خسارة مرشحي السيسي في انتخابات الوفد والمهندسين.. عقاب أم تغيير؟
لأول مرة منذ انقلاب 2013 وتأميم الحياة السياسية، مُني عنصران من رجال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بخسارتين انتخابيتين مدويتين في يوم واحد الموافق 11 مارس/ آذار 2022.
السيسي خسر بقاء وكيل مجلس الشيوخ، المعروف بـ"ترزي القوانين" بالبرلمان، بهاء الدين أبو شقة، كرئيس لحزب الوفد، الذي نقل أعرق الأحزاب المصرية من مربع المعارضة إلى دعم النظام بشكل فج، بعدما فاز عليه المرشح محدود الشهرة "عبد السند يمامة".
الخسارة الثانية كانت لرئيس شركة المخابرات للمقاولات "وادي النيل"، وزير النقل الأسبق، هاني ضاحي في انتخابات نقيب المهندسين أمام المرشح اليساري "طارق النبراوي"، الذي يدافع عن استقلال النقابات المهنية عن سيطرة النظام.
خسارة مزدوجة
هذه الخسارة المزدوجة في يوم واحد اعتبرها ناشطون، تصويتا ضد السيسي، باعتبارها أول اقتراع خرج بنتيجة معارضة في أحزاب ونقابات سعى النظام لتأميمها كي لا تخرج عن الخط العام الداعم للسلطة.
كما اعتبروها أنها مؤشرا مهما على شكل المرحلة المقبلة، حتى ولو كان الفائزون غير معارضين أيضا للسيسي، وذلك لأنه تصويت ضد من هم في أحضان السيسي.
لكن فريقا آخر رفض تصنيف ما جرى في حزب الوفد ونقابة المهندسين باعتباره "حراكا وتمردا على السلطة الحاكمة أو رسائل تعبر عن توجهات الرأي العام والمزاج الجمعي للناس"، معتبرين أن النظام العسكري لا يعبأ بالأحزاب أو النقابات.
وفسر فريق ثالث انتخاب غير المدعومين من السلطة بأنه "تصويت عقابي" أو "عكس التيار"، يعكس غضب نقابيين وحزبيين من دعم السلطة الفج لأبو شقة وضاحي، من خلال مؤسسات الدولة، لذا اختاروا منافسيهم غير المعروفين.
لكن تبني الفائزين نفس مواقف الخاسرين من نظام السيسي، ربما يشير إلى أن ما جرى ليس أكثر من تغيير وجوه من نفس الشريحة المؤيدة، بعدما احترقت الوجوه القديمة.
وربما يشير أيضا لخلافات بين أجهزة السلطة، حيث تشرف المخابرات على الخطوط العريضة لتأميم الحياة السياسية، بينما يطبقها أمن الدولة على الأرض، وترددت أنباء عن تضارب رغبات الجهازين في المرشحين بالوفد والمهندسين، انتهت لهذه النتيجة.
ووصف إيهاب شيحة رئيس حزب "الأصالة" السلفي، نتائج انتخابات نقابة المهندسين وحزب الوفد ضد رغبة وضغط السلطة بأنها "تدور في إطار صراعات الأجهزة السيادية الذي لسنا أي رقم في معادلتها".
انتشار ڤيديوهات مواطنين غير مؤدلجين معترضين على ضيق العيشة وإجرام السلطة وخروج نتائج انتخابات نقابة المهندسين وحزب الوفد ضد رغبة وضغط السلطة لا أستطيع تصور كل ذلك إلا في إطار صراعات الأجهزة السيادية الذي لسنا أي رقم في معادلته.
— Ehab Sheha (@ihabshiha) March 12, 2022
لكنها في النهاية خطوات في تراكم الغضب حتى الإنفجار
وأعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات حزب الوفد فوز أستاذ القانون الدولي بجامعة المنوفية عبد السند يمامة برئاسة الحزب، لمدة أربع سنوات، بعدما تفوق بـ120 صوتا عن منافسه رئيس الحزب منذ 2018 بهاء الدين أبو شقة.
