مدارس من طين في زمن الإنترنت وميتافيرس.. هذا حال التعليم الحكومي بالعراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يعاني العراق من تدن كبير في مستوى التعليم، وسط تحذيرات دولية من تدهور هذا القطاع إلى مستويات خطيرة تنعكس بشكل سلبي على مستوى الإنتاجية للخريجين مقارنة بأقرانهم في الدول المجاورة، حسب تقرير أصدره البنك الدولي في 12 مايو/أيار 2022.

وأكد البنك الدولي أن مستوى التربية والتعليم في العراق "متدن ولا يوازي دولا أخرى"، وأن خريجي الجامعات غير مؤهلين لإدارة مراكز في الدولة أو قطاع العمل جراء افتقارهم للخلفية العلمية، وذلك أفقدهم نحو 50 بالمئة من قدرتهم الإنتاجية مقارنة بدول الجوار.

وعلى ضوء تقرير البنك الدولي، برزت تساؤلات بخصوص الأسباب التي أدت إلى تدهور قطاع التعليم في العراق وغيابه عن مؤشرات الجودة، في زمن الإنترنت والتعليم الإلكتروني وعبر العالم الافتراضي "ميتافيرس"، بعد الريادة التي وصل إليها البلد على مستوى المنطقة خلال فترة السبعينيات من القرن العشرين.

فساد كبير

ومن أهم أسباب تدني مستوى التربية والتعليم في العراق، قال مصدر في وزارة التربية لـ"الاستقلال" إن "الفساد المالي والإداري جعل العملية التربوية في العراق عبارة عن تحقيق أموال لبعض المسؤولين الفاسدين في الوزارة، ولا سيما بعد عام 2003".

وأوضح المصدر، طالبا عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أن "الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وجهت ببناء العديد من المدارس في جميع المدن، لكن بعض المسؤولين يؤخرون بناءها، لأنهم يفضلون افتتاح مدارس أهلية تعود ملكيتها إليهم أو يتلقون لقاءها منحها تراخيص رشوة مالية بمبالغ كبيرة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات".

ولفت إلى أن "منح تراخيص افتتاح مدارس أهلية يجري تجديده بشكل سنوي، وبالتالي يعده المسؤولون الفاسدون مصدرا رئيسا يدر عليهم عشرات آلاف الدولارات سنويا، فضلا عن الرحلات الخاصة لقضاء عطلة سياحية لهم ولعائلتهم يتحمل تكاليفها مالكو المدارس الأهلية".

وتابع المصدر: "كذلك الحال بالنسبة لافتتاح مراكز التقوية الأهلية، فالأمر لا يتم إلا بدفع رشوة مالية بشكل سنوي إلى المسؤولين، دون النظر إلى جودة ورصانة التعليم، فالأمر بالنسبة لهم يتعلق بالمبالغ المالية التي يتلقونها".

وخلص المصدر قائلا: "لذلك ينتعش قطاع التعليم الخاص، ويتراجع القطاع الحكومي كونه لا يحظى بالاهتمام المطلوب بشكل متعمد تقف وراءه جهات نافذة، حتى يذهب أولياء الأمور بأبنائهم إلى المدارس الخاصة لدفع آلاف الدولارات سنويا، وترك التعليم الحكومي المجاني".

كما أثر الفساد على المؤسسات التعليمية، بعد تصدرها خلال فترة السبعينيات، وغابت البلاد تماما عن مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015-2016.

فيما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في مايو/أيار 2019، أن 50 بالمئة من المدارس في العراق بحاجة إلى التأهيل والترميم، وكشفت ذات المنظمة عن وجود ما يقرب من 3.2 ملايين طفل في سن التعليم خارج المدرسة.

ونتيجة للفساد والإهمال اللذين أديا إلى انخفاض مستوى التعليم وانعدام فرص العمل لخريجي الجامعات العراقية، غالبا ما يختار الخريجون العمل في مجالات أخرى مختلفة عما درسوه في الجامعة أو المعهد.

فضلا عن ارتفاع ظاهرة ترك الدراسة للالتحاق بالعمل، إذ تتوفر العديد من فرص العمل بالوظائف الحكومية بفضل نظام المحاصصة الطائفي الذي يسمح لكثير من غير المؤهلين من الالتحاق بمؤسسات حكومية بناء على الانتماء الطائفي أو الحزبي، بينما يفتقد الآخرون هذه الميزة، حتى لو كانوا من المؤهلين.

إهمال حكومي

وعلى الصعيد ذاته، قال عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، خالد عبد الإله، خلال مقابلة تلفزيونية في 12 مايو/أيار 2022، إنه "ليس من المعقول أن نتحدث بشيء مطلق، وإن البيانات التي تصدر عن البنك الدولي أو من مؤشرات خاصة بالتعليم، قد تكون فيها التقارير غير موضوعية أو غير دقيقة".

وعدَّ عبد الإله أن "الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عقب غزو الكويت في تسعينيات القرن العشرين، جعل كل قطاعات الدولة تتأثر بما فيها التربية والتعليم، وكذلك الحال بعد عام 2003 تأثرت بشكل كبير".

