طيران مباشر بين شرم الشيخ وتل أبيب.. إمعان بالتطبيع أم دعم للسيسي؟

12

طباعة

مشاركة

بعد لقاءات سرية، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت عن الاتفاق مع مصر لزيادة الرحلات الجوية بإطلاق خط طيران جديد مباشر بين تل أبيب وشرم الشيخ من المتوقع أن يبدأ في أبريل/نيسان 2022.

واعتبر بينيت عبر بيان في 16 مارس/آذار 2022، أن هذا الخط "خطوة أخرى في تسخين اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر"، وتحدث عن "توسع رقعة التعاون القائم بين الدولتين في العديد من المجالات".

وهذا ثاني خط طيران مباشر في ثمانية أشهر، إذ سبق أن افتتحت مصر للطيران خطا مباشرا بين القاهرة وتل أبيب للمرة الأولى في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بعد زيارة بينيت لمصر، والتي تعد الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي منذ أكثر من عقد.

وجاء تحديد موعد تدشين خط شرم الشيخ قبل عطلة عيد الفصح اليهودي (15-23 أبريل/نيسان 2022) التي تشهد توافد الإسرائيليين على منتجعات البحر الأحمر المصرية، حتى تخفف الرحلات الجوية من طوابير السياح عبر معبر "طابا".

دفن السلام البارد 

بعد ستة أشهر من تعيين السفيرة الإسرائيلية في مصر، أميرة أورون، اعترفت في حوار مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"في 11 يناير/كانون الثاني 2021 بالحقيقة التي بسببها غيرت إسرائيل 14 سفيرا منذ 1979 غادروا مبكرا، وهي "رفض المصريين للتطبيع".

وقالت أورون: "لا تزال في البلاد مشاعر راسخة مناهضة للتطبيع، والنقابات ترفض أي تطبيع مع إسرائيل"، لكنها توقعت تسخين (رئيس النظام الحالي) عبد الفتاح السيسي للسلام وطرقه أبواب إسرائيل لأسباب تجارية، وزراعية والطاقة، مشيرة إلى "تغييرات جارية".

ويأتي الخط الإسرائيلي الثاني المباشر بين تل أبيب وشرم الشيخ، ضمن خطوات السيسي لدفن السلام البارد، ضمن سلسلة خطوات قام بها للتنسيق الأمني وزيادة التبادل التجاري والسماح بالاحتفال بذكرى "الهولوكوست" في القاهرة لأول مرة.

وفي 24 يناير/كانون الثاني 2022، استضافت السفارة الأميركية بالقاهرة، للمرة الأولى، فعالية إحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، في واحد من أبرز فنادق العاصمة المصرية المطلة على النيل.

وحضر الفعالية رئيسة الجالية اليهودية في مصر، ماجدة هارون، وعدد من أعضاء الجالية القليلة المتبقية، وسفيرة إسرائيل بالقاهرة، أورون، مع غياب تمثيل رسمي مصري.

ووصفت السفيرة الإسرائيلية لقناة "الحرة" الأميركية في 26 يناير/كانون الثاني 2022 "إحياء الذكرى في القاهرة" بأنه "يفتح آفاقا جديدة من العمل المشترك لمواجهة العنصرية والأفكار المتطرفة".

وفي علامة أخرى على دفء العلاقات الثنائية، شارك رياضيون إسرائيليون في بطولة كأس العالم للجمباز الفني بالقاهرة خلال الفترة ما بين 17-20 مارس/آذار 2022.

وهذه هي المسابقة الرياضية الأولى في مصر منذ بطولة العالم للجودو 2005 التي يشارك فيها فريق كبير من الرياضيين الإسرائيليين، بحسب صحيفة "المونيتور" الأميركية في 16 مارس 2022.

وسبق هذا في 14 فبراير/شباط 2022 تقديم السيسي لفتة تصدرت عناوين الصحف العبرية حين دخل قاعة المؤتمرات بالقاهرة وتوجه مباشرة لتحية وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار.

وربما لهذا وصف "بينيت" هذ الخط بأنه "خطوة أخرى في تسخين اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر"، واعتبره مراقبون "دفنا للسلام البارد" الذي اشتهر بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاق السلام عام 1979.

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2021، التقى السيسي وبينيت في لقاء هو الأول من نوعه، بشكل رسمي، في منتجع شرم الشيخ، ووصف بينيت اللقاء بـ"المهم جدا والجيد للغاية"، وقال: "وضعنا الأساس لتعميق الروابط وتعزيز مصالح بلادنا". 

وبعد نحو شهر من لقاء السيسي وبينيت، ذكرت قناة "كان" العبرية الرسمية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن القاهرة طلبت من تل أبيب زيادة معدل التجارة بينهما.

