوا تخويف مراسليها في فلسطين، لأنه لا يريد أن ينجح الإعلام العربي في كذبهم وزيف ادعاءاتهم.

كما أكد الصحفي الفلسطيني أن شيرين أبو عاقلة لن تكون الشهيدة الأخيرة وواقعة الاغتيال لن تكون الأخيرة أيضا، فالاحتلال لا يريد إظهار ما يقوم به من قتل كما لا يريد كشف أي مظاهر تقوي الانتماء للشعب الفلسطيني.

والشيخ من مواليد 20 يوليو/ تموز 1949، ويتمتع بمسيرة صحفية تمتد لعقود، تنقل خلالها بين عدة عواصم عربية وغربية، حتى انضم إلى الجزيرة عام 1996 وكان أول صوت ينطلق من استوديوهاتها إلى الأثير حين قرأ الآية القرآنية "رب اشرح لي صدري".

وتولى رئاسة تحرير موقع "الجزيرة نت" لدى انطلاقه عام 2000، ثم إدارة تحرير النسخة الإنجليزية من الموقع, وأصبح رئيسا للتحرير بقناة الجزيرة العربية في 2004، وظل في المنصب حتى 2010, وتولى بعد ذلك منصب مستشار بالشبكة.

شيرين الإنسانة

كيف تقيم مسيرة شيرين أبو عاقلة؟

انضمت شيرين للجزيرة عام 1997 وكنت في ذلك الوقت مدير التحرير مناوب، وكنت على اتصال دائم مع كل المراسلين في جميع البلدان وبالطبع المراسلين في فلسطين وبينهم شيرين.

أولا أود أن أمهد لهذه المقابلة بالحديث عن شيرين الإنسانة قبل الحديث عن شيرين الصحفية المهنية التي حققت ما حققته من نجاح وشهرة.

فهي إنسانة على خلق عظيم لطيفة مؤدبة، لم ترفع صوتها في وجه أحد، مخلصة في عملها تحب الناس من حولها والناس يحبونها ويبادلونها حبا بحب.

والأمر لا يقتصر على زملائها فقط، بل ملكت قلوب الناس في الميدان، والضحايا، وأبطال القصص، وأطراف القصة كلها.

الكل كانوا يشعرون أنهم يتعاملون مع إنسان راق في خلقه وأدبه ومسلكياته وتعاملاته، لا تتكلف اللطف ولا تدعيه فهكذا كانت هي.

وهذا بطبيعة الحال له دور كبير في الشخصية ولا شك أنه ينعكس على الأداء المهني؛ فحينما يكون الإنسان على خلق فهو يؤثر تأثيرا كبيرا على مدى نجاحه في المهنة، وبالتأكيد يساعده على التطور  ومساعدة الجميع له.

انضمت شيرين للجزيرة وكانت حديثة التخرج بعد أن درست الصحافة والإعلام في جامعة أردنية، وكان المشوار في بدايته، كنا جميعا نتلمس الطريق وكانت معنا شيرين والزملاء في مكتب الجزيرة.

كنت أزورهم بين الفينة والفينة خلال ذهابي للضفة الغربية ورام الله، وكنت أتحدث معهم جميعا، وعملت معهم لاحقا في مجال التدريب (تدريب الكتابة وإعداد التقارير  في رام الله وخارجها) وهكذا عرفتها إنسانة وفية مخلصة.

وعلى الجانب المهني كان واضحا من البداية أنك تتعامل مع إنسانة صحفية واعدة بدأت من البداية وأخذت في تطور مستمر حتى أصبحت تعشق المهنة.

وهذا هو السر في نجاحها أيضا؛ فهي أحبت مهنتها وما تعمله حبا جما، وهكذا تميزت وعدت نفسها صحفية خلقت لهذا العمل لتنقل قصص الشعب الفلسطيني للعالم.

ومما ميزها في عملها الصحفي أنها كانت تحب الناس؛ فهي في الميدان كانت تسرد قصص الناس والضحايا وأهل البلد المظلومين، قصص المحتل نفسه والجندي الذي أودى بحياتها، فهي تتعامل مع الناس سواء أصدقاء أو أعداء.

