انكفاء وتخوين.. هل ينجح السنيورة في استنهاض سنة لبنان للانتخابات؟

12

طباعة

مشاركة

خرق رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة حالة الانكفاء السني عن المشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة في مايو/ أيار 2022 بالبلاد.

وخلال مؤتمر صحفي في 23 فبراير/شباط 2022، دعا السنيورة أهل السنة إلى المشاركة الكثيفة في الاقتراع، وبدأ حراكا سياسيا واسعا لتشكيل نواة جبهة سياسية سنية الهدف منها خوض الانتخابات التشريعية.

مبادرة وتصد

وستواجه هذه الجبهة حزب الله (شيعي) بشكل أساسي، بالتحالف مع حزبي القوات المسيحي والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي. 

بيد أن السنيورة الذي يعد أحد أبرز الشخصيات السنية المكروهة من حزب الله، يواجه صعوبات وعراقيل كثيرة في حراكه السياسي، وخاصة من قبل تيار المستقبل (سني) الذي كان يعد واحدا من أبرز رموزه. 

ورأى السنيورة أن "جل ما يعانيه لبنان هو نتيجة هيمنة إيران عليه، وهذا ما يرفضه أغلب اللبنانيين". 

وشدد على أن "الانتخابات النيابية هي محطة يجب عدم تفويتها، لأنه لا يجوز أن يصار إلى إخلاء الساحة الوطنية، لذلك يجب أن يستمر النضال ضد الفساد السياسي والاستمرار بالعبث بالدستور". 

وطلب من اللبنانيين "ألا ييأسوا وألا يسمحوا للإحباط أن يتسلل إليهم" معتبرا أن "الحل موجود لدينا، وهو بداية في أنفسنا وإيماننا ببقاء لبنان كصيغة ووطن. الأزمة ليست متعلقة بالسنة، بل هي أزمة وطنية".

وما كاد السنيورة ينهي كلامه، حتى نشر أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري على حسابه في "تويتر" صورة لابن خالته سعد (رئيس الوزراء الأسبق وزعيم تيار المستقبل المستقيل من العمل السياسي)، مرفقة بتغريدة يقول فيها :"موقفك وحده يمثلني".

وهو ما اعتبر ردا مباشرا على كلام السنيورة، ودعوة ضمنية إلى عدم التجاوب مع مساعي الأخير.

 

ورغم إعلان السنيورة عدم وجود أي نية لديه لخلافة الحريري، وأن لا أحد يمكن أن يرثه، فهو زعيم له كل الاعتبار، وأن تحركه جرى بالتنسيق مع رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، والسابق تمام سلام.

الا  أنه تعرض إلى حملة شعواء من جمهور تيار المستقبل، اتهمه فيها بالخيانة والطعن بالظهر، وأنه يريد أن يرث زعامة الحريري، لكنه لم يرد على تلك الحملات ولم يلتفت إليها، حيث يبدو أنه كان يتوقع مثل ردات الفعل هذه. 

وعموما، فإن السنيورة شخصية رصينة ومفوهة وذو باع طويل في الميدان السياسي المحلي، فعدا عن كونه الصديق المقرب من رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، فهو كان وزير المالية في حكوماته الخمس (1992-1998) ثم (2000-2004).

ومن بعد اغتيال الحريري عام 2005، تقلد رئاسة الحكومة لمرتين متتاليتين (2006-2009)، ويعد في نظر الكثير من اللبنانيين أحد أبرز رموز المواجهة مع حزب الله.

إذ وقف في وجه تمدده داخل أروقة الدولة، وصمد في السراي الحكومي عندما حاصره الحزب لإسقاطه، وصولا إلى اجتياحه شوارع العاصمة بيروت في مايو/أيار 2008 لإرغام حكومة السنيورة على التراجع عن قرارات اتخذتها لمصادرة شبكات اتصالاته غير الشرعية.

تطويق وضغوط 

في اليوم التالي لمؤتمره الصحفي، زار السنيورة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، فيما اعتبر تأييدا من أرفع مرجعية دينية لمبادرته، ولا سيما أن الأخير سبق أن شدد على ضرورة مشاركة السنة في الانتخابات.

وعاد السنيورة وأكد على مبادرته، وعلى أنه يتحرك بالتنسيق مع رؤساء الحكومات، وأن ترشحه للانتخابات قيد الدراسة.

