شحنة أسلحة للحوثيين تشعل غضب الرياض.. هل غيرت عُمان إستراتيجية الحياد؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار عقود، تميزت السياسة الخارجية لسلطنة عمان بـ"الهدوء والحذر" على خلاف معظم باقي دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتشكل من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين. 

وتسير سلطنة عمان في منطقة مليئة بـ"المطبات"، ومحاطة بقوى إقليمية متنازعة وفاعلة في عدة قضايا شائكة، منها الملف اليمني، والصراع بين السعودية وإيران.

ورغم الاتفاقيات الأمنية والسياسية بين مسقط والرياض، إلا أن العلاقات الثنائية خلال الفترة الأخيرة "ليست على ما يرام"، وذلك بعد رصد عمليات تهريب أسلحة ما بين عمان ومواقع مليشيا "الحوثي" في اليمن.

رصد الأسلحة، أثار حفيظة الرياض التي صعدت من موقفها، بفتح تحقيقات استخباراتية موسعة سواء داخل اليمن أو مع أفراد من المخابرات العامة العمانية، قالت إنهم "تورطوا في التهريب". 

وخلف هذا الحادث أسئلة عن طبيعة استمرارية "إستراتيجية الحياد" التي كانت تنتهجها عمان؟ وعن كيفية تعاملها مع الأقطاب المتصارعة خاصة السعودية وإيران؟

موقف محرج

في 24 مارس/ آذار 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المتخصصة في شؤون الاستخبارات، معلومات عن خلافات متصاعدة بين الرياض ومسقط بشأن شحنات أسلحة إيرانية. 

وقالت المجلة إن "أجهزة المخابرات العمانية، التي من المفترض أن تقمع تهريب الأسلحة الإيرانية بين السلطنة واليمن، في موقف محرج مرة أخرى بعد اكتشاف شحنة صاروخية مهربة إلى اليمن، فيما الرياض منزعجة من الثغرات المحتملة داخل جهاز الأمن العماني". 

وذكرت أن "ضبط شحنة جديدة من صواريخ كورنيت المضادة للدبابات على معبر شحن بمحافظة المهرة اليمنية المتاخمة لعمان، أدى إلى توتر العلاقات بين رئاسة المخابرات العامة السعودية وجهاز المكتب السلطاني العماني المسؤول عن الشؤون الأمنية والاستخباراتية". 

وأوردت المجلة أنه "على إثر ذلك، استدعى رئيس المخابرات العماني، سلطان بن محمد النعماني، الذي كان قد التزم سابقا أمام نظيره السعودي، خالد الحميدان، بتعزيز مراقبة الحدود من أجل إحباط عمليات تهريب الأسلحة، إلى الرياض لتقديم توضيح حول ما حصل".

تحت النار

وفي 10 مارس/آذار 2022، أعلنت الجمارك اليمنية، التابعة للحكومة المعترف بها دوليا في عدن، ضبطها شحنة أسلحة كبيرة وصلت من ميناء صلالة بمحافظة ظفار العمانية. 

بعدها خضع مدير موقع الجمارك اليمني، سالم عقيل، لاستجواب مسؤولي المخابرات العامة السعودية.

وأفاد عقيل بأنه "فتح الحاويات التي يفترض أن تحتوي على مولدات كهربائية"، لكنه اكتشف الأسلحة "التي يعتقد أنها موجهة للمتمردين الحوثيين الموالين لإيران في محافظتي صنعاء وصعدة".

وفورا، أرسلت المخابرات السعودية نتائج تحقيقاتها إلى المكتب السلطاني العماني، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تمت المطالبة بحسب وسائل إعلام سعودية، بالكشف عن الخلل في جهاز مخابرات الحدود التابع لرئيس المخابرات، النعماني، والتي أدت إلى استمرار عمليات تهريب الأسلحة. 

ولم يتمكن المسؤول عن المخابرات العمانية التي أصبحت تحت نيران ضغط السعوديين، سوى اقتراح إجراء تحقيق لـ"تحديد المسؤول عن التقصير".

واعتبرت الرياض أن ما حدث يخالف الصفقة التي اتفق عليها الجانبان في يوليو/تموز 2021 خلال الزيارة الأولى للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى السعودية.

وباتت المخابرات السعودية على اعتقاد تام أن "جهاز أمن الدولة العماني، الذي يدير عمليات التجسس ومكافحة الإرهاب بقيادة النعماني، لا يزال مخترقا من قبل أعضاء الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي يحد من قدرته، أو حتى من إرادته، على منع تهريب الأسلحة عبر الحدود"، بحسب ما أفادت صحيفة "العرب" اللندنية في 13 مارس/آذار 2022. 

