أحدثهم هادي.. تعرف على "السجل الأسود" لابن سلمان في جرائم الاختطاف

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ما زال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يلعب دورا رئيسا في السياسة اليمنية بكونها الحديقة الخلفية، ذات البعد الإستراتيجي لبلاده، وكانت آخر محطاته الجدلية ما فعله بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعدما تم تداول أنباء عن احتجازه وإجباره على التنحي. 

لم يكن هادي أول المختطفين ولن يكون آخرهم، في ظل سياسة ابن سلمان المعتمدة على مباغتة الخصوم وإجبارهم على تنفيذ أوامره ورغباته أيا كان وزنهم الدولي وثقلهم السياسي.

فخارجيا احتجز ابن سلمان زعماء دول بارزين، أشهرهم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، وداخليا وضع معظم أفراد الأسرة المالكة في السجن بعدما حدد إقامتهم في عملية أمنية صادمة، عرفت باعتقالات "الريتز كارلتون". 

وتظل التساؤلات قائمة عن طبيعة مغامرات محمد بن سلمان، وأفعاله غير المسبوقة والمعهودة في البروتوكولات الدولية.

احتجاز هادي 

قبل سنوات دخلت الرياض بقوتها الضاربة في اليمن عقب ثورة الشباب أو ما يعرف بثورة 11  فبراير/ شباط 2011، ووصل التدخل إلى ذروته عندما أعلنت السعودية عملية عاصفة الحزم، بذريعة دعم النظام الشرعي بقيادة منصور هادي، وحمايته من انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا.

 لكن العمليات العسكرية خلفت انتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان، ووجدت تنديدا دوليا، ولم تنجح بإيقاف المليشيا.

وفي ظل توتر الأوضاع واشتعال الأزمة اليمنية، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن وقائع صادمة، خاصة باحتجاز ولي العهد السعودي للرئيس اليمني، وإجباره على التنحي. 

وقالت الصحيفة في 18 أبريل/ نيسان 2022، إن محمد بن سلمان دفع عبد ربه منصور هادي إلى التنحي في وقت سابق من ذات الشهر.

وأضافت "أن أجهزة الأمن السعودية احتجزته قسريا في منزله بالرياض، وقيدت الاتصالات به في الأيام التي تلت ذلك".

وأكدت: "أن الأمير محمد أبلغ هادي بأن القادة اليمنيين الآخرين توافقوا على أن الوقت قد حان للتخلي عن السلطة".

كما أوضحت الصحيفة الأميركية "أن المسؤولين السعوديين، وأثناء سعيهم لحمل هادي على التخلي عن السلطة، هددوا بالإعلان عما قالوا إنه دليل على فساد ارتكبه الرئيس اليمني خلال فترة حكمه".

ونقلت عن مسؤول سعودي قوله إن "هادي يخضع فعليا للإقامة الجبرية في مقر إقامته في الرياض من دون وصول إلى هواتف أو طريقة اتصال به". 

وجاء ذلك بعد أن سلم هادي السلطة في 7  أبريل إلى مجلس رئاسي من 8 ممثلين عن جماعات يمنية مختلفة، في أحدث تطور للحرب الأهلية المستمرة منذ 7 سنوات في اليمن، والتي تسببت في أزمة إنسانية وأضرت بعلاقات المملكة مع واشنطن.

وفي حديثه لـ"الاستقلال" عن سياسة الخطف التي انتهجها محمد بن سلمان، وما فعله مع الرئيس اليمني، قال المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: "تلك العقليات جميعها تمثل أدوات هدم للدول والأوطان، الآمر والمتآمر جميعهم في سلة واحدة، ولكن اليمن هو الذي دفع ثمن تلك السياسات العبثية". 

وأضاف: "الرئيس اليمني هو الذي سمح بذلك منذ البداية حين ارتمى في أحضان الرياض، وكان أمرا متوقعا أن يجري الانقلاب عليه والإطاحة به من قبل المملكة، لعدة أسباب".

على رأسها، حرص الإدارة السعودية وولي العهد المتورط في حرب جامحة في اليمن، على نزع شرعية ثورة فبراير اليمنية، والتخلص تماما من مشروعيتها، ومشروعية كل من يمثلها، على رأسهم منصور هادي، الذي فقد قوته وهو فاقد في الأساس للشعبية وحسن القيادة، ولم يغلب مصلحة شعبه أبدا، وفق قولها.

وذكر أنه: "ومع ذلك فرغم جرائم ابن سلمان، وتورطه في آليات الخطف والحرب، فإن استبعاد هادي من المشهد قد يكون له أثر إيجابي في إحداث توافق أكثر داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي يتولى القيادة من عدن، ويأخذنا بعيدا عن مؤامرة تفكيك اليمن، الذي كان متوقعا عقب الحرب الأهلية، وانقلاب الحوثي".

الحريري وابن تركي

سار عبد ربه اليمن، على خطى الحريري، فالتاريخ لا ينسى ما فعله ولي العهد السعودي، برئيس وزراء لبنان الأسبق، والذي كان زعيما لتيار السنة في بلاده أيضا.

وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن "كل الحوادث المأساوية تبدأ من هذا اليوم (المجنون)، وذلك في تقريرها التفصيلي عن اختطاف ابن سلمان للحريري، واحتجازه في فندق "الريتز كارلتون"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. 

ونشرت وكالة "رويترز" البريطانية في 11 نوفمبر 2017، تقريرا تفصيليا عن وقائع الاختطاف، قائلة إنه "منذ لحظة وصول طائرة سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية كان في انتظاره مفاجأة".