وأشارت إلى أن رئيس جهاز مخابرات النظام المصري، اللواء عباس كامل، عقد مباحثات مع وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية، أورنا باربيفاي، في معبر "نيتسانا" الحدودي لتوسيعه من أجل استيعاب أكبر كم من البضائع المنقولة بين القاهرة وتل أبيب.

وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2021، إلى 122.4 مليون دولار، مقارنة بـ92 مليون دولار في 2020، وفق تقرير نشرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية (حكومية) في سبتمبر/أيلول 2021.

تعويض سياح روسيا

خطوة تدشين خط تل أبيب شرم الشيخ، ورغم أنها بدأت مبكرا منذ منتصف 2021، إلا أنها تبدو محاولة لتعويض السياحة الروسية والأوكرانية التي تبخرت بعد الحرب التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022، وعودة شرم الشيخ إلى مدينة أشباح مرة أخرى.

ويؤكد هذا قول وسائل إعلام إسرائيلية إن "الجانب المصري هو الذي طلب تسيير خط الطيران إلى شرم الشيخ، بهدف دعم اقتصاد السياحة في المنتجع المصري".

ووجهت الحرب الروسية في أوكرانيا ضربة لاثنين من أهم أسواق السياحة المصرية، وهما روسيا وأوكرانيا اللتان تمثلان نحو ثلث السياحة الوافدة إلى مصر، حيث تمثل السياحة حوالي 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

وكان ملفتا في إعلان بينت تدشين الخط الجديد تقديمه الشكر لـ"جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي قاد عملية إعداد مسار الحراسة الذي سيسمح بتشغيل هذا الخط"، في إشارة إلى أن هذا الأمر لم يكن خطوة مفاجئة ولكن جرى الترتيب لها منذ شهور.

ففي 9 مارس 2021، زار وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين شرم الشيخ، لأول مرة منذ "ثورة يناير 2011"، بصحبة وفد أمني واقتصادي ضخم يضم 20 رجل أعمال إسرائيلي، واستقبله نائب رئيس المخابرات، ناصر فهمي.

وبحثوا حينئذ قضايا أمنية تركزت على التعاون الاستخباري بين القاهرة وتل أبيب أبرزها ما سمي "الإرهاب الإسلامي" في سيناء وغيرها، بحسب المحلل السياسي لقناة "كان" في 9 مارس 2021.

كما "ناقشا حربهما المشتركة ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي، مع التركيز على تأمين منطقة سيناء والبحر الأحمر"، وفق "جيروزاليم بوست" في 9 مارس/آذار 2021.

ونقلت "جيروزاليم بوست" عن كوهين قوله إن "مسؤولي المخابرات في البلدين يعملون على تأمين مدينة شرم الشيخ السياحية للسماح بفتحها أمام السياح الإسرائيليين، ومصر تفعل كل شيء لجلب السياح الإسرائيليين".

وفي 11 مارس 2001، أكد موقع التلفزيون الإسرائيلي "i24news" أن "كوهين اجتمع مع المسؤولين المصريين لمناقشة فتح السياحة أمام الإسرائيليين". 

فيما كشفت صحف عبرية حينئذ أن وزير الاستخبارات الإسرائيلي زار جدار أو سور شرم الشيخ الذي أنهت مصر بناءه لـ"حماية السياح الإسرائيليين وغيرهم"، ويمنع دخول أهالي سيناء للمدينة سوى من أربعة أبواب أمنية محصنة بعد تفتيش دقيق.

وكان ذلك ضمن ترتيبات لزيادة أعداد السياح الإسرائيليين للمدينة ومنتجعات البحر الأحمر وسيناء، تعويضا للسياحة الروسية والغربية المتراجعة لأسباب أمنية وتفشي فيروس كورونا، والتي عادت نفس أسبابها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وضمن اتفاق الترتيبات الأمنية لتدشين هذا الخط، استقبل نظام السيسي أيضا في 8 أغسطس/آب 2021 رئيسي مجلس الأمن القومي الإسرائيلي القديم، مئير بن شبات، وخليفته الجديد في المنصب، إيال حولاتا.

والتقاهم رئيس جهاز المخابرات العامة، كامل، إضافة لعدد من قيادات الجهاز، لترتيب أمن السياح الإسرائيليين في شرم الشيخ، وخلال الاجتماع الرسمي الأول بين السيسي وبينيت في سبتمبر/أيلول 2021 بشرم الشيخ تم وضع اللمسات الأخيرة للاتفاق.

وسيؤدي الخط الجديد إلى توسيع نطاق الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، مما يسمح للإسرائيليين بالوصول إلى شرم الشيخ بالطائرة بدلا من التاكسي أو الحافلات، وهما وسيلتا النقل الوحيدتان الممكنتان حاليا.