ثم أطلق السنيورة بعد ذلك حركة مشاورات واسعة، مع شخصيات سنية وغير سنية، داخل لبنان وخارجه، لحثهم على الترشح وتشكيل لوائح تخوض غمار الانتخابات التشريعية في مواجهة حزب الله.

وبدأ حراك السنيورة يثمر مع حصوله على تأييد عدد من النواب والقيادات داخل تيار المستقبل، وفي طليعتهم،  مصطفى علوش، نائب رئيس التيار.

وعلوش نائب سابق، أبدى تأييدا علنيا للسنيورة، ما عرضه لموجة انتقادات من رفاقه الحزبيين، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته من مهامه الحزبية. 

وبعد أن رفض سعد الحريري استقالة علوش، عاد وقبلها إزاء إصرار الأخير عليها، وعلى تأييده أفكار السنيورة.

واللافت أن تيار المستقبل، ولا سيما بعد استقالة علوش، ضاعف من بياناته التي تشدد على ضرورة التزام المحازبين بمقاطعة الانتخابات، وكذلك على عدم استخدام شعارات ورموز التيار في الحملات الانتخابية من قبل أي مرشح.

وهو ما يخالف كلام رئيسه سعد الحريري الذي ترك الحرية لنوابه في الترشح، ولجمهوره بالمشاركة والاقتراع لمن يشاء، حيث بدا أن تيار المستقبل يتدرج في مواقفه وصولا الى إمكانية إعلانه مقاطعة الانتخابات.

وفي هذا السياق يقول الكاتب السياسي منير الربيع إن "السنيورة يتعرض لمحاولات تطويق وتهشيم من قلب البيت السني الداخلي، عبر الضغط من قبل مسؤولين في تيار المستقبل على النواب والشخصيات وبعض المرشحين المحتملين".

ويهدف هذا إلى ثنيهم عن الترشح مع السنيورة أو التحالف معه، أو تكثيف الحملات لمقاطعة الانتخابات، وفق ما أوضح لـ"الاستقلال".

وتحدث عن إصرار السنيورة على المضي قدما في تشكيل لوائح في كل لبنان بالتحالف مع القوات والحزب الاشتراكي، أو مع شخصيات سنية لتأمين الحضور وسد الفراغ.

لكنه أشار إلى سعي تيار المستقبل لتخوين كل من يتواصل مع "القوات اللبنانية"، وإلى وجود معطيات عن أن حملة الضغوط ستتكثف للجم السنة عن المشاركة في الانتخابات ورفع نسبة المقاطعة، بهدف الطعن في شرعية من وصل إلى المجلس النيابي.

ورأت الصحافية ميسم نحاس في مقال بصحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله أن خروج سعد الحريري من المشهد السياسي والانتخابي كان يفترض أن يكون هدية مجانية لخصومه داخل الطائفة السنية.

لكن واقع الحال يشي بالعكس، حيث بدا الانسحاب أشبه بالانقلاب على الطائفة، وأنه أحدث إرباكا في صفوف الجماهير وأصحاب الدور السياسي، وفق ما قالت في 14 مارس/ آذار 2022. 

وتعتبر نحاس أن هذا ما انعكس سلبا على حركة السنيورة، ولا سيما في ظل هجوم تيار المستقبل عليه وتصويره أنه بات خارج "جلباب الحريرية السياسية"، وأفضى إلى تزايد الحديث عن مقاطعة الانتخابات.

وتنقل عن مصادر (لم تسمها) إمكانية إصدار سعد الحريري بيانا ضد السنيورة في الأيام المقبلة، قد يدعو فيه إلى مقاطعة الانتخابات ولو بشكل غير مباشر. 

كما أن الصحيفة نفسها أوردت في اليوم التالي خبرا عن تلقي مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان رسالة من سعد الحريري، تضمنت لوما وعتبا شديدين على انحيازه إلى السنيورة في حراكه الساعي إلى وراثة آل الحريري وتيار المستقبل.

 وقد حاول المفتي التواصل مع الحريري من دون جدوى، وهو ما نفاه المكتب الإعلامي لرئيس تيار المستقبل تماما. 

قيادات جديدة

بيد أن ما حصل في الأيام التالية يؤكد وجود ضغوط من الحريري على نوابه لعدم الترشح، وعلى قياديي تياره لعدم المشاركة. 

فقد انهالت بيانات العزوف عن الترشح من قبل مسؤولي المناطق وشخصيات قيادية داخل تيار المستقبل كانت تعتزم خوض غمار الانتخابات. 