الرياض حاضرة 

وفي 5 أبريل 2022، نشرت صحيفة "الأيام" اليمنية، تفاصيل عن الأحداث الأخيرة، وأكدت أن "المهربين يستغلون العمانيين واليمنيين المخضرمين، الذين يمولهم على وجه الخصوص رجل الأعمال الحوثي، سعيد الجمل". 

وأكدت الصحيفة أن "الحدود أصبحت مليئة بالثغرات لمتابعة عمليات نقل الأسلحة المربحة بالنسبة لهم". 

وأوردت أن "الرياض، التي تدرك تماما أوجه القصور الأمنية في عمان، تعزز وجودها العسكري في بؤر التهريب الساخنة في محافظة المهرة، لا سيما في الموانئ ومدينة الغيضة، ومع ذلك هذا لا يقدم الكثير لعرقلة شبكات التهريب المنتشرة على طول 228 كم من الحدود بين عمان واليمن". 

يذكر أن صحيفة "بلومبيرغ" الأميركية، نشرت تقريرها في 11 يوليو/تموز 2021، عن أسباب الخلافات المتصاعدة بين السعودية وعمان.

ولفتت إلى "خشية حكام المملكة من العلاقات الودية بين عمان وإيران"، وأرجعت ذلك إلى أنه "رغم حرص المسؤولين العمانيين على التزام الحياد في منطقة مضطربة، لكنهم قلقون من النفوذ المفرط من جارتهم الأكبر (السعودية)". 

وأرجعت زيادة التوتر خلال السنوات الأخيرة بين السلطنة والمملكة بسبب حرب اليمن، حيث تعد عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم إلى التحالف السعودي الإماراتي الذي يحارب "الحوثيين".

وظلت السلطنة محايدة في الحرب التي بدأت عام 2014، وغالبا ما تستضيف محادثات بين أطراف النزاع في اليمن بالعاصمة مسقط. 

وبحسب "بلومبيرغ" فإن السلطان الراحل قابوس بن سعيد كان يرى عام 2016 أن قرار السعودية بالتدخل العسكري في اليمن "كان متهورا".

الدور العماني 

وفي 8 يونيو/حزيران 2022، ذكر مركز "مالكوم كير كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، أن "عمان كانت أكثر حيادية في السابق، لكنها تحولت مع تعزيز دورها غير المباشر في دعم الحوثيين، عبر المال والسيارات والتغطية الإعلامية والاتصالات الدبلوماسية لتأمين حدودها". 

ويعود السبب الرئيس إلى مخاوف السلطنة، خاصة وأنه ابتداء من عام 2017، سيطر السعوديون تدريجيا على المهرة، واحتلوا العاصمة والميناء، وسيطروا على المراكز الحدودية مع عمان، حسب تقرير مؤسسة "بروكينغز" الأميركية.

هذه التطورات، أعطت مسوغا لمسقط في نسج تحالف أوسع مع مليشيا "الحوثي"، وإقامة ارتباطات مع إيران، تضمن تحقيق توازن على الأرض، وتحفظ لها ثقلها الجيوسياسي. 

واستشهد تقرير "بروكينغز" الذي نشر في 28 مايو/أيار 2021، بالوضع عقب وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد، الذي حكم لمدة خمسة عقود، ووصف وفاته بأنها "فتحت الباب أمام التغيير"، لافتا إلى أن أول زيارة رسمية خارجية للسلطان هيثم منذ توليه السلطة كانت إلى السعودية في يوليو/تموز 2021.

ورغم ذلك، فإن التغيير في العلاقات بين سلطنة عمان والسعودية بدأ من الرياض أكثر من مسقط، فبعد تولي السلطان هيثم الحكم في يناير/كانون الثاني 2020، قال: "سنظل كما عرفنا العالم"، في إشارة إلى الحياد، وهو "الحال الذي لم يستمر طويلا، لأن المتغيرات كانت أعقد من أن تظل مسقط في وضعية ثبات مستمر"، وفق مراقبين.

كما أن التاريخ القريب يحمل بذور خلافات عميقة ومتباينة بين البلدين، مثلما حدث نهاية عام 2016، عندما رفضت عمان بشكل جازم مقترح "الاتحاد الخليجي" التي أعلنته الرياض آنذاك، ووصل الأمر إلى سجال بين البلدين.

وكانت أهم تداعيات هذه الخلافات، عدم زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، سلطنة عمان في جولته التي شملت جميع الدول الخليجية في ديسمبر/كانون الأول 2016.