حظرت زراعتها.. ما إمكانية إنهاء طالبان تجارة المخدرات في أفغانستان؟
على مدار عقود ارتبط اسم أفغانستان بزراعة نبات الخشخاش (الحشيش)، الذي يستخدم بشكل أساسي في إنتاج العقاقير القوية المسكنة للألم، فضلا عن أنه يدخل في صناعة الهيروين القاتل، إذ زادت نسبة زراعة الأفيون 8 بالمئة عام 2021 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وفي 3 أبريل/نيسان 2022 أمر زعيم طالبان الأفغانية، هبة الله أخوند زاده، بحظر زراعة الخشخاش في البلاد، مؤكدا أن المخالف سيجري التعامل معه وفق أحكام الشرع. كما حظر الأمر أي تصدير أو استيراد أو نقل لجميع أنواع المخدرات والكحول.
خطوة حركة طالبان التي تسلمت حكم البلاد في أغسطس/ آب 2021، بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أثارت تساؤلات ملحة بخصوص مدى نجاحها في إنهاء زراعة المخدرات بشكل كامل، وماذا وراء اتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الحالي؟
مطالبة دولية
مكافحة المخدرات في أفغانستان، كانت أحد المطالب الرئيسة للمجتمع الدولي للجماعة الإسلامية التي تولت إدارة الحكم في البلاد، من أجل التراجع عن العقوبات التي تعرقل بشدة الأعمال المصرفية والتنمية.
وحاولت قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الحد من زراعة الخشخاش خلال عقدين من الزمان في أفغانستان من خلال دفع أموال للمزارعين لزراعة محاصيل بديلة مثل القمح أو الزعفران.
ويقول خصوم طالبان إن الحركة أحبطت محاولاتهم، وسيطرت على مناطق زراعة الخشخاش الرئيسة وجنت مئات الملايين من الدولارات من هذه التجارة.
لكن عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء الأفغاني الحالي رفض هذه المزاعم بأن طالبان ساعدت في زراعة الخشخاش خلال الفترة قبل سيطرتهم على الحكم في البلاد.
وتساءل حنفي في 3 أبريل "كيف جرى تصديرها إلى جميع أنحاء العالم عندما كانت (القوات التي تقودها الولايات المتحدة) تسيطر بشكل كامل على أفغانستان؟".
واتهم حنفي مسؤولين في الحكومات السابقة بالتورط في زراعة وتجارة المخدرات، قائلا إن 95 بالمئة من المواد المخدرة المزروعة والمنتجة كانت في مناطق تحت حكم السلطة سابقا.
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 3 أبريل 2022، عن مزارعين وأعضاء من طالبان أن إنتاج أفغانستان من الأفيون، الذي قدرت الأمم المتحدة قيمته بنحو 1.4 مليار دولار في ذروته في عام 2017، زاد في الأشهر الأخيرة.
إذ دفع الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد سكان المقاطعات الجنوبية الشرقية إلى زراعة المحصول غير المشروع الذي يمكن أن يجلب لهم عائدات أعلى وبسرعة أكبر من المحاصيل القانونية مثل القمح.
وأفادت الوكالة أن قرار منع طالبان للمخدرات يأتي في الوقت الذي تحاول فيه الحركة الحصول على الشرعية الدولية لحكمها بعد استيلائها على السلطة.
وبعد وصول طالبان إلى السلطة في 2021، تراجعت المساعدات الخارجية المقدمة لأفغانستان، مما أدى إلى ظهور تحديات اقتصادية شديدة.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد جراء انقطاع المساعدات الدولية، زاد الإقبال من قبل الأفغان على العمل في قطاع المخدرات الذي يدر أرباحا كبيرة.
وأفاد عقد الحق حمكار -نائب وزير الداخلية الأفغاني لشؤون مكافحة المخدرات- في 3 أبريل 2022 أن هناك 3.5 ملايين مدمن في البلاد، منهم 20 ألفا محتجزون في مراكز علاج وتأهيل، بعد عقدين من تزايد إنتاج المخدرات بشكل منظم وواسع، حسب قوله.
وأشار حمكار إلى أن حكومته تعمل على بناء مجمع لعلاج المدمنين يكفي لنحو 30 ألف شخص، قائلا إن الشهور الثمانية الماضية شهدت إلقاء القبض على عدد من كبار تجار المخدرات في البلاد.
٣/١
— الإمارة الإسلامية (@alemara_ar) April 3, 2022
مرسوم سماحة أمير المؤمنين بخصوص منع زراعة الحشيش في جميع #أفغانستان
ينوه جميع المواطنين على أنه يمنع بتاتا زراعة الحشيش في جميع أفغانستان، بعد تاريخ صدور هذا المرسوم، ولا يسمح لأحد بعد الآن أن يزرع الحشيش في أراضيه، ومن نقض هذا المرسوم فسيُهلك زرعه ويُعامل وفق أحكام الشرع. pic.twitter.com/OJEoExziAx
الإيفاء بالتعهدات
وعقب سيطرتها على زمام الأمور في أفغانستان عام 2021 تعهدت حركة طالبان بمكافحة زراعة الأفيون وتهريب المخدرات والقضاء على هذا النوع من الإنتاج.
وحظرت طالبان إبان الفترة الأولى لحكم أفغانستان ما بين عامي 1996 و2002 إنتاج الأفيون والذي انخفض إلى 185 طنا متريا عام 2002، بيد أنه عقب الإطاحة بها، عاد إنتاج الأفيون إلى الارتفاع مرة أخرى.