كما أعلن أربعة نواب سنة من كتلة الحريري عزوفهم عن خوض الانتخابات. وبدت حركة البيانات كأنها منظمة ومعدة سلفا، وضمن معركة تسجيل النقاط على حساب السنيورة وحراكه السياسي. 

ولا شك أن هذه الانسحابات والضغوط المستمرة أضعفت من وهج حراك الأخير وإن لم تستطع إيقافه.

وفي هذا الإطار، يقول الكاتب السياسي محمد شقير في مقالة بصحيفة "الشرق الأوسط" في 13 مارس 2022، إن السنيورة لا يتطلع إلى تشكيل لائحة برئاسته بمقدار ما يرعى الاتصالات، ويتولى التنسيق بين عدد من الشخصيات لحثها على الترشح.

ويشير شقير إلى أن عزوف نائب بيروت رولا الطبش، المقربة من الحريري، يصب في خانة الالتفاف على دور السنيورة في لملمة الوضع في الشارع السني.

 ويلفت إلى أن السنيورة قطع شوطا كبيرا على طريق وضع اللمسات الأخيرة على لائحة المرشحين التي يرعاها شخصيا، مشيرا إلى مشاوراته مع كبرى العائلات البيروتية لضم ممثلين عنها. 

وهذا ما حصل بالفعل، حيث أعلن السنيورة عزوفه عن الترشح في 15 مارس، وهو اليوم الأخير لتقديم الترشيحات، بعدما كان سبقه رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي بيوم واحد. 

وبذا يكون جميع رؤساء الحكومات حاليا وسابقا قد امتنعوا عن ترشيح أنفسهم، في سابقة لم تحدث من قبل، لكن ذلك لا يعني أنهم نأوا بجانبهم عن الانتخابات.

فالسنيورة قال في بيانه إن عزوفه عن الترشح ليس من باب الاستنكاف أو المقاطعة، بل لإفساح المجال أمام طاقات جديرة ووجوه جديدة.

وأكد أن "اللحظة ليست لإحراز المناصب ولا للحلول مكان أحد، إنها لحظة وطنية وأخلاقية بامتياز من أجل العمل بإرادة حازمة وشجاعة للإسهام العملي في إيفاء جزء من الحقوق المترتبة علينا جميعا لوطننا لبنان". 

وأكد أنه سيكون معنيا بشكل كامل بهذا الاستحقاق الانتخابي جملة وتفصيلا، مجددا الدعوة إلى كل اللبنانيين بالمشاركة في الاستحقاق المهم والمفصلي "كي لا يتاح للوصوليين والطارئين تزوير التمثيل وتعبئة الفراغ الذي يمكن أن ينجم عن الدعوة لعدم المشاركة"، خاتما بيانه بأن الانتخابات المقبلة هي "معركة أن نكون أو لا نكون".

ويرى الكاتب السياسي سامر زريق أن "مبادرة السنيورة هي محاولة للحؤول دون مصادرة حزب الله وحلفائه لقرار السنة، وللدور الذي يمكن أن يلعبه نوابها في مؤسسات الدولة". 

ويضيف في حديث لـ"الاستقلال" بأن "التحدي الأكبر أمام هذه المبادرة يكمن في قدرتها على إعادة استنفار الجمهور السني كي ينزل إلى حلبة الاقتراع بكثافة، انطلاقا من عدم جواز إخلاء الساحة"، لافتا إلى أن تحرك السنيورة لقي أصداء طيبة لدى قطاعات لا بأس بها من الجمهور. 

ويلفت زريق إلى أن "قدرة مبادرة السنيورة على استنفار السنة والحريريين بشكل خاص ستظهر عبر تشكيل اللائحة في بيروت، لينسحب الأمر على دوائر أخرى طبقا لطريقة إدارة المعركة، في وقت سيتولى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إدارة المعركة الانتخابية في مدينة طرابلس (معقله)".

ويشير زريق إلى وجود نوع من التشجيع العربي لمبادرة السنيورة وإن لم يرق إلى مرحلة الدعم المباشر.

 وهو ما يتفق مع المعلومات التي انتشرت في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عن اجتماع عقد بين السنيورة ومسؤول أمني سعودي رفيع المستوى في باريس مؤخرا.

وعلى الرغم من عدم تأكيد الخبر من قبل السنيورة إلا أن عدم تكذيبه من قبل السفارة السعودية أو سفيرها في بيروت وليد البخاري قد يشير إلى حدوثه.

ويبقى السؤال: هل ينجح السنيورة في استنهاض الشارع السني لسد فراغ غياب الحريري؟