رغم الفقر في السودان.. كيف يمول حميدتي غزو أوكرانيا ويحمي روسيا من العقوبات؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تتحكم "قوات الدعم السريع" سيئة السمعة، التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في جزء كبير من موارد البلاد، لا سيما مناجم الذهب، التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها دون إذنه.

وكشفت تقارير صحفية أخيرا أن حميدتي المعروف بعلاقته القوية مع روسيا، وضع كميات كبيرة من الذهب بين يدي موسكو على مدار سنوات، ما ساعدها على تحصين اقتصادها أمام العقوبات الغربية، وشجعها على غزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.

وبينما يصعب رصد وتتبع سيطرة حميدتي على مناجم الذهب السودانية، وحجم الصادر منها إلى الخارج، لكن موسكو منذ سنوات تستثمر بشركاتها في المعادن بالسودان، في إطار خطة شاملة لجعل معظم احتياطها النقدي من المعدن النفيس لتصبح من أكثر دول العالم امتلاكا له.

بينما يرزح السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية متعثرة في فوضى سياسية واقتصادية منذ نجاح الثورة في عزل الرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، ومنذ ذلك الحين يحكم البلاد جنرالات الجيش ويرفضون تسليم السلطة لحكم مدني، خوفا على مصالحهم.

صندوق حرب 

وفي 3 مارس/ آذار 2022، كشف تقرير لصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية عن كيفية استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتجاوز العقوبات الغربية، بسبب حملته العسكرية على أوكرانيا، من خلال الذهب السوداني الذي حصل على كميات كبيرة منه. 

وقالت الصحيفة، إن "موسكو ضاعفت أكثر من أربع مرات كمية الذهب الموجودة في البنك المركزي الروسي منذ عام 2010، ما أوجد (صندوق حرب) من خلال جمع الواردات الأجنبية واحتياطيات الذهب المحلية الهائلة كثالث أكبر منتج للمعدن الثمين في العالم". 

وذكرت أن "روسيا استحوذت على مئات الأطنان من الذهب بشكل غير قانوني من السودان على مدى السنوات القليلة الماضية كجزء من جهود أوسع لبناء حصنها الاقتصادي، ولدرء إمكانية زيادة العقوبات المتعلقة بأوكرانيا". 

وأضافت: "سمح لبوتين القيام بذلك بسبب صلته بأمير الحرب السوداني، الذي تحول إلى زعيم عسكري، محمد حمدان دقلو، الذي أصبح نائبا فعليا لرئيس البلاد عقب الاستيلاء العسكري على السلطة في السودان".

ويقدر الذهب الذي هرب إلى روسيا من السودان بحوالي 30 طنا كل عام، على الرغم من أنه من المستحيل قياس الحجم الحقيقي للعملية، بحسب ديلي تلغراف. 

وقد أوردت أن مجموعة فاغنر الروسية، تدرب قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، وهي منظمة شبه عسكرية كبيرة تجلس إلى جانب الجيش النظامي في السودان.

وعملت فاغنر والدعم السريع المدججتان بالسلاح معا، لتأمين مناجم ذهب مهمة لشركات التعدين الروسية في السودان، حيث الأمن ضعيف في المناطق النائية.

يذكر أنه في يونيو/ حزيران 2020، اتخذت روسيا قرارا تاريخيا، عندما قررت أن تحتفظ بالذهب أكثر من الدولار الأميركي للمرة الأولى في تاريخها.

إذ شكلت السبائك أكثر من 23 بالمئة من إجمالي الاحتياطيات، التي ارتفعت إلى 630 مليار دولار حتى نهاية فبراير/ شباط 2022.

ذهب السودان

العين الروسية على ذهب السودان ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سنوات خوالي.

ففي 29 يوليو/ تموز 2015، وقعت وزارة المعادن السودانية مع شركة "سيبيريا للتعدين" الروسية، وفي حضور الرئيس السوداني (السابق) عمر البشير، أكبر صفقة استثمارية بمجال المعادن في تاريخها.

المثير حينها ما أعلنه وزير المعادن السوداني الأسبق، أحمد الكاروري، خلال توقيع العقد في القصر الجمهوري، أن "سيبيريا للتعدين" اكتشفت أكبر احتياطات من الذهب الخام في السودان بولايتي البحر الأحمر ونهر النيل.

وقال، إن "الشركة نقبت عن الذهب، بمعدات حديثة واستطاعت بها تحديد كميات بلغت 46 ألف طن من الذهب تمثل كنزا في باطن الأرض".

وفي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وقعت وزارة المعادن السودانية وشركة "ميرو غولد" الروسية، اتفاقية لاستخراج الذهب من ولاية "نهر النيل" شمالي البلاد.

ووقع حينها وزير المعادن السوداني الأسبق، هاشم علي سالم، على الاتفاقية، فيما وقع عن الشركة الروسية مديرها العام، ميخائيل بوتوبكين.

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أعلن نور الدين إنعاموف، مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة البيئة والموارد الطبيعية الروسية، من الخرطوم، عن حزمة مشروعات جديدة لإنتاج الذهب.

منها مشاريع شركات "كوش" الروسية، ومشروع لشركة "إتش تيك ماينينغ"، وشركة "روس دراغ ميد للتعدين"، وذلك بعد توقيع بروتوكول للتعاون الجيولوجي بين البلدين. 

بعدها مباشرة وبلا منافس، أصبحت روسيا من أكبر الدول المستثمرة بمجال التعدين في السودان.

