تتكئ على "عصا ميتة".. ما مستقبل حكومة بينيت بعد الاستقالات؟

خالد كريزم | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

استيقظ النظام السياسي بإسرائيل في 6 أبريل/ نيسان 2022 على هزة جديدة بعد استقالة عضو الكنيست (البرلمان) "عيديت سيلمان" من الائتلاف الوزاري، في تطور سياسي دراماتيكي أثار ردود فعل واسعة داخل الحلبة الحزبية.

ودخلت الحكومة الإسرائيلية صدمة كبيرة بعد فقدانها الأغلبية بالكنيست، إثر انسحاب هذه النائبة من الائتلاف الحكومي الهش، الذي بات مهددا أكثر من أي وقت مضى، وبات متكئا على عصا متآكلة.

وسيلمان نائبة في الكنيست عن حزب "يمينا" اليميني الإسرائيلي المتطرف، الذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينيت.

ويتشكل الائتلاف الحكومي من ثمانية أحزاب غير متجانسة أيديولوجيا من مختلف ألوان الطيف السياسي في إسرائيل (يمين ووسط ويسار)، بدعم من القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.‎‎

ومنذ تشكيله، يتمتع الائتلاف بأغلبية هشة للغاية، حيث يحوز على ثقة 61 نائبا من أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 120 قبل أن ينقص العدد واحدا.

أسباب وتفاعلات

ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية عن سيلمان قولها: "لم أعد أحتمل أكثر بعد الآن، لا أستطيع الاستمرار في إلحاق الضرر بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل".

وقالت الصحيفة إن سيلمان كانت تشير إلى خلاف مع وزير الصحة نيتسان هوروفيتش، على السماح بإدخال الخبز إلى المستشفيات في عيد الفصح اليهودي الذي يبدأ الأسبوع القادم.

وتمنع الشريعة اليهودية استخدام الخميرة التي تضاف إلى الخبز، خلال عيد الفصح الذي يستمر لمدة أسبوع.

وبينت جيروزاليم بوست أنه "بهذا، تفقد حكومة نفتالي بينيت أغلبيتها في الكنيست، مما يجعلها متقاربة مع المعارضة عند 60 عضوا لكل طرف؛ وإذا غادر شخص آخر الائتلاف، يمكن إسقاط الحكومة".

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن سيلمان اتفقت مع حزب "الليكود" (الذي يقوده زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو) على تخصيصها المكان العاشر في قائمة الحزب في حال أجريت انتخابات مبكرة، وتوليها منصب وزيرة الصحة.

وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن نائبا آخر من حزب "يمينا"، وهو نير أورباخ، قد يستقيل أيضا من الائتلاف الداعم للحكومة.

وأضافت: "إذا حُل المجلس التشريعي، فسيصبح يائير لابيد رئيس حزب "هناك مستقبل"، وزير الخارجية، رئيسا للوزراء حتى ما بعد الانتخابات الجديدة، بحسب الاتفاقيات الائتلافية مع نفتالي بينيت".

وأشارت إلى أن نواب "الليكود"، بمن فيهم نتنياهو، رحبوا بخطوة سيلمان. ونقلت عن رئيس الوزراء السابق قوله: "يجب على جميع النواب المنتمين إلى المعسكر الوطني العودة إلى حضن اليمين".

وتشكل استقالة عديت سيلمان التي تعتبر الثانية داخل الائتلاف هزة لها ارتدادات يصل صداها عميقا لتذكرنا بالوزير بلا حقيبة “إيلي أفيدار” من حزب “إسرائيل بيتنا” الذي استقال من الحكومة في 22 فبراير/شباط 2022.

ووجه "أفيدار" انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة وأدائها، قائلا إنه كان حري به تقديم الاستقالة قبل 3 أشهر بعد أن اتضح أنه لا نية لدى الحكومة في تعيينه بمنصب وزير الاستخبارات.

وقال الوزير الإسرائيلي المستقيل وقتها إن رئيس الوزراء بينيت لا ينوي تنفيذ اتفاق التناوب الذي وقعه مع يائير لابيد (وزير الخارجية).

وطبقا لاتفاق التناوب الموقع أواخر مايو/ أيار 2021 الذي قام على أساسه تشكيل الحكومة الحالية فإن لابيد سيرأس الحكومة بدءا من نهاية العام 2023.

وباستقالته، عاد "أفيدار" لعضوية الكنيست (البرلمان) مع توقعات بأن يعمل بشكل مستقل دون الخضوع للانضباط الحزبي أو الائتلافي، ما سيجعل من الصعب على التحالف تجنيد الأغلبية، وفق ما قالت صحيفة هآرتس وقت استقالته.

