بعد عزوف أوروبا.. مجلة إيطالية تتهم الروس بقتل المئات في مالي
تواجه القوات العسكرية التابعة للمجلس العسكري المالي وبعض الجنود الأجانب "المرتبطين بهم" اتهامات بتنفيذ عمليات إعدام جماعية دون محاكمات في نهاية مارس/ آذار 2022.
ونددت المنظمة الدولية غير الحكومية "هيومن رايتس ووتش"، من خلال عشرات الشهود، بتلك الحادثة التي حصدت "حوالي 300 مدني" في مدينة مورا.
وكان البلد الإفريقي قد عاش انقلابين عسكريين في فترة وجيزة، فبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا في 20 أغسطس/ آب 2020، نفذ قائد الانقلابيين الجنرال أسيمي غويتا انقلابا آخر ضد الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس حكومته مختار وان في مايو/أيار 2021.
مرتزقة روس؟
ركزت مجلة "فورميكي" الإيطالية في تقرير لها على اتهامات المنظمة الدولية بشأن الاشتباه في أن يكون هؤلاء الجنود الأجانب مرتزقة روسيين وفق ما أفاد به شهود عيان.
وبحسب المجلة الايطالية، يتعلق الجانب الأهم في هذه المسألة بتورط هؤلاء "الجنود الأجانب المرتبطين" بقوات العاصمة باماكو، الذين حددتهم هيومن رايتس ووتش، من خلال الشهادات المختلفة التي جرى جمعها بأنهم "روس".
وقد أُعدم هؤلاء الأشخاص بعد اعتقالهم خلال عملية عسكرية بدأت في 21 مارس واستمرت طيلة أيام قليلة، وفق المنظمة.
وبينت رايتس ووتش أن هذه المجازر تعد "أسوأ حلقة فظائع" منذ اندلاع الصراع المستمر منذ عشر سنوات بين السلطات المالية والجماعات المسلحة.
أشارت المجلة إلى أن "المجلس العسكري الانقلابي في باماكو وقع اتفاقا قيمته 10 ملايين دولار شهريا للحصول على خدمات كتدريب الجنود وحماية المسؤولين مع الشركة العسكرية الخاصة فاغنر، المرتزقة المرتبطين بالكرملين رغم نفيه أي صلة له بهم والمكلفين بتنفيذ أعمال قذرة كما هو الحال حاليا في أوكرانيا".
حظي هذا الاختيار للسلطات في مالي باهتمام كبير لأن قادة الانقلاب فضلوا دعم مرتزقة موسكو على تعزيز أنشطة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، والبعثات التابعة للاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسية.
بحسب المجلة الإيطالية، فإن وجود فاغنر غير متوافق مع التدريب العسكري الأوروبي والأنشطة الاستشارية.
علاوة على ذلك، هناك قلق من إمكانية وقوع سابقة خطيرة أخرى تتمثل في النظر إلى نموذج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه بديل محتمل للنموذج الذي تقترحه الهيئات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على حد تعبير المجلة.
واعتبرت أن العواقب بدأت في الظهور الآن على الميدان لا سيما مع ما يجرى تداوله في الأيام عن مجازر وقعت في بوتشا، شمال غرب كييف، بينما تصل اتهامات مماثلة من مالي يشتبه في تورط نفس الجهة، في إشارة إلى الروس.
وأعدمت قوات الجيش المالي والجنود الأجانب مئات من الأشخاص في مجموعات صغيرة، أغلبهم من جماعة الفولاني العرقية الرعوية، كانوا قد تجمعوا في مورا.
من جانبها، تزعم السلطات في باموكو بأن الضحايا سقطوا على إثر اشتباكات ضد مليشيات كانت تخطط لتنفيذ هجمات مسلحة.
تحدثت "هيومن رايتس ووتش" إلى 27 مصدرا محليا مختلفا، وأفاد جميعهم بوقوع عمليات إعدام دون محاكمات بمساعدة "رجال بيض يتحدثون لغة غريبة"، تتساءل المجلة إن كانت روسية.
