ثلاثة تفسيرات.. الأسد يعين وزير دفاع سنيا ويجري تغييرات هيكلية لقواته
أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد تغييرات مفاجئة داخل مؤسسته العسكرية نهاية أبريل/ نيسان 2022، كان لافتا فيها تعيين وزير دفاع جديد من الطائفة السنية، وملء منصب رئيس هيئة الأركان العامة، الذي كان شاغرا منذ بداية عام 2018.
واتخذ نظام الأسد تلك الخطوة رغم برود الجبهات العسكرية وفي ظل انشغال حليفته روسيا بغزو أوكرانيا المستمر منذ 24 فبراير/ شباط 2022.
واختلفت الأسباب والدوافع وراء توقيت هذه التغييرات، فبينما رآها خبراء "ترقيعية وشكلية"، وصفها آخرون بـ"مرحلية تتماهى مع عودة الثقل الإيراني في المشهد السوري"، فيما أكد البعض أن أسماء زوجة بشار الأسد (سنية) تقف وراءها مستفيدة من الأوضاع الدولية.
إعادة هيكلة
وفي 28 إبريل 2022، أصدر الأسد مرسوما حمل رقم "115" عين فيه اللواء "علي محمود عباس" وزيرا للدفاع الذي ينحدر لأسرة من الطائفة السنية، خلفا للعماد علي عبد الله أيوب.
وبعد يومين، أصدر الأسد في 30 إبريل مرسوما حمل رقم "121"، رفع فيه وزير دفاعه الجديد عباس من رتبة لواء إلى عماد.
وولد عباس عام 1964 في بلدة إفرة بريف دمشق، وشغل العديد من الوظائف العسكرية كان آخرها نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة منذ مارس/ آذار 2021.
ويعد عباس خامس وزير للدفاع في حكومة نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/ آذار عام 2011، وذلك بعد أيوب المولود عام 1952 في مدينة اللاذقية من أسرة علوية وشغل منصب وزير الدفاع منذ 1 يناير /كانون الثاني 2018.
وسبق أيوب العماد فهد جاسم الفريج الذي عين وزيرا للدفاع في 18 يوليو/ تموز 2012 وهو من مواليد ريف حماة عام 1950 وينحدر من الطائفة السنية، والذي بدوره عين خلفا للعماد داود راجحة المولود عام 1947 لعائلة مسيحية من ريف دمشق.
وقتل راجحة إلى جانب عدد من الضباط بينهم زوج بشرى ابنة حافظ الأسد الوحيدة، آصف شوكت، الذي كان يشغل حينها نائب وزير الدفاع، في تفجير غامض استهدف اجتماعا لـ"خلية الأزمة" لقمع الثورة، في مبنى مكتب الأمن الوطني بحي الروضة الراقي وسط دمشق في 18 يوليو 2012.
وسبق راجحة في المنصب، علي حبيب المولود عام 1939 لعائلة علوية في طرطوس والذي أقيل من منصبه في 8 أغسطس/ آب 2011.
كما شمل المرسوم تعيين اللواء عبد الكريم محمود إبراهيم رئيسا لـ"هيئة الأركان العامة"، وهو من أسرة علوية تنحدر من ريف طرطوس.
كما جرى تعيين اللواء مفيد حسن بمنصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة، والذي كان قائد الفيلق الأول، وهو علوي ينحدر من ريف اللاذقية، إضافة إلى تعيين اللواء أيوب إبراهيم حمد بمنصب قائد الفيلق الأول، بعدما شغل رئيس أركان الفيلق الأول وهو علوي من ريف حماة.
تغطية المجزرة
اللافت أنه عقب التبديلات الجديدة أجرى بشار الأسد، "زيارة عمل" مفاجئة هي الثانية له منذ اندلاع الثورة، إلى العاصمة الإيرانية طهران في 8 مايو/ أيار 2022، التقى فيها بالرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد آية الله خامنئي.
كما جاءت التعيينات عقب نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية في 27 أبريل، تسجيلا مصورا يظهر مجزرة إعدام جماعي لـ41 مدنيا رميا بالرصاص في أبريل 2013 بحي التضامن جنوب العاصمة دمشق، من قبل ضابط برتبة صغيرة في قوات الأسد.
وفي هذا الإطار يرى الباحث المساعد في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية محسن المصطفى، أن "تعيين اللواء علي محمود عباس، كوزير للدفاع غير منطقي إذ إنه ليس أقدم رتبة بعد العماد علي أيوب، وخاصة أنه يوجد أقدم منه عدد كبير من الألوية في الجيش".
