في عيد استقلال تونس.. لماذا ركز قيس سعيد على انتقاد عهد بورقيبة؟
بمناسبة عطلة 20 مارس/آذار التي تحتفل فيها تونس بعيد الاستقلال، خصص الرئيس قيس سعيد خطابا مفاجئا إلى حد ما للمواطنين في الذكرى الـ66.
يأتي ذلك بالتزامن مع انتهاء المدة الزمنية المفتوحة لمشروعه الوطني الذي كلل بالفشل والمعروف باسم "الاستشارة الإلكترونية".
والاستشارة الإلكترونية، كان قد أعلن عنها سعيد، في ديسمبر/كانون الأول 2021، وانطلقت رسميا منتصف يناير/كانون الثاني 2022، وانتهت في 20 مارس.
وهدفت إلى معرفة التوجهات العامة للمواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 16 عاما حول مجموعة من الملفات المتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، عبر طرح مجموعة من الأسئلة يجيب عنها المشاركون من خلال موقع إلكتروني، تحدد التوجهات العامة للدستور الجديد.
وكما أن نجاح هذه الاستشارة كان يمكن أن يكون تثبيت الشعبية المزعومة لقيس سعيّد وإجراءاته في 25 يوليو/تموز 2021، فإن فشلها تأكيد على توسع دائرة المعارضة له وأول تعثر في خارطة طريقه ما يفتح الباب على مصراعيه لرفض مخرجاتها وكل ما يبنى عليه من دستور واستفتاء وانتخابات نيابية.
استحضار التاريخ
تقول مجلة جون أفريك الفرنسية: "كان قيس سعيد، قبل أن يصبح رئيسا، أستاذا جامعيا في القانون الدستوري، ولم ينس ذلك يوما".
وقد ظهر في يوم الاحتفال بالذكرى السادسة والستين للاستقلال التونسي عن الاستعمار الفرنسي، على غير عادة الرؤساء السابقين، في منتصف الليل بين يوم 20 وليلة 21 مارس.
ولكن ليس بصفته الأستاذ الجامعي الذي يسترجع مذكراته القانونية، بل بصفته مؤرخا يستذكر التاريخ التونسي ويحاول إعادة كتابته.
انتظر التونسيون طوال يوم الاحتفال بعيد الاستقلال، من رئيس الجمهورية أن يستحضر ذكرى الآباء المؤسسين للدولة التونسية الحديثة في تكريم موحد هو عادة يوم 20 مارس من كل سنة، تاريخ استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956.
كان خروج قيس سعيد في منتصف الليل وإلقاؤه لكلمته بمثابة تهرب من قبل الحكومة، التي اقتصر عملها على إعداد المراسيم التي جرت مراجعتها خلال مجلس وزاري انعقد في وقت قصير نهاية 20 مارس، للاحتفال بعيد الاستقلال هذه السنة.
وقد كانت هناك بالفعل شائعات تحوم في تونس عن تأثر الرئيس الشديد بعد خفض التصنيف السيادي لتونس إلى CCC من قبل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 18 مارس.
قبل اجتماع مجلس الوزراء في 20 مارس، اختار الرئيس الترويج للمراسيم الثلاثة المعنية، بما في ذلك تلك الخاصة بالمصالحة الوطنية وإنشاء الشركات الأهلية.
وهي المشاريع التي روج لها بالفعل على نطاق واسع والتي "ننتظر أن نرى التطبيق"، كما يقول عضو في حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، وفق المجلة الفرنسية.
لكن يبدو أن الأسئلة العامة حول الاحتفال بذكرى الاستقلال قد وصلت إلى قصر قرطاج وأثارت تداخلا شديدا في الآراء قبل انتهاء 20 مارس.
وكما يشير عضو حركة مواطنون ضد الانقلاب الذي يراقب الحياة داخل القصر بدقة فإن "قيس سعيد كان ينتظر أيضا نهاية المدة المفتوحة للاستشارة الوطنية عبر الإنترنت، والتي انتهت يوم 20 مارس مع منتصف الليل".
عيوب الحزب الواحد
تشكل هذه الاستشارة عبر الإنترنت المرحلة الأولى الحاسمة من المشروع الذي يعتزم رئيس الدولة دمج نتائجه في الدستور الذي سيقدمه للاستفتاء في 25 يوليو 2022.
وبالتالي فقد رحب سعيد بنجاح هذه الاستشارة التي شارك فيها 534.915 تونسيا، وأشار إلى أن التونسيين عبروا عن آرائهم عبر "أصوات تجاوزت أصوات بعض الأحزاب في الانتخابات التشريعية".
من خلال ربط هذا الرقم بعدد ناخبين يزيد عددهم عن ثمانية ملايين ناخب، من الواضح أن الحماس الرئاسي مبالغ فيه.