كما أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقيب المهندسين فوز طارق النبراوي، العضو السابق في حزب الكرامة الناصري، على هاني ضاحي بفارق يزيد عن ألفي صوت.
وهي هزيمة جاءت رغم حشد النظام للمهندسين العسكريين، ومهندسي الشركات الحكومية والخاصة وقطاع البترول، وحشرهم في سيارات الشركات وإرسالهم للنقابة للتصويت لمرشح السيسي.
كما شارك في التصويت، وزراء؛ الإنتاج الحربي محمد أحمد مرسي، والنقل الفريق كامل الوزير، والري محمد عبد العاطي، ورئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، ورغم هذا سقط المرشح الحكومي.
دلالات الخسارة
مؤشرات عديدة كانت تشير لاحتمالية خسارة أبو شقة انتخابات رئاسة الوفد بسبب حالة الغضب داخل الحزب، وهيمنته عليه وتطويعه لخدمة نظام السيسي وعمله هو ونجله ونجلته لصالح أحزاب السلطة وتمرير قوانينها القمعية في البرلمان.
فنفذ أبو شقة سلسلة انقلابات داخل الحزب، لإبعاد المطالبين بالحفاظ على مسار الحزب بعيدا عن السلطة، أبرزه انقلاب 9 فبراير/ شباط 2021، الذي فصل بموجبه، بدعم من الشرطة، تسعة من كبار قيادات الحزب.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 اتهمه أعضاء بوضع كاميرات تجسس عليهم داخل الحزب لمراقبتهم، وإبلاغه قوات الأمن لاعتقال عدد من شباب الحزب، ومقايضتهم على الاستقالة من مناصبهم الحزبية مقابل الإفراج عنهم.
لهذا يبدو التصويت عقابيا لرئيس الحزب الخاسر، وليس حبا في رئيس الحزب الجديد (يمامة) الذي لا يرضى عنه وفديون أيضا، لأنه يعتنق نفس أفكار أبو شقة حول دعم السيسي، لكن اختاروه كبديل وحيد متاح، لإزاحة القديم ونقل رسالة للسلطة.
وكان ملفتا أن أول شيء فعله معارضو أبو شقة بعد خسارته هو إزالة الكاميرات الداخلية في الحزب التي قام بتركيبها في وقت سابق، بحسب ما أكده صحفيون وموقع "القاهرة 24" الأمني في 12 مارس 2022.
كما عاد للظهور في الحزب كثير من أعضائه ممن فصلهم أبو شقة أو منع دخولهم، وأبرزهم النائب محمد عبد العليم داوود، وأيضا الرئيس السابق للحزب السيد البدوي.
"عادل صبري" رئيس تحرير "بوابة الوفد" السابق، وأحد ضحايا أبو شقة، اعتبر خسارة الأخير وفوز يمامة "له دلالة كبيرة تبشر بإمكانية التغيير الديمقراطي إذا كان الشعب يعي ما يريد ومستعدا لامتلاك إرادته وقراره".
وأوضح، في تحليل للنتيجة عبر فيسبوك، أنه كانت "هناك ثورة مكتومة في الوفد قادها الشباب وأدارها شيوخ وعائلات تعرضت للفصل والاضطهاد والإساءة لأعمالهم وسمعتهم".
وأضاف: "استطاع الوفديون التغيير رغم وجود الخصوم في أحضان السلطة وبدعم من شخصيات أمنية في النظام وخارجه".
وأرجع صبري فوز يمامة لأن حملته رفعت شعار "عودة المفصولين والذين تعرضوا للإساءة ودفع بهم إلى الخارج وتمت ملاحقتهم في أقسام الشرطة"، بتحريض من أبو شقة.
وهدد أبو شقة أعضاء الهيئة العليا للحزب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، على الملأ قائلا: "أنا بتاع الدولة والأجهزة الأمنية، ومن يعترض منكم سأفصله وأحبسه".
لم الشمل
وفي مؤتمر صحفي، عقب إعلان النتائج، قال سكرتير عام الحزب وعضو اللجنة المشرفة على الانتخابات فؤاد بدراوي، إن الفترة المقبلة ستشهد "لم شمل الوفد وعودة المفصولين".
