بحادثة وقعت قبل 13 عاما.. ما سر توقيت محاكمة الخطوط اليمنية في فرنسا؟

12

طباعة

مشاركة

في 9 مايو/ أيار 2022، بدأت في العاصمة الفرنسية باريس، أولى جلسات محاكمة شركة الخطوط الجوية اليمنية، بعد قرابة 13 عاما على تحطم إحدى طائراتها التجارية قبالة جزر القمر في حادث أسفر عن سقوط 152 قتيلا فيما نجت راكبة واحدة كانت في سن الـ12.

وتنظر محكمة الجنايات الفرنسية على مدى أربعة أسابيع في مسؤولية الخطوط اليمنية عن هذا الحادث بسبب "التقاعس والإهمال"، علما أنها تواجه غرامة بقيمة 225 ألف يورو (235 ألف دولار)، بتهمة التسبب بقتل وجرح غير متعمدين، وهو ما تنفيه.

وجاءت المحاكمة التي حضرها نحو 100 من ذوي ضحايا الحادث، في مرحلة تعاني فيها الشركة من مشكلات متراكمة، متأثرة بحالة الحرب المتواصلة في اليمن للعام الثامن على التوالي، والتي بسببها لم ترسل الشركة أيا من ممثليها للمحاكمة، بحسب ما أفاد محامو الدفاع.

تاريخ الحادثة

ووقع الحادث مساء 29 يونيو/ حزيران 2009 عندما كانت الطائرة اليمنية من طراز "أيرباص" (الرحلة 626) تستعد للهبوط في عاصمة جزر القمر موروني، وفيها طاقم مؤلف من 11 شخصا و142 راكبا بينهم 66 فرنسيا.

لكن قبل الوصول إلى الساحل ببضعة كيلومترات، وتحديدا في الساعة 22:53 بالتوقيت المحلي، تحطمت الطائرة في المحيط الهندي، حيث أسفر الحادث عن مقتل جميع من كانوا فيها.

باستثناء ناجية وحيدة، هي بهية بكاري التي تمسكت في البحر بقطعة من الطائرة طوال 11 ساعة قبل أن ينقذها زورق صيد في اليوم التالي للحادث.

والناجية الوحيدة التي خسرت أمها في الحادث ستدلي بشهادتها في 23 مايو/أيار أمام المحكمة.

وسبق لها أن روت في تحقيقات مصورة وكتاب، ما شعرت به لحظة التحطم من "اضطرابات"، ولا تذكر سوى أنها وجدت نفسها في الماء، حيث سمعت "نساء يصرخن".

وبعد الحادث بأسابيع، عثر على الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، لكن التحقيق بقي متعثرا طوال السنوات الماضية مع اتهامات للفريق الملاحي بالتقصير، دون معلومات واضحة عن سبب التأخير، لكن على الأغلب ظروف الحرب منعت من بدء المحاكمة.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية في يوم المحاكمة عن رئيس جمعية الضحايا سعيد أسوماني، قوله: "13 عاما وقت طويل. إنه أمر مرهق نفسيا ومعنويا وحتى جسديا. ولكن بعد 13 عاما من الانتظار والصبر تبدأ المحاكمة أخيرا".

وأكد محامي الجانب المدني كلود لينار أن أقرباء الضحايا مستعدون للإصغاء والتفهم، وأبدى أسفا كبيرا لغياب ممثلي الشركة اليمنية التي استأنفت أخيرا رحلاتها التجارية في صنعاء إثر إعلان هدنة مطلع أبريل 2022 بين الحكومة المدعومة بتحالف سعودي إماراتي من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران من جهة أخرى، لافتا إلى أن "المحاكمة مجتزأة".

من جانبه، قال محامي الشركة ليون ليف فورستر إن "الشركة اليمنية لا تزال متأثرة بهذه الكارثة، وخصوصا بالنسبة إلى الضحايا، لكنها تدفع رغم ذلك ببراءتها وتؤكد عدم مسؤوليتها عما حصل".

وأضاف: "كانت هناك ثغرات لكنها غير مسؤولة عنها، وسيتجلى ذلك خلال الجلسات".

مرحلة حرجة

وتعليقا على هذا التطور، قال رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات (مقرها جنيف)، المحامي توفيق الحميدي، إن "بدء المحاكمة بعد عودة طيران اليمنية للعمل أمر طبيعي، حيث يرى أهالي الضحايا أن الظروف أصبحت مهيئة للحصول على تعويضات".

وأضاف الحميدي لـ"الاستقلال"، "تهتم فرنسا بالقضية، نظرا لفقدانها 66 شخصا من رعاياها كانوا على متن تلك الطائرة، وتنظر الجهات الجنائية الفرنسية في القضية إضافة إلى حق الضحايا في تقديم الدعاوى المدنية المتعلقة بالتعويض".

