ذكرى مرتجى وأبوحسين.. حين تعمد الاحتلال قنص "سترات الصحافة" في غزة
مرت الذكرى الرابعة لقتل الاحتلال الإسرائيلي الصحفي ياسر مرتجى (بعمر 30 عاما)، قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة، ثقيلة على عائلة الشهيد وزملائه.
ارتقى ياسر شهيدا في أبريل/نيسان 2018 بعد أن أطلق قناصة الاحتلال الرصاص الحي عليه أثناء تصويره المتظاهرين قرب السياج الأمني شرقي خان يونس، حيث أصيب في منطقة البطن.
وجرى الاستهداف رغم أنه كان يرتدي درعا واقيا كتب عليه "press" (صحافة) وابتعاده نحو 400 متر عن السياج الفاصل حينما استهدفه جيش الاحتلال.
وكان مرتجى يعمل صانعا للأفلام، وشارك في صناعة مجموعة من الأفلام الوثائقية التي بثت عبر وسائل إعلام عربية وأجنبية عن الأوضاع في قطاع غزة.
واستشهد خلال قمع الاحتلال لمسيرات العودة، صحفيان اثنان أحدهما ياسر مرتجى، والآخر أحمد أبو حسين (25 أبريل 2018)، بينما أصيب أكثر من 321 صحافيا من بينهم 94 جريحا بالرصاص الحي والمتفجر.
ومن جانبه، قال معتصم مرتجى شقيق الصحفي ياسر إنه بارتقاء أخيه فقد أباه الثاني وسنده، الذي كان مدرسة في حياته المهنية والصحفية والأسرية، وأنه دفع عمره مقابل سعيه لنقل الحقيقة.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "ذهبنا لزيارة قبر ياسر في ذكراه الرابعة وأكثر ما آلمني حينها دموع ابنه الوحيد عبد الرحمن الذي حرمه الاحتلال من والده".
وكذلك والدته لا تزال تتفقد أغراضه وملابسه وتبكيه فقد كان رحيله خسارة للجميع لن تستطيع الأيام تعويضها، وفق تعبيره.
تاريخ دموي
"كان خبرا صادما جدا لنا، ولم يتخيل أحد أن ياسر سيرحل بهذه السرعة، والرصاصة التي أصابته أصابت قلوب الجميع من عائلته وأحبابه، ولكن لم ولن تنجح في حجب رسالته وسنكمل مسيرته في كشف جرائم الاحتلال".
وأشار شقيق الشهيد إلى أنه شارك أخاه ميادين الصحافة وكان قدوته في هذا المجال، ابتداء من حرب 2012 ثم 2014.
وبين أن شقيقه صنع العديد من الأفلام، ولم يتوقع أن تكون تغطية مسيرات العودة هي آخر تلك المحطات الإعلامية المشتركة بينه وبين ياسر.
وأكد معتصم أن الاحتلال تعمد قتل شقيقه على الرغم من ارتدائه الدرع الصحفي، حيث وجه رصاصه المتفجر إلى جسد ياسر ما أدى لإصابته إصابة خطيرة وفشلت كل محاولات إنعاشه وارتقى شهيدا.
وأوضح أن شقيقه نقل من خلال عدسته قصصا مريرة خلفتها جرائم الاحتلال في حروبه على غزة، وكان هدفه إظهار حجم الألم الذي يعيشه المصابون وأسر الشهداء، إلى أن أضحى واحدا منهم.
وأحيا رحيل مرتجى تاريخا طويلا من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين حيث قتل 102 صحفي منذ العام 1972، بينهم 19 برصاص الاحتلال منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، حسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
ودمرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مكاتب 23 مؤسسة إعلامية دولية مرة واحدة من خلال قصفها برج الجلاء، في الحرب الأخيرة على غزة 2021، وكذلك دمرت العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية.
وهو ما فسره إعلاميون بأنه محاولة إسرائيلية لمنع تصوير جرائمها وحجبها عن الوصول إلى العالم.
من جانبه قال مدير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، محمد ياسين إن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بشكل متعمد وممنهج كل مكونات الإعلام الفلسطيني.
