تسوية عادلة وإلغاء الأحكام.. حلول مقترحة لأزمة "المدرسين المتعاقدين" بالمغرب
أثارت الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد مما يعرف بـ"الأساتذة المتعاقدين"، موجة غضب واستياء شعبي واسع في المغرب خاصة في صفوف الأطر التعليمية والهيئات النقابية والسياسية.
ففي 10 مارس/آذار 2022، قضت المحكمة الابتدائية بالرباط، بثلاثة أشهر حبسا نافذا بحق أستاذة الفلسفة نزهة مجدي.
فيما حكمت على 32 أستاذا بشهرين مع وقف التنفيذ، وقضت بحق 12 آخرين بشهرين موقوفة التنفيذ وغرامة 1000 درهم (100 دولار).
وأدين الأساتذة المتعاقدون بتهم "عرقلة الطريق العمومية، وإهانة رجال القوة العمومية، وارتكاب العنف في حقهم، والتجمهر غير المسلح دون ترخيص".
أصل الحكاية
جاءت متابعة "المدرسين المتعاقدين" عقب اعتقالات طالتهم خلال مسيرات احتجاجية بالتوازي مع خوضهم لإضراب وطني عن العمل لمدة أسبوع كامل ابتداء من 28 فبراير/شباط 2022 إلى غاية 6 مارس 2022.
وشهدت المسيرات الاحتجاجية لـ"المدرسين المتعاقدين"، بالعاصمة الرباط أيام 2 و3 و4 مارس 2022، تدخلا أمنيا أسفر عن إصابات واعتقالات في صفوف المحتجين.
وتدخلت القوات العمومية بالقوة لفض مسيرات المدرسين المحتجين، وجرى دفعهم ومطاردتهم وضربهم من أجل تفريقهم.
وتأتي هذه الخطوات الاحتجاجية وفق بيان ما يعرف بــ"التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد"، تعبيرا عن إدانتها لما وصفته بـ"تجاهل مطالب الأساتذة"، واستمرار المتابعات والمحاكمات في حق عدد كبير منهم، الذين اعتقلوا عقب المسيرة الوطنية التي نظموها بالعاصمة الرباط في أبريل/نيسان 2021.
يرجع أصل حكاية توظيف المدرسين عبر نظام التعاقد لسنة 2016، إلى إطلاق الحكومة المغربية مباريات توظيف بعقود أمام حاملي الشهادات العليا مع حاجة قطاع التعليم لأعداد كبيرة من المدرسين.
وزارة التعليم، أوضحت في بيان أصدرته في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أن العقود التي ستربط المدرسين بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (مديريات التعليم بالمحافظات)، يمكن أن تتحول من عقود محددة المدة (سنتان) إلى أخرى تجدد تلقائيا سنويا.
وأشارت إلى أن فسخ العقد لا يمكن أن يجري إلا في حالة إخلال المتعاقد بإحدى بنود العقد.
وفي 27 مارس 2019 أعلن وزير التعليم السابق سعيد أمزازي، عن التخلي بطريقة نهائية عن مفهوم التعاقد واعتماد التوظيف العمومي الجهوي.
وأوضح الوزير في ندوة صحفية، أن قطاع التعليم يضم فئتين، الأولى هي المؤطرة بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية (المدرسون المعينون قبل سنة 2016).
والفئة الثانية هي المؤطرة بالنظام الأساسي للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (المدرسون المتعاقدون).
وفي 27 أبريل 2021، أكد أمزازي، في مداخلة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي)، أن جميع حقوق الأساتذة أطر الأكاديميات مضمونة بعد التخلي بصفة نهائية عن التعاقد ودمجهم في وضعية نظامية".
ولفت إلى أن النظام الأساسي الحالي يوفر لهم الاستقرار المهني والأمن الوظيفي، والمساواة في جميع الاستحقاقات المهنية.
غير أن هذه التأكيدات لم تقنع "المدرسين المتعاقدين"، الذين يرى بعضهم أنهم "يعملون خارج أي إطار قانوني".
لذا يبقى مطلبهم الأساسي هو الإدماج في سلك الوظيفة العمومية والتخلي النهائي عن التوظيف الجهوي العمومي.
أحكام غريبة
الأحكام القضائية التي طالت المدرسين المتعاقدين، كانت محط استنكار وإدانة من قبل النقابات التعليمية التي نددت بمنطق المحاكمات لرجال ونساء التعليم، معلنة انخراطها في برنامج نضالي احتجاجا على الحط من كرامة نساء ورجال التعليم.
عبد الإله دحمان، الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أكد رفض نقابته "تغليب منطق المحاكمات المفضية إلى تجريم النضال المشروع والمسؤول على خلفية المطالبة بالحقوق أو تصحيح أوضاع مهنية ناجمة عن سوء تدبير القطاع الحكومي أو الوزارة الوصية".
