بعد انفتاح لعقود.. لماذا باتت اللغة الإنجليزية غير مرغوبة في الصين؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "لينكياستا" الإيطالية، أن اللغة الإنجليزية الأكثر انتشارا بالعالم باتت غير مرغوب فيها بالصين، مؤكدة إطلاق الأخيرة حملة للتضييق على انتشارها داخل البلاد.

وأرجعت الصحيفة ذلك إلى أن الصين في عهد الرئيس الحالي "شي جين بينغ" أصبحت أكثر قومية وترغب حاليا في تعزيز هويتها الثقافية عبر رفض أي نوع من النفوذ الأجنبي داخل البلاد، حتى لو كان لغويا.

معركة ثقافية

وأوضحت الصحيفة أن سياسات الانفتاح، لاسيما على الغرب، التي ساهمت في نهضة العملاق الآسيوي في نهاية القرن العشرين، باتت مرفوضة من قبل الإدارة السياسية الصينية الحالية.

وأشارت إلى أن جميع المراقبين ظنوا في قرار الصين سابقا أن تكون اللغة الإنجليزية مادة إلزامية في المدرسة الابتدائية، بداية انفتاح جديد تجاه بقية العالم.

وكان ذلك في عام 2001، وهو نفس العام الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية، أي أن الأمر لم يكن اعتباطيا.

وكانت وزارة التربية والتعليم الصينية قد رأت آنذاك أن قرار إلزامية تعلم لغة عالمية من شأنه أن يوجه الإستراتيجية الوطنية لمواكبة التحديث والعالم والمستقبل.

لكن تغير هذا التوجه تماما في الوقت الراهن على الرغم من أنه لم يمر وقت طويل منذ ذلك الحين.

ونقلت الصحيفة الإيطالية عن مجلة "الإيكونوميست" البريطانية قولها، إن "اللغة الإنجليزية باتت مستبعدة بعد عقدين من الزمان في خضم موجة القومية".

وأفادت بأن ركاب مترو الأنفاق في العاصمة بكين لاحظوا حذف بعض المفردات المكتوبة باللغة الإنجليزية في لافتات وخرائط المحطة ويتم استبدالها في كثير من الأحيان بنظام بينيين وهو النظام الرسمي لكتابة الصينية بالحروف اللاتينية.

بدورها، أطلقت مقاطعة هاينان حملة "تنظيف وتصحيح" لأسماء رياض الأطفال من خلال حذف عدد من الكلمات منها "الدولية"، و"العالمية"، و"الكونية"، و"ثنائية اللغة".

وأصبح شي جين بينغ أمينا عاما للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، وفي العام التالي تم تعيينه رئيسا لجمهورية الصين الشعبية.

وفي عام 2013 بالتحديد، فرضت البلاد قيودا مشددة على الدبلوماسيين والصحفيين والطلاب الأجانب على أراضيها، تذكر الصحيفة الإيطالية.

وألمحت بأن هذا يعد تغييرا في النهج المشار إليه في "الوثيقة رقم تسعة "الصادرة عن الحزب الحاكم والتي حذرت من" القيم الخطيرة للغرب "الذي يرغب في" اختراق المجال الأيديولوجي الصيني ".

وبحسب الصحيفة، تميز العقد الأول لحكم شي جين بينغ بشعور عدم ثقة تجاه الأجانب لم يكن جليا في البداية قبل أن يصبح أكثر وضوحا بمرور الوقت.

عودة للوراء

وذكرت بأن صحيفة الشعب اليومية، المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي، كانت قد نشرت مقالا قبل ثلاث سنوات لصالح تعدد اللغات.

 وكشف المقال أن ما يقرب من 200 مليون طالب صيني قد تلقوا دروسا في اللغة الأجنبية في عام 2018، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات وأن الغالبية العظمى منهم كانوا يتعلمون اللغة الإنجليزية.