لكن قيس سعيد، بعيدا عن التشكيك في جدوى مبادرته، يُدين الحقد والهجمات التكنولوجية التي تهدف إلى حجب موقع الاستشارة، وفق جون أفريك.
فقد استحضر عمليات حجب للإنترنت ينفذها القراصنة، ولكن أيضا ذكر جملة من تلاعبات من شأنها أن تجعل من الممكن تغيير رمز الهاتف التونسي بطريقة مستهدفة من 216 + إلى 212 +.
وهو أمر كان من شأنه أن يمنع المواطنين من الحصول على رمز التعريف والوصول إلى النموذج الإلكتروني للمشاركة في الاستشارة.
وفي إطار كلمته التي بثتها صفحة رئاسة الجمهورية مع منتصف الليل، انخرط الرئيس التونسي في استعراض رجعي للتاريخ الحديث للبلاد، وأعاد تفسيره بطريقته الخاصة.
وعاد للحديث عن سنوات البناء الوطني، دون الإشارة إلى رئيس الوزراء آنذاك، الطاهر بن عمار (على رأس الحكومة من 20 مارس إلى 9 أبريل/نيسان 1956)، وهو المُوقع على الاستقلال، مستنكرا عيوب نظام الحبيب بورقيبة والحزب الواحد.
وبورقيبة هو أول رئيس للجمهورية التونسية (25 يوليو/تموز 1957 -7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987). وأطاح به رئيس النظام الأسبق زين العابدين بن علي عبر انقلاب نفذه عام 1987، وبعدها تم فرض الإقامة الجبرية عليه في منزله، كما تم حجب أخباره عن الإعلام إلى حين وفاته.
استشهد سعيد بتقليص الحريات آنذاك، وتحدث عن مؤامرة عام 1962 التي كان الهدف منها الانقلاب العسكري على حكم بورقيبة، وكذلك المحاكم الاستثنائية التي أقامها الأخير وحظره للحزب الشيوعي في ذلك الوقت.
كما انتقد سعيد الحزب الدستوري الاشتراكي الذي فشل في نهاية مؤتمر المنستير (الحزب الاشتراكي الدستوري) عام 1974 في قبول مبدأ التعددية السياسية.
القيمة الرمزية
وتقول المجلة إن عداء قيس سعيد لبورقيبة ليس سرا، لكن خروجه في ليلة الاحتفال بالذكرى 66 للاستقلال للحديث عنه، يُفسَّر على أنه محاولة لتقليص هالة الرجل الذي لا يزال يعتبر أبا للأمة التونسية.
في هذا السياق استنكر ناشط من التجمع المناهض للانقلاب أن "قيس سعيد لا يذكر أنه استفاد من نظام بورقيبة"، مضيفا أن "الرئيس يتصرف ويتحدث وكأنه يريد السيطرة على ماضي البلاد واستبدال أفعاله بالحقائق التاريخية."
وللتذكير فقد استولى قيس سعيد، في 25 يوليو 2021، على جميع السلطات وأقال الحكومة وجمد عمل البرلمان.
وفي 20 مارس 2022، يوم الاستقلال، وقع مراسيم يعتبرها نقطة عالية في التاريخ الوطني، كما يقول أحد المؤرخين التونسيين طلب عدم ذكر اسمه.
صرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الذي يريد إجراء حوار وطني بالقول إن "المراسيم لا تكمن أهميتها إلا فيما ستقدمه من إضافة".
بالنسبة لهذا الخطاب الممزوج باللهجة التاريخية، فقد كانت مصالح الاتصال في ديوان الرئاسة جاهزة، حيث وقع قيس سعيد على المراسيم الموضوعة أمامه على نفس الطاولة التي استخدمت لتوقيع معاهدة باردو (1881)، والتي بموجبها أصبحت تونس محمية فرنسية.
لكن وعلى خلاف الكثيرين، يقول أحد المهتمين بالحفاظ على القطع الأثرية التي تعود للحقبة الاستعمارية في تونس إن "الأمر ليس كذلك".
إذ إن "الطاولة التي وُقعت عليها المعاهدة هي فقط واحدة من بين القطع المعروفة الموجودة في قَصرِ السّعيد (منطقة في تونس قريبة من متحف باردو، كان يوجد فيها مقر لإقامة الباي الذي وقع على معاهدة الحماية بين تونس وفرنسا سنة 1881) والتي لا تشبه تلك التي صورتها مصالح الاتصال في قصر الرئاسة في قرطاج".
وعمل حافظ التراث هذا عام 2016 على معرض للقطع الأثرية سماه "صحوة أمة"، وهو معرض عن فترة الإصلاح التونسي والجذور التاريخية للحماية الفرنسية في تونس.
وقد كانت الطاولة التي وُقعت عليها معاهدة الحماية عنصرا رئيسيا في معرضه.