وسبق لصحيفة "مونيتور" الأميركية الإشارة في 17 سبتمبر/ أيلول 2019، إلى سعي سلطة السيسي للسيطرة على حزب الوفد وقيادة الصراع بين أبو شقة وخصومه.
وحين جرت خلافات عام 2015 بين رئيس الحزب آنذاك السيد البدوي، ونائبه فؤاد بدراوي، اجتمع السيسي بقيادات الوفد بدعوى الوساطة بينهم، لكن نظامه انقلب لاحقا على البدوي ودعم أبو شقة.
وساعد على فوز "يمامة" تنازل المرشح ياسر قورة عن المنافسة لصالحه، وأكد أنه سعى لدمج حملته مع حملة يمامة "لتقوية الجبهة المواجهة لأبو شقة"، ما سهل هزيمته الأخير.
وكان أبرز هدف لحملة ياسر قورة، المحسوب على تيار الإصلاح في الحزب، هو عودة رموز الوفد المفصولين أو الذين تم إسقاط عضويتهم ومنهم السيد البدوي رئيس الحزب السابق.
وأعلن "يمامة" في مؤتمر صحفي في 17 فبراير 2022 أن "عودة المفصولين أول قراراتي في حال فوزي برئاسة حزب الوفد".
وأكد أنه "يريد إعادة إحياء حزب الوفد ليكون شريكا في العملية السياسية، لأنه غاب عن المشهد السياسي أربع سنوات، بسبب عدم احترام قادته نصوص اللائحة الخاصة به، ولفظهم المخالفين لهم خارجه".
وعين السيسي، أبو شقة لرئاسة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب حيث تولى ترقيع القوانين على مقاس السلطة، ثم عينه مجددا عقب انتخابات 2021 وكيلا لمجلس الشيوخ.
كما عين السيسي أيضا نجله، محمد أبو شقة، عضوا بلجنة الإصلاح التشريعي التابعة لوزارة العدل، إلى جانب كونه المستشار القانوني لحملة الرئيس الانتخابية منذ عام 2014.
وتم اختيار نجلته (أميرة) لعضوية مجلس النواب ضمن المقاعد المخصصة لحزب الوفد بالقائمة الوطنية الموحدة التي أشرف عليها النظام عام 2020.
وهو الأمر الذي تسبب في استقالة عدد من قيادات الحزب وقتها، وقيام أبو شقة بالتنكيل ببقية من رفضوا التحالف مع أحزاب السلطة في قائمة واحدة مقابل مقاعد أقل في البرلمان.
ومع ذلك، كان ملفتا أن أول تصريح أدلى به يمامة، رئيس الوفد الجديد هو قوله إن "الحزب سيظل دوما على العهد في دعم القيادة السياسية، والقوات المسلحة المصرية، وجميع مؤسسات الدولة خلال الفترة المقبلة".
ويؤيد "يمامة" السيسي بقوة حتى إنه اقتراح تعديل مقدمة الدستور، لحذف ثورة 25 يناير منه وقصرها على 30 يونيو، كما طالب بالنص في الدستور على دور السيسي في نجاح "ثورة 30 يونيو".
وزعم أن الدستور ذكر أسماء زعماء مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر والسادات وأغفل ذكر اسم السيسي!
خسارة المهندس العسكري
لا ينتمي النقيب السابق- وزير النقل الأسبق هاني ضاحي، الذي خسر في انتخابات نقابة المهندسين- للجيش، لكنه تولى العديد من المناصب الأمنية، أبرزها رئاسة شركة وادي النيل التابعة للمخابرات، ما دفع كثيرين لتصنيفه ضمن النظام العسكري.
كان هذا أحد الأسباب الرئيسة للتصويت ضده من جانب غالبية المهندسين، بخلاف فشله في تحسين خدمات المهندسين واتهامه بالفساد.
وجاء تسريب بيانات من نقابة المهندسين عن البدلات الضخمة التي يأخذها من اشتراكات الأعضاء لحالة غضب ضده.