عدة سيناريوهات

تحدثت وسائل إعلام عبرية عن عدة سيناريوهات للوضع السياسي في إسرائيل، أولها أن يصمد الائتلاف ويحاول حشد الأغلبية لتمرير القوانين العادية على الرغم من استقالة سيلمان، ومع ذلك فإن المشكلة ستبدأ عندما يتعلق الأمر بالقوانين التي تتطلب أغلبية 61 عضو كنيست.

ومن القوانين والتشريعات التي توقفت مباشرة بعد استقالة سيلمان، الخطة الاقتصادية للحكومة لمحاربة غلاء المعيشة والتي ستحتاج إلى دعم أحد أعضاء المعارضة لمحاولة تمريرها.

كما توقف القانون الذي يحدد مدة ولاية رئيس الوزراء بـ8 سنوات، وقانون مرتبات الجنود الدائمين في الجيش، وأيضا تجمدت موازنة الدولة لفترة 2024-2023 ويمكن تنفيذها بدعم القائمة المشتركة فقط (خارج الائتلاف لكنها تعد الكفة المرجحة).

وحول مدى استطاعتها الاستمرار في العمل، يقول “عساف شابيرا” من “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، إن حكومة بينيت أصبحت تمثل أقلية، وتعتمد على ائتلاف ليس له أغلبية في البرلمان.

لكنه يرى أن حكومات الأقليات ليست نموذجا غير مألوف للنظام، وليست بالضرورة سيئة، فهناك ديمقراطيات متطورة، حيث إن معظم الحكومات حكومات أقلية، مثل الدنمارك وإسبانيا والسويد والنرويج، وفق ما نشر موقع "N12" العبري في 7 أبريل.

السيناريو الثاني هو أن تسير المعارضة في مسار طرح التصويت على عدم الثقة، وفي مثل هذه الحالة، ستحتاج إلى موافقة 61 عضوا على مرشح متفق عليه وتشكيل حكومة بديلة في الكنيست الحالي، وهنا أيضا توجد بعض المشاكل.

تتمثل المشاكل في أن المعارضة لا تزال بحاجة إلى تجنيد منشق آخر (ويجري الحديث بقوة عن المستقيل الأول من الائتلاف إيلي أفيدار)، ووجود اتفاق عام على المرشح البديل (يائير لابيد).

ويقول “عساف شابيرا” إنه من أجل قبول اقتراح سحب الثقة، هناك حاجة إلى الأغلبية المذكورة، بما في ذلك هوية رئيس الوزراء والوزراء وخطوط الأساس للحكومة، وهو ما يجعل مهمة تشكيل بديل شبه مستحيلة.

السيناريو الثالث هو اقتراح قانون بحل الكنيست الرابع والعشرين، وربما يكون هذا هو الخيار الأكثر واقعية نظرا للصعوبة المذكورة في الموافقة على حجب الثقة. وإذا جرى ذلك، سيصبح يائير لابيد رئيسا للوزراء تلقائيا خلال الحكومة الانتقالية.

ويوضح “شابيرا”، أنه “جرت الموافقة على ميزانية 2022 بالفعل، وبالتالي إذا لم تقر ميزانية 2023 بحلول الوقت المحدد، فسيتفرق الكنيست تلقائيا وسيجرى تقديم الانتخابات”.

وهناك من يطرح سيناريو رابع كانشقاق عضو كنيست من اليمين بشرط أن تساهم القائمة المشتركة التي تعد بمثابة "بيضة القبان" في تمرير إسقاط الحكومة، أو أن تنتقل القائمة العربية الموحدة لدعم حكومة بقيادة نتنياهو كما كانت تتجه الأمور في بداية دورة الكنيست الـ24.

والسيناريو الخامس وهو خيار افتراضي لكنه ممكن في عالم السياسة ويتمثل في إقناع عديت بالتراجع عن موقفها.

ويقول المختص في الشؤون الإسرائيلية محمود مرداوي، إنه "من الصعب ترجيح سيناريو في الوقت الحاضر، لكن مؤشر استقرار الحكومة في مُنحنى هابط".

وبين في مقال نشره موقع "الهدهد" المحلي في 6 أبريل، أن "الجهود المبذولة لإسقاط الحكومة ستثمر آجلا أو عاجلا، خاصة أن جزءا كبيرا من اليمين لا يفضل وجود يائير لابيد على رأسها".

الرابحون والخاسرون

بعد استقالة سيلمان بساعات، أكد بينيت أنه يعتزم تحقيق الاستقرار في الائتلاف والحفاظ على الحكومة. كما أن لابيد وزير خارجيته لديه ذات الرغبة لتحقيق التناوب ورئاسة الحكومة.