تخاذل غربي
ومنذ يناير/كانون الثاني 2022، أكد العديد من الشهود وجود العشرات من المسلحين البيض غير الناطقين بالفرنسية المشاركين في العمليات العسكرية في مدن سوفارا وسيغو وموبتي وديابالي وبيليدانيدجي والمناطق المحيطة بوسط مالي.
ويعتقد السكان بأنهم قد يكونون مرتزقة روسيين خصوصا بعد الاتفاق المبرم بين الحكومة الانتقالية وشركة فاغنر الروسية.
وبحسب الناجين والشهود، لم يشارك هؤلاء "الجنود البيض" فحسب، بل وجهوا عمليات الإعدام التي شملت بعض الأشخاص لمجرد الاشتباه في كونهم "إرهابيين" أو على علاقة "بالإرهابيين".
وتذكر المنظمة بأن الأحداث بدأت في 27 مارس، خلال عملية إنزال لعدد من الجنود بينهم مائة روسي بالمظلات من مروحيات في سوق مورا، وبعد معركة مع المليشيات المحلية، أغلقوا الشوارع وبدأوا في إشعال هذا الجزء من البلدة.
وذكرت هيومن رايتس ووتش أنهم أخذوا السجناء واستجوبوهم وقسموهم إلى مجموعات صغيرة ثم جرى إعدامهم.
كما أفاد شهود عيان بأن بعض الضحايا أصيبوا برصاص في الرأس، بينما أصيب آخرون بإصابات قاتلة أي على ما يبدو أن جنود الانقلاب العسكري في باموكو والجنود الأجانب الذين يساعدونهم في هذه العمليات قد نفذوا عمليات إعدام.
وقال أحد الشهود لمنظمة حقوق الإنسان الدولية: "الرجال البيض الذين يتحدثون لغة غريبة انتشروا في جميع أنحاء المدينة. كنت أرغب في الهروب لكنني كنت أخشى أن تصيبني المروحية فوقي".
وتابع "اعتقلني الرجال البيض ثم أخذوني إلى مكان بالقرب من الكثبان الرملية حيث وجدت مئات الآخرين".
وأضاف بأن أحد الجنود الماليين كان يقول "إنكم تقتلوننا في الليل، ثم خلال النهار تتظاهرون بأنكم مدنيون".
كما أفاد بأنهم يطلقون النار على السكان كل ليلة مضيفا "بأنهم اختطفوا في 30 مارس، 10 رجال من ضمنهم الصديق الذي جئت إلى السوق معه. لم أستطع النظر، كنت أخشى أنه إذا نظرت إليهم فسوف يأخذوني أيضا".
ونقلت المنظمة عن بعض الشهود الآخرين قولهم إن "بعض الأشخاص الذين اختيروا للإعدامات كانوا في الواقع يتبعون لتنظيمات مختلفة، ومن ناحية أخرى، استهدف البعض الآخر لمجرد الاشتباه بهم لأنهم اضطروا لإطالة لحاهم وارتداء ثياب معينة".
وعلقت المجلة بالقول إن "من أهم الجوانب بشأن ما عاشته مورا المالية يتعلق مجددا بالمقارنة بين النماذج".
وتفترض بأنه في حال "تدخلت الوحدات الغربية المنتمية إلى النموذج الديمقراطي إلى جانب قوات المجلس العسكري الانقلابي المالي، لما كان هذا النوع من عمليات الإعدام ممكنًا لأن القوات العسكرية الأوروبية والأميركية، وكذلك تلك التابعة للأمم المتحدة، تعمل وفق قواعد الاشتباك التي يمليها القانون الدولي"، وفق تعبيرها.
في المقابل، الجنود الآخرون من بلدان ونماذج أخرى، لديهم اهتمام أقل بمثل هذه المسائل وربما يكون هذا مفسرا لاختيار باماكو التعاقد مع فاغنر، تختم المجلة.