أيضا تفوق شيرين المهني خلق لها في قلوب من روت قصصهم الحقيقية حبا جما، وترجمه المتابعون والجمهور، ليس في فلسطين فحسب، لكن كان واضحا في كل العواصم لما ارتقت شيرين برصاص الاحتلال.

ماذا عن القدس وهي من أبنائها؟

كان لشيرين مواقف عديدة في القدس وفي نابلس القديمة وفي كنيسة بيت لحم لما نقل إليها المبعدون وحوصروا طويلا.

وكانت حريصة على إيصال صمود الناس في القدس، وأن توصل صوتهم وآخر شيء وهي جالسة على درجات باب العامود لما سئلت لماذا تجلسين هكذا؟ فكان ردها: نتوقع أن يصير في القدس كل شيء في أي لحظة وينبغي أن نكون في الجزيرة مستعدين وندعم أهل القدس.

شيرين الصحفية

ماذا وراء تميز شيرين الصحفية؟

بالتأكيد التدريب والممارسة العملية التي دأبت عليهما شيرين جعلاها تتطور في المهنة فأصبحت أكثر احترافا في أدائها.

فالممارسة العملية في الميدان بجانب التأهيل العلمي ومكان العمل المناسب الذي تمثله الجزيرة، كل هذه كانت عوامل ساعدت على تكوين شيرين أبو عاقلة وتميزها المهني، فكانت صحفية يشار لها بالبنان.

هل هناك موقف تذكره لشيرين خلال العمل يعكس تميزها؟

المواقف كثيرة بينها ما كان في الانتفاضة الثانية حيث كنت مع الزملاء باستمرار، وصارت قصص متعددة معهم في مخيم جنين وصموده أحد عشر يوما في وجه آلة الاحتلال وجبروت الحرب الإسرائيلية.

واستطاع المجاهدون فيه قتل 45 جنديا إسرائيليا، كانت شيرين معهم ولا تخشى الموقف، وهو موقف مخيف لا تعرف من أين تأتيك الرصاصة.

أتذكر أنه في هذا الموقف كان هناك مقاتل فلسطيني يدعى أبو جندل اتصل بشيرين وقال لها إنه آخر المجاهدين وسيخرج من الحصار ليستشهد، وبالفعل خرج وحولته شيرين للجزيرة على الهواء مباشرة.

وبالفعل قال لنا أبو جندل سأخرج من الحصار واستشهد، وهو ما حدث بالفعل.

كيف تنظر إلى علاقة شيرين أبو عاقلة بالقضية الفلسطينية؟

هذه العلاقة كانت علاقة الصحفي المخلص بالحقيقة وإظهارها ورفع صوت المظلومين، ولا ينحاز إلى الفكر الصهيوني أو الغربي غير الصحيح.

هذا الصحفي الذي يعمل في تغطية القضية الفلسطينية وفق موقف مبدئي ويدرك الظلم الذي حل بالشعب الفلسطيني.

وكانت شيرين بين هؤلاء وأول من يدركون أن للتغطية هدفا هو إحقاق الحق وكشف الكذب والزيف، فهي كانت تؤمن بعدالة القضية.

وكشفت زيف الادعاءات الإسرائيلية والإعلام الغربي المنحاز للاحتلال، وهو نوع من الجهد المشكور وهو نضال من أجل الحق؛ فشيرين بقيت على طريق الحق تؤمن بعدالة القضية حتى آخر لحظة.

رسالة للجزيرة

ما دلالة استهداف جنود الاحتلال المباشر لشيرين في واقعة اغتيالها؟

بقدر الحزن الذي شعرت به لأني أعرف هذه السيدة المخلصة وما حل بي لأني صعقت بالخبر  لكني لم أكن مندهشا؛ لإيماني بأن هؤلاء القوم لا يرعون في أحد إلا ولا ذمة.

وهذه ليست أول مرة، فهم يرتكبون الجرائم في كل لحظة، وكان قتل شيرين رسالة تخويف للجزيرة وكذلك الشعب الفلسطيني، أن هذه السيدة من أفضل الصحفيين قتلناها فأقفلوا أفواهكم لا تتكلموا.

ورغم أن شيرين فضحتهم على مستوى العالم لكن لا نتوقع منهم أن يتوقفوا.

