كلاهما مر.. إقليم دارفور بين فكي وصاية أميركا وعسكر السودان

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

من سيئ إلى أسوأ، هكذا تسير العلاقة بين الإدارة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والولايات المتحدة، التي وضعت على عاتقها الضغط الكامل على الأول وحلفائه.

وتدعم واشنطن مكونات الحكومة المنحلة تحت مظلة قوى الحرية والتغيير، الذين لا يزالون يتظاهرون في المدن والميادين ضد الحكم العسكري بقيادة البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني.

ومؤخرا دعت واشنطن لنشر قوات حفظ الأمن في إقليم دارفور المضطرب، في تحد واضح لمجلس السيادة، وتجاهل لخلافاته مع البعثة الأممية "يونيتامس"، وقد انحاز البيت الأبيض للأخيرة، ووصل الحال إلى توجيه تهديدات صريحة للبرهان. 

وخلف ذلك الوضع تساؤلات عن الأسباب الأساسية لتلك الدعوة في هذا التوقيت، وهل واشنطن تسعى إلى حل أزمة دارفور المعقدة منذ عقود؟ أم لها مآرب أخرى؟ 

يوم عاصف

في 24 مايو/أيار 2022، عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مفتوحة ورسمية حول السودان، وأخرى عن نشاطات بعثة "يونيتامس" الأممية في الخرطوم، لمناقشة آخر تطورات الأوضاع هناك، والحديث عن المجتمع المدني السوداني والتحديات التي تواجهه.

وتدخلت مستشارة السلام وحل النزاعات في مكتب الخرطوم وجنوب السودان كيمي لومباردو، ودعت إلى نشر قوات حفظ الأمن في دارفور فورا.

وهو ما شددت عليه وطالبت به السفارة الأميركية في الخرطوم عبر منشور رسمي "للتأكيد على دعم الولايات المتحدة للشعب السوداني ولمناقشة أولويات الأطراف المعنية، وحلول معالجة العنف المتزايد في دارفور"، كما زعمت.

وذكرت "أنها شددت في لقائها مع حاكم ولاية شمال دارفور على رغبة واشنطن في رؤية تحركات ملموسة للإسهام في سلام مستدام في دارفور.

وحثت على النشر الفوري لقوات حفظ أمن دارفور التي تشكلت لمعالجة قضايا الأمن، بما في ذلك حماية المدنيين.

ولم يقف هذا اليوم العاصف داخل أروقة مجلس الأمن على ذلك الاستدعاء فقط، فداخل السودان كانت الأمور تتصاعد على نحو مختلف.

وأبدى دبلوماسيون غربيون رفضهم القاطع لقرار السلطات في الخرطوم، بعدم تجديد إقامة كبيرة مستشاري بعثة "يونيتامس" في البلاد، روزاليندا مارسدن.

وقال الدبلوماسي الأميركي، كاميرون هدسون، في تغريدة على حسابه بتويتر إن "رفض نظام الانقلاب في السودان منح التأشيرات للدبلوماسيين الغربيين ليس بالأمر الجديد".

وأضاف: "ما لم يفهمه النظام في عهد (رئيس النظام السابق عمر) البشير وما زال لا يفهمه النظام الآن، هو أن هذه الأعمال المثيرة لا تجعلها تبدو قوية، على العكس تماما، إنه يعرض ضعفهم ويأسهم بشكل كامل".

واشنطن تصعد 

وسريعا ردت واشنطن على الحكومة السودانية، بأن أصدرت وزارات الخارجية والخزانة والتجارة والعمل الأميركية في 25 مايو 2022، تحذيرا بشأن الأعمال في السودان.

وتمثل الغرض الأساسي من التحذير في تسليط الضوء على مخاطر السمعة السيئة المتزايدة للشركات الأميركية المرتبطة مع شركات سودانية مملوكة للدولة وتلك التي يسيطر عليها الجيش السوداني، على حد ما أعلنته وزارة الخزانة.

وفي الإطار نفسه جرى تنبيه الشركات والأفراد الأميركيين أيضا للحرص على تجنب التفاعل مع أشخاص سودانيين مدرجين في قائمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة. 

ويعد القرار بمثابة ضربة إضافية للاقتصاد السوداني المتدهور، ولمزيد من الضغط على المجلس السيادي والجيش في إطار معركة عض الأصابع بين الطرفين. 

وكانت واشنطن والعواصم الغربية والمؤسسات المالية العالمية التابعة لهم، قد علقوا مساعدات اقتصادية تبلغ مليارات الدولار، فور وقوع إجراءات المجلس العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، التي أطاحت برئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وحكومة قوى الحرية والتغيير، حيث أنهت الشركة القائمة بينهم وبين العسكريين. 

ويأتي سعي واشنطن لإرسال قوات إلى دارفور في ظل أزمة شرسة قائمة بين المجلس العسكري السوداني، وبعثة "يونيتامس" الأممية العاملة في عموم البلاد.

