موازنة لبنان 2022.. عجز ملياري ينذر بمستقبل اقتصادي أكثر قتامة

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

جاءت موازنة لبنان لعام 2022 غير متناسبة مع المعطيات الاقتصادية ولا مستوى الأزمة غير المسبوقة سواء نقدية ومالية ومصرفية، ما يجعلها وفق مراقبين "هي والعدم سواء".

الموازنة التي أقرت في 10 فبراير/شباط 2022، تتضمن عجزا بقيمة 7 تريليونات ليرة (330 مليون دولار بسعر السوق الموازي) أي بنحو 17 بالمئة من الموازنة.

كما جاءت قيمة الإيرادات المتوقعة بنحو 39 تريليون ليرة (25.9 مليار دولار) وإنفاق متوقع بقيمة 49.4 تريليون ليرة (30.9 مليار دولار).

وجرى احتساب النفقات على سعر صرف 20 ألف ليرة للدولار، مثل الدولار الجمركي والدولار الخليوي وغيرها من النفقات التي تعتمد كلفة استيرادها من الخارج على "الفريش" دولار.

ويقصد بـ"فريش دولار"، الدولار الأميركي الذي يُحوّل من الخارج، ويُضخ مباشرة إلى القطاع البنكي المنهار.

وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبدأت تتدهور تدريجيا حتى وصلت 33 ألف ليرة في يناير/كانون الثاني 2022.

أي أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، منذ 2019، وأكبر المتضررين من ذلك القوى العاملة التي تتقاضى رواتبها بالليرة والتي تصل نسبتها إلى 95 بالمئة.

ويعاني لبنان منذ أكثر من عامين أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، وشح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، بجانب هبوط حاد في القدرة الشرائية لمواطنيه.

مخصصات غير مفهومة

وتأتي تلك الموازنة محملة بكثير من الملاحظات التي تثير حفيظة الاقتصاديين، لما تتضمنه من مخصصات غير مفهومة وبنود رئيسة مستبعدة منها، بالإضافة إلى تعددية أسعار الصرف بها لمختلف تقديرات النفقات والواردات، واعتماد عملتين بالاحتساب.

وهو الأمر الذي يفقدها الشفافية والوضوح ويسهل من عملية الفساد الحسابي للموازنة. يضاف إلى ذلك غياب الإصلاحات الاقتصادية اللازمة بهدف التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يعد المنقذ الاقتصادي الأول للحصول على قروض تسمح له بتوفير سيولة دولارية وتعيد له ثقة الأسواق الدولية.

ويأتي هذا وسط مطالبات الصندوق بمجموعة من الإصلاحات اللازمة والتي غابت عن موازنة 2022.

وتتمثل تلك الإصلاحات أولا، في السياسات المالية العامة وكل ما يتعلق بإعادة هيكلة الدين العام، وإعداد موازنة منضبطة وفقا للمعايير الدولية، ويكون فيها مكون رئيس خاص بدعم النشاط الاجتماعي وكل الأنشطة الخاصة بالخدمات الاجتماعية الرئيسة.

ثانيا، الإصلاحات الخاصة بالقطاع المالي، عبر التركيز على الجهاز المصرفي ودور "مصرف لبنان" المركزي، وتحديد الخسائر وفق دراسات فنية معتمدة وللمعايير الدولية.

ثالثا، أهمية توحيد نظام سعر الصرف، وهذا يكون عادة منتجا من منتجات الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، الذي تجرى المباشرة به بالنقاش مع صندوق النقد، وفيها أيضا قانون مهم خاص بضبط التحويلات من داخل البلاد وخارجها.

رابعا، الإصلاحات الهيكلية وتأكيد موضوع الحوكمة والشفافية والأمور القطاعية ذات الأولوية التي تحددها الدولة.

وبحسب الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي، منير راشد، فإن الموازنة المطروحة لعام 2022 تضر بالاقتصاد، مشيرا إلى أن الشيء الوحيد المفيد في هذا الطرح هو أنه قانونيا أصبح لدى لبنان ميزانية.

وأرجع راشد خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أسباب سوء تلك الموازنة إلى عدة عوامل منها عدم احتساب تكلفة الكهرباء التي تبلغ نحو 5 آلاف مليار ليرة، بالإضافة إلى قطاعات أخرى غير مشمولة مثل مجلس الإنماء والإعمار وغيره من المجالس الأخرى.

كذلك لم تذكر دين اليوروبوند أو تفعل أي إجراء يتعلق بإعادة هيكلة الدين، أو التطرق إلى ديون الدولة الكبيرة المتعلقة بالضمان الاجتماعي.

واليوروبوند هو أداة دين تلجأ اليها الحكومات لتمويل مشاريعها، وتوفر عائدا جيدا للمستثمرين مقابل مخاطر مقبولة.