وأحد المهندسين أبلغ "الاستقلال" أنه وزملاءه أغضبهم حشد السلطة لإنجاح مرشحها المهزوم، والتوجيه العام بدعم مرشح دون الآخر، مثل استضافة المذيع عمرو أديب لهاني ضاحي للدعاية له دون المنافس النبراوي.
وأوضح، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن مهندسي شركات القطاع العام وصلت لهم تعليمات أمنية بالذهاب للتصويت لمرشح السلطة، مع إحضار ما يثبت ذلك مثل تصوير لجنة الانتخابات ومشاركة الموقع عبر تطبيق واتسآب خلال وجودهم بالنقابة!
وصدرت تعليمات للوزارات والجهات الحكومية التي تضم مهندسين، مثل وزارتي البترول والري، ومهندسي القوات المسلحة من خريجي الكلية الفنية العسكرية، للتصويت لصالح هاني ضاحي، ومع ذلك خسر.
بالمقابل، كان ما جعل لفوز النبراوي نكهة سياسية، أنه محسوب على التيار اليساري وكان عضوا سابقا في حزب الكرامة (الناصري)، لكنه استقال منه بعد فوزه بمنصب النقيب عام 2014.
بينما "ضاحي" هو رئيس لجنة النقل في حزب "مستقبل وطن"، الذي يعتبر حزب السلطة ويمثل الأغلبية في مجلس النواب، كما أن قائمته الانتخابية "في حب مصر" ضمت خمسة ينتمون إلى "تنسيقية شباب الأحزاب" المدعومة من السيسي.
أيضا كان النبراوي خلال الفترة من عام 1971 إلى عام 1973 رئيسا لاتحاد طلاب كلية هندسة عين شمس، وعضوا باتحاد طلاب الجمهورية عن التيار اليساري.
وخلال عامي 2004-2003، كان أحد المؤسسين الرئيسين لتجمع "مهندسون ضد الحراسة" من أجل إنهاء الحراسة التي كانت مفروضة على نقابة المهندسين بحكم قضائي، ونظم وقتها مظاهرات واعتصامات المهندسين المطالبة بذلك.
لا سياسة بالنقابة
لكن على طريقة رئيس حزب الوفد الجديد بإعلان دعمه للسلطة والسيسي، قال النبراوي في أول تصريح له لموقع "مدى مصر" في 12 مارس 2022: "لن نسمح بأي عمل سياسي داخل النقابة".
وقال: "لا نتحدث في النقابة إلا عن أمور المهنة وخدمات المهندسين والعمل النقابي، ومن له انتماء سياسي حزبي يخلع هذا الرداء بمجرد دخوله مقر النقابة".
كما صرح النبراوي قبل بدء الانتخابات أن أولوية قائمته هو "نزع السياسة عن العمل النقابي"، مضيفا: "لا ينبغي أن يحتفظ المرشحون بعضوياتهم الحزبية".
وقال: "يمكن أن يكون لأي منهم انحيازه السياسي، لكن لا ينبغي أن يرتبط بعضوية حزبية، أنا شخصيا استقلت من عضوية حزب الكرامة إبان انتخابات نقابة المهندسين عام 2014 التي أوصلتني لمنصب النقيب".
وفي 15 فبراير/ شباط 2022 اشتكي النبراوي من استغلال المرشحين نفوذهم في الدعاية بالجهات الحكومية التي يرأسونها، ونشر مستقلون شكوى للجهات الرسمية حول استغلال مرشحين مناصبهم "المزدوجة" النقابية والحكومية.
وكان النبراوي دعا عام 2014 عقب انقلاب السيسي، مع 176 مهندسا من جبهة الإنقاذ، لعقد جمعية عمومية غير عادية بدعوي "إنهاء سيطرة الإخوان على نقابة المهندسين" وإجراء انتخابات جديدة.
ودفع هذا المهندس ماجد خلوصي نقيب المهندسين ومجلس النقابة المنتخب، المحسوبين على جماعة الإخوان للاستقالة في ظل الضغوط الأمنية والاعتقالات.
وبعدما أصبح نقيبا للمهندسين في الفترة من 2014 -2018، عقب غياب المرشحين المحسوبين على الإخوان، حضر النبراوي حفل تنصيب السيسي رئيسا عام 2014 وأشاد به.