على غير العادة.. صمت مغربي إزاء انتقادات واشنطن لحقوق الإنسان بالمملكة

12

طباعة

مشاركة

جرت عادة الدولة المغربية كل مرة أن ترد على التقرير الأميركي السنوي عن حقوق الإنسان، بل واستدعت الرباط في مرة سفير واشنطن، لكنها تجاهلت الرد على التقرير الصادر عام 2022، في موقف نادر أرجعه متابعون إلى "حسابات إستراتيجية".

وخصصت وزارة الخارجية الأميركية من تقريرها السنوي لعام 2021، حيزا للمغرب، شمل عدة اتهامات بانتهاكات حقوقية، منها التعذيب والاعتقال السياسي، والمس بحرية الصحافة، وفرض قيود خطيرة على حرية التعبير ووسائل الإعلام.

تقارير موثوقة

وفي 12 أبريل/ نيسان 2022، قدم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، التقرير، وتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من دول العالم، وشدد على أن الولايات المتحدة ستواصل الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم المدافعين عنها.

ومن القضايا البارزة المتعلقة بحقوق الإنسان في المغرب، ذكرت الخارجية الأميركية أن هناك تقارير موثوقة عن التعذيب أو المعاملة المهينة من قبل بعض أفراد قوات الأمن، ومزاعم وجود سجناء سياسيين، وقيود خطيرة على حرية التعبير والإعلام بما في ذلك تجريم بعض المحتويات التي تنتقد النظام الملكي.

بالإضافة إلى الفساد، والتدخل الجوهري في حرية التجمع وتأسيس الجمعيات، بما في ذلك مراقبة وترهيب النشطاء السياسيين.

وأورد التقرير أن الحكومة اتخذت خطوات للتحقيق مع المسؤولين الذين زعم أنهم ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال فساد، لكن التحقيقات في انتهاكات الشرطة وقوات الأمن ومراكز الاحتجاز تفتقر إلى الشفافية، وكثيرا ما واجهت تأخيرات طويلة وعقبات إجرائية ساهمت في الإفلات من العقاب.

وعلى مدار السنوات الماضية، كان رد الرباط في بياناته بصيغة مشابهة، حيث وصفت تقارير الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان، بـ"المنحازة"، وأنها " انتقلت من تقريب المعلومة إلى اختلاقها جملة وتفصيلا، ومن التقييم المغلوط إلى الكذب الموصوف"، وأنها "تفتقر للدقة وبعيدة عن الحقائق"، و"الاعتماد على مصادر غير موثوقة"، وفق رصد لعدة بيانات سابقة.

بل وصل الأمر عام 2016، إلى استدعاء المغرب، سفير الولايات المتحدة بالرباط، على خلفية تقرير للخارجية الأميركية.

وعن أسباب هذا "الصمت الهادئ"، أوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، أن "التقرير صادر عن الخارجية الأميركية، بمعنى أننا لسنا أمام هيئة حقوقية، وبالتالي ليس سهلا انتقاده أو تكذيبه أو الرد عليه بإجابات غير مقنعة".

وشدد لـ"الاستقلال" على أن "التضييقات على حرية الرأي والتعبير والصحافة المستقلة والانتقامات في حق بعض الأقلام الحرة واقع لا يرتفع، وبالتالي الانتقادات الموجهة للمغرب لها ما يبررها من الناحية الواقعية، سواء أدرجته الخارجية الأميركية في تقاريرها أم لا".

واستدرك الخضري قائلا: "لكن ما يثير الانتباه هو التأويل السياسي لمضمون التقرير، نحن أمام تقرير صادر عن حليف إستراتيجي للدولة المغربية، في عهد الديمقراطيين بقيادة جو بايدن، الذي يولي أولوية لحقوق الإنسان وللديمقراطية إلى حد ما، وبذلك يختلف تماما عن سلفه (دونالد ترامب)، الذي يفضل تجاهل هذا الجانب لدى الحكومات الحليفة".

تزييف إعلامي

اللافت في تغطية تقرير هذه السنة أن وسائل إعلام تجاهلت مضامينه، فيما تطرق موقع "هسبريس" المغربي ذو الأسهم الإماراتية، إلى أن التقرير السنوي للخارجية الأميركية يشيد بالمناخ السياسي في المملكة المغربية".