وشيرين لن تكون الشهيدة الأخيرة، وواقعة الاغتيال لن تكون الأخيرة، فالاحتلال لا يريد إظهار ما يقوم به من قتل كما لا يريد كشف وإظهار أي مظاهر تقوي الانتماء للشعب الفلسطيني.

خاصة وأن قتل شيرين وقع في وقت كثرت فيه العمليات الفدائية ضد الاحتلال في الداخل المحتل.

ماذا تقصد بأن قتل شيرين كان رسالة للجزيرة؟

الاحتلال يعد الجزيرة أحد أدوات النضال رغم أنها ناقل للخبر، وحتى أنها تستضيف منهم وفق قواعد المهنة، لكنهم أرادوا تخويف مراسليها في فلسطين.

وأن يكون ما حدث درسا لباقي زملاء شيرين، والأمر لا يقتصر عليها أيضا، فهدفهم تخويف أي إعلام حر حتى لا تكتشف فظائعهم وجرائمهم.

كما أن الاحتلال لا يريد أن ينجح الإعلام العربي في كشف كذبهم وزيفهم وادعاءاتهم، وهو ما يعكس خوفهم المتواصل وإحساسهم بجرم سرقتهم واغتصابهم لأرض فلسطين.

الاحتلال يتهم الجزيرة بالتحريض ما ردكم على ذلك؟

هذا كلام لا يستحق الرد، فإذا كان كشف الحقائق ونقلها تحريضا فليكن، الجزيرة لا تختلق شيئا، نحن لا نصنع أخبارا ولا أحداثا لكننا نذهب إلى الحدث حيث يوجد وننقله للناس.

وإن كان ذلك تحريضا فعلينا أن نوقف العمل الإعلامي ونصبح نسبح بحمد إسرائيل والولايات المتحدة والغرب.

التحريض يأتي من حاخامات اليهود وقادتهم وأعضاء أحزابهم ضد الفلسطينيين والمقدسات ودعواتهم لهدم الأقصى، هؤلاء هم المحرضون، لا الجزيرة ولا أي إعلام ينقل الحقيقة.

ردود الفعل

ما دلالة توحد الشعب الفلسطيني وراء قضية شيرين؟

هذا يدل على أن الشعب الفلسطيني يحب الصادقين ممن يدافعون عن قضيتهم وينقلون معاناتهم، ولأنها ماتت شهيدة على الحق فهم وقفوا وراءها لأنها تعاطت مع القضية بصدق وإخلاص.

وهذا يعرفه لها العالم أجمع، وجاء قتلها عمدا بدم بارد رغم ارتدائها زيها الصحفي.

كما يدل على أن الشعب الفلسطيني شعب متسامح لا يفرق بين فلسطيني وآخر بناء على دينه أو انتمائه، ويأتمن المسلم جاره المسيحي على بيته والعكس أيضا.

فهذه العلاقة مختلفة عن أي مجتمع آخر حتى اليهود كانوا يعيشون وسط الفلسطينيين قبل 48 بنفس الطريقة.

كيف تابعت التفاعل الدولي مع قضية قتل شيرين؟

هذا موقف مشكور لكل من تعاطف مع شيرين ولأنه اغتيال مكشوف لا يحتاج إلى دليل أو براهين بعد أن صورته الكاميرات ونقل على الهواء.

لكن ماذا بعد الإدانات والمطالبة بالتحقيق، لا نتوقع أن يحاسب الاحتلال على هذه الجريمة، لا أعتقد أن الغرب سيتخذ إجراء ضد إسرائيل حتى لو استشهد خمسون صحفيا على أيدي الإسرائيليين.

نتذكر  طارق أيوب لما استشهد في بغداد أو علي حسن الجابر في ليبيا، وإن كان الأمر مختلفا هناك وفي سوريا وغيرها، هل تم محاسبة من قتلوهم؟ للأسف أصبح للباطل من يدافع عنه ومطبعون حتى من وسائل الإعلام.

أخيرا هل تتوقع قصاصا لشيرين؟

من الذي سيقتص لشيرين؟ هل هناك من دولنا العربية من يطلب القصاص؟ كيف؟ نحن دول استجداء للأسف، استجداء الدعم والحماية، فلا يمكن أن نطالب بقصاص لشيرين ولا لغير شيرين.