جنرال الذهب 

العلاقة في السودان بين جنرالات الحرب والموارد وجودية، فأمراء الحرب على غرار الفريق أول حميدتي يسيطرون على كثير من المناجم وموارد الطاقة، وهو ما جعل روسيا تتجه إليه وتجتذبه إليها. 

إذا كان لافتا الحفاوة التي استقبل بها قائد قوات الدعم السريع خلال زيارته الأخيرة لموسكو في 23 فبراير 2022، بينما كان الجيش الروسي يتدفق عبر الحدود إلى أوكرانيا، في علامة قوية على تعزيز العلاقات الثنائية بين النظامين.

أما السبب الرئيس فيعود إلى نفوذ حميدتي المسيطر على كثير من مناجم ذهب السودان.

فمثلا قوات الدعم السريع تتحكم في منجم ذهب جبل عامر منذ 2017، إضافة إلى مناجم أخرى في جنوب كردفان، وهي تعد مصدرا هاما لتمويل تلك القوات، وجعلها قوة مادية وعسكرية ذات نفوذ واسع.

وبحسب وثائق رسمية كشفتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 11 فبراير/ شباط 2020، فإن شقيق حميدتي عبد الرحيم دقلو وأبناءه يملكون شركة الجنيد، التي تسيطر على التنقيب عن الذهب بالبلاد، وحميدتي نفسه أحد أعضاء مجلس الإدارة.

وذكرت أنه في عام 2018 عندما كان الاقتصاد السوداني ينهار، أطلق البشير يد حميدتي في بيع الذهب أغلى مورد طبيعي في السودان عن طريق مجموعة "الجنيد" التي تملكها أسرته.

يذكر أن وكالة "رويترز" البريطانية نشرت في 27 نوفمبر/تشرين 2019، تقريرا يكشف عن دور حميدتي وعائلته في السيطرة على الذهب، وقالت إن شركة الجنيد تتجاوز قواعد البنك المركزي لتصدير الذهب وتبيعه للبنك المركزي نفسه بسعر تفضيلي.

وقالت، إن "السودانيين الذين لا يستطيع معظمهم شراء الذهب، يريدون من حميدتي أن يغير أساليبه إلى إبقاء الذهب داخل البلاد" حتى وإن سيطر عليه وتربح منه. 

جمهورية الجنجويد

وتعليقا على هذا المشهد، قال السياسي السوداني، الدكتور عمر الخضر، عضو الحزب القومي، إن روسيا تعمل في مناجم الذهب السودانية منذ سنوات، وليس الذهب فحسب بل كثيرا من المعادن التي تمتلئ بها أرض البلاد، وكذلك على غرارها كثير من شركات الدول الغربية الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه "إذا حدث بحث معمق كما حدث في فضيحة الذهب السوداني إلى روسيا، مع دول أخرى سنجد فضائح أكبر وأشد خطورة، فنحن في دولة لا رقيب فيها ولا حسيب، وتتجاذبها عصابات مسلحة في زي عسكري مثل الجنجويد (الدعم السريع)، الذين يكادون يعلنون جمهوريتهم إذا لزم الأمر". 

ومضى يقول: "الآن نعلم لماذا لا يريدون إقامة ديمقراطية حقيقية في السودان؟ الديمقراطية ستكفل نظام المحاسبة والمراقبة والخضوع إلى الدولة والشعب، هؤلاء يريدون الفوضى فقط أن تحكم، بحيث يذهب الذهب وبقية موارد الدولة إلى من يدفع أكثر أو يقدم خدمات من تحت الطاولة، كتدريب وإمداد الحركات المسلحة".

وتابع الخضر: "وهو ما فعلته روسيا عندما أمدت الدعم السريع بمرتزقة فاغنر لتدريبهم وتأهيلهم، ودعموا الانقلاب العسكري، في سبيل الذهب وأشياء أخرى". 

وفي السياق، أشار السياسي السوداني إلى أن "الجميع يعلم أن رحلة حميدتي الأخيرة إلى روسيا كانت تحمل في طياتها كثيرا من الألغاز، خاصة وأن استقبال الروس واحتفاءهم به يؤكد حجم الصفقات بينهما، وقد قدم لهم خدمات جليلة، وحصل منهم على المقابل، والسودان هو الضحية بين هذا وذاك".

وأكد أنه "لا يمكن فصل العسكر عما يحدث، فعقب الإطاحة بالبشير الجميع تقاسموا الكعكة، وحميدتي وجماعته سيطروا على مناجم الذهب واحتكروها، بينما لجنرالات الجيش موارد أخرى كثيرة ويسيطرون على غيرها من بقية المناجم والمعادن".

"خاصة وأننا في دولة بلا حكومة ولا نظام ولا برلمان، وبالتالي فالموارد مهدرة، من يصدق أن السودان القابع في الفقر ونقص السلع والمواد الأساسية، وطرقه غير ممهدة، والكهرباء والمياه الصالحة للشرب لا تصل إلى معظم مدنه، في بلد النيل والأرض الخصبة، ومع كل ذلك ذهبه ينقذ دولة كبيرة مثل روسيا في حربها"، يستغرب الخضر.

وختم بالقول: "لو أُنفقت أطنان الذهب على تطوير السودان وتنمية شعبه، لصار من أكبر وأقوى بلدان المنطقة والشرق الأوسط، لكنه حال بلدنا على الدوام موارد كثيرة مهدرة على يد أنظمة فاسدة".