وأشار إلى أن "الموازنة المالية للدولة لأهم قطاعين وهي التربية والتعليم والاستثمار في إطار المعرفة لم تكن بالمستوى المطلوب، بينما لدينا آلاف الابتكارات، لكن لا توجد رعاية من الحكومة لقطاع التربية".

ونوه عبد الإله بأن "مخرجات التعليم العالي تكون مبنية على مدخلات التربية، وهنا نتحدث عن عشرات الآلاف من المدارس الطينية (وتفتقر للطاولات والكراسي) التي أضرت بسمعة التعليم في العراق، والآن نتوقع مؤشرات خطيرة".

ورأى الأكاديمي العراقي أن "أولى المعالجات، توفير الأموال اللازمة والاهتمام بشكل حقيقي بقطاع التربية والتعليم، ووضع خطط مدروسة لتطوير التعليم من خلال التوأمة مع جامعات أخرى وتدريب الكوادر".

وشدد عبد الإله على ضرورة أن "يستثمر العراق في المعرفة والعقول ونشجع القطاع الخاص، وهناك قرار من الحكومة لدعم قطاع التعليم من خلال إيقاف تأسيس الجامعات الأهلية لكي يكون هناك ارتقاء بالجامعات الحكومية، وهذا التزام للحكومة بمجانية التعليم".

وفي السياق ذاته، قال نقيب المعلمين العراقيين، عباس السوداني، خلال تصريح له في 12 مايو 2022، إن أحد أسباب فشل المنظومة "هو أن التعليم الإلكتروني لم يكن ناجحا في العراق، خلال مرحلة تفشي فيروس كورونا".

وعزا عباس ذلك إلى أسباب عدة، أولها أن "البلد غير مهيأ لمثل هذا الظرف، الأمر الثاني الاعتماد على الإنترنت وهذا غير متوفر في جميع المناطق، وبالتالي الأسر ليست بنفس المستوى الاقتصادي في توفير الأجهزة الذكية لاستخدامها في التعليم".

دعم دولي

وفي 15 مايو 2022، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نبيل كاظم عبد الصاحب، إطلاق منحة البنك الدولي لدعم مشاريع التعليم العالي في البلاد، منتقدا في الوقت ذاته تناقص التخصيصات المالية في الموازنة العامة السنوية للعراق.

وفي كلمته خلال حفل إطلاق مشروع دعم التعليم في العراق بالتعاون مع البنك الدولي وبحضور رؤساء وممثلي الجامعات، دعا الوزير إلى "مراجعة المؤشرات والمخصصات المالية للجامعات"، موضحا أن "البيئة التعليمية الجامعية تشهد توسعا وإقبالا لافتا للنظر بسبب نسبة النمو السكاني المتسارع".

وأضاف عبد الصاحب أن "الجانب المالي يمثل تحديا أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساتها الجامعية التي تعمل وفق مسارات متوازية لتحقيق أهداف متزامنة تقوم على خدمة المجتمع وجودة الأداء والمخرجات".

وأوضح أن "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي شخصت ضمن إستراتيجيتها الممتدة حتى عام 2030 هدفا ملحا يتعلق بضرورة استحداث جامعات علمية تخصصية تلائم سوق العمل".

وجدد الوزير المطالبة بإعطاء ملف التعليم أولوية قصوى في ملف التمويل، لافتا في الوقت نفسه إلى أن "الموازنات العامة أشرت تخصيصات مالية متناقصة لهذا الملف خلال السنوات المنصرمة".

من جهته، قال مدير ممارسات التعليم في البنك الدولي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إندرياس بلو، إن "البنك الدولي عمل مع شركائه في الحكومة العراقية على مدار العامين الماضيين لتحضير الدعم الخاص بالتعليم العالي الذي يمثل قطاعا مهما في العراق معروفا بعراقته ومكانته التعليمية والعلمية".

وأضاف بلو، خلال كلمته في الحفل، أن "مبلغ الخمسة ملايين دولار الممنوح من البنك سيسهم في توفير بيئات تدريبية في الجامعات ومختبرات جديدة ورفد المجتمع بالتخصصات ذات الأولوية، لا سيما الطاقات المتجددة والصحة والزراعة والكهرباء، مؤكدا أن "البنك الدولي ملتزم بهذا الدعم لتطوير وتحسين جودة التعليم".

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشف البنك الدولي عن خطر مؤكد يهدد أطفال العراق ومستقبل البلاد؛ بسبب تدني مستوى التربية والتعليم إلى الحد الأدنى مقارنة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن من المرجح تدهور التعليم بشكل إضافي في الفترة المقبلة بسبب تأثير جائحة فيروس كورونا على التعليم، بما في ذلك إغلاق المدارس لفترات طويلة.

ووفقا لمؤشر رأس المال البشري لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي، فإن الطفل المولود في العراق سيصل في المتوسط إلى 41 بالمئة فقط من إنتاجيته المحتملة عندما يكبر.

وأوضح التقرير ذاته أن "جائحة كورونا أدت إلى إغلاق المدارس بشكل متقطع في جميع أنحاء العراق، مما أثر على أكثر من 11 مليون طالب منذ فبراير/شباط 2020".