ويقول موقع الهدهد المختص بالشؤون الإسرائيلية، إنه "بعد الانتخابات، لا أحد يعد لابيد بأنه سيكون حتى جزءا من الحكومة، ناهيك عن رئيس وزراء بديل ووزير خارجية"، ولذلك فهو يفضل السيناريو المنتظر دون توترات.

أما بيني غانتس وزير الجيش وزعيم حزب "أزرق - أبيض" فيعد الشخصية الغامضة في الحكومة الحالية، لقيادته تحركات متعاونة معها في بعض الأحيان واعتراضه على خطواتها في أحيان أخرى ومن خلف الكواليس.

وهذا الحزب قابل لأن يكون في أي توليفة حكومية أخرى وربما في منصب أكثر أهمية، لذلك يعد غانتس أقل المتضررين، وربما يتحول لأكبر الرابحين، وفق مرداوي.

وتود أحزاب مثل "ساعر" و"أمل جديد" وأيضا المعسكر اليساري مثل "ميرتس" و"العمل" استمرار عمل الحكومة لأنه بعد الانتخابات، لا يوجد ضمان بأن تكون تلك الأحزاب جزءا من الحكومة خاصة أنه من المستبعد تحالفهم مع حزب الليكود بقيادة نتنياهو.

وأيضا، يوضح موقع الهدهد أنه من غير المتوقع أن يكون أفيغدور ليبرمان وزير المالية ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" جزءا من حكومة بديلة إذا جرى تشكيلها في الكنيست الحالي، لأنه لن يجلس مع نتنياهو والحريديم. وبسقوطها إن حصل فسيفقد فرص الانضمام للحكومة المقبلة.

أما منصور عباس رئيس القائمة الموحدة (4 مقاعد في الكنيست) فلا يزال بإمكانه جني الإنجازات المفترضة لفلسطينيي 48 في ظل استمرار الحكومة.

 ولكن الآن بعد أن أصبحت على ركبتيها، فليس من الواضح ما إذا كانت مصلحة الحزب في استمرار وجوده، خاصة أن ذلك يضر بمكانته في المجتمع الفلسطيني.

علاوة على ذلك، إذا اضطر بينيت إلى الاعتماد على القائمة المشتركة، فإن أعضاء الحزب المنافس سيحققون أيضا إنجازات، وهو الأمر الذي سيضر بمكانة القائمة الموحدة النهائية كعضو عربي حصري في الائتلاف.

ولكن في القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة يرفضون بشكل قاطع دعم الحكومة في أصوات معينة أو الانضمام إليها لإبقاء التحالف قائما.

وقال عودة لصحيفة "هآرتس" العبرية في 6 أبريل: "لن نكون شريان نجاة بينيت وشاكيد (وزيرة الداخلية الإسرائيلية) هذه حكومة سيئة".

والقائمة المشتركة ائتلاف من ثلاثة أحزاب عربية، وهي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير، وتمتلك ستة مقاعد في الكنيست.

وتتفق وسائل الإعلام العبرية على أن أبرز الرابحين هو “بنيامين نتنياهو” الذي تمكن من الحفاظ على تماسك اليمين في تحالف مع المتدينين الحريديم وجزء من التيار القومي الديني.

فهو في أسوأ الأحوال يدفع الحلبة إلى انتخابات جديدة في ظل إخفاقات أمنية واقتصادية واجتماعية تعيشها إسرائيل، وفق ما يقول محمود مرداوي.

وبعد استقالة سيلمان، أظهر استطلاع أجراه معهد “مدغام” في إسرائيل، أنه حتى الآن لا يوجد ائتلاف لأي من الكتل، وأن النتائج المتقاربة التي رافقت الانتخابات الأربعة الأخيرة لم تتغير، وتبقى القائمة المشتركة كما كانت الكفة المرجحة.

بحسب الاستطلاع، فإن حزب “الليكود” برئاسة نتنياهو يزيد قوته إلى 35 مقعدا، ويبقى حزب لابيد هو الثاني مع 17 مقعدا، وفق ما نقلت القناة 12 العبرية في 7 أبريل. 

وبين أن كتلة نتنياهو ستحصل على 58 مقعدا، والائتلاف الحالي 56 مقعدا، والـ6 مقاعد المتبقية للقائمة للمشتركة.

وعلى الرغم من استطلاعات الرأي السابقة التي توقعت لحزب “يمينا” برئاسة بينيت 7 مقاعد، لكنه تراجع إلى 5 مقاعد فقط.