وأردف راشد أن إهمال تلك البنود يعني أن العجز المتوقع بالموازنة سيكون أقل بكثير من العجز الحقيقي، مشيرا إلى أن هناك بندا في الموازنة يسمى بـ"الاحتياطي" يقدر بنحو 9 تريليونات ليرة أي أن 20 بالمئة من الميزانية لا يعرف سببه أو ما الذي يشمله، بالإضافة إلى وجود إجراءات ضريبية غير واضحة.

وتبلغ سندات اليوروبوند نحو 33.5 مليار دولار، تشكل جزءا من إجمالي الدين العام اللبناني بالعملات الأجنبية، وحصة المصارف اللبنانية منها تناهز النصف، بينما بلغ إجمالي الدين العام في لبنان 98.73 مليار دولار حتى نهاية أغسطس/آب 2021.

ويستنزف قطاع الكهرباء في لبنان خزينة الدولة، فوفق للبنك الدولي فإن ما يقرب من نصف الدين العام أي حوالي 40 مليار دولار يعود إلى هذا القطاع.

ورغم تلك المبالغ الضخمة التي تنفق على شركة الكهرباء فإن الشعب اللبناني يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.

بدورها، قالت الباحثة الاقتصادية، ليال منصور، إن الموازنة أعدت في وقت قصير على الرغم من أنها جاءت متأخرة حيث كان من المفترض أن يجري إعدادها قبل بدء عام 2022، مشيرة إلى أنها حاولت أن تأخذ شكلا تقشفيا، "إلا أنها تقشفية غير مدروسة".

وتساءلت منصور، خلال حديثها لـ"الاستقلال"، عن كيفية الحديث عن وجود بند تحت مسمى "احتياطي" بالموازنة في حين أن هناك عجزا بنحو 7 آلاف مليار ليرة، بالإضافة إلى وجود بنود خارج إطار الموازنة لم يجر احتسابه مثل 2400 مليار ليرة مساعدات ورواتب خاصة بموظفي الدولة.

ويتألف القطاع العام في لبنان من 320 ألف موظف يشكلون 25 بالمئة من حجم القوى العاملة في لبنان، وتتحمل الدولة أجور هذا القطاع بنحو 12 ألف مليار ليرة سنويا، وفق تقرير لقناة LBCI اللبنانية.

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان حاليا 675 ألف ليرة، أي ما كان يعادل 450 دولارا قبل الأزمة عند احتساب سعر صرف الدولار عند 1500 ليرة، لتتراجع القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور حاليا إلى ما يقارب 30 دولارا بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

موازنة فاشلة

وفي ظل استبعاد بعض النقاط الرئيسة من مخصصات الإنفاق والتي تعد ليست باليسيرة، بالإضافة إلى فرض قرارات صعبة في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة، يستبعد الخبراء قدرة الحكومة على تطبيق تلك الموازنة.

وجاءت الموازنة خالية من أي إنفاق اجتماعي أو صحي مع تقليص اعتمادات الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة، وتعديل وزيادة رسوم المرافئ، وتعديل وزيادة رسوم المطارات، وفرض رسم 3 بالمئة على السلع المستوردة كافة لمدة 10 سنوات.

بالإضافة إلى زيادة الأعباء الضريبية والرسوم على السلع والخدمات، أي رسوم الاستهلاك الداخلية وبما فيها الضريبة على القيمة المضافة نحو 424 بالمئة.

وفرضت الموازنة 19 بالمئة فقط كضرائب على الدخل والأرباح والتي تشمل أصحاب رؤوس الأموال، ورفعت الضرائب على الأملاك والعقارات نحو 218 بالمئة.

ويرى راشد، أنه في ظل عدم اليقين الذي يعيشه الاقتصاد العالمي والاضطرابات والركود الاقتصادي المحلي، من الصعب تحقيق نسب النمو التي توقعتها الموازنة اللبنانية بنحو 3 بالمئة.

وتساءل: من أين سيأتي النمو بدون وجود إصلاحات شاملة ومع عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وبالتالي يوجد شك في الإيرادات، أما النفقات فهي أقل بكثير مما يجب، خاصة أن رفع الإنتاجية يتطلب زيادة الإنفاق على موارد الطاقة اللازمة مثل الكهرباء على سبيل المثال، إلا أن هذا القطاع الحيوي يعاني أزمات كبيرة وتغيب عنه الإصلاحات، وفق تعبيره.

ووفق تلك المعطيات يمكن القول إن موازنة لبنان لعام 2022 هي تكرار للموازنات السابقة والتي كان آخرها موازنة 2021.

وقال البنك الدولي في بيان صحفي في 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن إيرادات الحكومة انخفضت إلى النصف تقريبا عام 2021 لتصل إلى 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن.

وقدر البنك أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط 10.5 بالمئة خلال 2021، في حين بلغ الدين الإجمالي 183 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ليسجل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.