ويرى توماس روتيغ من "شبكة المحللين الأفغان" خلال تصريحات في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن طالبان لم تكن المحرك الرئيس وراء ما يعرف بـ"اقتصاد المخدرات" في أفغانستان خلال السنوات الأخيرة.
وعن ذلك، قال الباحث روتيغ "تنافست الحكومة السابقة مع طالبان لتعزيز نفوذها في المناطق الريفية والكثير من رجالها تورطوا بشكل مباشر في تهريب المخدرات".
وأضاف أن القوات الغربية التي انتشرت في أفغانستان منذ 2001 تعاونت مع عدد من أمراء الحرب وزعماء ومسؤولين حكوميين ممن تورطوا أيضا في تهريب المخدرات، مشيرا إلى أن القوات لم تبذل مجهودا يذكر لوقف هذه التجارة.
وفيما يتعلق بتعهدات حركة طالبان بمكافحة إنتاج الأفيون، قال روتيغ إن الحركة ليست جادة في هذا التعهد، مضيفا "هي لا تريد ذلك، ولا يمكنها القيام به لأنه يعني أنها ستفقد الكثير من أنصارها في المناطق الريفية الرئيسة في أفغانستان".
وفي المقابل، قالت غريتشن بيترز، المؤلفة الأميركية لكتاب "بذور الإرهاب: كيف يمول الهيروين طالبان والقاعدة"، إن الحظر كان تكتيكيا، زاعمة أن عناصر الحركة "مرتبطون جدا بهذه التجارة" بشكل يجعل من المتعذر عليهم وضع حد لها، وهذا البلد الفقير "لا يمكن أن يعيش من دون الأفيون".
وأوضحت بيترز أن "السيطرة على البلاد ستتيح لطالبان إمكانية الوصول إلى شركات الطيران والبيروقراطية الحكومية والمصارف، التي يمكن استخدامها لتسهيل تهريب المخدرات وغسيل الأموال". وقالت "ليس لدي شك في أنهم سيستغلونها".
ارتفاع الإنتاج
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن محصول الأفيون ارتفع في أفغانستان بنسبة 8 بالمئة عام 2021 مقارنة بعام 2020، ليبلغ 6,800 طن.
ووجد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن المواد الأفيونية الأفغانية تزود 8 من كل 10 مستخدمي الأفيون في جميع أنحاء العالم، وذلك خلال اجتماع خبراء في فيينا لمكافحة الإتجار غير المشروع.
ووفقا لموجز بحثي صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حول "وضع المخدرات في أفغانستان 2021 أحدث النتائج والتهديدات الناشئة" استحوذت أفغانستان على 85 بالمئة من إنتاج الأفيون العالمي في عام 2020.
وقالت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: "جرى الانتهاء من الموجز البحثي الجديد حول حصاد الأفيون في 2021 في يوليو/تموز، ويسلط الوضع العام للمخدرات في أفغانستان الضوء على الحاجة الماسة إلى المساعدة الدولية لتعزيز التخفيضات المستدامة في زراعة المخدرات غير المشروعة والإنتاج والطلب".
بحسب نتائج البحث، تراوح الدخل من المواد الأفيونية الأفغانية بين 1.8 و2.7 مليار دولار في عام 2021 داخل أفغانستان، لكن يجري تحقيق أرباح أكثر بكثير في سلاسل توريد المخدرات غير المشروعة خارج البلاد.
وأدى تزايد حالة عدم اليقين السياسي في أفغانستان منذ أغسطس 2021، إلى ارتفاع أسعار الأفيون، التي تضاعفت تقريبا في ذلك الشهر مقارنة بمايو/أيار.
وحذر الموجز من أنه إلى جانب ارتفاع إنتاج الأفيون والهيروين، زاد تصنيع الميثامفيتامين (نوع منشط) في أفغانستان، بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة، وذلك عبر استخدام نبات الإيفيدرا البري.
كما حذر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات من إمكانية أن يدفع ارتفاع الطلب الإقليمي والعالمي على الميثامفيتامين، مقرونا بسوق عالمي مشبع بالمواد الأفيونية، إلى مزيد من التوسع في تصنيع الميثامفيتامين، وكذلك العقاقير الاصطناعية الأخرى.
وجرى إطلاق الموجز الأممي في اجتماع سياساتي ضمن مبادرة ميثاق باريس التي تضم 58 دولة و23 منظمة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المواد الأفيونية الأفغانية.
المصادر
- طالبان تحظر زراعة الخشخاش.. وتتوعد المخالفين
- زعيم طالبان يأمر بحظر زراعة الخشخاش في أفغانستان
- طالبان تبحث عن دعم دولي بحظر زراعة المخدرات
- أفغانستان: ارتفاع إنتاج المواد الأفيونية ومخاوف من زيادة المحاصيل العام المقبل وإغراق الأسواق العالمية
- طالبان تمنع زراعة نبات الخشخاش.. يُستخرج منه الأفيون الذي تتصدر أفغانستان إنتاجه في العالم
- رغم وعود طالبان.. الأفيون يزدهر في أفغانستان
- أرقام عن العوائد والإنتاج والإدمان.. طالبان تحظر زراعة وتجارة وصناعة المخدرات