وفي الأول من أبريل/ نيسان 2022 وجه البرهان تحذيرا شديد اللهجة إلى رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس، بـ "الطرد خارج البلاد، لتدخله السافر بالشأن السوداني".

وفي كلمة للبرهان خلال حفل تخريج دفعة عسكرية بالعاصمة الخرطوم، دعا المسؤول الأممي المدعوم أميركيا إلى ما أسماه "الكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية".

وفي 29 مايو، غرد فولكر، عبر حسابه بموقع "تويتر" منتقدا الحكومة القائمة، والمجلس السيادي، قائلا: "حان الوقت لإنهاء حالة الطوارئ وللخروج السلمي من الأزمة الحالية في السودان". 

واستطرد أن: "الأزمة السودانية أعمق من مجرد خلافات بين المدنيين والعسكريين". 

ومع ذلك لم تسلم البعثة الأممية في السودان من انتقادات الأطراف الأخرى، مثلما حدث في 25 مارس/آذار 2022، إذ أعلن القيادي بقوى "الحرية والتغيير"، عادل خلف الله، أن يونيتامس، "عاجزة" تماما عن حل الأزمة السياسية في البلاد.

وعد القيادي المعارض أن "التطورات أكدت أن البعثة الأممية عاجزة عن تحقيق الهدف، وساهم في ذلك الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن لكون قراراتها لا بد أن تعود إليه أولا"، وفق وكالة "الأناضول" التركية.

وصاية أممية 

ويعاني السودان داخليا وخارجيا، من وقع التدخلات الأجنبية، والوصاية الأممية عبر البعثات المتعاقبة. ومما يذكر هنا الرسالة التي أرسلها إلى الأمم المتحدة، رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك في 27 يناير/كانون الثاني 2020.

وقال حمدوك: "تطلب الخرطوم منكم السعي إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي البلاد".  

وبناء على تلك الدعوة رفعت قضية تتهم حمدوك بالخيانة العظمى للبلاد. 

وعلى الرغم من اعتراض القوى الوطنية السودانية على إنشاء بعثة أممية ورفض الرأي العام لها، فإن هذه البعثة باشرت مهامها منذ 3 يونيو/حزيران 2020 وسط ترحيب حار من تحالف الحرية والتغيير الحاكم آنذاك، وبدعم سياسي أميركي كبير.

وكتب الصحفي السوداني محمد حسب الرسول، في 25 مايو 2022، لصحيفة "الميادين" اللبنانية، أنه "تولت البعثة مهام الإدارة الفعلية للسلطة الانتقالية التي قادت دولة الإمارات العربية جهود تشكيلها، ولعبت دورا في تذليل الصعاب والعقبات التي اعترضت طريق تأليفها عام 2019".

وأضاف: "تكمل البعثة الأممية عامها الثاني، وينتظر أن يجدد مجلس الأمن لها لعام ثالث، في وقت تتنامى المطالبات الشعبية والسياسية الداعية إلى إنهاء دورها".

كما تتنامى المطالب "إلى إخراجها من البلاد كونها تمثل أداة كولونيالية (استعباد العالم باسم الحرية) أعادت البلاد إلى عهد الاحتلال الغربي، ووضعتها تحت الوصاية والانتداب"، وفق الصحفي السوداني.

الصحفي السوداني محمد نصر تساءل: "لماذا تصر واشنطن على وجود البعثات الأممية في بلادنا، واستدعاء قوات حفظ سلام باستمرار، تحت ذريعة الصراعات والاشتباكات؟ مع العلم أنها لم تفعل ذلك في ليبيا ولا اليمن ولا سوريا، رغم المذابح الطائلة في تلك الدول، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف".

وقال نصر لـ"الاستقلال": "الأدهى أنها لم تفعل ذلك في أوكرانيا رغم الغضب العالمي، والتداعيات الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة، فهذا الأمر يدعو إلى العجب والاستنكار في آن واحد".

وأضاف: "ماذا فعلت البعثات الأممية المتعاقبة منذ سنوات طويلة، هل أوقفت القتال وأنقذت المدنيين؟ وهل عالجت الأوضاع السياسية؟ سنجد أن الإجابة صفرية، بل إنها مثلت أداة جديدة للهيمنة الأميركية والغربية على السودان، فكانت كالشوكة في الحلق".

وفي هذا رسالة لعموم السودانيين ولمن استنجد بهم مؤخرا لإنقاذه، كحمدوك ومن وراءه بأن هؤلاء هم الخصم الحقيقي، ولن يأتي منهم الخير أبدا، وفق قوله.

وشدد: "يجب على فرقاء المرحلة الانتقالية والمجلس السيادي التوافق سريعا وتجاوز تلك المرحلة، عن طريق انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة، لأن القادم يمكن أن يشهد سيناريوهات أسوأ كثيرا مما هو واقع".