عجز حكومي وشعبي.. الجزائر ترفع شعار "التخلي" لمواجهة ارتفاع الأسعار
حملة جديدة لمقاطعة البطاطس أطلقها مواطنون وهيئات مدنية في الجزائر، على خلفية ارتفاع سعرها في الأسواق، في محاولة للحد من المضاربة وعجز السلطات عن منع التداعيات السلبية لظاهرتي الغلاء وانتهازية التجار.
وتأتي هذه الحملة بعد أولى لمقاطعة فاكهة الموز جراء ارتفاع سعرها إلى ثمن مبالغ فيه، أثار غضب أغلب المواطنين ودفعهم إلى التوقف عن شرائه، ما أجبر التجار المعنيين بهذه الزيادة إلى خفض ثمنه.
وبين الموز كفاكهة ثانوية، والبطاطس كمادة أساسية لا يمكن للجميع أن يتخلى عنها، شكك البعض في إمكانية نجاح الحملة الجديدة، فيما طالب آخرون بتدخل حكومي للسيطرة على ظاهرة ارتفاع الأسعار وانخفاض قدرات المواطنين الشرائية.
ومطلع أبريل/ نيسان 2022، سجل الدينار الجزائري رقما غير مسبوق في تاريخه أمام الدولار، ليبلغ 148.88 دينارا للدولار الواحد، رافعا نسب التضخم التي سجلت في فبراير/ شباط إلى 7.6 بالمئة، فيما عرفت الأسعار عند الاستهلاك ارتفاعا عند 9 بالمئة حسب مؤشرات الحكومة الجزائرية.
ارتفاع جنوني
وفي 17 أبريل/ نيسان 2022، دعت "المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك" (أهلية) إلى مقاطعة البطاطس بعد ارتفاع سعرها في جميع أسواق البلاد.
و في بيان عبر صفحتها على "فيسبوك"، قالت المنظمة: "في ظل الارتفاع غير المسبوق لأهم منتوج فلاحي للمستهلك الجزائري، المتمثل في مادة البطاطا (...) وبعد مناشدة الكثير لنا بالتحرك وتحمل المسؤولية الأخلاقية رغم قلة حيلتنا، فإننا نقترح مقاطعة ظرفية للمنتوج كاملا أو جزئيا حسب حالة كل أسرة واستطاعتها".
ودعت إلى "اقتناء كميات قليلة، وعدم الاعتماد على مادة البطاطا بشكل كبير في الوجبات إلى غاية اعتدال السوق".
وأشارت إلى أن "سعر البطاطا تعدى في بعض الولايات 180 دينارا جزائريا (1.24 دولار) للكيلوغرام الواحد".
وطالبت المنظمة، الحكومة بـ"وضع سعر مرجعي للبطاطا، وفق آليات مضبوطة"، مؤكدة استعدادها "للمساهمة في وضع ورقة طريق لهذه العملية".
وفي محاولة استباقية لهذا الارتفاع، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد دعا الفلاحين إلى العمل على تسقيف أسعار البطاطس، وطلب منهم في تصريحات صحفية عام 2021، عدم تجاوز أسعارها مبلغ 60 دينارا (0.42 دولار) في السوق المحلية.
وبهدف تخفيض الأسعار، وتحضيرا لشهر رمضان الذي يكثر فيه الطلب على هذه المادة، أعلنت السلطات الجزائرية في 13 مارس/ آذار 2022، عن برنامج استثنائي لاستيراد 100 ألف طن من البطاطس، على دفعات.
ويندرج البرنامج ضمن سلسلة الإجراءات التي اتخذها قطاعا التجارة والفلاحة، لمواجهة ارتفاع أسعار البطاطا، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين في شهر رمضان.
وضمن هذه الإجراءات، تم طرح كميات من البطاطس المحلية المخزنة تقدر بـ15 ألف طن، خلال الفترة ما بين 12 مارس و12 أبريل 2022.
لكن مع بداية رمضان، ارتفع السعر بشكل جنوني، الأمر الذي أثار غضب المواطنين، وساهموا في حملة المقاطعة التي شككت فئة في نجاحها، نظرا لأهمية البطاطس لدى فئات المجتمع.
وأكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، طاهر بلنوار، أن المنتوج السنوي للبطاطا البالغ 5 ملايين طن، بات لا يكفي الجزائريين بسبب زيادة الاستهلاك من جهة وتوجيه أجزاء مهمة من الإنتاج للتصدير والصناعة التحويلية و”البذور”.
وأكد لصحيفة "الشروق" المحلية أن "ضعف شبكة التخزين ساهم في نقص تموين الأسواق أثناء الأزمات".
وقال بلنوار إن "الحكومة مطالبة برفع الإنتاج وتأهيل شبكة التخزين وتشجيع الاستثمار في البذور لتحسين نوعية وكمية المحاصيل الزراعية".
وكشف أن "التجار وحتى المستهلكين لم يجدوا أثرا للبطاطا المستوردة التي غابت عن الأسواق في رمضان".