وأضاف المصطفى لـ "الاستقلال": "ولهذا جرى ترفيع عباس لرتبة عماد، كما لم يسبق له أن تولى قيادة فرقة عسكرية أو فيلق أسوة ببقية الوزراء منذ عهد العماد أول مصطفى طلاس، وهو أول وزير دفاع يحمل رتبة لواء منذ عام 1972".
ولفت المصطفى إلى أن "ترقية علي محمود عباس لرتبة اللواء لم يمض عليها الوقت الكثير فهو بهذه الرتبة منذ بداية عام 2018 فقط".
ونوه الباحث السوري المعارض إلى أنه بالإضافة لما سبق فإن "علي عبدالله أيوب حصل على رتبة عماد منذ بداية عام 2012، أي هو في هذه الرتبة منذ عشر سنوات وستة أشهر، وجرى التمديد له عدة سنوات إضافية في الخدمة، وبالتالي كان لزاما تغيير منصبه على الأقصى في يوليو 2022".
واستدرك قائلا: "إلا أن انتشار فيديو مجزرة التضامن جنوب دمشق ربما عجل بالتغييرات الجديدة".
لعبة مرحلية
ويؤكد خبراء عسكريون لـ"الاستقلال"، أن "شغور منصب رئيس هيئة الأركان في قوات الأسد منذ خمس سنوات، وملء المنصب من جديد باللواء عبد الكريم يدلل على وجود رغبة لدى الأسد لإعادة هيكلة المليشيات والتشكيلات العسكرية التي شكلت كرديفة لجيشه عقب الثورة".
وأضافوا أن "هناك خطوة لجمع المليشيات المتناثرة بين الروس والإيرانيين وفرقه العسكرية، ما يعني أن انشغال الروس في غزو أوكرانيا وتقليص أو تخليها عن بعض المليشيات التي كونتها في سوريا منذ عام 2015 يحتاج لإعادة ضبط تلك المليشيات وهذا ما سيكون على عاتق اللواء عبد الكريم".
ورأى الخبير العسكري السوري العميد عبدالله الأسعد، أن خطوة التعديلات الجديدة في البنية العسكرية لنظام الأسد حاول من خلالها الإيهام بأنه "عاد إلى ما قبل عام 2011 بعدما أظهر طائفيته ووجه الحقيقي وكشر عن أنيابه خلال العقد الأخير".
وبين العميد لـ "الاستقلال"، أنه "يمكننا القول إن الحرب في سوريا وضعت بعضا من أوزارها وبردت الجبهات نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وعليه لا بد أن يعود الأسد إلى مسرحياته وتمثيلياته على الشعب السوري بأن هناك وزير دفاع من الطائفة السنية ورئيس وزراء ووزير خارجية كذلك".
وتؤكد دوائر بحثية أن نسبة المسلمين السنة في سوريا لا تقل عن 80 بالمئة من إجمالي السكان.
ومضى الأسعد يقول: "إنما الدولة العميقة هي الأساس التي عملوا بها وما يزالون، ولكن تعيين علي عباس هي محاولة للتغطية على ما قاموا به من مجازر سابقة وإظهار الوجه الجديد أمام الدول العربية".
وأضاف الخبير العسكري أن "الطائفية في سوريا التي يمارسها نظام الأسد موجودة طالما بقي الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والقوات الخاصة والفرقة 14".
وأشار إلى أنه "بعد انشغال روسيا باتت قوات الأسد وكل مليشياته غير قادرة على التمدد والقيام بأعمال عسكرية جديدة ورغم ما قام به من تبديلات إلا أن المعادلة الهيكلية لبنيته العسكرية لم تتغير".
وتابع: "خاصة مع تحكم 97 بالمئة من ضباط الطائفة العلوية بفرق الجيش والأولوية والأجهزة الأمنية بينما تشكل النسبة المتبقية من باقي الطوائف السنية والدرزية والمرشدية في قوات الأسد".
"نهج الصفاء العلوي"
وكثيرا ما يستشهد المراقبون العسكريون بـ "طائفية الجيش" الحالي في سوريا، وكان مركز عمران للدراسات الإستراتيجية قد نشر دراسة بحثية في 13 مارس 2020 تحت عنوان "مراكز القوة في جيش النظام 2020: نهج الصفاء العلوي".
وأكدت الدراسة أنه ضمن "ثالوث القيادة (قاعدة توازن طائفي) هندس الأسد الأب حافظ مراكز القوة اجتماعيا بطريقة تضمن ولاء الجيش للنظام وتمنع تحوله لأداة سياسية ضد سلطته".
"إلا أنه وبعد الثورة السورية ولأسباب عدة تصدع ثالوث القيادة في الوحدات العسكرية لصالح تولي الضباط العلويين قيادة تلك الوحدات ليس في الصف الأول فقط بل في الصف الثاني والثالث وما يليهما"، وفق الدراسة.