واستنكر دحمان، في حديث لـ"الاستقلال"، ما وصفه بـ"الأحكام الغريبة التي تلت محاكمة ثلة من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد على خلفية احتجاجاتهم ومطالبتهم بالحق في التسوية الإدارية المنصفة من خلال الاستجابة لمطلب الإدماج"،
واعتبر أن المتابعات القضائية والمحاكمات القاسية بحق مكوني الأجيال، مدخل غريب عن قطاع التربية والتكوين باعتباره يزيد الوضع احتقانا وتأجيجا، ويهدم أسس الاستقرار داخل المنظومة التربوية التكوينية، ويقضي بالتبع على الأجواء السليمة والضرورية للنهوض بالمدرسة العمومية والتجاوب مع متطلبات الإصلاح التربوي.
النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أدانت في بيان صدر عن مكتبها الوطني في 11 مارس 2022، بشدة "الأحكام الجائرة، والمتابعات القضائية الكيدية، في حق الأستاذات والأساتذة".
وأكدت أن "الأمر تجاوز حدود الردة الحقوقية التي يعرفها المغرب، وإغلاق القوس، وشطب الهامش، واستهداف الحق في التعبير والتظاهر السلمي، وأضحى دليلا صريحا وبرهانا ساطعا على غياب الإرادة السياسية لإصلاح التعليم، وهجوما خطيرا وغير مسبوق على المدرسة العمومية وعلى كرامة نساء ورجال التعليم".
ولذلك، نفذت الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، إضرابا عاما وطنيا يومي 17 و18 مارس 2022، "تنديدا بالقمع والاعتقال والمحاكمات الصورية المسلطة على الشغيلة التعليمية وتضامنا مع كل الفئات المناضلة من أجل حقوقها المشروعة".
وحذرت في نداء عبر صفحتها بالفيسبوك، من أي مساس بحرية أي رجل أو امرأة تعليم، رافضين لأي تراجع يخططون له بخصوص المسار المهني والوظيفي لنساء ورجال التعليم ولمستقبل المدرسة والوظيفة العموميتين ببلادنا .
بدورها، نفذت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت لواء نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إضرابا وطنيا عن العمل يوم 12 مارس 2022 .
ودعت في بيان لها، إلى تغليب منطق العقل والحكمة والإنصات للمتضررين والإفراج عن المعتقلات والمعتقلين.
وسجلت النقابة استغرابها لقساوة الأحكام التي طالت الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد على خلفية احتجاجاتهم ومطالبتهم بالحق في التسوية الإدارية المنصفة من خلال الاستجابة لمطلب الإدماج.
عنف وتنصل
أما المكتب الوطني للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، فأدان "العنف اللامبرر بحق الأساتذة"، مستنكرا ما سماه بـ”المحاكمات الصورية والأحكام الجائرة في حق المعلمات والأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد".
ودعت الجمعية، في بيان لها، إلى “إسقاط الحكم النافذ بثلاثة أشهر في حق أستاذة الفلسفة نزهة مجدي، وإلغاء كل الأحكام الموقوفة التنفيذ في حق جميع الأستاذات والأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
المنتدى المغربي للحق في التربية والتعليم، استنكر بدوره ما أسماه "إفراط الحكومة في استعمال العنف ضد نساء ورجال التعليم المحتجين".
ونبه المنتدى في بيان له، إلى "خطورة تأثير ما تتناقله وسائل الإعلام من صور كر قوات الأمن بزيها الرسمي، وفر الأساتذة بوزارتهم البيضاء في الشوارع، وأحكام الإدانة بالحبس في حقهم".
واعتبر أن ذلك "إساءة إلى الصورة التي يتم ترسيخها في أذهان المتعلمين حول المدرسة، وبالنتيجة تسفيه مسبق لكل ما قد ينتظر منها".
التنديد والإدانة للقمع والأحكام القضائية القاسية التي طالت الأساتذة، لم يقتصر على النقابات والجمعيات التعليمية، بل دخلت أيضا الأحزاب السياسية المعارضة على الخط.
نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد (معارض)، انتقدت ما وصفته بالقمع الشرس لتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، مؤكدة أن مشاهدة تعنيفهم غير مقبولة في مغرب القرن 21.
وأكدت منيب، في البودكاست الأسبوعي، الذي يعرض على صفحة حزبها الرسمية بفيسبوك، أن الأساتذة المتعاقدين تعرضوا لعنف غير مقبول، وبعضهم اعتقل دون التمييز بين الرجال والنساء، إضافة إلى صحفيات.
وتساءلت: كيف يعقل أن تواجه الدولة الأساتذة بالسلطوية والقمع الشرس، في حين أنها يجب أن تجلس معهم وتجد حلولا للنهوض بالمدرسة العمومية بكل أسلاكها؟اعتبر رشيد الحموني، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التقدم والاشتراكية (معارض)، أن سبب تصاعد الاحتقان في ملف الأساتذة المتعاقدين، راجع بالأساس إلى "تنصل الحكومة من الوعود التي قدمتها الأحزاب المشكلة لها لهؤلاء الأساتذة خلال الحملة الانتخابية لتشريعيات سبتمبر/أيلول 2021".