وأوضح أن "هذه القضية ستكون فوق طاقة الشركة اليمنية المتوقفة عن العمل والتي لم تعد بعد بطاقتها الطبيعية للعمل".

 وأضاف، "لذا، مهم أن تقوم الحكومة بالتفاهم مع الضحايا حتى لا تتطور القضية وتقع الشركة في مأزق قانوني إذا صدرت أحكام قضائية، لكن في حال التفاهم مع أهالي الضحايا والتفاوض معهم يمكنهم التنازل، لأن صدور أحكام قضائية قد يؤثر على أصول الشركة نفسها ونشاطها".

من جانبه يرى وكيل وزارة العدل اليمنية فيصل المجيدي، أن "ظروف المحاكمة العادلة لا تتوفر من حيث اختيار الزمن المتزامن للأحداث الجارية في اليمن وتجزؤ التبعية الإدارية اليمنية بين عدن وصنعاء وغياب القيادة الواحدة في هذا الظرف".

 "وهو ما يصيب مبدأ المواجهة القضائية بمقتل، لا سيما والدعوى قائمة على الاعتقاد بخطأ فريق الملاحة في الحادث الملاحي بدون الدليل القطعي ودون الإحاطة بظروف الواقعة المصاحبة لزمن الحادث"، يضيف المجيدي لـ"الاستقلال".

ويوضح أنه "من حيث الاختصاص الدولي فمحكمة الجنايات الفرنسية مختصة بموجب القانون الوطني الفرنسي الداخلي وللحكم أثره السلبي على الشركة اليمنية، حال صدوره بالإدانة لأن حركتها ستتقيد في مطارات السوق الأوروبي كحد أدنى للضرر".

ومضى شارحا، "من حيث الاختصاص الدولي أيضا فلا ينعقد لمحكمة الجنايات الفرنسية، لأن التحقيق لم يجر على لجنة دولية كما أن تباين الادعاءات وتناقضها بين الضحايا من جهة واليمنية، حول آلية التحقيق والوقائع المهملة منه لا يمكن أن يكون نزاعا دوليا، لأن هذا الاختلاف لا تترتب عليه حقوق دولية لأحد الطرفين".

تهم فساد

و"اليمنية" شركة النقل الجوي الحكومية الوحيدة في اليمن باستثناء شركات النقل الداخلية "بلقيس والسعيدة"، وتزداد سوء خدماتها يوما بعد آخر، رغم أن تذاكرها تعد من أغلى تذاكر الطيران بالعالم وفقا لإحصائيات المنظمة الدولية للنقل الجوي (إياتا). 

وخلال السنوات الأخيرة لم تبذل إدارة الشركة أي جهود لتحديث أسطولها منذ عودة نشاطها بعد تحرير عدن من مليشيا الحوثي عام 2015.

ومع الانطلاقة الأولى لتشغيل طيران الخطوط الجوية اليمنية للطائرة المسماة "سقطرى"، التي تم شراؤها مؤخرا وشاب عملية شرائها صفقات فساد.

وأعلنت السلطات المصرية في مطار القاهرة منع هبوط الطائرة الجديدة بميناء القاهرة الجوي، وذلك لكونها لا تطابق الشروط المعمول بها لديهم.

وعلى ضوء ذلك عملت الشركة اليمنية لإرسال رسالة إلى رئيس الإدارة المركزية للنقل الجوي بسلطة الطيران المدني المصري، لاستثناء تلك الطائرة والموافقة على تشغيلها لخط اليمن القاهرة والعكس وذلك في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وتم منحهم موافقة لمدة ثلاثة أشهر ثم تجديدها لنفس المدة مرة أخرى.

وفي 8 يونيو/ حزيران 2017، تسبب خلل في أحد المحركات في هبوط اضطراري لطائرة إيرباص تابعة للخطوط اليمنية على متنها 180 مسافرا، وعودتها إلى مطار عدن بعد حوالي ساعة من إقلاعها.

وأثار هذا الحادث موجة غضب عارمة ضد شركة الطيران الرسمي للبلاد، حيث ارتفعت أصوات مطالبة بإيقاف الناقل الجوي عن التحليق. 

وفي يونيو 2015، أكد المدير العام للنقل الجوي اليمني مازن غانم، فتح تحقيق مع مسؤولي شركة الخطوط الجوية اليمنية، بشأن تهم فساد في عملية إعادة العالقين اليمنيين بالخارج.

بعد فرض التحالف حظرا جويا على اليمن مع بدء الهجوم الجوي ضد الحوثيين في 26 مارس/ آذار 2015.

حيث بين المسؤول اليمني حينها، أن رحلات إعادة العالقين مجانية، لكن هناك شكاوى تتعلق بإجبارهم من قبل الخطوط الجوية على دفع مبالغ مقابل التذاكر والرحلات.