لكن السنوات القليلة الماضية قلبت السيناريو رأسا على عقب، وفق تعبير الصحيفة الإيطالية مستشهدة بما كتبته مجلة الإيكونوميست أن " الوباء أدى إلى زيادة حدة الانعطاف في الصين".

وتشرح "لينكياستا" أن تفشي جائحة كورونا دفع بكين إلى إغلاق حدودها بشكل شبه كامل لما يقرب من عامين، كما أن سياسة "صفر كورونا"، اعتبرت أيضا إشارة مرسلة إلى العالم مفادها بأنه يمكن للصين أن تكسب أي معركة بطريقتها، وأفكارها وقوتها الخاصة.

وذكرت أن أولى المدارس التبشيرية الخاصة بتعليم اللغة الإنجليزية كانت قد تأسست في ماكاو في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، بعد وقت قصير من أول اتصال صيني باللغة الإنجليزية، والذي حدث بين التجار الصينيين والإنجليز.

وبينت بأن مثل هذه اللغة المختلفة والغريبة والبعيدة أصبحت بعد ثلاثة قرون فقط شائعة في مثل هذه الأراضي الشاسعة.

وأضافت بأن لغة شكسبير انتظرت النصف الأول من القرن العشرين لينتشر تعليمها على نطاق واسع بفضل المدارس التبشيرية وثلاث عشرة كلية مسيحية في جميع أنحاء البلاد.

ولكن مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، أصبحت اللغة الروسية هي اللغة الأجنبية الأساسية، بينما أدينت اللغة الإنجليزية على مذبح الثورة الثقافية، وفق تعبير الصحيفة الايطالية.

واستدركت بأن كل شيء تغير بسرعة كبيرة في السبعينيات لا سيما بعد زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1972 إلى بكين.

وفي عام 1978، اشترك نحو 500 ألف شخص بالصين في مجلة "تعلم الانجليزية"، وفي عام 1982 كان لدى برنامج  "Follow Me" الشهير لتعلم نفس اللغة، الذي كانت تبثه قناة "بي بي سي" متابعين في الصين قدروا بحوالي 10 ملايين أسرة.

بينما نشأ رئيس الوزراء الحالي لي كه تشيانغ والرئيس الصيني الأسبق جيانغ زيمين والعديد من قادة الحزب ودرسوا في نهاية القرن العشرين الذي عادت فيه اللغة الإنجليزية إلى الشعبية مرة أخرى بفضل "سياسة الباب المفتوح" التي انتهجها دنغ شياو بينغ.

جاذبية مفقودة

وذكرت الصحيفة الإيطالية أن تعلم اللغة الإنجليزية ازدهر في تلك الحقبة وتم تضمينه في سياسات الصين للإصلاح والانفتاح التي حولت البلد خلال عقود قليلة من دولة فقيرة ومحاصرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقالت إنه كان من المفترض أن يفتح قدوم الألفية الثالثة أبواب الصين لروح دولية وأممية جديدة لكن الأمر لم يحدث على هذا النحو.

وتشرح بأن الإنجليزية فقدت بعض جاذبيتها بعد الأزمة المالية لعام 2008  بينما أدى صعود شي جين بينغ إلى السلطة إلى عكس المسار تماما.

لذلك، كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في مقال طويل نُشر في سبتمبر / أيلول 2021: "أصبحت اللغة الإنجليزية اليوم إحدى علامات النفوذ الأجنبي المشبوه، وهو الخوف الذي أذكته الدعاية القومية".

وقد أطلق بعض الخبراء على هذه الظاهرة اسم "عكس الاتجاه" أو "القفزة الكبيرة إلى الوراء".

في الختام، أكدت الصحيفة الإيطالية أنه ربما تكون هذه نهاية حقبة ونتاج سياسة سلطوية وقومية.

وبينت بأن الحزب الشيوعي يبني شبكة من السيطرة الأيديولوجية والدعاية القومية التي تخاطر بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.

عندما كانت البلاد مغلقة في وجه جزء كبير من العالم فيما منعت الحملات السياسية تحقيق النمو الاقتصادي.