وبطريقة احتيالية في صياغة متابعة إخبارية للتقرير، ركزت على الصيغ الشكلية البروتوكولية المتعلقة بالتواصل بين المؤسسات، الممهدة للانتقادات التي طغت على مضمون التقرير الأميركي.

صفحة "من أجل جالية أفضل" ردت على ذلك بالقول: إن "هسبريس ومواقع مريقية (مرتشية) أخرى يكذبون على المغاربة... التقرير الأميركي في واد ومقال هذه الجريدة التي تزور الحقائق في واد آخر".

وأوضح أن "هذا التقرير يدين بشدة الوضعية الحقوقية في المغرب ويؤكد الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الكيدية التي لا تعترف بالاعتقال السياسي".

كفى من الكذب على الشعب وأنتم تتقاضون أجوركم من أمواله، هذه تعد خيانة عظمى تجعل الإصلاح والتغيير بعيد المنال وترسم لنا المغرب في اللون الوردي.

فيما تحدثت حسابات عبر منصات التواصل الاجتماعي عن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، من خلال ضمها للمغرب في تقرير وزارة الخارجية الأميركية، واحتفت تلك الحسابات بذلك، عادين أن الأمر "إنجاز فريد" في تجاهل لباقي الانتقادات.

وفي نهاية 2020، اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر، وفي نفس اليوم أعلنت اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما.

وأوضح الصحفي يونس مسكين، في تدوينة عبر فيسبوك، أن "التقرير الثاني (بعد تقرير 2020) الذي يحذف الصحراء من قائمة البلدان التي تخصها الخارجية الأميركية بتقرير خاص".

وأشار إلى أن "الوثيقة كانت تأتي حاملة تقريرا عن المغرب وآخر عن الصحراء الغربية، وهذا التحول ليس جديدا كما اعتقد البعض، بل يحدث للسنة الثانية على التوالي، ويرتبط بشكل مباشر بقرار ترامب الخاص بالاعتراف بمغربية الصحراء، والصادر نهاية العام 2020".

تأثير محدود

وفي تعقيب له، قال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، الخضري: "في المحصلة، التقرير لا أرى أن له وقعا كبيرا على سير العلاقات بين البلدين، بل ولا أرى له أثرا في إعادة تقييم المساعدات أو نحوه، كما تحاول الولايات المتحدة حاليا فعله مع مصر مثلا، في ظل حكم عبد الفتاح السيسي".      

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "العلاقات الثنائية بين المغرب وأميركا تتميز كثيرا عن علاقاته مع باقي دول الغرب، مثل فرنسا أو ألمانيا أو إسبانيا وغيرها، المغرب يدرك قوة تأثير مواقف أميركا على حساباته الجيوسياسية وعلى قضيته الأولى، قضية الوحدة الترابية (إقليم الصحراء) للمغرب، ولذلك الرباط لا يمارس ردات الفعل إزاء انتقادات واشنطن".

ولفت إلى أن "بعض المؤسسات الوطنية قد تخرج في محاولة لتفنيد بعض ما ذهبت إليه الخارجية الأميركية، لكن الثابت أن المغرب لديه طرق أخرى في تقديري، لجعل حليفه الإستراتيجي ينتقد ولا يفعل".

وعن أسباب حفاظ واشنطن على خطها "في النقد" فيما المغرب غير من سياسته "بشأن الرد"، أجاب الخضري "ربما يرجع ذلك إلى أن الهيئة المخول لها صياغة التقرير في الخارجية الأميركية، تتمتع بموضوعية واستقلالية نسبية عن الحسابات السياسية للحكومة الفيدرالية".

وتابع: "هذا في تقديري ما يجعل التقارير التي تصدر عن الخارجية الأميركية، دائما توجه انتقادات للمملكة المغربية في سجلها الحقوقي، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية".

وختم الخضري حديثه بالقول: "لكن سياسة المغرب في التعاطي مع تقارير الخارجية الأميركية تحكمه بالدرجة الأولى حسابات المغرب بشأن قراءات الحكومة الأميركية لرده عن تلك التقارير، فإذا لاحظنا كيف أن رد المغرب على مثل هذه التقارير في عهد ترامب لم يستتبعه أية ردود من الإدارة الأميركية في ذلك الوقت، نرى اليوم، الوضع مختلفا".