وبين في حديث لـ "الاستقلال" أن الاحتلال دمر مقار حوالي 60 مؤسسة إعلامية بينها مكاتب وكالات وقنوات دولية.
وأضاف: وكذلك استهداف الصحفيين بالقتل العمد كما حصل مع الزميل ياسر مرتجى وأحمد ويوسف أبو حسين وغيرهم، أو حتى بالاعتداءات بالضرب والاعتقال.
ويقبع في سجون الاحتلال 16 صحفيا والعدد يرتفع بين الحين والآخر في ظل مسلسل الاعتقالات لفرسان الإعلام الفلسطيني، وفق قوله.
وأوضح أن الاحتلال يهدف من خلال الاستهداف المتعمد للصحفيين لإرهابهم ومنعهم من نقل جرائمه للعالم، لا سيما أنه يروج نفسه للعالم كواحة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
لكن صور الصحفي الفلسطيني وفضحه لجرائم الاحتلال تعري هذه الأكذوبة وتظهر الوجه الحقيقي البشع للاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف الأطفال والنساء والمدنيين العزل.
وأضاف "بكل الأسف، التحركات لمحاسبة الاحتلال خجولة ودون المستوى المطلوب، ونحن ندعو المنظمات الدولية لا سيما الاتحاد الدولي للصحفيين ومنظمة مراسلون بلا حدود لضرورة التحرك وملاحقة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الإعلام الفلسطيني".
تهديد الصحفيين
ويتبع الاحتلال أسلوب التهديد بالاستهداف والقتل لمنع الصحفيين من تغطية الأحداث، وخصوصا في المناطق التي يرتكب فيها جرائم ضد المدنيين. ومن هؤلاء الذين تعرضوا للتهديد، الصحفي سامي مصران.
يقول في حديث لـ "الاستقلال" إن الجيش الإسرائيلي هدده أثناء تغطيته لمسيرات العودة شرق قطاع غزة من خلال اتصالات، ورسائل نصية على الهاتف، وعلى حساباته في التواصل الاجتماعي.
وأضاف: "جرى تهديدي في مرات عديدة، وأصبت مرتين، إحداهما في الكتف والأخرى في القدم أثناء تغطيتي لفعاليات المسيرة".
وتابع: "وردتني رسالة نصية من جيش الاحتلال عبر الهاتف المحمول مفادها أنه في حال قمت بتغطية مسيرات العودة في اليوم التالي، وكان يوم جمعة، سيتم استهدافي وسأقتل أو أصاب".
وأردف: "بالفعل فور وصولي إلى مخيم العودة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، استهدفني القناصة بعد 5 دقائق فقط من وصولي، وأصبت في عيني وقدمي ما أبعدني لفترة عن المسيرات".
واستدرك بالقول: "لكنني لم أتوقف، وفور تمكني من السير عدت للتغطية الإعلامية كالمعتاد، وعادت بعدها التهديدات بشكل شبه يومي".
ويروي الصحفي مواقف مؤلمة له خلال تغطيته الإعلامية، قائلا: "شهدت الكثير من الحالات التي تعمد فيها جيش الاحتلال قتل المشاركين في مسيرات العودة، وعايشت عشرات حالات البتر والإصابات الخطيرة".
وأوضح مصران أنه وثق مشهد إعدام العديد من المشاركين في المسيرات، ولكن أكثر ما أثر فيه كان مشهد قتل الطفل أحمد أبو نعيم، أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقال: "كنت أشاهد الطفل وهو مصاب والجندي يطلب منه التقدم ورفع يديه وبمجرد وصوله أطلق عليه حوالي 5 رصاصات في رأسه".
وشدد على أن التغطية الإعلامية في مسيرات العودة كانت تؤرق الجيش الإسرائيلي، الذي يحاول إعلامه أن يدعي بأن المشاركين مسلحين وينفذون العمليات ضده.
ولم يكن استهداف الاحتلال بالرصاص آخر سياسات التضييق على الصحفي.
بل أغلقت إدارة فيسبوك الصفحة الشخصية للصحفي مصران أربع مرات، وأرسلت بلاغات له تفيد بنشره "محتوى يتنافى مع سياسة الموقع"، في محاولة لمنعه من التغطية، كما قال.