وأضافت: "لم يكن هناك صف من أمراء سعوديين أو مسؤولين حكوميين كما هو المعتاد لاستقبال الرجل كرئيس لوزراء لبنان (وقتها) في زيارة رسمية للاجتماع مع الملك سلمان بن عبد العزيز، حسبما قالت مصادر رفيعة المستوى قريبة من الحريري بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى".

وذكرت أنه: "جرى مصادرة هاتفه الجوال، وفي اليوم الثاني أجبر الحريري على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء في بيان بثته قناة تلفزيونية يملكها سعوديون".

وهي سابقة غريبة وغير مسبوقة أن يظهر رئيس وزراء على تلفزيون مملوك لدولة أجنبية، ومن أرض أجنبية (السعودية) ليعلن استقالته. 

وقد دفعت هذه الأزمة لبنان بقوة إلى منحدر من الصراع، وأدخلته في نفق مظلم أكثر، فأصبح بلدا بلا حكومة ولا قيادة.

وعلى الصعيد الداخلي، لم يكن حال الأمراء السعوديين والمعارضين، بأفضل من الزعماء المختطفين السابقين، بل كان أنكى وأشد. 

وفي 25 أغسطس/ آب 2020، كشفت مجلة "فانيتي فير" الأميركية أن ابن سلمان، اختطف الأمير سلطان بن تركي الثاني، وهو أحد الأمراء السعوديين المقيمين في أوروبا منذ عام 2015، وذلك على خلفية إرساله رسائل ينتقد فيها الملك سلمان وولي عهده، ويتهمهما بالفساد.

وكشفت المجلة تفاصيل صادمة عن عملية الخطف، قائلة "إن فرقة أمنية خاصة تابعة لولي العهد بقيادة مستشاره (سيء السمعة) سعود القحطاني، اختطفت الأمير سلطان، ونقلته إلى الرياض، ومنذ ذلك اليوم اختفت أخباره تماما". 

وذكرت أن الأمير السعودي الذي كان يقيم في أوروبا تلقى رسالة من والده لزيارته في القاهرة، وأنه جرى إرسال طائرة لنقله إلى العاصمة المصرية مع حاشيته، وأن طاقم الطائرة كان يتكون من 19 شخصا وهو ضعف الرقم المعتاد.

وأوردت أنه رغم تحذيرات الحاشية للأمير، أصر على ركوب الطائرة لرؤية والده، ولكن بعد ساعتين جرى تغيير مسار الرحلة، وادعى طاقم الطائرة أنه يوجد عطل فني، وما هي إلا ساعات حتى ظهرت في الأفق أبراج الرياض، ووجدوا أنفسهم في العاصمة السعودية.

وذكرت أنه بعد ذلك "اقتيد الأمير إلى سرداب مجهول تحت الأرض، أما الحاشية فجرى التحقيق معهم حتى الأوروبيين منهم، وهددوا وأغري بعضهم بالمال، حتى لا يفشوا معلومات عن الحادث المؤسف". 

ليالي الريتز 

أما الواقعة الأكثر قسوة في تاريخ ابن سلمان بشأن الخطف والاحتجاز، فتتعلق بما حدث في مطلع نوفمبر 2017.

وقتها شن حملة ضارية على ما يقرب من 400 من أقوى الشخصيات في البلاد، بينهم أمراء من الأسرة الحاكمة ورجال أعمال كبار ووزراء، واحتجزوا جميعا في فندق "ريتز كارلتون" بالعاصمة السعودية الرياض. 

 وهي ما أطلق عليها أكبر عملية أمنية وأكثرها إثارة للجدل في تاريخ المملكة الحديث.

ووصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، عملية الاحتجاز بأنها "هزت أسس المجتمع السعودي، وحولت على الفور شخصيات مسؤولة كبيرة لا يمكن المساس بها إلى أهداف للاعتقال". 

وقالت عن ابن سلمان: "ضرب بالقوانين عرض الحائط، واستولى على الأصول، وقضى على إمبراطوريات تجارية، ومزق الاتفاق التقليدي بين الدولة والنخبة المؤثرة بين عشية وضحاها". 

وكشفت كذلك عن تعرض الأمراء وكبار رجال الدولة إلى عمليات تعذيب، حيث كانوا معصوبي الأعين، وتعرضوا للضرب والترهيب من قبل ضباط الأمن تحت إشراف وزيرين، وكلاهما من المقربين من الرجل الذي أمر بالتطهير، ولي العهد محمد بن سلمان.

وأضافت: "كثير منهم جردوا من ثرواتهم على وقع التعذيب والإكراه". 

ومن أبرز معتقلي ومحتجزي الريتز، كان الأمير متعب بن عبد الله، وشقيقه الأمير تركي، أبناء الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وأيضا رجل الأعمال الشهير الأمير الوليد بن طلال، ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، ورجل الأعمال صالح كامل.

وعلقت "الغارديان" البريطانية، قائلة: "إن الأمر كان يتعلق بترسيخ سلطة محمد بن سلمان بشكل واضح وبسيط"، مشيرة إلى أن ذلك جاء قبل اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. 

وشددت: "أن إفلات محمد بن سلمان من العقاب في تلك الاعتقالات شجعه على الأمر باغتيال خاشقجي، حيث كان الحراس المتورطون أنفسهم في الريتز هم من قتلوه". 

وكان الكاتب السعودي الراحل جمال خاشقجي، صاحب القصة المأساوية الأروع في عمليات ابن سلمان المثيرة.

واحتجز الصحفي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، قبل تصفيته في نفس المكان على يد فرقة قتل متخصصة، وهي الجريمة التي أثارت الرأي العام العالمي ضد ولي العهد، وما زال يلقى تبعاتها حتى الآن.