من جانبها، قالت منصور إن الحكومة لن تنجح في تطبيق تلك الموازنة، حيث إنه لا يمكن رفع الضرائب، التي تعد أحد مصادر الإيرادات، على الشعب اللبناني الذي لا يملك مصدرا للإنفاق وتراجعت قدرته الشرائية بنحو أكثر من 90 بالمئة، بالإضافة إلى أن نصف الشعب لا يعمل، وأكثر من 70 بالمئة يقبع تحت خط الفقر.

 وتابعت: "وبالتالي كيف سيدفع المواطن تلك الضرائب ومن أين ستلبي الدولة مخصصات الضرائب المتوقعة؟"

وتساءلت: "كيف يمكن اعتبار موازنة 2022 تقشفية بينما بها زيادة في الضرائب وخفض للمساعدات من معاشات أو ضمان اجتماعي ولا يوجد إصلاحات؟"

وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل اللبنانية، فإن معدلات البطالة ارتفعت من 11.3 بالمئة في عام 2018 إلى 18.5 بالمئة في 2019، ثم قفزت إلى 36.9 بالمئة في عام 2020، وستبلغ 41.4 بالمئة في 2021.

ووفق بيانات إدارة الإحصاء المركزي اللبناني، فإن نحو 55 بالمئة من العاملين يعملون بشكل غير نظامي، مقابل 45 بالمئة نظاميين.

كما أن بطالة الشباب هي الأعلى بين فئات الشعب، وترتفع عند فئة الشباب الذين يحملون شهادات جامعية إلى 35.7 بالمئة.

كساد مدبر

وتعكس تلك الموازنة استمرار سياسة الـ "لا حلول"، ما يعني مزيدا من المعاناة للشعب اللبناني خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، في وقت ما زالت تحذر المؤسسات الدولية من ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع والجوع داخل البلاد، وسط عدم مبالاة من قبل النخب والقيادات الحاكمة.

وهو ما أكده عليه صندوق النقد الدولي في تقرير بعنوان "المرصد الاقتصادي للبنان"، في 25 يناير 2022، بقوله إن الكساد الكبير الذي يشهده البلد منذ أزيد من عامين، هو نتيجة تدبير تقوده قيادات النخبة المحلية في البلاد.

وأشار إلى أن هذه النخبة في البلاد "تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية".

وهو أمر يستوجب محاربة الفساد الداخلي وضرورة الإسراع في العمل على الإصلاحات اللازمة لوقف النزيف الاقتصادي للبلاد، حيث قدر البنك الدولي أن لبنان قد يستغرق من 12 إلى 19 عاما للتعافي.

وأوضح راشد، أن الاقتصاد اللبناني لن يكون على ما يرام خاصة في ظل موازنة لا تشمل سياسات إصلاحية سواء فيما يتعلق بسعر الصرف والقطاع العام سواء الكهرباء والاتصالات وأيضا البنية التحتية.

فالموازنة خصصت فقط 4 بالمئة بدلا من 7 من أجل المصروفات للإنفاق الرأسمالي، ما يعني استثمارات شبه معدومة.

وتابع: "هذا يعني أن المواطن سيظل في رقعة الفقر الواقع فيها، وأفضل حل له هو العمل بالخارج".

ووصل عدد اللبنانيين الذين هاجروا وسافروا من لبنان خلال الأعوام ما بين 2018 إلى 2021 إلى 195.433 لبنانيا، بينهم 77.777 فردا هاجروا خلال عام 2021 فقط، وفق إحصاء لـ"الدولية للمعلومات".

وأشار راشد، إلى أن المواطن اللبناني لم يعد أمامه أية حلول، فعلى سبيل المثال، قدم البنك الدولي دعما بنحو 246 مليون دولار على أن يوزع على بطاقات تمويلية، إلا أنه حتى الآن لم يجر الاتفاق على الأسر التي ستحصل على هذا الدعم، "وبالتالي يوجد قصور ونقص في العديد من الأمور، ولا أتوقع تغييرا قريبا".

وتسلم لبنان قرضا بقيمة 246 مليون دولار من البنك الدولي، في 29 يناير 2021، لدعم الأسر الفقيرة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية.

ووفق دراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" في 3 سبتمبر/أيلول 2021، فإن من يعانون الفقر متعدد الأبعاد بلغوا في العام 2021 من إجمالي السكان حوالي 82 بالمئة، فيما نسبة من يعانون الفقر المدقع متعدد الأبعاد تبلغ 40 بالمئة.

وتابعت الدراسة أن الأسر اللبنانية باتت محرومة من الرعاية الصحية، فيما لا يستطيع حوالي 52 بالمئة من السكان الحصول على الدواء، وما يقارب 54 بالمئة لا يستطيعون الوصول إلى الطاقة الكهربائية.

أما عن الفقر المادي في لبنان، فأشارت الدراسة إلى أنه بلغ 74 بالمئة متخطيا نسبته السابقة البالغة 55 بالمئة في العام 2020، و29 بالمئة في العام 2019، فضلا عن ارتفاع حجم التضخم إلى مستويات خطيرة وكبيرة مسجلا 281 بالمئة.