تفاصيل الخط 

ومهدت مصر وإسرائيل لتدشين خط تل أبيب –شرم الشيخ، بعدة خطوات، أبرزها قرار صدر في 18 أغسطس/آب 2021، من جانب إسرائيل، بتخفيض مستوى التهديد الموجة للإسرائيليين بمنتجعات سيناء.

وخفضت مستوى "التهديد الإرهابي في شواطئ سيناء وشرم الشيخ" درجتين، بعد مرور 17 عاما منذ رفع تل أبيب مستوى التهديد بسيناء عام 2004 عقب "تفجيرات طابا" التي قتل فيها إسرائيليون.

القرار أعلنته هيئة الأمن القومي الإسرائيلية التي أبرمت اتفاق تدشين خط بن غوريون-شرم الشيخ، وتزامن مع زيارة رئيس مخابرات النظام المصري، إلى تل أبيب لبحث العلاقات الثنائية.

كما صدر بالتزامن أيضا مع سفر وفد أمني إسرائيلي إلى شرم الشيخ وفق إعلان رسمي من البلدين، للقيام بترتيب عملية حماية السياح الإسرائيليين في سيناء.

حينئذ قال البيان الصادر عن هيئة الأمن القومي الإسرائيلية، بأن تخفيض مستوى التهديد بتلك المنتجعات المصرية نزل من المستوى رقم 1 إلى 3، وأن هذا الأمر "طرح خلال لقاء رئيس الوزراء بينيت مع عباس كامل".

وقبل هذه الخطوة، كشف موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 31 مايو/أيار 2021 أن عباس كامل، اتفق مع وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، على زيارة بعثة أمنية إسرائيلية إلى شرم الشيخ، لبحث الإجراءات الأمنية.

وعلقت السفيرة الإسرائيلية لدى القاهرة أميرة أورون، على قرار بلدها في 18 أغسطس 2021 بالقول: "هذا التطور بمثابة خطوة حميدة ستسهم في تطوير وتعزيز العلاقات بين البلدين عموما وفي مجال السياحة خصوصا".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2004، شهد منتجعان سياحيان في مدينة طابا بجنوب سيناء تفجيرات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 34 شخصا وإصابة أكثر من 150 معظمهم إسرائيليون.

وفي 2019 سجل معبر طابا مرور نحو نصف مليون إسرائيلي إلى سيناء، بزيادة قدرها 30 بالمئة عن 2018، فيما وصل عدد الإسرائيليين الذين مروا في 2020 قبل إغلاق المعبر إلى 34 ألفا، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية.

200 ألف سائح إسرائيلي

رغبة مصر في تعويض سياح روسيا وأوكرانيا، دفعت السفيرة الإسرائيلية في مصر، أورون، لتوقع أن يتوجه 200 ألف سائح إسرائيلي إلى مدينة شرم الشيخ بعد الإعلان عن تدشين الخط الجوي المباشر بين مطار بن غوريون وهذه المدينة.

وقالت أورون، خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي في 17 مارس/آذار 2022، أن "تدشين الرحلات المباشرة مع مصر سيساعد على تطوير العلاقات الثنائية وسينجم عنه تفاعل مثمر بين السائح الإسرائيلي والمواطنين المصريين"، أي ما معناه "التطبيع الشعبي".

وكشفت هيئة البث "مكان" الإسرائيلية في 16 مارس/آذار 2022 أنه "تم الاتفاق على إعفاء السياح الإسرائيليين المتوجهين إلى شبه جزيرة سيناء من الحصول على تأشيرة دخول".

ولفتت إلى أن شركة "إسرائير للطيران" ستسير ثلاث رحلات جوية يوميا إلى شرم الشيخ، وتوقعت سفر 70 ألف سائح إسرائيلي سنويا عبر هذا الخط المتجه لشرم الشيخ بخلاف خط القاهرة.

ووفقا لبيانات سابقة لوزارة السياحة، فإن عدد السياح الروس عام 2015 قبل توقف الرحلات إلى مصر بسبب تفجير طائرة روسية فوق سيناء، بلغ 3.2 ملايين بنسبة 33 بالمئة من إجمالي السياحة الوافدة لمصر.

وكانت الحكومة المصرية تتوقع أن تستقبل ما بين 300 و400 ألف سائح روسي شهريا مع عودة السياحة الروسية لمصر في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

لكن عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت وزارة السياحة المصرية أن عدد السياح الروس الموجودين في فنادق مصر حوالي 35 ألفا، خصوصا في مدينتي شرم الشيخ والغردقة.

إضافة إلى 20 ألف سائح أوكراني استضافتهم مصر مجانا لصعوبة عودتهم إلى بلادهم مدة أسبوعين قبل إعادتهم لدول أوروبية قريبة من أوكرانيا على نفقة مصر أيضا.