وخلال استقصائها للتوزع الطائفي والمناطقي كشفت الدراسة أن "أهم 40 مركزا حساسا في الجيش السوري حتى 10 مارس 2020 يشغلها ضباط من الطائفة العلوية، من القائد العام ووزير الدفاع مرورا بقادة الفيالق العسكرية وقادة الفرق وأجهزة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع"، بمعنى عدم وجود أي ضابط سني فيها.
ولفتت الدراسة إلى أن "تقوية الانقسام الطائفي في سوريا بدأ في السبعينيات، على خلفية الصراع بين حركة الإخوان المسلمين والنظام السوري، والذي وصل ذروته عام 1982، حين زاد اعتماد حافظ الأسد على أقربائه وأبناء طائفته، وبالتالي زيادة في الطبيعة العلوية للنظام".
وأشارت الدراسة إلى أن حافظ الأسد الذي وصل السلطة بانقلاب عسكري عام 1971 وبقي بالحكم حتى وفاته عام 2000 مورثا الحكم لابنه بشار، "أدرك في الثلث الأخير من القرن العشرين بأن الشق الحزبي−المدني هو الحلقة الأضعف بين الفئات المتصارعة على السلطة".
ولذلك "أعطى الأسد الأب لمؤسساته نمطا شكليا يقتصر على قطاع محدود بأجهزة الإدارة والحكم، وجعل توازن النظام يقوم على مؤسسة عسكرية تبسط نفوذا واسعا عبر فرق عسكرية خاصة بحماية النظام، ومؤسسات أمنية تهيمن على الحياة العامة، واعتمد بذلك على العنصر الطائفي والعشائري والعائلي لأنه الأكثر ضمانا لتحقيق التوازن داخل المؤسسة العسكرية".
موازنة عسكرية
من جانبه، شرح القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، لـ "الاستقلال"، المعادلة التي سار عليها بشار الأسد في التغييرات الجديدة ببنية قواته العسكرية.
وقال حسون إنه "في الجيوش النظامية الموجودة في الدول غير الديكتاتورية، يكون لرئيس الأركان دور فاعل بالتخطيط والتنظيم والتنفيذ، يستطيع من خلال هذا الدور تحقيق المهام المنوطة بالجيش بجدارة عالية".
وأضاف أنه "على النقيض، في سوريا ليس لمنصب رئيس أركان الجيش فاعلية تذكر، وقد جرى تعيين لواء في هذا المنصب ذي التوجه الروسي للموازنة مع وزير الدفاع الجديد ذو التوجه الإيراني".
ولفت حسون إلى أنه "لن يكون باستطاعة رئيس الأركان الجديد أن يتخذ قرارا خارج جهاز الأمن العسكري المرتبط بمكتب الأمن القومي المؤتمر بأوامر الأسد ودائرته الضيقة الموزعة ما بين روسيا وإيران".
وذهب للقول إن "عملية إعادة تشكيل قوات نظام الأسد في جيش نظامي يسعى إليها نظام الأسد ليأخذ شيئا من القرار، لكنها ستصطدم بتوجهات القادة الروس والإيرانيين وقادة الميليشيات الإيرانية في سوريا كحزب الله اللبناني، وباختصار شديد فنظام الأسد المسحوب منه القرار السياسي، لن يكون قادرا على اتخاذ قرار عسكري مؤثر".
من جانبه، رأى فراس نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، في منشور له على صفحته بفيسبوك في 7 مايو 2022، أن "تعيين وزير دفاع من الطائفة السنية، يرجع لكونه شخصا إداريا وبعيدا عن الروس والإيرانيين".
ولفت طلاس الذي خبر دوائر صنع القرار بسوريا قبل عام 2011 إلى أن "أسماء زوجة بشار الأسد، كلفت وزير الدفاع الجديد بعدة دراسات أنجزها بشكل جيد فطلبت من زوجها تسميته وزيرا للدفاع رغم أنه تجاوز تسع رتب أقدم منه وفق التراتبية العسكرية".
وأشار إلى إنه حينما كان منصب رئيس هيئة الأركان العامة شاغرا منذ عام 2018، "كان هناك كبير المستشارين الروس يوقع مكان توقيعه"، مبينا أن "الأسد سمى اللواء عبد الكريم إبراهيم لكونه من الضباط الذين خدموا معه بشكل مباشر في الحرس الجمهوري".
وختم طلاس يقول: "خلاصة كل ما سبق؛ بشار الأسد يريد إعادة سيطرته المباشرة على الجيش بعد أن ترك ذلك للروس فترة خمس سنوات خلت".