من جهته، قال الناشط توفيق بولكلوك: "من اليوم تأكدت أن سعر البطاطا لن ينزل مستقبلا عن 100 دينار للكيلوغرام (0.69 دولار)، هي سياسية متعمدة برفع سعرها لأقصى درجة فوق 150 دينارا (1.04 دولار) وبعد فترة تنخفض لتصل 100 (0.69 دولار) وهكذا تصبح في نظر الجميع أن سعرها معقول".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك أن "المشكل عام هل تقاطع أم تترك كل شيء مقابل انخفاض كبير لقيمة الدينار.. الواضح أننا أمام حائط متين... الدولة الحالية تتكلم فقط والفعل عكس ما يقولونه".
تجاوزت المعقول
وهذه ثاني حملة تطلق في الجزائر خلال شهر رمضان بعد تلك التي طالت فاكهة الموز، قبلها بأيام معدودة، عبر هاشتاغ "خليه يكحال" (اتركه يسود).
وأشار متابعون لتطورات السوق الجزائرية أن هذه الحملة أثرت بشكل كبير على أسعار الموز، حيث سجلت في الأيام الأخيرة تراجعا ملحوظا، وانخفضت إلى حدود 400 دينار (2.77 دولار)، في حين تجاوز سعرها في السابق 700 دينار (4.85 دولارات).
وبعد أن تخطت أسعار فاكهة الموز حدود 600 دينار جزائري للكيلوغرام (4.17 دولارات)، رفع الجزائريون شعارات لحملة وطنية واحدة، "خلوه يكحال"، لمواجهة الغلاء الذي فاق التوقعات وصدم المواطنين، رغم فتح باب الاستيراد.
وتحول الموز إلى "فاكهة نادرة" على موائد الجزائريين، بعد أن لاقت الحملة الإلكترونية تفاعلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الهاشتاغات الخاصة بالحملة مع تعليقات "نقدية واستنكارية"، مؤكدين أن "الأسعار خيالية وتجاوزت المعقول".
الناشط السياسي، السعيد بن سديرة، اتهم في مقطع فيديو وزير التجارة كمال رزيق بالتواطؤ مع ابنه لاحتكار سوق الموز في الجزائر.
وقال بن سديرة: "ابن الوزير رزيق من أكبر محتكري الموز في الجزائر ويمتلك مخازن التبريد بمدينة بوفاريك، مخازن الموز والتفاح بيد شخص مصدر اسمه توفيق مع وزير التجارة وابنه وهم من يتحكمون فيها مباشرة".
وفي 12 أبريل، أعلنت السلطات الأمنية، حجز 1243 طنا من الموز على مستوى العاصمة وولايات أخرى كانت موجهة للمضاربة.
وأشار الأمن الوطني في بيان، إلى "لجوء المضاربين إلى حيلة لتفادي الإفلات من يقظة مصالح الرقابة، حيث تعمدوا تخزين وحفظ الكميات المحجوزة على مستوى غرف التبريد لإبقائها غير ناضجة قبل تسويقها لاحقا بأسعار باهضة".
ثقافة جديدة
وقالت صفحة "الجزائر الجديدة" على فيسبوك في تدوينة تفصيلية: "حتى نكون منصفين، غلاء الأسعار في المواد الفلاحية في الجزائر لا يتحملها التاجر فقط أو الفلاح، بل هي مجموعة من العوامل، وبينهم الحكومة والمستهلك".
وأوضحت أن "الحكومة ليس لها إستراتيجية واضحة، ولا تؤطر الفلاحين (تشرف عليهم وتوجههم)، تقدم الدعم لكن لا توجد متابعة على أرض الميدان، وأغلبية الدعم يذهب للانتهازيين".
وشددت الصفحة على أن "الدولة يجب عليها تنظيم وتوجيه الفلاحين، مثلا لو أرادت التركيز على الاكتفاء الذاتي والتصدير في مادة البطاطا (مثال فقط) فعليها متابعة الفلاحين من الزراعة إلى التسويق".
وادعت أن "المستهلك يتغذى على الشائعات، يسمع كلمة نقص في المواد يذهب ركضا لشرائهم وفي الأخير تتلف ويرميهم️".
وزادت أن "المستهلك دائما يحسب نفسة ضحية، ولكن في الحقيقة هو جزء من المشكل، نقص الثقافة والوعي وروح أجري (اركض) هي جزء من المشكل".
من جانبه، قال الإعلامي حمزة رزوق: "أعتقد أن حملة مقاطعة البطاطس ستلقى صدى وذلك اعتمادا على ما كان من قبل من نجاح بعد مقاطعة المجتمع لمنتوج الموز الذي ارتفع بأسعار خيالية خلال الأسابيع القليلة الماضية خاصة مع دخول شهر رمضان".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "حملة مقاطعة الموز نجحت بامتياز وتمكنت في أقل من أسبوع من إنقاص 50 بالمئة من السعر الذي وصل إليه الموز خلال الأسابيع الماضية".
وشدد رزوق على أن "هناك ثقافة جديدة تولدت لدى الشعب الجزائري بضرورة مقاطعة المنتوجات التي تلقى زيادات كبيرة، وتتعرض للمضاربة من قبل بعض التجار الذين يستغلون مثل هذه الفرص، خاصة مع دخول الشهر الفضيل".