والتي تضمنت في جوانب منها التزامات بإدماجهم في الأسلاك النظامية للوظيفة العمومية، وتحسين وضعياتهم الأجرية والمهنية.
وأضاف الحموني، في سؤال كتابي وجهه لوزير التعليم شكيب بنموسى، في 10 مارس 2022، أن وعود الأحزاب المشكلة للحكومة للأساتذة المتعاقدين "تبخرت في الشهور الأولى من ولاية هذه الحكومة".
وأشار إلى أنه عوض الجلوس حول طاولة الحوار مع الأساتذة المتعاقدين، نهجت الحكومة مقاربة أمنية مع مظاهراتهم السلمية، انتهت بإلقاء القبض على الكثيرين منهم، وإحالتهم على القضاء.
ما الحل؟
بدوره، عبر عبد الله بووانو، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية (معارض)، عن التضامن المبدئي مع نساء ورجال التعليم على ما لحق البعض منهم، بسبب خوضهم أشكالا احتجاجية لتذكير الأحزاب المشكلة للحكومة بوعودها المعسولة خلال فترة الانتخابات.
وقال في تدوينة عبر فيسبوك: "مع الأسف، هذه الحكومة، عوض أن تعترف ببيعها للوهم، وتكفر عن خطئها بتسوية المشاكل العالقة في موضوع التعاقد، لجأت إلى القمع والمحاكمات".
وأوضح بووانو، أن موضوع التعاقد ما يزال يعرف بعض الإشكالات التي تتطلب حلولا تحفظ كرامة الأساتذة وتضمن لهم مسارا ومستقبلا مهنيا لا تشوبهما أي شائبة، بعيدا عن سياسة بيع الوهم التي لجأت إليها أحزاب الأغلبية الحكومية خلال الحملات الانتخابية.
وكانت الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية خاصة حزبي التجمع الوطني للأحرار والاستقلال، وعدت خلال الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية لـ8 سبتمبر 2021، بزيادة 2500 درهم لأجور نساء ورجال التعليم، وبإدماج الأساتذة المتعاقدين في أسلاك الوظيفة العمومية، وهو الأمر الذي لم يحدث لحد الآن.
ويرى متتبعون للشأن التعليمي، أن توالي إضرابات واحتجاجات المدرسين المتعاقدين تنذر بموسم دراسي صعب عبارة عن أيام إضراب تتخللها أيام دراسة، ولهذا يدعون إلى إيجاد حل عاجل لهذه الأزمة بغية إنقاذ الموسم الدراسي.
عبد الإله دحمان الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، أكد أن الحل هو "مسؤولية جماعية بعيدا عن أي تهافت لا يخدم مصلحة المدرسة العمومية وإنقاذ الموسم الدراسي"، مبينا أن عودة الاستقرار رهينة باستجابة حكومية حقيقية غير مبنية على ربح الوقت والترويج لإنجازات وهمية.
وشدد دحمان، في حديثه لـ"الاستقلال"، على أن الحل يبدأ أولا بإيقاف المحاكمات والإفراج عن المعتقلات والمعتقلين لاستعادة الأجواء السليمة والثقة والاستقرار.
ودعا رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى إنهاء هذا الملف كما التزم هو وشركاؤه، مع التعجيل بتدشين حوار وطني متعدد الأطراف يشمل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ومختلف الطيف النقابي.
كما دعا إلى العمل بشكل فوري على إيجاد حلول تتسم بالوضوح وليس التسويف تكون منصفة وتضمن حق المعنيين في الإدماج الوظيفي على أسس قانونية واضحة وعادلة تحقق الأمن الوظيفي والاستقرار المهني.
أما المحامي ورئيس الهيئة المغربية لحماية المال العام بالمغرب، محمد الغلوسي، فاعتبر في تدوينة عبر فيسبوك، أن التسوية المنصفة والعادلة لملف الأساتذة المتعاقدين تقتضي التخلي عن المقاربة الأمنية وإسقاط كل المتابعات القضائية الجارية ضدهم وفتح حوار جدي ومسؤول مع ممثليهم.
وفي ظل استمرار لعبة شد الحبل بين الحكومة و"تنسيقية المدرسين المتعاقدين"، دعا متتبعون للشأن التعليمي بالمغرب إلى تغليب صوت الحكمة لطي ملف ما يعرف بـ"المدرسين المتعاقدين"، وضمان استفادة التلاميذ من حقهم في التعلم، خاصة وأن هذا الموسم الدراسي انطلق متأخرا بشهر على الأقل بسبب جائحة كورونا.